شمال إفريقيا: الملعب الجديد للطاقة الأوروبية
في سياق أزمة طاقية مرتبطة بالحرب في أوكرانيا، وعلى أعتاب شتاء ينذر بالبرد والظلمة، تسعى أوروبا إلى التحرّر من الغاز الروسي بأي ثمن من خلال تنويع مصادر إمداداتها. منذ عدة أشهر صارت الدول الأوروبية تولي اهتماما مضاعفا بموارد جيرانها على الضفة الجنوبية للمتوسط. وأصبحت الجزائر اليوم، وهي أكبر مصدر للغاز الطبيعي في القارة السمراء، المورّد الرئيسي لإيطاليا متجاوزةً بذلك روسيا، حيث تم نقل ما يقرب من 20 مليار متر مكعب من الغاز منذ مطلع 2022 عبر أنبوب الغاز ترانسماد.
في نفس الموضوع
وفي الوقت الذي يشهد فيه سعر برميل النفط ارتفاعا مهولا، تسعى الدول الأوروبية -بمقاربة براغماتية- إلى التعجيل في انتقالها الطاقي نحو الطاقات المتجددة الأقل تكلفة اقتصادية، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي في سبتمبر 2022 عن خطة "ري باور إي يو REpowerEU" للترفيع في أهدافه للطاقة المتجددة إلى عتبة 45٪ بحلول عام 2030.
لكن القارة العجوز لا تنوي إنتاج كافة احتياجاتها من الطاقة الخضراء على أراضيها، بل تهتم أكثر بموارد جيرانها في منطقة شمال إفريقيا التي تحظى بواحدة من أعلى إمكانات الطاقة الشمسية على مستوى العالم. واليوم تتعدد مشاريع الطاقة الشمسية الضخمة قيد الإنجاز، بقصد تصدير الكهرباء نحو أوروبا عن طريق الكوابل البحرية.
في الجنوب التونسي وعلى الحدود مع الجزائر، تعمل شركة تونور التونسية البريطانية على إنشاء محطة شمسية عملاقة لإنتاج الطاقة، من المحتمل أن ترى النور في السنوات المقبلة. وتطمح الشركة حسب ما أعلنت عنه إلى "توفير الكهرباء بأسعار منخفضة لمليونيْ أسرة أوروبية" عبر خط نقل يربط تونس بأوروبا مرورا بإيطاليا، وبالتالي خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 5 ملايين طن في السنة.
رغم كل التصريحات التي جاءت مغلفةً بالتطمين والمسؤولية، فإن هذه المشاريع الضخمة لن تخلو من آثار على السكان والموارد المحلية. ففي حين لا تنتج تونس سوى 3٪ من كهربائها من الطاقة المتجددة، وتغرق في أزمة مالية حادة وتكافح من أجل تحقيق أهدافها المناخية، تجد البلاد نفسها مطمعا للمستثمرين الأجانب الخواص الراغبين في تصدير مواردها من الطاقة الشمسية للخارج.
"ينتابني شك كبير حول مدى إسهام هذه المشاريع على المستوى المحلي"، يقول بنيامين شوتزه، الباحث في العلاقات الدولية في جامعة فرايبورغ الألمانية ومؤلف تقرير عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية للطاقة الشمسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الكهرباء الخضراء المنتَجة سيتم إرسالها برمّتها إلى الضفة الشمالية للمتوسط مباشرة دون أن يكون للسكان المحليين فيها نصيب. في مصر، تجري مفاوضات مؤتمر المناخ كوب 27 على قدم وساق بينما تعلو الأصوات مطالبةً بانتقال عادل لا يقتصد في جهوده للإنصاف. فهل سيكون جزء من الانتقال الطاقي الأوروبي على حساب شمال أفريقيا؟ هذا ما تحاول إنكفاضة الإجابة عنه في هذا التحقيق.
تونس، حلم التصدير
ناحية رجيم معتوق على طول الحدود الجزائرية، وعلى بعد حوالي 120 كيلومترا من قبلي جنوب تونس، لا تُرى على الطريق سوى شاحنات المحروقات الذاهبة والقادمة من مختلف مناطق التنقيب التونسية، في دفق متواصل لا ينقطع. كان كل هذا الامتداد الصحراوي الشاسع في ما مضى موطناً لمجتمعات الرحّل. واليوم، صار من المستحيل النفاذ إليه دون إذن من وزارة الدفاع. هذه الأراضي كانت في السابق جماعيةً، تتقاسمها العروش الكبيرة في جنوب البلاد، وتشكّل مصدر رزقها الرئيسي القائم على الرعي. خلال الاستعمار، احتلّتها السلطات الفرنسية ثم استرجعتها الدولة التونسية بُعيد الاستقلال وفوّتت فيها تدريجيا لشركات خاصة أبدت استعدادها للاستثمار في البلاد، بما فيها الشركات النفطية متعددة الجنسيات.
