سنغالي في باريس و لاعبة ألعاب قوى تونسيّة
عندما كان على رأس الاتّحاد الدّولي لألعاب القوى، انضمّ لمين دياك إلى جهاز فساد واسع النّطاق أنتج -ما وصفه المدّعون العامّون- أحد برامج تعاطي المنشّطات الأكثر جسارة في تاريخ الرّياضة.
وبالتوازي مع الألعاب الأولمبيّة لسنة 2012، تلقّى لمين دياك وابنه، بشكل مباشر أو غير مباشر، رشاوى تقدّر بملايين الدولارات للتستّر على نتائج اختبارات تعاطي المنشّطات. ويزعم المدّعون العامّون الفرنسيّون أنّ هذه الاختبارات تثبت تناول رياضيّين·ـات روس·ـيّات لموادّ معزّزة للأداء.
بعد اندلاع الفضيحة، أقرّت الوكالة العالميّة لمكافحة المنشّطات أنّ دياك " تغاضى عن عمليّة الغشّ وابتزاز الرّياضيين ويبدو أنّه كان على علم شخصي بذلك". كما جرّدت الوكالة العديد من لاعبي·ـات ألعاب القوى الرّوس من ميدالياتهم·ـنّ الأولمبيّة.
هذا المال القذر ليس سوى جزء من سيل من الدّولارات والفرنكات والرّوبلات والرّنمينبيات واليوروات التي يبدو أنّها ذهبت إلى جيوب مدرّبين·ـات وأطبّاء و طبيبات و إداريّين·ـات و وزراء ووزيرات حكوميّين·ـات في واحدة من أشهر الفضائح الرّياضية على الإطلاق.
في خضمّ ذلك، تمّ تبديد أحلام الرّياضيين·ـات.
وهكذا، قبلت الرّوسية يوليا زاريبوفا بتتويجها بالميداليّة الذّهبية لسباق 3000 متر حواجز في أولمبياد لندن لسنة 2012 تحت أنظار حشد متحمّس والملايين من المشاهدين·ـات.
حلّت العدّاءة التونسية حبيبة الغريبي في المركز الثاني.
غير أنّه تمّ سحب لقب بطلة العالم من يوليا زاريبوفا في سنة 2016 بعد أن أثبت اختبار تعاطي منشّطات جديد أنّه قد تمّ التّستر على نتيجة الاختبار السّابق والذي كان إيجابيّا. وتسلّمت حبيبة الغريبي الميداليّة الذهبيّة لاحقا خلال حفل صغير أقيم مساء الأحد قرب تونس العاصمة، على هامش دوري ألعاب قوى للشّباب.
وحرمت عمليّة تعاطي المنشّطات لاعبة ألعاب القوى التّونسية من الفوز ومن أرباح وصفقات رعاية تقدّر بعشرات الآلاف من الدّولارات. في المقابل، مرّت الملايين من الدّولارات عبر البنوك الدّوليّة لفائدة شبكة ممتدّة تربط بين الأوساط السّياسيّة والرّياضيّة، من الاتّحاد الدّولي لألعاب القوى إلى الحكومة الرّوسية ومن داكار إلى موسكو مرورا عبر موناكو، دون إثارة شكوك هيئات الرّقابة على التّدفقات الماليّة.
في نفس الموضوع
هذه المعلومات مستقاة من قاعدة بيانات ماليّة سرّية حصلت عليها بازفيد نيوز وشاركتها مع الاتّحاد الدّولي للصّحفيّين الاستقصائيّين.
وتتضمّن الوثائق المسرّبة والمعروفة باسم "ملفّات فينسن"، أكثر من 2100 تقرير حول أنشطة مشبوهة حرّرتها بنوك و جهات ماليّة أخرى ورفعتها إلى شبكة مكافحة الجرائم الماليّة المعروفة باسم "فينسن" التّابعة لوزارة الخزانة الأمريكية.
وفقًا لبازفيد نيوز، تمّ جمع البعض من هذه الملفّات في إطار تحقيقات لجنة الكونغرس الأميركي المتعلّقة بالتّدخل الرّوسي في الانتخابات الرّئاسية الأميركية لسنة 2016، في حين جرى جمع البعض الآخر بناءً على طلبات موجّهة إلى فينسن من قبل منظّمات مكلّفة بإنفاذ القانون.
وتعدّ التّقارير - والتي هي عبارة عن نشرات إخباريّة فنّية كثيفة للغاية - أكثر سجلات الخزانة الأمريكية تفصيلاً يتمّ تسريبها على الإطلاق. وهي تكشف عن المعاملات التي أنجزتها بنوك كبرى بما فيها "HSBC" و"دويتشه بنك" و"جي بي مورجان تشايس" و"باركليز".
تكشف هذه التّقارير عن تحويلات المال القذرالذي يتمّ تداوله في جميع أنحاء العالم مع الإفلات من الرّقابة كتحويل غنائم أحد الكلبتوقراطيين·ـات أو شركة واجهة على ساحل المحيط الأطلسي عبر بنك في وول ستريت، على سبيل المثال، إلى ملاذ ضريبي مشمس في جزر الكاريبي أو برج في سنغافورة أو مموّل في دمشق.
