كان شقيق ليلى الطرابلسي زوجة الدكتاتور الراحل أحد أبرز أعضاء عصابة بن علي-الطرابلسي التي استحوذت على نصيب الأسد من الاقتصاد التونسي قبل الثورة*. وهو يعيش منذ ثورة 2011 في المنفى هارباً من قبضة العدالة التونسية التي أدانته في مناسبات عديدة على خلفية جرائم فساد مالي. وهكذا، طفا اسمه مرة أخرى في أوراق باندورا.
في نفس الموضوع
بلحسن الطرابلسي في بنما
وقع ذكر بلحسن الطرابلسي في 6 وثائق من بين ملايين أخرى ضمن تسريبات أوراق باندورا. ثلاثة منها شهادات ملكية أسهم تثبت أن بلحسن الطرابلسي هو صاحب ثلاث شركات مختلفة: "شينوك بورتفوليو Chinook Portfolio" و "غرايندنغ Grinding الدولية خفية الاسم" و "شركة كيفيو Keview القابضة". أما الوثائق المتبقية، فتتمثل في محاضر اجتماعات مجلس إدارة هاته الشركات تمخض عنها شهادات ملكية الأسهم المذكورة.
جرت كل هذه الاجتماعات في ساعات متتالية من صباح يوم 11 جانفي 2016 في مدينة بنما وبحضور نفس الأشخاص. ثلاثة بنميّين، مدراء وكَتَبَة عدة شركات أخرى وهم أشخاص صوريون يمضون لحساب الشركات الأوفشور ويضطلعون بدور مديرين أو حملة أسهم -أحيانا الاثنين معا- ويتلقون أجورا مقابل تقديم أنفسهم كأصحاب شركة ما أو مديريها، دون أن يتحملوا مسؤولية فعلية داخلها ودون أن تكون لهم عموما علاقة بأصحاب وصاحبات الشركة الحقيقيين.
وسيط سويسري يتغاضى عن شبهات عملائه وعميلاته
تكشف هذه الوثائق عن ارتباط الشركات بـ"فيدينام Fidinam" وهي شركة سويسرية مختصة في الاستشارات المالية تأسست في لوقانو سنة 1960. تسدي الشركة خدمات "استشارية في مجال الضرائب والأعمال والعقارات لفائدة الشركات ورجال الأعمال والخواص". وكان الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ قد وجه أصابع الاتهام لهذه الشركة على خلفية لعبها دور الوسيط والميسّر لدى حرفاء تحوم حولهم شبهات.
جدير بالذكر أن القانون السويسري يجبر البنوك على التثبت من هويات عملائهم خاصة المكشوفين سياسيا منهم للتفطن لأية مخاطر تبييض أموال أو أنشطة مشبوهة. وفي المقابل، لا تقع المكاتب الاستشارية تحت طائلة هذا الالتزام إذا لم تكن المتصرف في ثروات عملائها وعميلاتها.
من جهته، يُعتبر بلحسن الطرابلسي "شخصية مكشوفة سياسيا PPE" وفق المصطلحات المستعملة في الميدان، على خلفية تجميد مكاسبه في الخارج وإداناته المتكررة بتونس ولكونه موضوع طلب تسليم من تونس. كما كان يُعتبر شخصية تمثل "خطرا" حسب التشريعات الجاري العمل بها في عدة بلدان وحتى بالنسبة لعدة مكاتب خدمات أوفشور. ونظريا، قد تعرض المؤسسات نفسها لعقوبات في حال قبلت إدارة أعمال شخصية مكشوفة لهذه الدرجة وعليها عقوبات دولية من هذا القبيل.
ولكن يبدو أن ذلك لم ينطبق على عملاق عالم الاستئمانات "فيدينام" الذي استغل التشريعات السويسرية المؤاتية لغض النظر عن أنشطة عملائه وعميلاته، مثلما تكشف عنه الوثائق المهربة والتحقيق الذي قام به الاتحاد الصحفي. كما لم يتوانَ عن متابعة تعاملاته مع أشخاص محلّ إنذارات من قبل مؤسسات مالية أخرى أو أشخاص تحت قيد التتبعات العدلية.
فعلاوة على بلحسن الطرابلسي، أتاحت فيدينام لشريكه السابق الأزهر اسطى استعادة حساب بنكي عبر شركة أوفشور في سنة 2018 حين كان رجل الأعمال تحت التتبعات العدلية قبل أن يُسجن في 2019.
من جانبها رفضت شركة فيدينام التعليق على شؤون حرفائها لدى اتصال الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ بها، متعلّلة بـ"ضرورة احترام الحياة الشخصية والخصوصية وسرية الأعمال".
