أصدر سعيد خلال سنة 2022 ما لا يقل عن 81 مرسوما و104 أمرا رئاسيا بلا أي فحص أو مراقبة خارجة عن شخصه. وواظب على تبرير هذه الإجراءات بـ "الخطر الداهم" و "اختراق مؤسسات الدولة" ملغيا بشكل ممنهج توازن السلط.
يقول الباحث في السياسات العمومية لدى باندورا للاستشارات، زياد بوسن، أنه "حتى لو كانت حياتنا الديمقراطية في السابق منقوصة أو متعرّجة، فإننا على الأقل كنا على دراية بما يحدث حتى في حالات الخمود. لكن النظام اليوم بات يخفي أعطاله، وبمرور السنوات ستظهر الأضرار على حقيقتها."
فهل تمثل هذه المبادرات تحقيقا لمشروع البناء القاعدي الذي يتبناه الرئيس منذ سنة 2011 بهدف إصلاح شامل للنظام السياسي؟ وما هو التأثير الذي تخلّفه إجراءات قيس سعيد على المؤسسات والعدالة والحقوق والحريات في البلاد؟ خلال هذا الأسبوع، تمعن إنكفاضة النظر في الجوانب الرئيسية لوعود قيس سعيد، في سعي إلى تقديم حصيلة أنشطة الرئيس منذ يوم 25 جويلية 2021.
نكث الوعد
وفقا لتقرير نشرته منظمة "أنا يقظ" بتاريخ 24 جويلية، قدم قيس سعيد 49 وعدا منذ فرض حالة الاستثناء. وغطت الوعود عدة مجالات تراوحت من استقلالية القضاء إلى الحقوق والحريات بما فيها حرية الصحافة والتعبير. كما كان الجانب الاقتصادي حاضرا من خلال وعود بشأن تحسين المقدرة الشرائية للتونسيين والتونسيات وكبح ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وكذلك بشأن احترام حقوق الإنسان وتعزيزها.
وبحسب تقرير المنظمة، فإن الرئيس وفى بـ 5 وعود فقط من جملة الوعود التي قدّمها إلى حدود سنة 2023، أي بمعدل فشل يبلغ 90٪ في ما يخص الوفاء بالتزاماته.
ووفقا لنفس التقرير، فإن الوعود من قبيل بناء تاريخ جديد لتونس يقوم على الديمقراطية الحقيقية، واسترداد 13500 مليار دينار من الأموال المنهوبة بحلول نهاية جوان 2023، فضلا عن مدى احترام حقوق الإنسان، كلها وعود لم يتم احترامها أو الوفاء بها.
هدم المؤسسات المستقلة
دأب قيس سعيد على اتهام مؤسسات الدولة بالفساد والتقاعس وبكونها مخترقة، وهي العيوب التي اختارها الرئيس لتشويه مصداقية المؤسسات القائمة وتحييدها ومن ثم الاستيلاء على سلطاتها، بدافعٍ يقع في صميم مشروعه، ألا وهو: تحقيق إرادة الشعب.
تمثّلت الخطوة الأولى في سبيل تنفيذ المشروع السياسي للرئيس في الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 الذي نص على إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين (IPCCPI) التي تأسست في 2014 وكان من المقرر أن تواصل أشغالها إلى حين إنشاء المحكمة الدستورية. ويُعهد لهذه الأخيرة والتي هي تعد ركيزة من ركائز النظام الجمهوري، بتنظيم العلاقات بين السلط وإقرار الإبقاء على حالة الاستثناء من عدمه، والتحكيم في تضارب الاختصاصات بين الرئيس ورئيس·ة الحكومة، والنطق بإعفاء الرئيس. استمرّ تعطّل تكوين المحكمة الدستورية منذ سنة 2015 إلى حدود أفريل 2021 عندما تبنى مجلس نواب الشعب السابق مشروع قانونٍ يرمي لجعل عملية انتخاب أعضائها أكثر مرونة.