انكبّ·ـت 400 صحفي و صحفيّة من حوالي 90 بلداً على الملفّات المسرّبة التي غالبًا ما قادهم·ـنّ اقتفاء أثرها إلى اسم أو عنوان واحد. وأمضوا أو أمضيْن 16 شهراً في البحث عن وثائق إضافيّة من المصدر والتّمعّن في سجلات ضخمة تخصّ المحاكم والأرشيف وإجراء مقابلات مع مكافحي الإجرام وضحاياه والتّدقيق في بيانات متعلّقة بالملايين من المعاملات المنجزة بين سنتي 1999 و2017.
بفضل هذه الملفّات السّرية التي بحوزتهم·ـنّ، تمكّن·ت الصحفيون·ـات من اقتفاء مسلك تحويل دولارات تاجر مخدّرات في رود آيلند إلى مختبر على ملك كيميائي في مدينة ووهان الصّينية. وحقّقوا في الفضائح التي شلّت اقتصادات إفريقيا وأوروبا الشّرقية وفضائح بارونات المال الفنزويليين·ـات الذين و اللّواتي نهبوا·ـن الأموال المرصودة للسّكن الاجتماعي والمستشفيات. كما اقتفوا و اقتفين أثر ناهبي·ـات المقابر الذين/اللّواتي استولوا أو استولين على قطع أثريّة بوذيّة تمّ التّفويت فيها لحساب قاعات عرض نيويوركيّة كما دقّقوا·ـن في أكبر مصفاة للذّهب في الشّرق الأوسط، في قلب عمليّة تبييض أموال مترامية الأطراف لم يُكشَف عنها قطّ.
ومن بين عشرات الشّخصيات السّياسية الواردة في هذه الوثائق، بول مانافورت، الرّئيس السّابق لحملة دونالد ترامب الانتخابيّة، المدان بالتّحيّل والتهرّب الضّريبي. إذ كشف بنك "جي بي مورجان" عن تحويله لمبالغ ماليّة بين مانافورت وشركات واجهة تابعة لشركائه و شريكاته في سبتمبر 2017. جاء ذلك بعد فترة طويلة من إذاعة خبر تعامله مع مسؤولين·ـات أوكرانيين·ـات على علاقة بروسيا والاشتباه في تبييضه للأموال.
تعقّبت عشرات المقالات في إطار تحقيق ملفّات فينسن معاملات مالية مشابهة تتمثّل في تحويلات رؤوس أموال أجنبية إلى شركات وهميّة أنجزتها بنوك دوليّة لطالما خدمت مصالح الأوليغارشيين والطّغاة دون تعرّضها لأيّة ضغوط صارمة تردعها.
ترتّبت عن هذا النّظام عواقب وخيمة لا تُمحى عصفت بحياة العديد من الأشخاص.
تمكّنت بازفيد نيوز من الحصول على السّجلات المتوفّرة في قاعدة بيانات فينسن وشاركتها مع الاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيين وأعضائه. تُعرف هذه السّجلات باسم "تقارير الأنشطة المشبوهة" (Suspicious Activity Reports -SAR). وهي تتيح جولة عبر أرجاء العالم حول الإجرام والفساد وعدم المساواة، مع أدوار رئيسيّة يـ·تتقمّصها سياسيّون·ـات وأوليغارشيون·ـات ومتحيّلون·ـات عديمو·ـات الضّمير، وكذلك مصرفيون·ـات مسخّرون·ـات لخدمة مصالح هؤلاء.
تبرز تقارير الأنشطة المشبوهة كيف يؤدّي عجز البنوك والمؤسّسات الماليّة الأخرى عن إحباط التّدفقات المالية غير المشروعة إلى تعميق ظاهرة الإجرام على نطاق واسع وأضرارها الجانبيّة
ولا تشكّل تقارير الأنشطة المشبوهة بالضّرورة دليلا على ارتكاب عمل مستهجن حيث أنّها تعكس وجهة نظر أعوان الرّقابة المصرفيّة والمعروفين·ـات باسم "مسؤولي الامتثال". ويقوم هؤلاء الأعوان بالإبلاغ عن المعاملات التي تحمل بصمات جرائم مالية أو تشمل حرفاء و حريفات لديهم·ـنّ سجلّات على درجة عالية من الخطورة أو نزاعات قانونيّة سابقة.
في عالم تكتنفه أزمات تتصدّر العناوين الإخبارية، بما في ذلك جائحة فيروس كورونا التي تدمّر حياة الناس والاقتصادات، قد لا يعتبر تدفّق المال القذر من دون رادع تهديداً فورياً. غير أنّ العواقب وخيمة حيث أنّ تجّار و تاجرات المخدّرات والمتحيّلين·ـات يحوّلون أو يحوّلن الأرباح بعيداً عن متناول السّلطات. كما أنّ الطّغاة والصّناعيين·ـات الفاسدين·ـات يضاعفون·ـن ثرواتهم·ـن المكتسبة بطرق غير مشروعة ويعزّزون·ـن سلطتهم·ـنّ، بينما الحكومات المفتقرة إلى الإيرادات عاجزة عن تحمّل تكاليف الأدوية لعلاج المرضى.
