ظروف التونسيين·ات في تيلي بيرفورمانس اليونان: (لا) حياة خارج نطاق الخدمة

عندما غادر يحيى وسفيان ورفيق وشيماء وغيرهم الكثير من التونسيين والتونسيات بلادهم من أجل العمل في مراكز اتصالات في اليونان لحساب شركة تيلي بيرفورمانس العالمية، كان يحدوهم الأمل في تحسين ظروفهم المعيشية وتوسيع آفاقهم. لكن الخيبة جاءت مدويّة أمام صعوبة المهام الموكولة إليهم، وهشاشة عقودهم والقيود المفروضة عليهم لا لشيء سوى لكونهم أجانب غير أوروبيين. تحقيق.
بقلم | 09 فيفري 2024 | reading-duration 15 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
"الأمر بسيط: نحن ملكٌ لـ تيلي بيرفورمانس" يقول يحيى باختصار. يعيش الشاب في أثينا منذ عامين، وهو كغيره من مئات التونسيين والتونسيات الآخرين، انضم إلى الفرع اليوناني للشركة الفرنسية العالمية الرائدة في قطاع مراكز الاتصال. هذه الشركة المتواجدة في أكثر من 60 دولة بدأت تنقل خدماتها إلى اليونان حيث اليد العاملة أرخص من أي مكان آخر في أوروبا.

لا شيء في البداية كان يشير إلى أن يحيى مقدّرٌ له أن يصبح عونا في مركز اتصال باليونان. تابع الشاب في تونس مسارا تعليميا علميا، ولكن لأسباب مختلفة استعصى عليه العثور على فرص شغل في مجال دراسته فدفعته الضرورة للعمل في مراكز الاتصال التونسية التابعة ل تيلي بيرفورمانس. يروي: "بمجرد أن تبدأ العمل في مراكز الاتصال تصبح تلك المهنة مسارك الوظيفي على الرغم من أنفك".

في أحد الأيام، اتصل به قريبه الذي يعمل في تيلي برفورمانس أثينا: "سألني ما إذا كنت أريد القدوم للعمل في اليونان [...] قائلا أن بإمكانه إحالتي وجعلي آتي في غضون أسبوعين. ظننت أنها قد تكون تجربة جديدة ..."

شهدت السنوات الأخيرة انضمام العديد من التونسيين والتونسيات على غرار يحيى إلى مراكز الاتصالات التابعة لشركة تيلي بيرفورمانس في أثينا. الأسباب كثيرةٌ منها الرغبة في مغادرة تونس والأمل في تحقيق مدخول أفضل وضمان ظروف معيشية أحسن... لكن هذا المشروع مثّل بالنسبة للكثيرين·ـات خيبة أمل عميقة مردّها الأجور التي تُعتبر زهيدة، ومشقة المعيش اليومي والقيود المتعلّقة ببطاقة الإقامة.

أنجزت إنكفاضة في إطار هذا التحقيق استطلاعا شمل أكثر من مائة تونسي وتونسية من العاملين·ـات في تيلي بيرفورمانس هيلّاس من خلال نشر دعوة لتقديم شهادات. كثيرا ما تكررت في صفوف المستجوبين·ـات نفس العبارة: "العبودية الحديثة".

من أجل التنديد بظروف العمل هذه أطلق موظفو·ات تيلي بيرفورمانس وغيرها من المراكز الموجودة في اليونان مبادرةً في جانفي 2024. يروي زياد* عن هذه الحركة وهو أحد منظميها: "لقد بدأنا بتقديم عريضة عبر الإنترنت وفي أقل من 24 ساعة جمعنا أكثر من 400 توقيع!". دعت العريضة إلى إعادة تعديل الأجور وإقرار منحة غذائية. 