في منطقة رجيم معتوق الواقعة تحت الإدارة العسكرية، تتوالى عدة قرى متشابهة، تحدّها واحة نخيل جديدة تمتد لأكثر من 25 كيلومترا. "قبل ذلك كانت صحراء. زرعنا هذه الواحة الجديدة بهدف الحد من زحف الرمال وتوطين الرحّل" يوضح جندي متمركز في الموقع.
وتشير وثائق تخطيطية اطلعت عليها إنكفاضة إلى إمكانية انبثاق محطة طاقة شمسية عملاقة من إنشاء الشركة التونسية البريطانية تونور في هذا الموقع بالذات، قبالة واحات النخيل التي تمت زراعتها في أواخر ثمانينات القرن الماضي بدعم من الصناديق الأوروبية خصوصا تلك التابعة للوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي (AICS).
موقع واحة رجيم معتوق وصورة جوية للمنطقة
تقول الشركة على موقعها الجديد على الإنترنت إن "الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا حد لها وتونس تحظى بوفرة كلتيهما". وتخطط تونور لإنتاج 4.5 جيغاواط ساعة من الكهرباء معدّة للتصدير إلى إيطاليا وفرنسا ومالطا. تأسست الشركة في تونس في أواخر عام 2011 وأعلنت مذاك في عديد المناسبات عن البناء الوشيك لما قد يصبح أكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية المركزة في العالم، لكن المشروع لم ير النور بعد. ويعتبر كثير من العاملين والعاملات في المجال أن المشروع "غير واقعي" نظرا لتكلفته العالية جدا، لكن بحلول شهر أوت 2022، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة تونور أنه يعدّ لقسط أول من الاستثمار بقيمة 1.5 مليار يورو لبدء تركيب المحطة.
يرى كبير مستشاري تونور في تونس ورئيس الغرفة النقابية الوطنية لتركيب وصيانة المعدات الفولطاضوئية (CSPT) علي كنزاري في حوار مع إنكفاضة أن "التجارة مع أوروبا ذات أهمية استراتيجية ولا يجب أن تنحصر في التمور وزيت الزيتون". وفي نظر الكنزاري، هناك قبل كل شيء افتقار "للإرادة السياسية": "فتونس تقع في قلب منطقة المتوسط، ونحن قادرون على تلبية الاحتياجات الأوروبية المتزايدة من الطاقة الخضراء، لكننا نطيل النظر إلى صحارينا ولا نتحرك لاستغلالها كما يجب".
ولئن لم يتم تركيب أي لوح شمسي إلى حد الساعة، فإن هذه ليست المحاولة الأولى التي يقوم بها رجال الأعمال المتخصصين في تصدير الطاقة الشمسية. إذ تعد "تونور" امتدادا لمبادرة ديزرتيك الصناعية (Dii) والتي كانت شركة "نور إنرجي" أحد المنخرطين فيها. ظهر هذا المشروع الجبار في عام 2009 على يد اتحاد دولي من الشركات ذات الأغلبية الألمانية، ضمت مساهمين أقوياء مثل إي.أون ومونيخ ري وسيمنس ودويتشه بنك.
تعرّض المشروع آنذاك لانتقادات لاذعة بسبب طابعه الاستخراجي، وكان يهدف إلى "إحداث ثورة في عالم الطاقة من خلال أعظم فكرة شهدها القرن الحادي والعشرين": استغلال الطاقة الشمسية المولّدة من أكبر صحارى العالم. أمِل الصناعيون وقتها في نشر شبكة تتكون من محطات الطاقة الشمسية الحرارية المركّزة عبر أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط بقصد تغطية أكثر من 15٪ من الاحتياجات الأوروبية من الكهرباء بحلول عام 2050، وبالتالي إتاحة مزيد من النمو للاقتصادات الأوروبية "بالتوازن مع البيئة".
امتداد مشروع ديزيرتيك أوروبا - شمال إفريقيا والشرق الأوسط، 2009-2012
لم يؤت المشروع في كلّيته ثماره بسبب خلافات داخلية ونقص في التمويل، وتم في نهاية المطاف التخلي عنه في عام 2012. لكن ذلك لم يقلّل من رغبة دعم الانتقال الطاقي الأوروبي في مجال الطاقة الشمسية في شمال أفريقيا، لتعاود الظهور مجددا على خلفية تبعات أزمة الطاقة الحالية التي يعيشها العالم.
يقود مشروع "تونور"، وهو نسخة محلية من "ديزرتيك" اتخذ مقرا له في تونس، حفنةٌ من المستثمرين وأربعة موظفين باحتساب المدير وهو رجل الأعمال الإنقليزي كيفن سارا، وفق ما أورده التقرير السنوي لسنة 2022 الذي اطلعت عليه إنكفاضة.