صرّحت جودي فيتوري، الخبيرة في الفساد لدى مؤسّسة كارنيغي للسّلام الدّولي: " قد يكون النّاس غير ملمّين بمسائل مثل تبييض الأموال والشّركات غير المقيمة، غير أنّهم يتحمّلون تداعيات ذلك في حياتهم اليومية حيث أنّهم هم من يدفعون ثمن عواقب الإجرام واسع النّطاق - بدءا بالموادّ الأفيونية إلى الاتّجار بالأسلحة ومرورا باختلاس منَح البطالة المرتبطة بجائحة كورونا."
غير أنّ الشّبكات الإجراميّة وقوّات الأمن التي تحاول التّصدّي لها تدرك أنّ تداول مبالغ ماليّة ضخمة يشكّل شرطا أساسيّا لنجاح أيّ مشروع إجرامي.
جرعة زائدة في غارلاند
سمعت إميلي سبيل صراخا من خارج منزل والديها المبني من الطوب الأحمر
وجدت شقيقها جوزف ويليامز البالغ من العمر 31 سنة ممدّداً على مرتبة في القبو. كانت عيناه نصف المفتوحتين صفراوين وشفتاه زرقاوين. وكانت زوجته كريستينا تضغط على صدره صائحة " جُو، استيقظ! جُو، استيقظ"!
بدأت إميلي سبيل، وهي طالبة في مجال التّمريض، في عمليّة الإنعاش القلبي الرئوي. وكانت كلّما تضغط على صدر جُـو، تنطلق من فمه رغوة بيضاء لتنسكب على ملابس نومه المفضّلة التي تحمل صورة الرّجل الوطواط.
وكانت والدة جو التي عادت مسرعة من عملها في "بيغلي ويغلي"، وهو متجر بقالة إقليمي في غارلاند بولاية كارولينا الشّمالية، منهارة ومستلقية بجانب ابنها.
" كلّ شيء على ما يرام يا عزيزي، يمكنك الخلود إلى النّوم. هل ترغب في سيجارة؟ هل تشعر بالبرد؟"
تتذكّر إميلي قائلة: " ظننت أنّ أمي فقدت عقلها. كان يشعر بالبرد طبعا. كان قد فارق الحياة".
لم تكن عائلة جُـو على دراية بسبب وفاته. ولم تكن تشكّ في كونه واحداً من أوائل عشرات الآلاف من الأميركيّين·ـات ضحايا الفنتانيل، المخدّر الأشدّ فتكاً في العالم. وكان ويليامز قد تلقّى، قبل بضعة أيّام من وفاته، طردًا مرسلًا من كندا يحتوي على خمسة مسكّنات للألم ومسحوق الفينتانيل.
تقف وراء ذلك شبكة من المهرّبين·ـات تمتدّ إلى حدود الصّين وتعتمد على سهولة تداول المال القذر عبر مؤسّسات ماليّة ذائعة الصّيت لترويج موادّ أفيونيّة مخبريّة الصّنع عبر المناطق الرّيفية لكارولينا الشّمالية وفي جميع أنحاء البلاد.
مسالك المال: تغطّي صور النقود نافذة "مصلحة الضّرائب على الدّخل" في بلدة جارلاند الرّيفية الواقعة في كارولينا الشّمالية بالولايات المتّحدة الأمريكيّة. المصدر: الاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيين/ ترافيس دوف
" إميلي ، ما هو الفنتانيل؟"
كانت والدة جُـو ويليامز تقف في مطبخ ابنتها حاملة تقرير فحص السّموم الذي أرسل إليها في ذلك اليوم من سنة 2014.
وكانت إميلي سبيل قد سمعت عن هذه المادّة الأفيونيّة في معهد التّمريض فأجابت قائلة: "إنه مثل مسكّن للألم يناولونه لمرضى السّرطان".
" العظمة تنشأ في جارلاند" هو شعار هذه البلدة الصّغيرة الواقعة في كارولينا الشّمالية والتي تعدّ ما يزيد قليلاً عن 600 نسمة. في غارلاند تمتدّ حقول التّوت ومزارع الخنازير. غير أنّ قرائن العظمة المزعومة لم تكن جليّة لأناس من جيل جُـو حيث أنّه لم يتمّ تشييد أيّ منزل جديد منذ سنوات كما أنّ القادة المحليّين·ـات بادروا و بادرن مؤخّرًا بحلّ جهاز الشّرطة بسبب القيود المفروضة على الميزانيّة. كما تمّ إغلاق العديد من المتاجر في وسط المدينة على مرّ السّنين. أصبحت الأعشاب الطفيليّة تنمو في شقوق أسفلت موقف السّيارات المقفر قبالة مصنع القمصان "بروك بروذرز" الذي أقفل بدوره. وتعاني المدينة حاليًا بشدّة من تداعيات جائحة كوفيد-19.
في سنة 2017، اعتبر المدّعون العامّون الأميركيون أنّ جُـو – المشار إليه بالأحرف الأولى من اسمه "ج. و" – كان أوّل ضحيّة أميركيّة لشبكة سرّية عالميّة لترويج مخدّرات فتّاكة. وستتمّ قريبا إدانة أنتوني غوميز من قبل المحكمة الفدرالية لداكوتا الشّمالية بتبييض الأموال وترويج المخدّرات التي ذهب ضحيّتها جو ويليامز والعديد من الأمريكيين·ـات الآخرين و الأخريات.