رفض قيس سعيد بعد شهر من ذلك المصادقة على القانون بحجة تجاوز الأجل الدستوري لإنشاء المحكمة. في حين يجدر بالذكر أن الدستور الموضوع في سنة 2022 لا ينص بتاتا على أجل نهائي لإنشائها.
بالنسبة لسناء بن عاشور، فإن غياب هذه المحكمة يعني أنه "ليس لدينا أي ضمان ضد الحكم السلطوي"، إذ لا توجد أي جهة أخرى لها أن تقرر الحدود الزمنية لحالة الاستثناء.
في نفس الموضوع
وشملت موجة التفكيك كذلك المجلس الأعلى للقضاء والذي تم حله ليتم استبداله في 13 فيفري 2022 بمجلس آخر مؤقت. وبذلك منح الرئيس لنفسه حق فرض رأيه في مسائل تهمّ ترقية القضاة وإعفائهم وهو قرار يثير مخاوف بشأن احترام استقلالية القضاء. وفي هذا الصدد، تقول مديرة مكتب تونس في منظمة هيومن رايتس ووتش سلسبيل الشلالي: "يزيل سعيّد بهذا المرسوم البقيّة الباقية من استقلالية القضاء في تونس".
في نفس الموضوع
قبل فترة وجيزة من تنظيم الاستفتاء الوطني، أصدر قيس سعيد أمرا رئاسيا أدخل من خلاله تغييرات على تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فصارت له سلطة تعيين أعضائها بمن فيهم رئيس الهيئة، وكذلك انتقاء القضاة من بين مقترحات المجلس الأعلى للقضاء والمهندسين من بين من تقترحهم عمادة المهندسين، وبذلك تم استبعاد السلطة التشريعية من عمل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
تدين جمعية الدفاع عن الحريات الفردية "ADLI" في تقرير لها ما تعتبره "إضعاف السلطة التشريعية"، من جهة أولى من خلال "تقييد صلاحياتها في دستور 2022" ومن جهة ثانية من خلال "إلغاء جميع الهيئات الدستورية تقريبا المُدرجة في دستور 2014 والتي لم يتم إدراجها في الدستور الجديد".
وقد أثار هذا القرار انتقادات لاذعة من قبيل ما جاء على لسان الرئيس السابق للهيئة نبيل بفون، الذي أعلن أن هذا المرسوم "يقبر بشكل نهائي استقلالية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات". وأشار بفون إلى غياب الحيادية بشكل يشكك في نزاهة العملية الانتخابية ومصداقيتها. في يوم 4 فيفري 2023 ، أُبلغ الرئيس السابق لهيئة الانتخابات بوضعه تحت طائلة الإجراء الحدودي S17، فجاء رده في شكل فيديو نشره على موقع فايسبوك يقول فيه أن "ما نعانيه حاليا في تونس هو شكل من أشكال القمع [...] يظنون أنهم من خلال التنكيل بنا سوف نغير رأينا في النهاية ونلتزم الصمت. لكنني أرفض الاستسلام لهذا الضغط والتخلي عن مبادئي".
في نفس الموضوع
حدود إصلاح النظام الانتخابي
بعد تقليص صلاحيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، قرر قيس سعيد المضي في تعديل القانون الانتخابي للبلاد قبل ثلاثة أشهر من انتخابات تشريعية جديدة. وأحد التدابير الرئيسية لهذا الإصلاح كان يتمثل في الانتقال من نظام القوائم إلى نظام التصويت على الأفراد، أي "الأشخاص بالمعنى المادي للكلمة بدلا من أحزاب سياسية" مثل ما يوضّح وحيد الفرشيشي، أستاذ القانون العام والرئيس الفخري لجمعية ADLI. لكن هذا القرار يثير مخاوف بشأن تأثير الأحزاب السياسية على الأفراد، بالنظر إلى أن المرشحين والمرشحات لن تكون لديهم انتماءات سياسية.
