لغاية 26 مارس 2020، بلغ معدل عدد الحالات التي تم تشخيصها في تونس 29% في اليوم مقارنة باليوم السابق له. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن معدل الحالات التي قد تحتاج إلى دخول المستشفى بلغ 20%، وخاصة في الإنعاش، في حين تقدر السلطات التونسية بـ5٪ الحالات التي قد تتطلب رعاية مكثفة. ووفقاً للبيانات (غير الحصرية) التي قدمتها السلطات، هناك حوالي ألف سرير في الإنعاش (العام والخاص) في جميع أنحاء البلاد. وبناءً على هذه الملاحظة وبسرعة انتشار كهذه، يمكن أن تكون جميع هذه الأسرّة مشغولة قبل 13 أفريل 2020، هذا في أحسن الأحوال، وإذا ما زاد عدد هذه الأسرّة. فيما أعلنت السلطات التونسية أنها تقوم بترتيبات لزيادة قدرة المرافق الصحية، بين الأسرّة الإضافية والأجهزة الطبية اللازمة، ولكن في نفس الوقت، تبدو المستشفيات تحت الضغط، وتم غلق خدمات إستشفائية ووُضعت في الحجر الصحي حتى يتم تطهيرها.
مع ذلك، يوجد إجماع على نطاق واسع يعتمد التجارب المقارنة في مختلف البلدان المتضررة، ويتعلق بتهديد حقيقي: انهيار النظم الصحية.
يرجع هذا التهديد أساسا إلى حقيقة أن الحالات الخطيرة لحاملي الفيروس تتطلب دخول المستشفى، وغالبا خدمة إنعاش لفترة طويلة إلى حد ما، وفق آخر التقديرات.
كان تاريخ 23 مارس 2020 نقطة تحول في تونس. لم تخفِ نصاف بن علية مديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة، غضبها وقلقها.
يوجد بين الحالات التي تم اكتشافها مؤخراً، من لم يتم تعقبها. لذلك يتزايد خطر وجود الوباء - أو أنه أصبح بالفعل - خارج نطاق السيطرة، على الرغم من قرار الحجر العام.
تأكد هذا التخوف يوم الأربعاء بإعلان 59 حالة (تم تشخيصها في 24 مارس). السلطات أصبحت أقل قدرة على تحديد سلاسل العدوى، والوباء ينتشر بسرعة أكبر.
على رغم البيانات غير المعروفة والمتعلقة بعدد الأشخاص المصابين مقارنة بعدد الأشخاص الذين تم تشخيصهم، فإن الأرقام التي جمعتها السلطات المختصة في جميع أنحاء العالم، ولا سيما منظمة الصحة العالمية، تمكّن من إجراء توقعات بشأن تطور عدد الأشخاص الذين يمكن أن يصابوا بالعدوى إذا لم يتم عكس الاتجاه الذي سيتخذه إنتشار العدوى. هذا الاتجاه يتوقف أساسا على فعالية التدابير السياسية والصحية.
عموماً، ومع توافر البيانات الرسمية (التي سيتم تحديثها بشكل متواصل)، تشهد تونس حالياً تطوراً هائلاً (تطورا أسياً) لعدد الحالات المشخصة إيجابا بكوفيد-19. إلى حدود 31 مارس، زاد معدل عدد الحالات الإضافية بنسبة 26,3% يوميا منذ اكتشاف الحالة الأولى. وقد انخفض معدل الإنتشار هذا بشكل مطرد في الأسبوع الماضي. ويشابه هذا المنحنى في الوقت الراهن منحنى البلدان الأخرى التي تأثرت في وقت سابق بالوباء، مثل إيطاليا أو فرنسا أو كوريا الجنوبية، في بداية الانتشار. البعض، مثل كوريا الجنوبية وألمانيا، تمكنوا من احتواء الوباء، بينما تعاني إسبانيا أو إيطاليا من أزمة صحية كبيرة.
وقد تتغير هذه التوقعات بدرجة كبيرة إلى حد ما، تبعاً لعدد الاختبارات المجراة والاستراتيجيات المعتمدة. إذ كلما ارتفع عدد الاختبارات، كلما زادت الإحصاءات المتعلقة بكوفيد-19.