سارا هو مؤسس هازيل كابيتال (Hazel Capital)، وهي صندوق استثماري لرؤوس الأموال المجازفة مقره بالمملكة المتحدة، ويجلس رجل الأعمال حاليا على رأس مجموعة الاستثمار الصينية آستل كابيتال (Astel Capital) بعد مسيرة في عملاق المالية الياباني نومورا القابضة (Numura Holdings). حوّل هذا الوجه المعروف في أوساط المالية اللندنية اهتمامه إلى سوق الطاقة المتجددة المزدهر، وأسس في سنة 2008 شركة نور إنرجي البريطانية التي يشغل فيها منصب رئيس مدير عام بمساعدة مديرها التنفيذي دانيال ريتش المقيم في تونس. وتعمل الشركة في مجال تطوير المحطات الشمسية وتنشط في إيطاليا واليونان والمغرب، كما تقع تحت تصرف صندوق استثماري مقره في الجزر العذراء البريطانية.
إلى جانب هؤلاء، يضم المكتب التنفيذي لشركة تونور المجموعة المالطية (زاميت Zammit)، وهي إمبراطورية تتكون من عدد من الشركات الناشطة في مجالات النقل البحري والسيارات والنفط والغاز. وجدير بالذكر أن اسم المجموعة برز عدة مرات في وثائق بارادايس، مثلما تثبته قاعدة بيانات الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ)، وكذلك اسم ممثليها صلب تونور، رجل الأعمال المالطي جوزيف زميت والتونسي شريف بن خليفة.
جوزيف زميت هو أحد أعضاء عائلة زاميت المالطية، وإليه يعود فضل "تنويع مصالح المجموعة في مبادرات الطاقة المتجددة" على حد تعبير الموقع الإلكتروني للشركة. أما شريف بن خليفة فهو مهندس بترول عمل مع توتال وشال ونوبل إنرجي ولوندين. وقد حاولت إنكفاضة التواصل مع شركة تونور في مناسبات عديدة لكنها لم تستجب لطلباتنا بإجراء مقابلة.
الطاقة الشمسية على حساب الموارد الطبيعية: مثال ورزازات المغربية
تونس ليست أول دولة شمال أفريقية تراهن عليها الشركات الخاصة في سعيها لاستغلال "الإمكانات الشمسية" التي توفرها الصحراء الكبرى. إذ تم تصميم تونور على نهج محطة طاقة شمسية ضخمة تم إنشاؤها بدفع من النظام الملكي في المغرب، في الموقع الذي اختارته سابقا مبادرة ديزيرتيك الصناعية لتركيب أول مشروع تصديري لها.
افتُتحت أكبر محطة لتوليد الطاقة الديناميكية الحرارية في العالم في فيفري 2016 بورزازات وسُمّيت "نور"، لتصبح بذلك رمزا لسياسة وطنيةٍ موجهة نحو التوسع في الطاقات المتجددة. ويسعى المغرب، الذي تسهم الطاقات المتجددة بـ 37.6٪ من مزيج الطاقة* فيه، إلى تحقيق طموحه في أن يصبح بلا منازع المنصة الأولى للطاقة المتجددة في منطقة المتوسط، معوّلا في ذلك على خطة للطاقة الشمسية لا ترضى بأن تكون مجرد مبادرة للتنمية الاقتصادية المحلية فحسب، بل تصبو لأن تكون سياسة تصديرية محتملة.
مشروع ورزازات العملاق والذي يشبه في ملامحه إلى حد كبير مشروع تونور التونسي، رغم أنه -خلافا للأخير- لا ينتج من أجل التصدير، حظي بتمجيد وسائل الإعلام ليصبح بذلك رمز النقلة الطاقية في المغرب. ويتم تسيير الموقع بقدرته البالغة 580 ميغاواط ساعة، من قبل الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازن) ومجموعة أكوا باور السعودية.
جنوب شرقي المغرب، وسط التضاريس الطبيعية الصخرية الجرداء ذات الغلاف البني المغبرّ، تنبثق من الأرض مئات المرايا المضيئة لتفرض على المكان شكلها الهندسي القاسي على امتداد 3000 هكتار. تدور هذه المرايا الاسطوانية المقعّرة تلقائيا على مدار النهار لتعكس أشعة الشمس باتجاه أنبوب رفيع منتصب في مركز الجهاز. هناك، يتم تسخين سائل وتجميعه لشغيل توربين يولّد الكهرباء.
تكنولوجيا الطاقة الشمسية الحرارية المركزة (CSP) -المختلفة عن الخلايا الكهروضوئية- هي التي تعتمد عليها محطة توليد الكهرباء المغربية ونظيرتها التونسية المستقبلية تونور، بالإضافة إلى عديد مشاريع التصدير الكبرى الأخرى. يقول علي الكنزاري عن الطاقة الشمسية المركّزة أنها "تمكّن من تخزين الطاقة لمدة خمس ساعات في المتوسط وهي أكثر ربحيةً من استخدام البطاريات".