في نفس السّنة، اعتقلت السّلطات غوميز بالقرب من فورت لودرديل بولاية فلوريدا في مكان لا يبعد عن شاليه على ملكه مشيّد على طراز تودور وتقدّر قيمته بـ850 ألف دولار. اقتنى غوميز هذا المنزل، وفقا للمدّعين·ـات العامين·ـات، بأموال المخدّرات. وقد قام غوميز رفقة عشيقته إليزابيث تون، طيلة عدّة سنوات، بتحويلات بنكيّة نحو كلّ من الصّين وكندا حيث كان قائد المجموعة المعتقل آنذاك يواصل نشاطه من داخل زنزانته.
وبيّن المدّعون·ـات العامّون·ـات أنّ غوميز وتون وأعضاء آخرين و أخريات من شبكة اتّجار المخدّرات وتبييض الأموال كانوا و كنّ يلجؤون أو يلجأن إلى حسابات غير مقيمة وتحويلات ماليّة وحساب مفتوح لدى "بنك أميركا" واتّصالات مشفّرة لإخفاء عمليّاتهم·ـنّ.
تشير معلومات مستقاة من جدول بيانات غير مؤرّخ مأخوذ من سجلّات فينسن إلى تورّط غوميز وثمانية أشخاص آخرين في مدفوعات بمبلغ متراكم يناهز 403 آلاف دولار أجرِيت بين سنتي 2012 و2017 عبر "موني غرام إنترناشيونال". هذا وقد دفعت شركة تحويل الأموال، ومقرّها دالاس، للسّلطات الأمريكية غرامات بقيمة 125 مليون دولار في سنة 2018 لخرقها لاتّفاقية تقضي بالحدّ من تبييض الأموال والتّحيّل.
جدول البيانات الخاصّ بملفّات فينسن - والذي هو عبارة عن قائمة تضمّ أكثر من 1.500 تقريرا حول أنشطة مشبوهة - يحمل عنوان "VTB Bank Export" في إشارة إلى مؤسّسة عموميّة روسيّة معروفة بتمويلها المفرط للرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين. وفي سنة 2014، سلّطت وزارة الخزانة الأميركية عقوبة على "بنك في تي بي" كردّة فعل على ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية. غير أنّ طبيعة علاقة البنك المذكور بتحويلات "موني غرام" تبقى مجهولة إلى حدّ الآن.
من جهته، أكّد "بنك في تي بي" أنّه " ينشط في كنف احترام صارم للقوانين المحليّة والدّولية ويمتثل تماما للمعايير التّنظيمية سواء المحليّة أو العالميّة منها. كما أنّه لم يتلقّ أيّة شكاوى متعلّقة بأنشطته من قبل السّلطات الأميركيّة وهو غير قادر على التّعليق على هذه المسألة بسبب عدم نفاذه إلى الوثائق ذات الصّلة التي يشير إليها المطلب".
تمّ اتّهام ثلاثة من بين الأشخاص الثّمانية الذين ذُكِرت أسماؤهم مع غوميز في جدول البيانات أو أُدِينوا بتهريب المخدّرات. ويُعتبر أحدهم، ويدعى شياوبينغ يان، أوّل مصنّع للفنتانيل يقع اتّهامه في تاريخ الولايات المتّحدة الأمريكيّة. وكان يان البالغ من العمر 43 سنة ينشط من مدينة ووهان الصّينية ولا يزال مطلوباً للسّلطات الأميركية. وهو ينكر خرقه للقوانين الصّينية أو ترويجه لموادّ محظورة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة عمدا.
أمّا الاثنان الآخران فكانا تون، عشيقة غوميز، وداريوس غهاري وقد تمّ اتّهامهما بجرائم متعلّقة بالفنتانيل سنة 2017. بادرت "موني غرام" بالإبلاغ عن تحويلات مشبوهة مرتبطة بغهاري بعد مضيّ أكثر من عشر سنوات من تغريم سلطات ولاية نيو جيرسي له في قضيّة تحيّل عبر الإنترنت أحدثت ضجّة إعلاميّة.
من دفع لمن؟ لا تزال الأدوار التي لعبها و لعبتها مختلف المتدخّلين·ـات والمسار الدّقيق الذي سلكه الفنتانيل للوصول إلى غارلاند غامضة. هذا ورفض المدّعون العامّون الأميركيّون·ـات المكلّفون·ـات بقضيّة غوميز الرّدّ على أسئلة الاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيّين بتعلّة أنّ التّقاضي لا يزال جاريا.
" يمكن لأيّ شخص أن يصبح مهرّبا"
لم يكن براندون هوبارد، تاجر المخدّرات المعتقل حاليّا في سجن بولاية داكوتا الشّمالية بسبب ترويجه للمخدّرات التي قضت على حياة جو ويليامز، يتصوّر أنّه سيصبح متحيّلا يوما ما.