ويستند النظام الانتخابي الجديد إلى تقسيمٍ يقوم على دوائر انتخابية بهدف تعزيز السلطة المحلية، وهو إجراء مركزي يقع في صميم وعود قيس سعيد. أدى هذا الإصلاح في بعض الدوائر الانتخابية إلى وجود مرشح وحيد أو حتى غياب المرشحين كليّة، ويعزى ذلك خصوصا إلى صعوبة استيفاء الشروط من أجل تقديم الترشحات مع محدودية التمويل العمومي وإلزام كل مرشح بالحصول على 400 تزكية. هذا الشرط الأخير يقلل بشكل مباشر من فرص التونسيين والتونسيات في الخارج حيث لا يتناسب العدد المطلوب من التزكيات مع عدد الناخبين والناخبات في المناطق المعنيّة.
كما تضاءلت بشكل كبير سلطات الأعضاء المنتخبين في مجلس نواب الشعب، ففي حين يتكفّل قيس سعيد بتسمية وإقالة رئيس للحكومة، يضطلع مجلس النواب من جهته بدورين رئيسيين وهما التشريعي والرقابي. وحيث يواصل ممثلو الشعب التصويت على مشاريع القوانين التي تقدمها السلطة التنفيذية وكذلك مقترحات النواب أنفسهم، مع إيلاء الأولوية لمشاريع السلطة التنفيذية، فإن صلاحيات المجلس من حيث الرقابة صارت تقتصر على مراقبة التنفيذ، وليس صنع القرار.
في نفس الموضوع
لا تعزيز للسلطة المحلية رغم الوعود
بالرغم من تصريح سعيد برغبته في "السماح للمهمشين ومن تم إقصاؤهم بالمشاركة في صنع القرار"، إلا أن الانتخابات التشريعية تمخّضت عن نسبة مشاركة منخفضة، حيث بلغت 11.3٪ فقط في الجولة الأولى و 11.4٪ في الجولة الثانية، وهو رقم أقل بكثير مما كان عليه في الانتخابات التي شهدتها السنوات الأخيرة وحتى في الاستفتاء على الدستور حين بلغت نسبة المشاركة 27.54٪ فقط.
في نفس الموضوع
تقول سارة يركيس عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في مقابلة سابقة مع إنكفاضة إن "سعيد بصدد تركيز السلطة في يده وبالتالي فإن هذا الدستور لا يعد باللامركزية ولا بمزيد من السلطة المحلية بل هو مشروع يرمي إلى مركزة السلطة ولا يشمل مشاركة المواطنين".
في نفس الموضوع
اتخذ قيس سعيد في 9 مارس 2023 قرارا بحل المجالس البلدية المشكّلة في سنة 2018 وأعلن من خلال فيديو نُشر في وقت متأخر من الليل عن تعويضها بنيابات خصوصية، منهياً بذلك ولايات 350 رئيس بلدية ومستشارا بلديا كان من المقرر أن تنتهي ولايتهم في نهاية شهر أفريل من نفس السنة. كما اتخذ الرئيس خطوات بشأن وزارة الشؤون المحلية، وهي المسؤولة عن إرساء اللامركزية والتنمية المحلية، من خلال نقل صلاحياتها وإلحاق هياكلها المركزية والجهوية بمصالح وزارة الداخلية. ويمثل هذا القرار خطوة إلى الوراء شبيهة بما كان الحال عليه في عهد بن علي.
سياسة اتّصاليّة غامضة
يحافظ قيس سعيد على علاقة وثيقة مع وزارة الداخلية التي يستعملها في كثير من الأحيان كمنصة للإعلان عن قراراته وإلقاء خطبه. ومما أعلنه انطلاقا من مقر الوزارة حلّ المجلس الأعلى للقضاء، وهو إجراء تعتبره روضة كرافي القاضية والرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين "وسيلة لإخبارنا بأننا الآن تحت أوامر الشرطة". كما يضيف الباحث زياد بوسن من جهته أن وزارة الداخلية هي "قناة الاتصال الوحيدة للرئيس".