سرعان ما أبدت نقابة SETIP اليونانية دعمها للحراك الذي اكتسب زخما متزايدا. وتم الإعلان عن إضراب مقرر ليوم الخميس 8 فيفري يأمل زياد أن يشارك فيه "عدة مئات من الأشخاص". كما حظيت المبادرة بدعم من الاتحاد العام التونسي للشغل والنقابة الفرنسية Sud-Solidaires

تشغيل وتوصيل حسب الطلب

يروي سفيان* وهو موظف آخر بـ تيلي بيرفورمانس: "لو أخبرني أحدهم أنني سأعمل في غضون شهر أو شهرين في مركز اتصال باليونان لما صدقت ذلك!". يتذكر الشاب بوضوح قدومه إلى أثينا قبل 15 شهرا. كل شيء حدث بسرعة هائلة منذ اليوم الذي تلقى فيه اتصالا من صديق يسأله عما إذا كان مهتما بالعمل في مركز اتصال في اليونان. "لقد عملت في مراكز اتصالات من قبل ولذا قلت لنفسي لما لا؟"

نسرين، 24 سنة، موظفة خدمة حرفاء تعمل عن بعد، 960 دينار في الشهر

ومثلما حدث مع يحيى، انضم سفيان إلى تيلي بيرفورمانس من خلال ما يسمى بنظام "الإحالة [Parrainage]": حيث يوصي به صديقه للشركة ويحصل مقابل ذلك على مكافأة. هذا النظام شائع للغاية داخل الشركة إذ من جملة 120 شخصا استجوبتهم إنكفاضة صرّح أكثر من نصفهم أن توظيفهم جرى بهذه الطريقة. 

أما الآخرون فيتم الاتصال بهم من قبل خبراء توظيف يكتشفونهم على شبكة لينكد إن Linkedin أو يتقدمون للوظائف بمحض إرادتهم أو ينتمون لفرق العمل في مراكز تيلي بيرفورمانس بتونس. يقول رفيق*: "كنت أعمل في تيلي بيرفورمانس سوسة، وهناك، إذا كنت تتحدث الإنجليزية بطلاقة فإنهم يشجعونك على الذهاب إلى اليونان. ذلك أن سيرتك الذاتية موجودة في قاعدة بيانات تتشاركها جميع المراكز التابعة للشركة الأم".

ثم سرعان ما يتّصل بهم خبير التوظيف. يستحضر سفيان أنه تلقى مكالمة من رقم مجهول أثناء تواجده بمقهى رفقة أصدقائه بتونس العاصمة. على الطرف الآخر من الخط، حدّثه رجل باللغة الإنجليزية معرّفا نفسه بأنه من تيلي بيرفورمانس وعرض عليه إجراء اختبار فيديو في اليوم الموالي. "وفي ذات يوم الاختبار تمت تهنئتي وقيل لي إنه تم قبولي. قيل لي إنني 'سأُنقل'. لم أكن أدرك في ذلك الوقت ما قد ينطوي عليه هذا الأمر".

بمجرد الموافقة على التوظيف تجري الإجراءات الإدارية على قدم وساق ما بين تأشيرات وتذاكر طيران… ويجهز كل شيء في غضون أسابيع قليلة.

"كنا تونسيين فقط على متن الطائرة"، يستحضر أيمن* الذي وصل إلى أثينا سنة 2021. "كلنا في طريقنا نحو تيلي بيرفورمانس!"

وفقا لبيانات السفارة التونسية، يبلغ عدد التونسيين·ـات المتواجدين في اليونان 2,164 شخصا وهو رقم -على ضآلته النسبية- إلا أنه تضاعف خلال السنوات الخمس الأخيرة. يعزو كثيرون هذه الزيادة إلى التوظيفات التي تقوم بها الشركة العالمية. "90٪ من التونسيين الذين يعيشون في أثينا متواجدون للعمل في تيلي بيرفورمانس!" يرجّح أيمن متبعاً أن "الـ 10٪ الباقون هم هنا في إطار لم شمل الأسرة أو موظفو Webhelp [وهو مركز اتصالات آخر]". 

يقول الشاب متبسما: "بمجرد أن أخبر مواطنا يونانيا أنني تونسي يقول لي: آه، أنت إذاً تعمل في تيلي بيرفورمانس؟".

