"جحيم" العمل الموسمي في قطاع السياحة

أكل طيب، شواطئ خلابة، بارات مفعمة بالحيوية، هذا هو الصيف بالنسبة للعديد من السياح الذين يأتون لقضاء عطلاتهم في تونس. لكن في نظر العمال الموسميين، تحمل هذه الفترة معنى مختلفا تمامًا، فبعيدًا عن المشاهد التي نراها على البطاقات البريدية يتضمن موسم الصيف للعاملين في قطاع السياحة أيام عمل طويلة ومنهِكة مقابل أجور بخسة.
بقلم | 27 أوت 2023 | reading-duration 10 دقائق

متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
يجلس أحمد* خارج كافيتريا في سيدي بوسعيد في وقت متأخر من الظهيرة، يبدو مرتاحًا وهو يستمتع بالسجائر والقهوة ويراقب من مكانه حركة المارة الكثيفة. " لقد تركت العمل قبل أيام قليلة " يقول مبتسما قبل أن يواصل حديثه عن كيف ترك وظيفته كنادل في أحد أكثر الأماكن جاذبية للسياح في تونس: "المرتّب ليس سيئًا إذا كنت تقضي اليوم جالسًا في مكتبك تعمل في مركز اتصال. ولكن عندما يتعين عليك المشي جيئة وذهابا بلا انقطاع بين الطاولات والكوكتيلات، فتلك قصة أخرى".

تجربة أحمد لا تختلف كثيرا عن تجارب سارة * وأيوب * وبشير * وسمير * وآلاف العمال والعاملات الآخرين حسب الموسم واحتياجاته. لم يتعافَ دفق السياح بعدُ إلى مستوى ما قبل الكوفيد والعثور على وظيفة مستقرة صار أمرًا صعبًا، مما يوقع العمال الموسميين في ظروف عمل عسيرة يفتقرون فيها إلى الضمان الاجتماعي والحقوق والاستقرار مع عدم كفاية الأجور، كل ذلك في بيئة هدفها، على حد تعبير بشير وسمير، استغلالهم قدر الإمكان.

البحث عن شغل

بشير تلميذ في المعهد الثانوي. ترك لتوه عمله في سلسلة محلات لبيع المثلجات فتحت فروعا في عدة أماكن في تونس. تعود تجربته الأولى في فرع ضاحية المرسى إلى صائفة 2022. كان الشاب حينها بحاجة إلى المال لإعالة نفسه لكن راتبه الشهري البالغ 550 دينارًا كان بالكاد يكفيه. يقول "لا فرق بين الرواتب في المرسى أو في وسط العاصمة فالوضع هو نفسه".

خلال هذا الصيف، أعاد بشير التجربة لأنه لم يكن من السهل العثور على وظيفة في قطاع السياحة.

يتفق جميع محدّثينا على أنه "يجب أن تكون لديك واسطة في القطاع الذي تريد العمل فيه وإلا فمن الصعب جدًا الحصول على شغل".

يومئ سمير برأسه بمرارة من مكان جلوسه بجانب بشير. يعمل الشاب في ملهى ليلي حيث يعدّ الطاولات وينقل الطعام والأطباق بين المطبخ والقاعة. "وجدت وظيفتي أيضًا بفضل صديق لي. أنا محظوظ لأنني أكسب 700 دينارا في الشهر بينما يكسب آخرون 400 دينار ". أحمد هو الآخر وجد وظيفته بفضل شبكة معارفه، وكذلك الحال بالنسبة لأيوب وكيل التسجيل في حفلات صيفية في ضاحية قمرت وتونس العاصمة والحمامات.

يقدّر أيوب الجانب الاجتماعي من عمله وحقيقة أنه يستطيع التفاوض على راتبه قائلا أن دوره "مُثَمّن بما أنني مسؤول عن بيع تذاكر الدخول وقبض الأموال"، الأمر الذي يمكّنه من طلب 200 إلى 400 دينار عن الليلة.

يواصل أيوب مفسّرا أن الجميع في بيئة عمله يعرفون بعضهم البعض: "السمعة والثقة أمران بالغا الأهمية والرؤساء لا يريدون رؤية وجوه جديدة. أنت لا تغير فريقا فائزا". وعلى الرغم من أنه يحب عمله إلا أن أيوب يراه نشاطا ثانويا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عدم الاستقرار: "حتى الآن اشتغلت مرة واحدة في جوان ومرتين في جويلية حسب عدد التظاهرات المنظمة في الجهة". علاوة على ذلك لا يتم تقديم أي ضمان بشأن مدة العمل، ففي حالة وجود مشكلة فإن العامل هو الذي يخاطر بكل شيء: "يمكنهم طردك في أي وقت" يؤكد سمير.

من ناحيتها تروي سارة عن عملها في أحد الفنادق ببنزرت قبل بضع سنوات إن سوق العمل لم يعد يوفر العديد من الفرص. إذ هناك عدد أقل من السياح ولذا لم يعد أصحاب العمل يحتاجون سوى لعدد أقل من الموظفين، كما لم تزد الأجور خلال السنوات الماضية".

غياب عقد عمل

من الشائع جدا في قطاع السياحة  العمل بدون عقد يما أن القطاع ما يزال يتعافي من آثار الجائحة ويكافح لتوفير مواطن شغل. من بين الأفراد الخمسة الذين قابلتهم إنكفاضة كجزء من هذا التحقيق، أحمد فقط يتمتع بعقد شغل لا لشيء إلا لأنه طلب ذلك صراحة: "أردت ضمان الحصول على بعض المال في نهاية نوبتي".