شاركت ثلة من الشركات الألمانية الكبرى في بناء مجمع نور المغربي، منها سيمنز للإلكترونيات (وهي عضو في ديزيرتيك) التي تولت تصنيع التوربينات المخصصة حصريا لتكنولوجيا الطاقة الشمسية المركزة. ووفقا لمصادر المنصة الإعلامية المغربية المستقلة تيل كيل، فإن ممولي المشروع أي البنك الدولي وبنك الائتمان لإعادة التنمية الألماني (Kfw) دعوا إلى اعتماد هذه التكنولوجيا حماية لمصالح الشركات الألمانية المصنعة للمعدات، في حين أن العديد من الجوانب المتعلقة بها بما في ذلك ما تتطلبه من استخدام مكثف للمياه، كان من المفترض بها أن تحث القائمين على المشروع على مزيد من الحذر.
تشكّل تكنولوجيا الطاقة الشمسية المركّزة اليوم تهديدا حقيقيا لموارد المنطقة. حيث تكمن أكبر المخاوف المتعلقة بها في المتطلبات المائية العالية لهذه التكنولوجيا التي يتم توظيفها لغسل المرايا العاكسة لأشعة الشمس في بيئة صحراوية قاحلة، وكذلك خلال مرحلة التبريد الرطب. ونصّت دراسة الآثار البيئية التي أُجريت قبل إنشاء المشروع على استهلاك سنوي للمياه يقدّر بـ 6 ملايين متر مكعب من المياه السطحية يتم سحبها من سد المنصور الذهبي الواقع على بعد بضعة كيلومترات شرق ورزازات، والذي تبلغ نسبة ملئه الحالية 12٪ فحسب من طاقته الإجمالية.
"لكن من المستحيل الحصول على إحصاءات رسمية عن الاستهلاك الفعلي للمحطة" تقول الباحثة كارين ريقنال، عالمة الأنثروبولوجيا بجامعة كنتاكي المتخصصة في الانتقال الطاقي بالوسط الريفي، والتي عملت لفترة طويلة في محطة نور للطاقة الشمسية.
تقول الباحثة: "اعترف لنا مسؤول فضل عدم الكشف عن اسمه من المكتب الفلاحي بورزازات وهو المسؤول عن إدارة السد، بأن مجمع نور يرفض الكشف عن مقدار المياه التي يستمدها من السد، ويبدو أن الاستهلاك الفعلي أعلى بكثير".
وبينما يعاني المغرب من "إجهاد مائي هيكلي" وفقا للبنك الدولي، فإن منطقة ورزازات هي إحدى أكثر المناطق التي تعاني من الجفاف في البلاد. في وادي دادس، أحد روافد السد، يصف الفلاح يوسف وضعا ينذر بالخطر:
"وادينا يحتضر، كل المياه موجّهة إلى السد لتلبية احتياجات محطة الطاقة الشمسية. هذا المشروع كارثة وليس بديلاً بأي حال من الأحوال" يقول الفلاح وهو يشق طريقه بين أشجار النخيل الجافة في واحة قديمة.
يشتهر وادي دادس بزراعة الورود، وقد سُميت كل قرية فيه على اسم النهر الذي يمر عبرها. واليوم، صارت تعبر الوديان الجافة الجسور وتركت المياه مكانها للحصى والحجارة. على بعد بضعة كيلومترات من هناك، في وادي درعة الذي يعاني من نفس حالة الجفاف، أصبحت " مظاهرات العطش" مشهدا متكررا منذ عام 2017، حيث يندد السكان بالاستيلاء على الموارد المائية لصالح المشاريع الفلاحية والتعدينية والطاقية الكبرى التي تنفذها الدولة.
يقول جمال صادق عن جمعية أتاك المغربية في ورزازات والتي تعدّ من القلائل التي تتصدى للسياسات الاستخراجية والاستبدادية في البلاد أن "الأمر في كل الحالات ذو طابع استخراجي. إنها مشاريع مفروضة علينا من الأعلى وتحرمنا من أغلى مورد لدينا: الماء".
ومن جهتها ترى كارن رينيال أنه "من المفارقات أن مشروعا في الأصل وُضع للتخفيف من وطأة آثار تغير المناخ يؤدي عكسيا إلى تفاقمها في واحدة من أفقر المناطق وأكثرها عرضة للإجهاد المائي في المغرب".
في نفس الموضوع
بالعودة إلى جنوب تونس، تهدف شركة تونور إلى إنشاء مشروع مماثل لكن أكبر بتسع مرات. وكما هو الحال في المغرب، تتأثر المنظومة الواحية في الجهة بنفس القدر من الجفاف وسوء إدارة الموارد المائية حيث تستغل المنطقة حاليا ما يقدر بـ 209٪ من مواردها المائية وفقا لجمعية نخلة التي تنشط لصالح الفلاحين في دوز بولاية قبلي.
التربّح من الصحراء مهما كان الثمن
من دون أن تكبّد نفسها عناء انتظار إعلان من وزارة الطاقة عن فتح طلبات عروض للحصول على لزمة تصدير، وهي خطوة إلزامية لأي مشروع يعمل في مجال الطاقة المتجددة في تونس، وقبل أية دراسة تفحص الآثار على الموارد المائية، قامت شركة تونور "في عام 2018 بإبرام عقد إيجار مسبق لقطعة أرض تمسح 45 ألف هكتار تقع بين مدينتي رجيم معتوق والفوار، مع مجلس إدارة الأراضي الاشتراكية بالغريب مالك الأرض" وفق كبير مستشاري المشروع علي الكنزاري.