لدى وصولهم إلى التراب اليوناني يتم استقبال الموظفين·ـات الجدد أولا في فندق لمتابعة دورة تكوينية تدوم أسبوعين يتعرفون فيها على خصائص الوظيفة. "عندما تدخل إلى غرفة الفندق يكون الحاسوب في انتظارك" يروي سفيان.

ثم سرعان ما يشرع الوافدون·ـات في تنظيم تفاصيل حياتهم الجديدة في هذا البلد الذي يكتشفونه عادة للمرة الأولى. يتابع سفيان: "تيلي بيرفورمانس تتولى كل شيء، إنها منظومة متكاملة الأركان". الإجراءات الإدارية، فتح حساب مصرفي، التأمين ... كل شيء يأخذ مكانه لضمان تشغيل الأعوان الجدد في أسرع الآجال.

"عبودية حديثة"

إثر الدورة التكوينية، ينطلق الموظفون·ـات في أداء عملهم ضمن العملية الموكلة إليهم: فايسبوك، نيتفليكس، غوغل، وغيرها من العلامات التجارية العالمية التي توظّف خدمات تيلي بيرفورمانس. ولا تلبث أن تنتشر بين صفوف الموظفين·ـات التوصيات الشفوية بسرعة خاطفة: "عملية آبل على غاية من السوء، تجنب العمل فيها" أو "سمعت أن عملية فايسبوك جيدة" وما إلى غير ذلك. 

تختلف المهام من موظف إلى آخر. حيث يستجيب البعض عبر الهاتف أو المحادثات النصية لطلبات العملاء الذين يواجهون مشاكل فنية، بينما يتعامل آخرون مع منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، والبعض الآخر يقوم بالمسح بحثا عن حرفاء يشترون اشتراكات الهاتف المحمول ...

غالبا ما يصف الموظفون·ـات هذه الوظيفة بأنها شاقة بالرغم من شهادة "Great Place to Work [مكان رائع للعمل]" التي أحرزتها تيلي بيرفورمانس في سنة 2023. "أفضل مكان للعمل لكنك تخسر فيه صحتك العقلية" يقول سفيان بتهكّم. تتالي المكالمات بالعشرات في اليوم والضغط الصادر من العملاء وفكرة أن تكون أسيرا لاستطلاعات رضا الحرفاء، كلها أصابت الشاب بنوبات الدوار وطنين في الأذن. يقول: "نحن نعمل 40 ساعة في الأسبوع ولنا الحق في راحة بـ 45 دقيقة في اليوم فحسب". المهاتفة تلي المهاتفة ويجب ألا تتجاوز الواحدة منها "ست دقائق وإلا تعرضنا للمعاتبة". 

يمثل المديرون بالنسبة لسفيان مصدر ضغط متواصل لأنهم يؤاخذونهم على كل صغيرة وكبيرة. "كان يجب عليك أن تبتسم"، "لمَ لم تذكر اسم الشركة ؟" ... ومهما كانت طبيعة الموقف فإن "الهدف الوحيد هو رضا الحريف" على حد تعبير زميله رفيق. 

يقوم تقييم أداء الموظفين·ـات، من بين أمور أخرى، على استطلاعات رضا العملاء وهو أمر غير عادل في رأي العديد ممن استجوبتهم إنكفاضة. ينتفض رفيق قائلا أن "الطلب أحيانا يكون مستحيلا! على سبيل المثال لا يمكنك الرد على طلب حريف يقول لك 'أعطني كلمة المرور الخاصة بي !' ".

"أو تخيلوا شخصا ما يشتري هاتفا ليكتشف أن بطاريته بها عطب ما. فيتصل بالخدمة الفنية عن بعد التي تشرح له أن هناك عيب في البطارية وأن عليه تغييرها. لكن العميل سينزعج من العون ويحكم عليه سلباً أكثر من المنتج نفسه". وبذلك يجد العون نفسه خائفا من التعرض لعقوبات أو أن تتقلّص منحته أو ألّا يتم تجديد عقده. 