صرّح هوبارد للاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيّين " أعتبر مبيّضي الأموال أشخاصاً يستثمرون في محطّات غسيل السّيارات أو في المطاعم لإضفاء مشروعيّة على المال القذر أو ينسجون على منوال الأوليغارشيين الرّوس الذين يحوّلون أموالهم من روسيا للاستثمار في العقارات الأمريكيّة".
ثمّ أصبح بدوره واحداً منهم. وهو يذكر جيّدا مدى صدمته عندما أبلغته الشرطة بأنّه متّهم ليس فقط بترويج المخدّرات القاتلة بل بالإجرام المالي أيضا.
في سنة 2018، توفّي·ت أكثر من 31.000 أمريكي·ـة جرّاء تعاطي الموادّ الأفيونيّة الاصطناعيّة، بما في ذلك الفنتانيل.
يتسبّب الفنتانيل وغيره من المخدّرات مختبريّة الصّنع، والتي تعتبر أقوى من المورفين بحوالي 10 آلاف مرّة، حاليّا في مقتل عدد من الأمركيين·ـات يفوق بكثير عدد الهالكين·ـات جرّاء تعاطي موادّ أفيونيّة أخرى. وتقرّ وزارة الخزانة الأميركية بأنّ الإجرام المالي يجعل كلّ ذلك ممكناً.
أفاد دونالد.م، وهو عميل خاصّ مساعد مسؤول عن إدارة مكافحة المخدّرات (شرطة مكافحة المخدّرات الأمريكية)، أنّه " بوسع أيّ شخص الآن أن يصبح مهرّبا بسبب الهواتف الذّكية. إذا كان بإمكان الجميع أن يصبحوا سائقي أوبر، فإنّه يمكنهم بنفس البساطة أن يصبحوا تجّار مخدّرات".
وأضاف قائلا " يـ·تلجأ المهرّبون·ـات إلى جميع الأساليب التي يتيحها الاقتصاد والنّظام المالي". وكان العميل طرفا في عمليّة "Denial" وهي تحقيق جار في الاتّجار بالفنتانيل ومخدّرات أخرى. وتمّت إدانة كلّ من هوبارد وأنتوني غوميز في إطار هذه العمليّة.
منذ بضعة أشهر خلت، اتّصلت الشّرطة بإميلي سبيل لإطلاعها على مدى تقدّم العمليّة. وتذكر إميلي أنّ أعوان الشرطة يواجهون و يواجهن صعوبات للإطاحة " بأبرز أباطرة المخدّرات" الصّينيّين.
في هذا الصّدد تقول : " إنّه لأمر مدهش حقّا أن يتمكّن شقيقي في هذه البلدة الصّغيرة الرّيفية من الحصول على مخدّرات من جميع أرجاء العالم".
عامل يومي في تركمانستان
عندما يصل الطحين إلى المتجر، تنبعث منه رائحة كريهة ويكون الزّيت أسودا ومرّا.
عودة إلى سنة 2016 التي شهد فيها اقتصاد تركمانستان انهيارا تامّا. كانت الفئات الأكثر بؤسا تفتّش حاويات القمامة. وفي غضون سنتين، بلغ معدّل التّضخم نسبا قياسيّة مسجّلا أعلى مستوى بعد نظيره الفنزويلي.
في النّهار، تـ·يقوم العمّال و العاملات بنقل أكياس من الأسمنت على متن الدّراجات مقابل بضعة مانات وهي العملة المحليّة التي ما فتئت قيمتها تتراجع يومًا بعد آخر. مع حلول اللّيل، يحتشد الأزواج والآباء أمام الأبواب البلاستيكية السّوداء للمساحات التّجارية الكبرى الحكوميّة حيث خلت الرّفوف إلّا من موادّ مستوردة باهظة الثمن.
وصرّح عامل من بلدة ماري الواقعة في الواحة الجنوبية للبلاد للاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيين: " لا يوجد ما يكفي من الطّعام أبدا". وقد طلب عدم الكشف عن اسمه خوفا من تعريض أسرته للخطر. " يبقى النّاس في انتظار الطّحين إلى حدود منتصف اللّيل ولا يستطيع أصحاب المتاجر التّكهّن بموعد وصوله".
تدعى العاصمة التّركمانستانيّة "عشق آباد" أي "مدينة العشق". غير أنه بسبب الجوع والقمع الأمني والفساد، يطلق عليها الكثيرون اسما آخر: مدينة الموتى.
ما يغذّي الفساد السّائد في عشق آباد، كما هو الشّأن في العديد من العواصم الأخرى، هو التّدفق السّري للأموال عبر البؤر الاستيطانية الأجنبيّة وفي كثير من الأحيان، عبر البعض من أغنى البنوك العالميّة.
ويفصّل حوالي 36 تقريرًا حول الأنشطة المشبوهة التي عاينها الاتّحاد الدّولي للصحفيين الاستقصائيين المدفوعات المتعلّقة بتركمانستان والتي بلغت 1,4 مليار دولار بين سنتي 2001 و 2016. ولا يعني وصفها بالـ"مشبوهة" بالضّرورة أنّها غير مشروعة بل أنّها، في تقدير المشرفين·ـات على الامتثال المصرفي والمكلّفين·ـات بالرّقابة على التّحويلات الماليّة، في حاجة إلى المزيد من التّدقيق المعمّق.