ومن المتوقع أن تغطي محطة الطاقة الشمسية مساحة 25 ألف هكتار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مساحة مانهاتن، وهو أمر لم يسبق له مثيل إلى اليوم. لكنّ المشروع يبدو أنه توقف عند ذلك الحد بالرغم من إعلانات الاستثمار الصادرة عن الشركة، في انتظار حصولها على إذن من وزارة الصناعة والمناجم والطاقة لإجراء دراسة تأثير على المحيط.
"لدينا صحراء لا نفعل شيئا حيالها" يقول الكنزاري متأسفا، فبالنسبة له ولعديد الفاعلين في قطاع الطاقة المتجددة العام والخاص فإن الصحراء ليست سوى مساحة شاسعة مهملة مع إمكانات غير مستغلة.
من ناحيته يرى أيمن عميد، الباحث في السياسات الزراعية أن "هذه الرواية حول 'الأراضي الصحراوية عديمة الفائدة' هي إرث ينبع مباشرة من الاستعمار الفرنسي الذي سعى للتصدي لمعارضة عروش الجنوب المتمرّدة من خلال تجريدها من أراضيها".
في نفس الموضوع
بُعيد الاستقلال، استعاد الحبيب بورقيبة نفس الخطاب المصرّ على أن أراضي الصحراء منعدمة الفائدة لكونها غير مربحة. "لكنها كانت في الواقع تدر ربحا كبيرا للسكان المحليين الذين يعتمد نشاطهم الأساسي على الرعي" يواصل الباحث أيمن عميّد. أعقبت ذلك حملةٌ واسعة لانتزاع الأراضي، والتي لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا. "إن الدولة من خلال توسيع مخزونها من الأراضي، قد أنشأت مناطق مهجورة مخصصة لمشاريع مستقبلية أكثر ربحية من الناحية الاقتصادية وذات رأس مال مرتفع، مثلما نرى اليوم في مجال الطاقات المتجددة".
هذه الأراضي التي عمدت سياسات الدولة العقارية المتعاقبة على مدى سنوات إلى جعلها "عديمة الفائدة" هي التي يسعى عالم التمويل الأخضر اليوم إلى وضع يده عليها واستغلالها، واعدا بتنشيط ما يُعرف بالمناطق "المهمشة" باسم التنمية المستدامة. وفي نفس السياق تعِد تونور بخلق أكثر من 20 ألف وظيفة ما بين مباشرة وغير مباشرة، في منطقة يبلغ فيها عدد المرشحين·ـات المحتملين للهجرة نحو أوروبا أرقاما قياسية.
لكن في هذا النوع من المشاريع الضخمة "أغلب الوظائف ليست مستدامة، ومعظمها ضروري فقط لمرحلة البناء وإطلاق المشروع" وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن المرصد التونسي للاقتصاد (OTE).
يرى الباحثون·ـات والمراقبون·ـات أن الإطار الحالي لهذه المشاريع لا يؤدي إلا "إلى الاستيلاء على الأراضي في المناطق الأقل نموا من أجل استغلال مواردها المتجددة دون تعويض المجتمعات المحلية بشكل مناسب، وبالتالي الحفاظ على ديناميكية كولونيالية داخلية" على حد تعبير كارين ريقنال. ومن خصائص هذه المشاريع العملاقة الحاجة إلى تعبئة رأس مال ضخم منذ البدء، لكن نظرا لكون "معظم الجهات العمومية في جنوب المتوسط ترزح تحت ثقل الديون وليس بحوزتها رأس المال المطلوب، فإن الخواص هم الذين يتولون زمام الأمور، بحيث تذهب الفوائد إلى القطاع الخاص وتعود التكاليف على العامة" يقول من جهته الباحث بنيامين شوتزه.
ويتجلى ذلك بوضوح في محطة نور في ورزازات بالمغرب التي يحتذي بها مشروع تونور: فالمحطة المغربية غير مجدية اقتصاديا منذ إنشائها، وتتكبد الدولة جراءها عجزا قدره 800 مليون درهم سنويا (حوالي 75 مليون يورو)، لأن مازن (الوكالة المغربية للطاقة المستدامة) قد ضمنت للشركة السعودية الخاصة المسيّرة للمحطة سعر بيع مرتفع للغاية مقارنة بمتوسط تكلفة إنتاج الطاقة في البلاد. ويفسر ذلك في جانب منه بتكنولوجيا الطاقة الشمسية المركزة المختارة والتي تجاوزها الزمن لتكلفتها المشطّة، مثلما أشار لذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE)، وهو مؤسسة استشارية مغربية مستقلة.
"زيادة على ذلك، فإن هذا التمثّل الحتمي للصحراء هو أيضا وسيلة الدول الأوروبية لتخريج انتقالها الطاقي ومسؤولياتها تجاه أزمة المناخ خارج حدودها. إنه الحل الأسهل، لأن أوروبا لا ترمي إلى تغيير نمط استهلاكها ولكن تهدف فحسب إلى بناء محطات طاقة ضخمة لجلب الكهرباء الخضراء، وهذا يطرح إشكاليات كبرى"، يقول بنيامين شوتزه.