ظروف العمل لا تفلت هي الأخرى من تقلبات العرض والطلب. يقول يحيى أنه "إذا ما انخفضت وتيرة المكالمات فإننا نضطر، بين العملية والأخرى، إلى أخذ إجازة تكون أحيانا غير مدفوعة الأجر".

"إنها عبودية حديثة" تقول موظفة آخر في حوارها مع إنكفاضة قبل أن تتبع: "نحن بحاجة إلى أن نطلب من مشرفينا الإذن للذهاب إلى الحمام. لا يوجد أدنى شعور بالإنسانية ولا أية فكرة عن العمل الجماعي. ليست لدينا نقابة تدافع عن حقوق الموظفين، كما أن [هناك] تحرش جنسي من قبل المشرفين و معاملات تفضيلية".

بعض الموظفين·ـات الآخرين يلجأون إلى تنسيب آرائهم في ما يخص مكان عملهم أو يرون أن الجانب السلبي الوحيد هو المرتب الذي يعتبر غير كاف. "في الواقع كل شيء يتوقف على نوع العملية" توضح شيماء* وهي موظفة سابقة. وتندد الأخيرة في المقام الأول بالشروط الإدارية واستحالة إيجاد حلول في حالة حدوث نزاع مع رؤسائها.

منح 120 مستجيبا ومستجيبة على الاستطلاع الذي أنجزته إنكفاضة تقييما يساوي 2.2 / 5 في المتوسط لوصف ظروف عملهم.

آثرت تيلي بيرفورمانس عدم الاستجابة لطلبات إنكفاضة لإجراء مقابلات كما لم تردّ على الأسئلة الموجهة إليها عبر البريد الإلكتروني حول ظروف عمل موظفيها وموظّفاتها.

"أجور لا تواكب تكاليف المعيشة في اليونان" 

مهما تنوعت أدوارهم واختلفت مهامهم فإن سفيان وشيماء وأيمن وغيرهم يُزجّ بهم كلّهم في نفس القارب، فهم كناطقين باللغة الفرنسية يتقاضون أجرا خام يقدّر بـ 1045 أورو أي 850 أورو أجر شهريا صافي (ما يعادل 2860 دينارا). ووفقا لمختلف الشهادات، يكون الموظفون·ـات الناطقون بالفرنسية الأقل أجرا، بينما ينتفع المتحدثون·ـات بلغات نادرة، كالعبرية أو الفنلندية مثلا، من "منح لغوية".

قد تزداد هذه المداخيل باحتساب المكافآت ومنح الأداء. يقول أيمن: "أنا محظوظ للغاية لأنني أُعتبر "الموظف الأفضل أداءً [...] ولذا أكسب ما بين 900 و 1000 أورو صافي مع المنح، وهو ما يضمن لي معيشة أكثر أريحية".

يدعي عدد من الموظفين·ـات كذلك أن الزيادات على الأجور التي تقرها تيلي بيرفورمانس تكون زائفة بسبب هذه المكافآت. يشرح أحدهم كيف أن "الأجور تنقسم إلى قسمين: أجر أساسي وأجر متغير. وفي كل مرة تفرض فيها الحكومة اليونانية زيادة في الأجور، تقوم تيلي بيرفورمانس بزيادة الأجر الأساسي وتنقص من الأجر المتغير. وبذلك تكون المرتبات في نظر الحكومة قد زادت بينما تظل بالنسبة إلينا نحن الموظفين على حالها". وجهت إنكفاضة السؤال حول ذلك إلى تيلي بيرفورمانس دون أن تتلقى ردا.

يعادل متوسط الأجور للـ 120 شخصا الذين شملهم الاستطلاع 840 أورو. وفي نظر السواد الأعظم منهم يعتبر هذا المبلغ غير كاف لمواكبة تكلفة العيش في اليونان والتضخم المستفحل بشكل خاص منذ أزمة كوفيد-19 حيث تجاوز في سنة 2022 عتبة 10٪، وهو أعلى معدل سجلته اليونان منذ 25 عاما. 