وفقا للاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيّين، تلقّت بعض الشّركات المنتصبة في المملكة المتّحدة أموالاً مصدرها تركمانستان رغم إبلاغها الهيئات الرّقابيّة بعدم انخراطها في أيّ نشاط يربطها بهذا البلد.
وكشفت التّسريبات أنّه في إحدى الحالات، حوّلت وزارة التّجارة التركمانيّة مبلغ 1,6 مليون دولار إلى شركة "إنترقولد إل بي" (Intergold LP) الاسكتلندية. تشير الملفّات البنكيّة إلى أنّ المبلغ المدفوع كان مقابل " حلويّات". وتمّ تحويل المبلغ من الحساب البنكي للوزارة في عشق آباد إلى حساب بنكي لاتفي مفتوح باسم الشّركة المذكورة مرورا عبر فرع دويتشه بنك في نيويورك.
بيّنت الملفّات أنّه تمّ تأسيس شركة "إنترقولد إل بي" قبل 10 أشهر من بداية معاملاتها مع الحكومة التركمانية ويحيل عنوانها إلى مؤسّسة تدعى "مايل بوكسز إي تي سي" (Etc Mail Boxes) تقع في مدينة غلاسكو الاسكتلنديّة، كما اقترحت ذلك المؤسّسة الواجهة.
ومنذ ذلك الحين، تمّ تغيير اسم "إنترقولد" إلى "أس أل024852 أل بي" ( SL024852 LP). ملكيّة الشركة وما إذا كان لها غرض مشروع لازالا مبهمان إلى الآن.
يبيّن تحليل الاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيين حول الشّركات المدرجة في سجلات فينسن أنّ جيمس ديكنز، الموقّع على وثائق التّسجيل الرّسمية لدى تأسيس "إنترقولد"، كان قد صادق على حسابات 200 شركة أخرى على الأقلّ في إنجلترا. وأصبحت الشّركات البريطانية، خلال السّنوات الأخيرة، وسيلة شائعة لإخفاء مكافآت المتحيّلين·ـات والموظّفين·ـات الفاسدين·ـات.
لم يتمكّن الاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيين من الوصول إلى ديكنز. كما أحاط دانيال أودونوغ، الموقّع كذلك على طلب تسجيل شركة "إنترقولد"، الاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيين علما بأنّ نشاطه خاضع لرقابة المشرفين·ـات البريطانيين·ـات على مكافحة غسل الأموال ويلبّي المعايير العالية المطلوبة في مجال بذل العناية الواجبة أو التّدقيق.
وذكرت أنات بور، المحلّلة ضمن مجمع تفكير "تشايذام هاوس" (Chatham House Think Tank) اللندني والمختصّة في كليبتوقراطيات آسيا الوسطى " يبدو الأمر بالتّأكيد كحالة تمّ اللجوء فيها إلى شركة واجهة لإخفاء أموال منهوبة من خزائن الدّولة. وكانوا على الأرجح يعتقدون أنّ ذكر 'الحلويّات' لن يكون مثيرا للرّيبة".
لم تردّ وزارة التّجارة التركمانيّة على الأسئلة الموجّهة إليها عن طريق سفارتها لدى الولايات المتحدة الأمريكية. كما فشلت محاولة الاتّصال بها عن طريق استمارة الاتّصال المتوفّرة على الانترنت.
ويتبيّن من خلال الوثائق التي اطّلع عليها الاتّحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أنّ دويتشه بنك لم يعلّل سبب ارتيابه في المعاملات المنجزة. ورفض البنك إثارة علاقاته مع تركمانستان. ليصرّح فيما بعد للاتّحاد الدّولي للصحفيّين الاستقصائيين أنّه بشكل عامّ، " مناقشة التّقارير حول الأنشطة المشبوهة تشكّل انتهاكًا جنائيًا للقانون الأمريكي (وقوانين أخرى)". وبيّن البنك أنّ " المصارف تقوم بالإبلاغ عن المعاملات المشبوهة بانتظام وتساعد بالتّالي السّلطات على الإطاحة بالمتورّطين·ـات في أنشطة إجرامية ومقاضاتهم·ـنّ. ويراقب دويتشه بنك السّلوكيات المشبوهة عن كثب ويتبادل الاستنتاجات ذات الصّلة مع السّلطات."
كان دويتشه بنك يلعب دور بنك مراسل في هذه المعاملات - بمعنى أنّه كان يسمح للبنوك التركمانية التي تلجأ إليها الوزارات الحكومية ورجال أو سيّدات الأعمال النّافذين·ـات بتحويل العملة المحلّية إلى دولارات والدّفع إلى حسابات بنكيّة أخرى عبر العالم.
كان ذلك دورا مألوفا فلطالما شكّلت المؤسّسة الألمانية خزنة دوليّة مفضّلة لتركمانستان خلال فترة النّظام الدّموي لصابر مراد نيازوف الرّئيس السّابق المنتخب مدى الحياة.