لطالما دأب قيس سعيد في أغلب الأحيان على الحديث بمفرده إما من مقر الداخلية أو على صفحة الفايسبوك الخاصة برئاسة الجمهورية وبصفة أقل أمام الصحفيين والصحفيات، سواء لبث خطاباته أو توقيع اتفاقيات دولية مثل مذكرة التفاهم مع إيطاليا والوفد الأوروبي. كما أن غياب ميزانية مخصصة للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (هايكا) في قانون المالية لسنة 2023 وإغفال ذكرها في النص الدستوري الجديد يشهد على التوترات القائمة بين قطاع الصحافة والرئيس.
وعلى الرغم من وجود قوانين منظّمة لقطاع الإعلام إلا أن سعيّد بادر بإصدار المرسوم عدد 54 زاعماً بأنه يهدف إلى مكافحة الجرائم الإلكترونية و"الأخبار الزائفة"، لكن هذا المرسوم تم توظيفه لقمع عدة شخصيات إعلامية وسياسية. علما أنه في الوقت الحاضر، لا يزال العدد الدقيق للدعاوى القانونية المرفوعة على معنى المرسوم 54 غير معروف، ولكن وفقا لنقيب الصحفيين مهدي الجلاصي هنالك حاليا "حوالي عشرين محاكمة" جارية ضد صحفيين.
في نفس الموضوع
شمل الغموض الاتصالي كذلك التدابير المتعلقة بحل المؤسسات أو إعفاء القضاة أو إدخال قوانين تعسّفيّة، ومنذ 25 جويلية 2021 وتجميد البرلمان، اكتفى قيس سعيد بالتعبير عن نفسه بشكل أساسي من خلال المراسيم المنشورة على البوابة الرسمية للرئاسة، دون أن تكون هناك أية رقابة أو نقاش بشأن التدابير المتخذة، وعلى سبيل الذكر شهدت سنة 2022 إصدار ما لا يقل عن 185 أمرا رئاسيا.
شعبوية البحث عن الكنز المسلوب
أعرض الرئيس قيس سعيد في الآونة الأخيرة ظهره عن صندوق النقد الدولي بعد أن كانت تونس بصدد التفاوض معه حول قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، وكانت من بين البدائل التي اقترحها استعادة الأموال المنهوبة منذ عهد بن علي وبعد الثورة التونسية.
في نفس الموضوع
كما صرّح سعيد على مدى سنوات بأن الأموال اللازمة لتلبية احتياجات التونسيين والتونسيات منتشرة اليوم في جميع أنحاء العالم. ذلك أنه وخلال فترة الحكم الاستبدادي لزين العابدين بن علي في تونس الذي امتدّ من سنة 1987 إلى 2011 ، تعدّدت أصابع الاتهام الموجّهة إلى عائلة بن علي-الطرابلسي باختلاس مبالغ كبيرة من المال العام قُدّرت أصولها في أعقاب الثورة من طرف لجنة المصادرة بنحو 13 مليار دينار.
في نفس الموضوع
وفي سبيل استرداد هذه الأصول أنشأ الرئيس لجنة وطنية للصلح الجزائي في شهر مارس 2022 وتم تعيين أعضائها بعد ثمانية أشهر طويلة من ذلك، لتوكّل إليهم مهمة استعادة المكاسب غير المشروعة وتخصيص عائداتها لفائدة الجهات المحرومة وسداد الديون.
أدى سعيّد زيارة بتاريخ الثلاثاء 20 جوان 2023 إلى مقر لجنة الصلح الجزائي بتونس العاصمة ليطالبها ببذل جهود أكبر من أجل استعادة الأموال المنهوبة، مؤكدا أن "المبالغ المستردة ستسمح للبلاد بالاستغناء عن الأطراف الأجنبية". فأجابته فاطمة اليعقوبي، عضو الهيئة آنذاك، أنه بإمكان الأخيرة استرداد مبلغ هائل قدره 30 مليار دينار من رجل أعمال تونسي في المنفى كان قد تقدّم بمطلب صلح. فتفاجأ قيس سعيد بالخبر وأخذ يردّد المعلومة بحماسة قائلا: "30 مليار يعني ثلاثين ألف مليون دينار".