في نفس الموضوع
لا تسمح الوثائق التي اطلعت عليها إنكفاضة بمعرفة إن كانت الشركات البنمية الثلاث على ملك بلحسن الطرابلسي قبل سنة 2016، فهل كان يسعى لجعلها شركات صورية لحيازة شركات أخرى وحسابات بنكية أخرى؟ لم يتم ذكر إلى أين انتهى بها المطاف. ولكن كانت تسريبات بارادايس قد كشفت في السابق أن بلحسن الطرابلسي يملك شركتين على الأقل في الجزر العذراء البريطانية لم يستطع استعادتهما. وكانت إحداهما تملك حسابا مصرفيا لدى HSBC.
كيف رفض مكتب يقع في قلب أوراق بارادايس مد يد العون لبلحسن الطرابلسي
بعد سقوط نظام بن علي، تم تجميد أموال بلحسن الطرابلسي في عدة ولايات قضائية منها سويسرا والاتحاد الأوروبي. ولكن حاول صهر بن علي استعادة جزء من مكاسبه بطرق ملتوية، فسعى مثلا لاستعادة شركة "زيناد ريسورسز Zenade Resources المحدودة" المحدثة في الجزر العذراء البريطانية والمالكة لأحد حساباته البنكية في HSBC.
وانطلاقا من 2012، شرع محامو مكتب BCCC السويسري (أصبح يدعى بيانكي شفالد BianchiSchwald اليوم) في التواصل مع مكتب "آبلبي Appleby"* البريطاني المقيم في جزر برمودا والمتخصص في التركيبات المالية وتحقيق الأمثلية الضريبية.
تمثل هدف المكتب السويسري في استعادة شركتين كان بلحسن الطرابلسي المستفيد الفعلي منهما، وهو ما تبينه عدة تبادلات إلكترونية بين مكتبيْ المحاماة.
"[نحن] بصدد البحث عن زميل في الجزر العذراء البريطانية لمساعدة أحد حرفائنا فيما يخص شركاته"، تفسر ماريون هـ. إحدى محاميات بلحسن الطرابلسي في مراسلتها الإلكترونية الأولى. "حريفنا السيد بلحسن الطرابلسي هو المستفيد النهائي من شركتين. وهو صهر الرئيس التونسي السابق بن علي ما يفسر صفته كـPPE [شخصية مكشوفة سياسيا]. ولكنه رجل أعمال لم يعمل يوما مع الحكومة التونسية"، تفصّل المحامية لاحقا.
وتستفيض ماريون هـ. في تفصيل الوضعية بأن حريفها هو المستفيد النهائي من شركتين، كما أن الوكيل السابق TMF قد استقال لأن حريفه كان مكشوفا سياسيا PEP. وكان للشركتين مدير بجنيف إلا أنه توفي في السنة السابقة للتبادلات الإلكترونية وبالتالي اعتُبرت الشركتان "مجمدتين". "يحتاج الحريف لـ'إعادة تنشيط' الشركتين في أسرع وقت ممكن. الوضعية عاجلة للغاية"، تضيف المحامية.
يرجع عنوان شركتي "زيناد ريسورسز" و "زيناد للمالية" لصندوق بريدي بمدينة رود تاون عاصمة الجزر العذراء البريطانية. ويعود إحداث هاتين الشركتين إلى 2006 على أقل تقدير وهو ما توضحه وثائق مصرف HSBC التي كشفت عنها تسريبات سويسليكس. ووفق نفس الوثيقة، أظهر حساب بنكي مرتبط بشركة زيناد ريسورسز رصيدا أقصى بلغ 2.837.034 دولار أمريكي في الفترة بين 2006 و2007.
ومنذ فراره في جانفي 2011، لم يعد لبلحسن الطرابلسي نفاذ لمكاسبه المجمدة في عدة ولايات قضائية. وفي المقابل، لا شيء يثبت أن هذه العقوبات مسّت أيضا حساب شركة "زيناد رسورسز المحدودة" لا سيما أن منظومة تعيين المدراء الصوريين تسمح بإخفاء هوية المستفيد الفعلي.
وفي نهاية المطاف، لم يتولَّ مكتب آبلبي مساعدة محامي بلحسن الطرابلسي، فبعد أن قام بـ"التحقق من التضاربات" لمعرفة إن كان بإمكانه التعامل مع هذا الحريف، وردت إجابته سلبية. "ماريون، أخشى أن التضاربات ليست واضحة بما فيه الكفاية وأننا لن نقدر على المواصلة"، تجيب سارة م. إحدى موظفات آبلبي، وتضيف أنها تستطيع توجيهها لشركة أخرى "قد لا ترفض".
لم تستطع إنكفاضة، من خلال الوثائق، معرفة إن كان بلحسن الطرابلسي قد استطاع فعلا استعادة شركاته. فهذا الرجل الذي التزم الكتمان منذ فرّ من البلاد سنة 2011 ولجأ لعدة سنوات إلى كندا قبل أن يختفي على إثر رفض طلب لجوئه في سنة 2016، برز مجددا حين تم توقيفه في مرسيليا في سنة 2019. وبعد سجنه لمدة قصيرة في فرنسا، أُطلق سراحه تحت رقابة قضائية، بينما تطالب تونس بتسليمه لها منذ ذلك الحين.