ويرى الباحث أن هذه المشاريع التي تتطلب مركزة الإنتاج، سهلة التحقّق في السياقات الاستبدادية. في تونس على سبيل المثال انقلب الوضع مؤخرا، حيث كان النفاذ إلى العقارات في السابق عقبة رئيسية أمام نشر مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى حين صدور مرسوم عدد 65 لسنة 2022 بتاريخ 19 أكتوبر 2022 في جو من الصمت الإعلامي المطبق، لينصّ على إمكانية قيام أي جهة عمومية بوضع يدها على أي عقار كان وانتزاعه من أجل "المصلحة العامة".
وفي ذات اليوم صدر مرسوم آخر ( عدد 68 لسنة 2022) يسمح بتنفيذ مشاريع إنتاج الطاقة المتجددة -بموجب عقود كراء- على الأراضي الفلاحية وغير الفلاحية العمومية على حد السواء أو تلك التابعة للجماعات المحلية. وبالتالي "فُتح الباب الآن على مصراعيه للمستثمرين الأجانب العاملين جنبا إلى جنب مع الدولة" على حد تعبير أيمن عميّد الباحث في السياسات الفلاحية.
ضغط على الضفتين
لئن كان وجود محطة تونور للطاقة الشمسية لا يتعدى اليوم مجرد حبر على الورق، إلا أن الشركة صاحبة المشروع التي تأسست في تونس منذ عام 2012 أعطت دفعة لأنشطتها منذ عام 2017 ب التموقع في السوق المحليةعبر إنشاء إحدى أولى محطات الطاقة الشمسية في تونس بقدرة 10 ميغاواط سنة 2019 بقابس، في انتظار أن تعلن وزارة الطاقة عن فتح الباب لطلبات العروض للتصدير. ويوضح مستشار الشركة علي الكنزاري أن "الشركة موجودة في تونس منذ 10 سنوات، ويجب بطبيعة الحال تحريك ربحيّتها".
07/06/2022 : TuNur Team site visit to Gabès to meet with representatives of the local authoritieshttps://t.co/AZ4SomPN3l
— TuNur Ltd. (@TuNurSolar) June 8, 2022
07/06/2022 : Visite sur site de l'équipe de TuNur à Gabès pour rencontrer des représentants des autorités locales https://t.co/jidyBSW74u pic.twitter.com/xzAD5cCcN8
تغريدة على الحساب الرسمي لشركة تونور: 07/06/2022 زيارة ميدانية بقابس لفريق تونور للقاء عدد من المسؤولين المحليين.
ولكن إذا كان هناك مجال واحد أحرزت فيه تونور تقدما ملحوظا في السنوات الأخيرة، فهو بالأساس مجال الضغط أو ما يُعرف بـ"اللوبيينغ"، سواء أكان ذلك في تونس أو في بروكسل. فمنذ عام 2020 أدرجت المفوضية الأوروبية شركة تونور في سجل الشفافية التابع لها، وهو قاعدة بيانات تضم المؤسسات الساعية إلى التأثير على عملية التشريع والسياسات التي تضعها المؤسسات الأوروبية. وتولي تونور عناية خاصة بالتأثير على التشريعات حول الطاقة وسياسات الجوار في منطقة المتوسط.
كما تبدي الشركة اهتماما مخصوصا بالصفقة الخضراء الأوروبية و الشبكة الأوروبية لمشغلي أنظمة نقل الكهرباء، وهي جمعية تضم حوالي أربعين مشغل أوروبي في قطاع نقل الكهرباء. يصرّ الكنزاري على أن "الدولة التونسية ينبغي أن تتماشى معنا في صياغة خارطة طريق مع الدول الأوروبية، بحيث تصبح الطاقة النظيفة التونسية ذات تنافسية عالية في السوق"، مؤكدا أن تونور قد نجحت بالفعل في إقامة اتصالات مع شركات توزيع الكهرباء الإيطالية والفرنسية. وتعد تونور من بين المشاريع المختارة ضمن الخطة الأوروبية العشرية لتطوير الشبكة (TYNDP) لسنة 2022، وهي خطوة ضرورية لترفّع من حظوظها في الانضمام فيما بعد إلى مجموعة المشاريع ذات الاهتمام المشترك للاتحاد الأوروبي (PIIEC) في إطار الربط البيني لشبكات الطاقة الأوروبية. وبمجرد اختيارها يمكن لهذه المشاريع الانتفاع من شروط تنظيمية مبسطة والتأهل للحصول على دعم مالي من الاتحاد الأوروبي.