سجن رخصة العمل

يأتي التونسيون·ـات إلى اليونان بتأشيرة عمل صالحة لمدة ثلاثة أشهر فحسب. يتحصلون إثر ذلك على تصريح إقامة يسمح لهم بالإقامة بشكل قانوني في اليونان ويتيح لهم إمكانية التنقل في كامل فضاء شنغن. لكن الجانب السلبي لذلك هو أن هذا التصريح ينص على أنه لا يمكنهم العمل سوى في قطاع نشاطهم الحالي أي مراكز الاتصال.

يقول يحيى: "باختصار، لا يحق لك العمل إلا في تيلي بيرفورمانس".

بعبارة أدق، لا يمكن لحاملي·ـات تصريح "Specific Purpose [الغرض المحدد]" سوى العمل في واحدة من عشر شركات متواجدة في اليونان وفي سوق عمل تهيمن عليه إلى حد كبير تيلي بيرفورمانس ومنافستها Webhelp. وبالنظر إلى قلة فرص الشغل في اليونان فإن معظم المجيبين·ـات على استطلاع إنكفاضة فضلوا البقاء والعمل في تيلي بيرفورمانس خشية فقدان تصاريح إقامتهم. علما أنه يتعين عليهم مع كل عملية تجديد إثبات أنهم يواصلون العمل في هذا القطاع.

يقول يحيى: "بالإضافة إلى ذلك، نضطر أحيانا إلى الانتظار أكثر من ستة أشهر بين عمليات تجديد التصاريح، وفي غضون ذلك يمنحوننا 'ورقة زرقاء' أو 'ورقة بيضاء' لا تسمح لنا بالتنقل إلى أي مكان باستثناء تونس أو تركيا [أي بلد المنشأ والبلدان التي لا تفرض تأشيرة على التونسيين·ـات]". هذه الإيصالات المؤقتة لا تتيح لهم النفاذ إلى منطقة شنغن باستثناء اليونان. ومن بين 120 شخصا شملهم الاستطلاع الذي أجرته إنكفاضة، ينتظر ثلاثة أرباعهم في الوقت الحالي تجديد تراخيصهم بينما نصفهم تقريبا ينتظر منذ أكثر من ستة أشهر.

الحصول على الإقامة الدائمة -وهو المفتاح الذي يفتح أبواب سوق العمل بأكمله- لا تصير ممكنة إلا بعد خمس سنوات. وهو إجراء يرافقه اختبار معارف ثقافية ولغوية. تقول إحدى موظفات الشركة منذ ست سنوات أن "اللغة تُعتبر عقبة. وأنا ليس لدي الوقت لأتعلمها نظرا لظروف العمل ..."

حياة يومية على وقع اللّايقين

كان بعض الأشخاص ممن قابلتهم إنكفاضة يأملون في أن تبلغ وضعيتهم درجة كافية من الاستقرار مع مرور الوقت. لكن الواقع مغاير فهم يشعرون بأنهم يعيشون حالة مستمرة من عدم اليقين خصوصا في غياب استقرار عقودهم. 

"بمجرد انتهاء المهمة لا نعرف متى سنتمكن من العودة إلى العمل" يقول الموظفون·ـات لإنكفاضة. حيث يوقع أغلبهم عقودا عادة ما تتراوح مدتها بين ثلاثة وأربعة أشهر. وبمجرد اكتمال مهمتهم يجد معظمهم أنفسهم يقضون عدة أسابيع - أو حتى أشهراً - على قيد الانتظار وقد لا يدرون في بعض الأحيان ما إذا كانت ستتم إعادة توظيفهم في مهمة جديدة أم لا.

علاوة على ذلك فهم مقيدون بشروط تصاريح إقامتهم ولا يمكنهم العمل في مكان آخر ولو بشكل مؤقت. يقول رفيق: "ذات مرة، وجدتني لا أعمل لمدة شهرين فانتهى بي الأمر بالعمل سرا".