وكان دويتشه بنك يحتفظ بما يصل إلى ثلث دخل البلاد في حسابات لا يمكن الوصول إليها إلا من قبل نيازوف، وفقًا لـ"غلوبال ويتنس" (Global Witness) وهي مجموعة تعمل على مكافحة الفساد. وصرّح رئيس أسبق للبنك المركزي التّركماني للمجموعة أنّ مليارات الدولارات التي يحتفظ بها دويتشه بنك هي في الواقع "مصروف الجيب الشّخصي لنيازوف".
انهيار في أوكرانيا وارتباك في وول ستريت
تقول أولقا بريخودكو: " كنّا نتوقّع حدوث معجزة" متذكّرة اليوم الذي تضرّعت فيه في الكنيسة قبل تسع سنوات لرؤية والدتها مرّة أخيرة. " وكلّما كانوا يخرجون إنساناً جديداً في كيس بلاستيكي أسود، كان هذا الأمل يتلاشى."
وصفت كيف بدت والدتها ناديجدا كولينيش لدى دفنها. كان فكّها المخلوع ملفوفا بضمادات بيضاء وأصابعها مهشّمة وذراعاها زرقاوين- دلالة على محاولة عقيمة لحماية وجهها مع تساقط أطنان من الصّخور والمعادن والخرسانة عليها.
ففي 29 جويلية 2011، كانت ناديجدا كولينيش واحدة من 11 هالكا·ـة في منجم فحم على ملك الدّولة شرقي أوكرانيا، عندما انهار برج على المبنى حيث كان العمّال و العاملات يفرزون و يفرزن الفحم من الصّخر.
وجاء في تصريحات بريخودكو لصحيفة "كييف بوست"، شريكة الاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيّين، " كانت أمّي تتذمّر باستمرار من أنّ كلّ شيء كان ينهار". حتّى أن ناديجدا كولينيش أخبرت لجنة السّلامة التي أدّت زيارة للمنجم قبل وقوع الحادث أنّ " الطّوب ظلّ يتساقط على رؤوسهم". كما اشتكى الأعوان من أنّ البرج المتداعي للانهيار لم يقع استبداله منذّ 50 عامًا.
وتلقي أولقا بريخودكو باللّوم على " جميع المسؤولين وعلى رأسهم حكومة كييف". ضف على ذلك أنّه يمكن لأولقا رؤية المكان الذي هلكت فيه والدتها من نافذة منزلها.
يـ·تشدّد عمّال و عاملات المناجم الأوكرانيون·ـات على أنّ الفساد الزّاحف يعرّضهم·ـنّ للخطر.
العديد من مناجم الفحم في البلاد، بما في ذلك منجم "بازانوف"، الذي لقيت فيه ناديجدا كولينيش حتفها، مملوكة للدّولة. ولطالما شكّلت المصدر المبجّل للنّهب من قبل الكليبتوقراطيين، وفقًا لنشطاء و ناشطات مكافحة الفساد والأعوان والموظّفين·ـات.
ويشكّل نقص المعدّات وتهالكها مصدر قلق دائم في قطاع الصّناعة. حيث كشف مسؤولو المناجم أنّ لديهم بالكاد أكثر من نصف الأقنعة اللازمة لضمان مواصلة تنفّس عمّال و عاملات المناجم في حالة حدوث انهيار. واشتكت نقابة عمّال و عاملات المناجم في مقابلة مع صحيفة أوكرانية من أنّه يتمّ اللجوء إلى جلب المعدّات القديمة من المناجم غير المستخدمة في البلاد قبل إعادة طلائها وتوظيفها.
كان انهيار برج "بازانوف" في بلدة ماكيفكا من بين الحوادث المنجميّة الثّلاثة المسجّلة في أوكرانيا في غضون ذلك الأسبوع والتي أسفرت عن مقتل 39 رجلاً وامرأة على الأقلّ. وقع كلّ ذلك شرق البلاد الغني بالفحم، قرب الحدود الرّوسية، حيث توجد اليوم " جمهوريّتان شعبيّتان" منسلختان مدعومتان من الكرملين.
وحدّدت لجنة رسميّة المعدّات المتهالكة كسبب محتمل لانهيار برج "بازانوف" موصية بتغيير استراتيجيّة فحص الأبراج.
كان تزويد منجم "بازانوف" يتمّ من قبل شركة قبرصيّة غامضة تدعى "تورناتور القابضة إل تي دي" (Tornatore Holdings Ltd). وبعد أشهر من جنازة ناديجدا كولينيش وعلى بعد 8000 كيلومتر، حاولت بيغي ماكغارفي، المكلّفة الرّئيسية بالرّقابة لدى فرع دويتشه بنك في وول ستريت اكتشاف صاحب شركة "تورناتور"
لم يلفت الحادث المميت انتباهها بقدر علامات الإنذار المبكّر التي لاحظها البنك بعد إنجاز دفعتين كبيرتين لفائدة شركة "تورناتور".
ففي ديسمبر 2011، تلقّت "تورناتور" 5,5 ملايين دولار من شركة أوكرانيّة فرعيّة مختصّة في المعدّات المنجميّة تدعى "إل إل سي غازينرغوليزينغ" (LLC Gazenergolizing). في اليوم التالي، حوّلت شركة "تورناتور" مبلغ999.994 دولارًا إلى شركة إيجار مالي كبرى روسيّة مملوكة جزئيًا للكرملين.