تونس أيضا ليست بمنأى عن تأثير هذه الشركة وغيرها من المجموعات الخاصة الناشطة في البلاد. يؤكد أحدث تقرير حول الطاقة صدر عن المرصد التونسي للاقتصاد (OTE) في سياق تحليله لمشروعيْ ديزيرتيك وتونور أن "هذا الأخير قد شكّل لوبي قوياً بقصد إدراج الأحكام المتعلقة بالتصدير في القوانين المنظمة للطاقة المتجددة". وقد مهد القانون عدد 12 لسنة 2015 المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، الطريق بشكل فعال لمشاريع تصدير الطاقة الخضراء من خلال السماح بتحرير سوق توليد الكهرباء في تونس الواقعة حتى ذلك الحين تحت احتكار الشركة التونسية للغاز والكهرباء (الستاغ)، وهي شركة عمومية أثقلت كاهلها الديون. وبالتالي شجع القانون المذكور على إقامة الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
يلفت تقرير المرصد التونسي للاقتصاد النظر إلى أن "بعض التوصيات التي قدمتها الوكالة الألمانية للتعاون الإنمائي (GIZ) ومبادرة ديزرتيك الصناعية (Dii) يبدو أنها سبقت بعض التدابير الواردة في قانون 2015". ثم في سنة 2019 تم تنقيح القانون، لكنه عورض بشدة من قبل مجموعة من النقابيين·ـات من الستاغ المنضوين تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل، على خلفية مطالبتهم بضرورة أن تتمسك الدولة بهيمنتها على أسعار الكهرباء التي تُعتبر مكسبا جماعيا مدعوماً.
في أعقاب الدعوة إلى عدم خوصصة القطاع في عام 2018، انتهى الأمر بالنقابيين·ـات في الشركة العمومية بعد مضي عامين من ذلك إلى التصدي لوصل أول محطة خاصة لتوليد الكهرباء بالبلاد تقع في تطاوين بشبكة الكهرباء العمومية. وكانت المحطة الكهروضوئية البالغة قدرتها 10 ميغاوات قد أُنشئت بتمويل جزئي من الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، وهي مملوكة لشركة سيري (SEREE) المملوكة بالتشارك بين إني الإيطالية (Eni) والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية (ETAP).
يقول نقابي شارك في التحرك الاحتجاجي آنذاك، فضّل عدم ذكر اسمه: "نحن نطالب الدولة بإلغاء هذا القانون الذي تم التصديق عليه خضوعا لضغوطات الشركات الدولية الكبرى. إننا لا نعارض الطاقات المتجددة، لكننا نطالب بإبقائها تحت تصرف التونسيين وأن تظل الكهرباء مكسبا عموميا لا تفويت فيه".
وبعد ثلاث سنوات من اكتمال الأشغال ومواجهةٍ طويلة النفس مع المكونات النقابية، تم أخيرا توصيل المحطة بشبكة الستاغ في بداية نوفمبر 2022، علما أن "حل مشكلة ربط محطات الطاقة المتجددة" كانت من ضمن توصيات البنك الدولي في تقرير موجّه إلى وزارة الاقتصاد التونسية في موفى 2021. أما صندوق النقد الدولي فيريد من جانبه دفع الاستثمار في الطاقات المتجددة من خلال برنامجه الجديد للإصلاح الاقتصادي الذي يجري التفاوض عليه حاليا مع الدولة التونسية. ويخلص النقابي من الستاغ في حوارنا معه إلى أن "الضغوطات زادت خاصة منذ وقعت أوروبا في أزمة الغاز الروسية".
وبالرغم من وجود تشريع يؤيد المبادرات الخاصة في هذا المجال، إلا أن معظم لزمات الطاقة المتجددة التي تمت الموافقة عليها في تونس، والتي تحصلت عليها كلها شركات أجنبية، لا تزال عالقة إلى حد الساعة بسبب "بطء الإجراءات الإدارية في تونس" وفق توضيح عمر باي، المسؤول عن العلاقات مع المؤسسات صلب الشركة الفرنسية كير إنرجي (Qair Energy)، "وفي غضون ذلك ارتفعت تكلفة المواد الأولية اللازمة لبناء مشاريعنا في السوق الدولية".
لكن الوحيدة التي تبدو قادرة على تحمل الفارق بين الميزانية الأولية الموضوعة وأسعار البناء الحالية هي الشركات الكبرى المجتمعة تحت راية سولار باور أوروبا (Solar Power Europe)، وهي منظمة مقرها بروكسل تضم أكثر من 250 شركة مثل توتال إنرجيز وإنجي وإي دي اف والشركات الإيطالية إني و بلانيتود (PlEnitude) و إنيل (Enel)، إلى جانب عمالقة مثل أمازون وقوقل وهواوي والعديد من الشركات الاستشارية الدولية. كل هؤلاء كانوا حاضرين مؤخرا في الصالون الدولي للانتقال الطاقي الذي نظمته الغرفة النقابية التونسية للفولطاضوئية (CSPT) في شهر أكتوبر المنقضي، والتي تعد تونور عضوا فيها.