"عقود العمل محددة المدة هي بالفعل أسوأ ما في تيلي بيرفورمانس. يقولون لك اذهب واسترح لمدة شهرين أو ثلاثة وسنعاود الاتصال بك مرة أخرى. وهكذا تجد نفسك معطّلاً عن العمل لمدة ثلاثة أشهر... تخيّل نفسك تذهب إلى صاحب المسكن الذي تكتريه وتقول له سوف أغادر وسأراك بعد ثلاثة أشهر، هل هذا معقول؟"

يعمل معظم الموظفين·ـات بعقود محددة المدة بشكل متواصل على مدى سنوات. "طالما أننا بعقد محدد المدة فإنهم يفعلون ما يحلو لهم" يقول أحد الموظفين·ـات بسخرية. ومن الملفت أن هذه العقود -والتي تمكنت إنكفاضة من الاطلاع على نسخ منها- لم تُبرم مع تيلي بيرفورمانس وإنما مع شركات وسيطة أخرى على غرار LMW و ManPower و Randstadt KSM و For People.

زياد، على سبيل المثال، وقّع أول ثلاثة عقود محددة المدة مع تيلي بيرفورمانس لكن بمجرد أن تم تجديد الرابع صار العقد باسم إحدى هذه الشركات الوسيطة. علما وأن قانون الشغل اليوناني ينص على أنه يحق لأي موظف·ـة قد وقّع ثلاثة عقود محددة المدة مع نفس الشركة أو عمل لحسابها لمدة ثلاث سنوات أن يحصل على عقد غير محدد المدة. وبالتالي يرى من تمت مقابلتهم أن عملية تغيير الشركات التي تذكرها مختلف العقود بهذا الشكل ما هي إلا وسيلة تيلي بيرفورمانس للتهرّب من مقتضيات هذا القانون وتفادي ترسيم موظفيها وموظّفاتها.

في اتصال مع إنكفاضة، تقول شركة المحاماة اليونانية Iason Skouzos - TaxLaw أن تتابع العقود المحددة المدة ممكن في حالات معينة "إذا كان الأمر مبررا من ناحية شكل أو طبيعة أو نشاط صاحب العمل أو الشركة أو لأسباب أو احتياجات معينة. ويجب ذكر هذه الأسباب في عقد التجديد أو أن تنشأ عن الظروف المحيطة بالنشاط". وإلى جانب ذلك، يجب على العقود أن تكون متباعدة بـ 45 يوما على الأقل حتى لا يتم اعتبارها متتابعة وإلا فإنه يجب إعادة تصنيفها على أنها عقود غير محددة المدة. 

ويضيف مكتب المحاماة أن اللجوء إلى وكالات التشغيل المؤقت من قبيل Randstadt أو LMW تؤطّره تشريعات دقيقة ومُحكمة جُعلت لحماية حقوق الموظفين·ـات.

يخلص مكتب المحاماة إلى أن "اللجوء إلى استخدام أرباب عملٍ مباشرين مختلفين على غرار وكالات التشغيل المؤقت لكل عملية تجديد للعقد من أجل التحايل على القيود القانونية المذكورة أعلاه من الممكن أن يكون خدعة رخيصة".

رغم تذكيراتنا المتعددة لم تستجب تيلي بيرفورمانس هيلّاس لطلباتنا لإجراء مقابلة ولم تردّ على الأسئلة التي أرسلتها إنكفاضة حول هذا الموضوع.

رغم كل ذلك، أسعف الحظ بعض الموظفين·ـات ومن بينهم أيمن للحصول على عقد طويل المدة. "لكنني استثناء" يذكر الشاب. فمعظم زملائه من حوله لا زالوا يعانون من وضعية هشة. آية* هي أيضا واحدة من المحظوظين القلائل الذين ترسّموا بسرعة، ولعل الأمر يعود لكونها في الأصل مهندسةٌ درست خمس سنوات بعد الباكالوريا وهي تتقن عدة لغات بطلاقة. ولذا فإن كفاءاتها التي تتجاوز ما يتطلبه شغلها وأداؤها الحسن من شأنها أن تفسر ترسيمها السريع.