وكان من شأن المبالغ الضّخمة المدفوعة وضع حدّ لانشغال دويتشه بنك بشأن "تورناتور" والذي استمرّ سنة كاملة. خاصّة و قد تمّ تدوير بعض هذه المبالغ إلى ألف أو مليون حسب الأقرب، وهو ما يعتبره الخبراء مؤشّر تحيّل، .
وذكر المصرفيّون·ـات في تقاريرهم بدءا من مارس 2011، أي قبل بضعة أشهر من وقوع حادث منجم "بازانوف"، أنّ الشّركة دفعت مبالغ مشبوهة وأنّه ليس لديها مقرّ أو " قطاع نشاط" واضحان.
تبيّن لماكغارفي وزملائها أنّ الشّركة وصفت التّحويلات الأخيرة على كونها هدايا وسداد أقساط قرض غير أنّ المصرفيّين·ـات كانوا و كنّ يطلبون أو يطلبن معلومات إضافيّة، وفقًا لتقرير البنك المؤرّخ في فيفري 2012. وأكّد بنك شركة الإيجار المالي "غلوبكس" (Globex) لدويتشه بنك، ردًا على تخوّفاته السّابقة، أنّ " حريفه لم يقم بأيّ معاملات مشبوهة". لكنّ زملاء ماكغارفي أصرّوا وطلبوا من بنك "غلوبكس" مدّهم بمعلومات حول المعاملات التّجاريّة لشركة "تورناتور".
وجاء ردّ البنك الروسي بأنّه " لا تتوفّر لديه معلومات". بعد مضيّ أشهر، ما زالت بيغي لا تعرف المزيد عن الموضوع.
لم تردّ ماكغارفي، التي لا تزال في منصب المسؤولة الأولى عن الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة في الولايات المتحدة الامريكيّة لدى دويتشه بنك، على أسئلة حول هذا الموضوع بالذّات. وجاء الرّبط بين شركة "تورناتور" وحادث ماكييفا على أيدي صحفيين أوكرانيين.
ففي سنة 2011، كشف يوري نيكولوف وتيتيانا تشيرنوفول عن أنّ "تورناتور" تمتّ بصلة إلى يوري إيفانيوشينكو، وهو سياسيّ مقرّب من الرّئيس آنذاك فيكتور يانوكوفيتش. وكانت تلك وسيلة للسّيطرة على " غازينرغوليزينغ " التي كانت تحتكر تزويد مناجم البلد بالمعدّات.
وذكر نيكولوف و تشورنوفول -الذي كان نائبا في البرلمان الأوكراني من 2014 إلى 2019-، أنّ المنجم المملوك للدّولة اقتنى معدّات بديلة من "غازينرغوليزينغ" قبل حادث الانهيار غير أنّهما لم يتمكّنا من تحديد ما إذا تمّ تسليم هاته المعدّات ومدى قانونيّة الصّفقة.
غير أنّ وكالة التّدقيق الحكوميّة الأوكرانية أصدرت، سنة 2011، تقريرًا يرسم صورة قاتمة لأنشطة المنجم. وحسب التّقرير المذكور، فقد عُثر على معدّات تالفة تبلغ قيمتها 21 مليون دولار في المقرّ الرّئيسي لمنجم "بازانوف"، على بعد كيلومترات من الحادث. كما خلص التّقرير إلى معاينة "فجوات محاسبيّة وانتهاكات جسيمة للانضباط المالي وأخرى متعلّقة بالميزانيّة" بمبلغ جملي قُدّر بـ205 مليون دولار.
فرّ إيفانيوشينكو بعد الثّورة الأوكرانية سنة 2014 وهو قيد التّحقيق من قبل السّلطات الأوكرانية والسويسريّة بتهمة اختلاس الملايين من الدّولارات المرصودة لمشاريع الطّاقة. وأنكر إيفانيوشينكو عن طريق محاميه فينسان سولاري امتلاك أو حيازة أسهم في شركة "تورناتور" أو "غازينرغوليزينغ". وقال سولاري " إنّ 'المعلومات' المزعومة التي تشيرون إليها خاطئة".
وكما هو الشّأن لكلّ من جو ويليامز وناديجدا كولينيش وحبيبة الغريبي، تـ·يقع يوميّا الآلاف من الأشخاص الآخرين و الأخريات ضحايا لتقصير البنوك في الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة المتعلّقة بالشّبكات الإجراميّة الدّولية وتبييض الأموال والفساد.
وأعلمت شبكة مكافحة الجرائم الماليّة "فينسن" بازفيد نيوز أنّها لا ترغب في التّعليق على " وجود تقارير أنشطة مشبوهة خاصّة من عدمه". كما بادرت بنشر بيان يستهدف وسائل إعلاميّة غير مسمّاة ورد فيه أنّ " الكشف غير المصرّح به عن تقارير الأنشطة المشبوهة يعتبر جريمة قد تمسّ من الأمن القومي للولايات المتّحدة الأمريكيّة".
قبل أيّام من إصدار الاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيين وشركائه هذا التّحقيق، أعربت فينسن عن نيّة استطلاع رأي العموم حول سبل تعزيز النّظام الأمريكي لمكافحة غسيل الأموال.