قدمت الجمعية هدفها المتمثل في "تحديد فرص تجارية جديدة، مع الحد من الحواجز التشريعية والإدارية والمالية التي تعطّل تطوير القطاع". يرى علي الكنزاري في هذا الصدد أن "قانون 2015 ليس مؤاتيا بما فيه الكفاية للتصدير، وهذا ما نحتاج إلى حلحلته".
المتوسط، جسر الطاقة الجديد
ومن المفارقات أن مد الكوابل المعدة لتصدير الكهرباء يتقدم بشكل أسرع من بناء المحطات الشمسية نفسها. حيث أعطى السياق الدولي الحالي زخما قويا لمشروع خط الربط بين إيطاليا وتونس "إل ميد El Med" الذي ظل عالقا على طاولة المفاوضات لسنوات. يتوقّع عز الدين خلف الله، مستشار الطاقة لدى البنك الدولي العامل على هذا المشروع أن "تكون دراسات الجدوى جاهزة بحلول موفى نوفمبر، وقد تم فعلا العثور على جزء من التمويلات". كما تتوقع وزارة الطاقة التونسية أن ينطلق تشغيل المشروع بحلول عام 2027.
يتمثل الهدف من المشروع في إنشاء "جسر بين أوروبا وشمال أفريقيا من خلال منظومة وصل أورومتوسطية [...] تكون قادرة على ضمان تبادل الكهرباء بين مختلف الأسواق" مثلما جاء في نص اتفاقية صادق عليها مجلس الشيوخ الإيطالي في أفريل 2021 "يتعلق باتفاق بين إيطاليا وتونس بشأن الترفيع في التبادلات الطاقية بين أوروبا وشمال أفريقيا" كانت إنكفاضة قد تحصّلت على نسخة منه.
خريطة مشروع الربط الكهربائي البيني "إل ماد" بين تونس وإيطاليا.
يتكون هذا المشروع الذي تنفذه الشركة التونسية للكهرباء والغاز بالشراكة مع نظيرتها الإيطالية تيرنا (TERNA) والبالغة كلفته 800 مليون يورو من كابل تحت البحر بطول 200 كيلومتر يربط مدينة قليبية في الوطن القبلي بـ بارتانا في صقلية وتبلغ سعته 400 ميغاواط. وبعد تمويل الدراسات الفنية بمبلغ 12.5 مليون دولار بحسب مستشار البنك الدولي، أبدت المؤسسة المالية استعدادها لتغطية تكاليف الأشغال على الجانب التونسي، وقد تقدمت تونس بالفعل في سبتمبر الماضي بطلب في الغرض إلى المفوضية الأوروبية.
الكهرباء التي سيتم تصديرها في إطار مشروع إل ماد ستمر عبر شبكة الكهرباء الوطنية التونسية، لكن شركة تونور في المقابل تخطط لمد كابل خاص بها يربط المحطة الواقعة في الجنوب التونسي بمدينة تازركة شمال غربي البلاد، ومن ثمّ ببلدة مونتالتو دي كاسترو الصغيرة بالقرب من روما. كما يشير مصدر مقرب من الملف إلى أن هناك احتمالا أن يستخدم مشروع تونور خط نقل إل ماد، رغم أن الأخير نظرا إلى تصميمه الحالي لن يكون قادرا على استيعاب الـ 4.5 جيغاواط ساعة التي يُنتظر أن تنتجها المحطة الشمسية المستقبلية.
تونس ليست الدولة الوحيدة في شمال أفريقيا التي تدرس فكرة الربط الكهربائي مع القارة الأوروبية، حيث تعدّدت في الآونة الأخيرة الإعلانات عن مدّ الكوابل الرابطة بين ضفتي المتوسط. في المغرب مثلا، أعلنت شركة إكسلينكس (Xlinks) البريطانية عن بناء أطول شبكة من الكوابل البحرية في العالم بطول 3800 كم بحلول عام 2027، وتركيب محطة للطاقة الشمسية بقدرة 10.5 جيغاواط ساعة بهدف توفير احتياجات 7 ملايين منزل بريطاني من الطاقة أي ما يعادل 8٪ من الاحتياجات البريطانية. كما شرعت مصر، التي لا تخفي طموحها في أن تصبح محورا إقليميا للطاقة بين أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، في إنشاء خط وصل بحري للكهرباء مع قبرص واليونان. أما الجزائر فقد أعلنت هي الأخرى عن خطتها لتزويد إيطاليا وجزء من أوروبا بالكهرباء النظيفة عبر كابل بحري جديد.
تعلو الأصوات اليوم مطالبةً بانتقال طاقي منصف وعادل لا يزاحم الضرورات البيئية والاجتماعية لبلدان الجنوب. كما تدعو العديد من النقابات والمنظمات إلى إرساء نموذج أكثر لامركزيةً لإنتاج الطاقة الخضراء، يسمح بأن تكون الطاقة المُستهلكة تحت سيطرة المواطنات والمواطنين المعنيين بها. وبينما تجري فعاليات مؤتمر المناخ كوب 27 على قدم وساق، تتبوأ الشراكات من أجل انتقال طاقي عادل (JETP) مكانةً في قلب المفاوضات حول مصير المناخ.