تقرّ آية بأنها انضمت إلى تيلي بيرفورمانس على أمل الانتقال إلى أوروبا بعد سلسلة من الإخفاقات في العثور على وظيفة في مجالها. "تقدمت بترشحي عدة مرات لوظائف في الولايات المتحدة وفرنسا وسويسرا وفي كل مرة أبلغ المرحلة الأخيرة من المقابلات… لكن بمجرد إدراكهم أنني مقيمة في تونس وأنني سأضطر إلى الانتقال يتم رفضي". لذلك بدت لها منظومة تيلي بيرفورمانس التي تتكفل بكافة الإجراءات الرسمية لجلب التونسيين·ـات إلى اليونان وسيلة جيدة للعمل في أوروبا، بالرغم من كل القيود المفروضة على تصريح الإقامة.

هل من بدائل؟

أمام هذه الوضعية يبدو للبعض أن شركة Webhelp المنافسة لـ تيلي بيرفورمانس بديل لا بأس به. يقول رفيق: "تمنح Webhelp عقودا غير محددة المحدة خلافا لـ تيلي بيرفورمانس". لكن ذلك لا يمنع أن ظروف العمل والأجور تظل متشابهة إلى حد كبير. 

تعلق شيماء في هذا الصدد: "تركت تيلي بيرفورمانس لأنني سئمت من طريقة إدارتها". "وبعد بضعة أسابيع انضممت إلى Webhelp. فمن تراني وجدت هناك؟ مديري السابق!" تقول الشابة ضاحكة. 

من بين مجموع من شملهم الاستطلاع، يخطط أقل من ربعهم للبحث عن وظيفة أخرى في اليونان. بينما يفكر معظمهم بدلا من ذلك في البحث عن فرصة في مكان آخر في أوروبا. ولكن الشهادات تشير أيضا إلى أن الانتقال إلى بلد أوروبي آخر أمر صعب المنال. يضرب يحيى مثالا: "فلنقل أنني أريد استكمال دراستي في فرنسا مثلا، يتوجب عليّ عندئذ العودة إلى تونس ومن ثمة القيام بكافة الإجراءات لدى كامبوس فرانس هناك". 

أيمن من ناحيته حاول الانتقال إلى مكاتب أخرى تابعة لشركة تيلي بيرفورمانس في ألمانيا حيث "يتقاضى الموظفون على الأقل ثلاثة أضعاف الأجر مقابل نفس العمل". استفسر الشاب عن إمكانية توظيفه هناك ونقلته إلا أنه سرعان ما أدرك أن ذلك ليس متاحا لغير الأوروبيين·ـات بسبب رخصة "الغرض المحدد" سيئة الذكر. 

وعلى العموم فإن من يفكرون في العودة إلى تونس قلائل للغاية. يشرح رفيق كيف أن "اليونان هي مهرب، فالحياة التي أعيشها هنا لم أستطع العثور عليها في تونس. البعض يريد الحرية. والبعض الآخر يريدون الهرب من الشرطة، وآخرون يريدون ارتداء ما يحلو لهم، هنا لا يوجد القانون عدد 52 ولا نقص في السكر وغيره..."

ولذا يواصل معظمهم العمل في تيلي بيرفورمانس يحدوهم أمل في أن تتحسن ظروفهم خصوصا مع إضراب 8 فيفري. يقول زياد: "أشجع الناس لأن كل ما نطلبه هو حقوقنا." وبينما ينهمك زياد في تنظيم الإضراب، يتعرض الشاب في ذات الوقت وبشكل مباشر للظروف الهشة التي تكونت الحركة للاحتجاج عليها. فقد انتهى للتو عقده المحدد المدة الذي وقعه مع تيلي بيرفورمانس ومن المفترض أن يستأنف مهمة جديدة في غضون بضعة أشهر. لكن لا شيء سيقف حائلا دونه والمشاركة في الإضراب لأن من الضروري، على حد قوله، "أن نتغلب على خوفنا".