انهيار نظام الرعاية الصحية، تهديد حقيقي
مع تشخيص423 حالة في 31 مارس 2020 والإعلان عنها في اليوم التالي، بلغ معدل النمو اليومي في تونس حوالي 26,3٪. وإذا لم يتباطأ معدل الانتشار هذا واستمر في الارتفاع، يمكن للدولة عد الآلاف من الحالات الإضافية خلال شهر أفريل وفقا للتوقعات. ولكن مع الانخفاض المطرد في معدل الإنتشار، قد تكون التوقعات قصيرة المدى أكثر تفاؤلاً.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد الحالات التي يتم تشخيصها يمكن أن تتضاعف في الأيام المقبلة خاصة مع زيادة عدد الفحوص المعلنة.
على عكس ذلك، يمكن أن ينخفض عامل الانتشار في الأسابيع المقبلة، تبعا لفعالية التدابير التي اتخذتها السلطات التونسية لاحتواء الوباء.
في حين أن الغالبية العظمى من الحالات لن تحتاج إلى دخول المستشفى، تقدر منظمة الصحة العالمية أن 20% من المصابين/ـات قد يكونون/يَكُنَّ في حالة صحية سيئة تستوجب رعاية طبية. قد يتغير هذا المعدل وتُنقح البيانات، وفقًا للمعلومات التي يتم الحصول عليها على مستوى عالمي، بالإضافة إلى تزايد الفحوصات.
وبحسب السلطات التونسية، فإن 5٪ من الحالات الإيجابية ستتطلب رعاية في قسم الإنعاش. في هذا الوباء، يكمن التحدي في قدرة النظم الصحية على الحفاظ على نسقها، وفي قدرتها على إدارة التدفق الكبير للمرضى في نفس الوقت. كما يشكل عدم توفر المعدات الطبية مصدر قلق. حيث قد تمتلئ خدمات الإنعاش بسرعة وقد تنفد أجهزة التنفس الصناعي وغيرها.
لم تقدم وزارة الصحة أرقاماً دقيقة عن سعة المرافق في تونس. وتفيد بيانات مختلفة أدلى/ت بها مسؤولون/ـات لوسائل الإعلام -من بينهم/ن وزير الصحة عبد اللطيف مكي- بتوفر 1000 سرير إنعاش في القطاعين العام والخاص. ولكن لم يتم حجز جميع هذه الأسرة لمرضى كوفيد-19.
وقد يتغير هذا العدد التقديري أيضا، حيث ذكرت السلطات أنه يمكن زيادة قدرة المستشفيات وغيرها من المراكز المخصصة. تظهر البيانات المتاحة حاليا أيضا، وجود تفاوت كبير في الخدمة العامة، من حيث المعدات وتوزيع أسرّة الإنعاش، حسب الجهات.
هذه البيانات مأخوذة من أطروحة أمين هماس في شهادة الدكتوراه في كلية الطب بتونس، في جانفي 2020. وهي البيانات الوحيدة المتاحة حاليًا عن حالة خدمات الإنعاش في تونس. إذ لم تقم وزارة الصحة، أو المسؤولون/ـات بالتصريح بأرقام دقيقة تخص عدد الأسرّة المتوفرة، عدد يتراوح بين 200 و300 حسب التصاريح المختلفة. ومن بين الأسرّة الـ331 المحصاة في تحقيق جانفي، 49 سرير غير قابل للاستعمال.
عدد الأسرّة في الإنعاش لكل 000 100 نسمة
بالإضافة إلى الأسرّة المتوفرة في المؤسسات العمومية، هناك ما يقارب 800 سرير متاح في القطاع الخاص، حسب تصريحات المسؤولين/ـات في وزارة الصحة، ليصل عدد الأسرّة الجملي إلى 1000 سرير موزّع بين العمومي والخاص. لكن هنا مرة أخرى، يقدر عدد الأسرة المتاحة في العيادات الخاصة والتي يمكن تخصيصها لضحايا الوباء بعشرات قليلة.
ومع سرعة الانتشار الحالية، سيتجاوز عدد المحتاجين/ـات إلى العلاج في المستشفى ـ1000 شخص، بداية من 17 أفريل 2020. وإذا لم يتم تطويق الوباء وكانت جميع الأسرّة متاحة لضحايا كوفيد -19، فإن النظام الصحي سيصل إلى حالة التشبع بحلول ذلك التاريخ.
إلى جانب نقص الأسرة والمعدات، هناك نقص في الأقنعة ومعدات حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية. ويعتبر هذا التهديد حقيقيا حتى الآن في العديد من البلدان الأوروبية، بما في ذلك إيطاليا وفرنسا وإسبانيا. وعلى وجه الخصوص، أجبر نقص المعدات الأطباء الإيطاليين على فرز المرضى الذين/اللاتي يتعين علاجهم/ن، وفقاً لمتوسط أمل الحياة.