معلومةٌ كانت مغرية بالنسبة للرئيس الذي ظلّ يحاول إيجاد بديل لصندوق النقد الدولي منذ عدة أشهر: "إذا كان مثل هذا المبلغ يمكن أن يأتي من شخص واحد فسوف يسمح لنا ذلك بتجنب الاقتراض من أي مؤسسة".
اشتعلت شبكات التواصل الاجتماعي في الأيام الموالية بالسخرية من "مليارات" فاطمة اليعقوبي، وبعد التثبت أعلنت عائلة رجل الأعمال المعني عن إفلاسه. فأصدر قيس سعيد بتاريخ يوم 7 جويلية أمرا جديدا يقضي بإعفاء اليعقوبي من عضويتها باللجنة فوريا.
ومع ذلك، إذا جاء الرئيس شخصيا لطلب مزيد بذل الجهود فذلك لأن استعادة الأموال المنهوبة أمر صعب المنال لسبب وجيه وهو أن هذه الأموال قد تم تحويلها إلى حسابات في الخارج، بما في ذلك سويسرا وفرنسا وكندا، وهي بذلك غير قابلة للاسترداد. كما وردت معلومات أيضا عن بيع العديد من الأصول كالعقارات واليخوت والسيارات الفاخرة، مما يصدّ تونس عن اتخاذ الخطوات اللازمة لاستعادتها.
في نفس الموضوع
وبالتالي يبدو هذا الإجراء الذي يحرص عليه قيس سعيد شديد الحرص، أكثر شعبويةً من أي وقت مضى بالنظر إلى المصادر التي يستند إليها. ومن بين التقارير التي ذكرها الرئيس تقرير الراحل عبد الفتاح عمر وأعضاء لجنته الذين تم التشكيك في خلاصاتهم. ويشمل مبلغ الـ 13.5 مليار دينار، قروضا مصرفية وشركات وثروات تم اكتسابها بشكل غير مشروع لكن بعض القروض تم سدادها وبيع عدد من الشركات أو شهدت قيمتها انخفاضا. أما بالنسبة للمكاسب غير المشروعة فقد نجح عدة مالكين في إثبات أصلها القانوني.
يرى أرام بلحاج، الدكتور في علم الاقتصاد أن فسحة الأمل تكاد تنعدم: "بالنسبة للأموال المختلسة، رأينا نتائج اللجنة ولم يتم فعل أي شيء، تونس لم تقبض ولو مليما واحدا، أعتقد أن ذلك لن يؤدي إلى شيء يذكر، إنه جهد هباء. فالحديث عن الأموال المنهوبة في زمن بن علي ما هو إلا هراء".
من خلال تعيينه لمكرم بن منا على رأس لجنة الصلح الجزائي، ترك قيس سعيد للجنة مهلة بستة أشهر للتوصّل إلى نتائج. لكن مرت سبعة أشهر ولم يدخل دينار واحد إلى خزائن الدولة ومن المحتمل أن يتواصل الوضع على ما هو عليه في ضوء ما حدث مؤخرا، تحديدا في يوم 16 مارس 2023، حين أعرب الرئيس في خضم زيارة فجئية لمقر اللجنة عن غضبه من عدم التوصل إلى نتيجة، كان ذلك قبل وقت طويل من اندلاع قصة الـ 30 مليار دينار. وتجسد غضبه بعد خمسة أيام عبر إقالة مكرم بن منا، القاضي المُعيَّن في شهر نوفمبر لرئاسة الهيئة. وفي غياب خلف له بقي المنصب شاغرا منذ ذلك الحين واستمرّت الزيارات الفجئية واستمر معها الانتظار.
يتابع سعيّد مشروعه بمثابرة منذ سنة 2011. وقد شرع الرئيس في سبيل تحقيقه، في تفكيك مؤسسات الدولة التي كانت تعتبر ذات يوم من أهم إنجازات الثورة. وبرّر ذلك بالحاجة إلى إصلاح نظام سياسي فاشل مستخدماً سلطة المراسيم لفرض رؤيته والاستحواذ على كامل السلط فقضى بذلك على الضوابط والتوازنات الأساسية للديمقراطية. "لقد حطّم أكثر مما بنى"، يختم زياد بوسن.