وهكذا، معدل عدوى العاملين/ـات في مجال الرعاية الصحية، بسبب الافتقار إلى الحماية، بالإضافة إلى تعرضهم/ن للخطر، سيقلل أيضاً من القدرة على علاج عدد كبير من الأشخاص الحاملين/ـات للفيروس ومن تـ/يعاني من أمراض أخرى.
نقص عدد الفحوصات: خطر انتشار خارج عن السيطرة
منذ الإبلاغ عن أول حالة كوفيد-19 في تونس في 2 مارس 2020 حتى 31 مارس، أُجري أقل من 5000 في شهر تقريبا. وقد اعتمدت تونس، مثل بلدان أخرى، سياسة الاختبار للأشخاص الوافدين/ـات من الخارج والحاملين/ـات للأعراض.
إذا كان الاختبار إيجابياً، تحاول السلطات تعقب كل من كان/ـت على اتصال بهم/ن، ويُطلب منه/ـا وضع نفسه/ـا في الحجر الذاتي دون الخضوع بالضرورة للاختبار، إلا في حالة ظهور أعراض.
حتى الآن، وبالنسبة للمجموعات المستهدفة بالاختبارات، أسفرت هذه الأخيرة عن نسبة إيجابية تعادل 11%. منذ 10 مارس، ارتفع عدد الاختبارات ارتفاعا كبيرا. ولأول مرة، في 25 مارس، تم إجراء أكثر من 300 فحص في يوم واحد. ثم قررت السلطات منح مختبرات أخرى (خاصة معهد باستور بتونس)، القدرة على إجراء هذه الاختبارات (حتى الآن، كان احتكار المختبر المرجعي لمستشفى شارل نيكول). في 27 مارس، تم الوصول إلى عدد اختبارات قياسي هو 724في يوم واحد. على الرغم من ذلك مازالت الأرقام منخفضة جدا.
ومنذ 22 مارس، أعلنت السلطات أنه بالنسبة لبعض الحالات الحاملة للفيروس، لم يتم تحديد مصدر انتقال العدوى إليها. وهذا يثبت أن الوباء ينتشر خارج بيئةِ ما يسمى بـ"الحالات المعرضة للخطر"، وأن عدد الإصابات، على الأرجح، أعلى من الأعداد المعلنة.
أعلن وزير الصحة عبد اللطيف المكي الخميس، أن عدد الفحوصات سيزداد بشكل كبير في الأيام المقبلة. سيتمكن العديد من المختبرات (خاصة معهد باستور) بالإضافة إلى المختبر المرجعي لمستشفى شارل نيكول، من إجراء الفحوصات. كما أكد الوزير أنه سيتم استيراد حوالي 500.000 اختبار يسمى "سريع" ("مَصلي" وليس "PCR" تقليدي يتطلب المزيد من الوقت والموارد). وقد تم إجراء استشارة لشراء 400.000 اختبار، ولكن لم يتم تسليمها بعد.
لأن قلة عدد الفحوصات، خاصة بالنسبة للحالات "المشتبه فيها" أو التي تظهر عليها أعراض كبيرة، لا تعطي فكرة دقيقة عن عدد الأشخاص الذين قد يصابون بالعدوى دون معرفة ذلك. يمكن أن يكون لهذه الفجوة بين يوم العدوى ويوم التشخيص عواقب وخيمة على انتشار الوباء.
وفقاً للبيانات المتاحة المتعلقة بأول 89 حالة تم الإبلاغ عنها في تونس، قد تكون هناك فترة طويلة إلى حد ما، بين فترة الحضانة، تاريخ الأعراض الأولى وتاريخ العلاج.
هكذا، وبالنسبة للحالة رقم 79، على سبيل المثال - شاب عمره 28 عامًا عاد من فرنسا - مرت ستة أيام بين تاريخ ظهور الأعراض الأولى وتأكيد التشخيص. هي الأيام التي يكون فيها معدل العدوى مرتفعًا جدًا. هذا المعدل مهم قبل يوم أو يومين من الأعراض ويكون أضعف في الأيام السابقة، خلال فترة الحضانة.
في كل فحص إيجابي، يجب على السلطات إجراء مسح ميداني للعثور على من كان/ت المريض/ـة على اتصال بهم/ن. تم الكشف عن العديد من الحالات في إطار هذا المسح وهذه الفترة الزمنية قبل التشخيص يمكن أن تكون حرجة.
في حالة توافق تاريخ تأكيد حالة أعراض وتاريخ العدوى مع فترة الحضانة، قد يكون هناك أيضًا فرق كبير بين عدد من تُحتمل إصابتهم/ن في تاريخ معين وعدد الحالات المُشخصة.
يقدم الرسم البياني أعلاه توقعات للحالات التي يحتمل أن تكون مصابة بالعدوى، تبعاً للحالات التي تم تشخيصها ومعدل معامل الانتشار، منذ أول حالة تم الإبلاغ عنها. الفرضية هي أن هناك فجوةً بمعدل 5 أيام، بين وقت العدوى ووقت ظهور الأعراض الأولى، وهي توافق فترة الحضانة.
هكذا، وإذا كان عدد الحالات المبلغ عنها حتى 31 مارس هو 423 حالة، فإن عدد الحالات التي يحتمل أن تكون مصابة هو 2804. دون مراقبة ودون كشف (لغياب الأعراض)، عدد الإصابات بكوفيد-19، يمكن أن تنفجر بعد ذلك بالآلاف في بداية أفريل. كما يمكن أن ينعكس هذا الاتجاه، تبعاً للتدابير التي تتخذها السلطات، وقدرتها على فحص عدد أوسع من السكان.
"لدينا رسالة بسيطة إلى جميع البلدان: اختبار، اختبار، اختبار الناس! لا يمكنك مكافحة حريق وأنت معصوب/ـة العينين"، أصر أدهانوم غبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، في 16 مارس.
استراتيجيات ونتائج مختلفة
على مقياس مختلف، معدل الانتشار اليومي في تونس يشبه بالفعل، أو حتى أعلى درجة، من معدل البلدان التي تضررت بشدة من الوباء.
بالمقارنة مع البلدان الأخرى وعلى نفس المستوى، شهدت إسبانيا وإيطاليا أسرع درجة إنتشار. منذ ذلك الحين، يعاني هذان البلدان من مئات الوفيات يوميًا.
تقدر منظمة الصحة العالمية معدل إماتة الحالة بـ 3.4% -بناءً على الحالات المبلغ عنها. بحسب هذا المعدل المعلن لانتشار الوباء في تونس، وبحسب هذا المتوسط والمعدل المعلن لانتشار الوباء في تونس، يمكن تسجيل عدة مئات من الوفيات خلال شهر أفريل.
يعتمد هذا الاتجاه (في إنخفاض بالنسبة للأيام الفارطة) بشكل أساسي على سرعة الفحص، وقدرة النظام الصحي على علاج الحالات الخطيرة والتدابير المتخذة للحد من معدل إنتشار العدوى.
هكذا، لوحظت تفاوتات كبيرة حسب البلدان. ألمانيا وكوريا الجنوبية، اللتان اختارتا - من بين أمور أخرى - استراتيجية للفحص الموسع والمبكر، لديها معدل وفيات أقل بكثير من معدل إيطاليا أو إسبانيا أو حتى فرنسا. يبدو أن الوباء في كوريا الجنوبية مسيطر عليه أكثر من العديد من البلدان الأوروبية، نظرًا لأن عمليات الفحص الجماعي و إجراءات الحواجز كانت جزءًا من استراتيجية البلاد، منذ الحالات المسجلة الأولى.
اختارت تونس، مثل فرنسا أو إيطاليا أو إسبانيا، أولاً - باتباع التوصيات الأولى لمنظمة الصحة العالمية - إجراء فحوصات نادرة وموجهة إلى الأشخاص المشتبه فيهم/ن والمقربين/ـات منهم/ن و وبعض بؤر العدوى. ولكن في حالة لم يتمكن قرار الحجر الكلي من تطويق هذا المنحنى، قد يتضح أن هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدي إلى خروج الوباء عن السيطرة. منذ ذلك الحين، غيرت منظمة الصحة العالمية خطابها ودعت جميع البلدان إلى اعتماد سياسة إجراء الفحص الموسع.
في الوقت الحاضر، تنادي العديد من البلدان مختبرات مختلفة لتطوير اختبارات أرخص وأسرع من الاختبارات التقليدية. ومع ذلك، تنوي تونس، بعد شهر من تأكيد الحالة الأولى، دخول هذه المرحلة، لكن هذه الاستراتيجية بطيئة التنفيذ.