لا تزال المشاكل المرتبطة بالعمل الموسمي غير مدروسة بشكل جيد، ويرجع ذلك بالأساس، كما تشير رجاء الدهماني رئيسة لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعضو الاتحاد العام التونسي للشغل والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، إلى أن غالبية العمال الموسميين يعملون بلا عقود ولذلك لا توجد بيانات دقيقة عن عددهم في تونس.

عملت سارة في فندق عندما كانت تبلغ من العمر عشرين عاما، وتقول أنها في ذلك الوقت لم تكن تولي أهمية لوضعية عملها اللانظامية حيث كانت تحتاج إلى المال فحسب. سمير من جهته يعرب عن إحباطه من اضطراره إلى العمل حتى عندما يكون مريضًا، في غياب الضمان الاجتماعي وبدون خيار الإجازة المرضية.

"إذا بقيت في المنزل لأنك مريض فأنت مطرود. هناك دائما شخص ما على استعداد لأخذ مكانك".

وحتى في حالة حوادث الشغل قد لا يتمكن العامل من أخذ استراحة. مثال على ذلك عندما جرح أحمد إبهامه خلال عمله في الحانة ولم يستطع وقف النزيف لكنه أُجبر على مواصلة العمل بالرغم من ذلك. يقول الشاب بكل براغماتية: "عمري 22 عامًا فقط، التقاعد بالنسبة لي ليس أولوية. سوف أدخر لاحقاً لكن الآن أنا فقط بحاجة إلى مصروف الجيب".

من أجل تسوية أوضاع العمال الموسميين، يقول إلياس شفتر المحامي لدى مكتب المحاماة شفتر روادي أنه من الضروري قانونًا توقيع عقد عمل محدد المدة (CDD) وفقًا للفصل 6-4 من مجلة الشغل.

ويضيف شفتر أنه وبموجب القانون التونسي، فإن مصطلح "العقد" لا يتطلب بالضرورة شكلاً كتابيا: "المهم هو معرفة ما إذا كان الموظفون يستفيدون من التغطية الاجتماعية أم لا. وهذا يعني أن رب العمل يدفع مساهمات موظفيه ويصرح عنهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي. وتتيح هذه العملية للموظفين الاستفادة من التأمين على المرض (CNAM) وكذلك التأمين على حوادث الشغل على سبيل المثال."

يقول أيوب أن" 'ثقافة العقد' ليست متجذرة بعمق في المجتمع التونسي ذلك أن العبء الضريبي مرتفع عندما تكون في وضعية نظامية".

ويمكن أن يؤدي غياب إطار العمل إلى انتهاكات أخرى من قبيل استغلال القاصرين وهي ممارسة شائعة بالفعل. بشير العامل في محل بيع المثلجات، هو واحد من العديد من القصّر العاملين بشكل غير رسمي في هذا القطاع: "لقد بدأت العام الماضي. كنت في السادسة عشرة من عمري. إنه أمر غير قانوني ولكن جميع أصدقائي يعملون أيضًا، نحن بحاجة إلى المال". ويضيف سمير أن نقص فرص العمل الأخرى يدفعه للرضا بما لديه دون اعتراض.

يقول الفتى ضاحكا: "نحن يافعون، أنا أبلغ من العمر 18 عامًا وهم يعلمون أنه بإمكانهم منحنا أجورا أقل لأنهم إذا وظفوا شخصًا أكبر سنًا فعليهم دفع المزيد. "

في تونس، يُسمح للشبان البالغة أعمارهم 13 عامًا فأكثر العمل بشكل نظامي في القطاع الفلاحي وفي الشركات العائلية المملوكة لذويهم. لكن في المجالات غير الصناعية وغير الفلاحية تم رفع السن الأدنى للعمل إلى 16 عامًا شريطة توفير ظروف عمل محددة وفقا للأستاذ شفتر. كما يضيف المحامي أن جميع العمال الموسميين تقريبًا هم من الطلبة وهم بأمس الحاجة إلى هذه الوظائف، وهو ما أكده محدثونا قائلين أن عدم وجود عقد ليس عقبةً ولكن ذلك يعني أيضا أن هناك ثمنا يجب سداده.

مقاومة وتيرة العمل المحمومة

في هذه البيئة التي غالبًا ما يُحرم فيها العمال من العقود والتغطية الاجتماعية والتأمين، تكون ساعات العمل الإضافية أمرًا شائعًا ولا يقبض العمال في كثير من الأحيان مقابلها أجرا. يروي بشير "نقضي ثماني ساعات أو أكثر واقفين نتنقل من طاولة إلى أخرى، إنه أمر مرهق ومجهد". نتيجة لهذه الوتيرة المحمومة، يكرس بشير وسمير يوم العطلة الوحيد لديهما لتجديد طاقتهما والاستعداد للأسبوع المقبل: "ليس لدينا وقت للاستمتاع بالشاطئ والاسترخاء في فصل الصيف".

وفقاً للشهادات التي جمعتها إنكفاضة يخضع العمال الموسميون لأوامر المشغّل الذي يحدد ساعات العمل ومدة فترات الراحة. وعلى مدى ثماني ساعات من العمل كان لا يُسمح لبشير على سبيل المثال سوى بـ 30 دقيقة للراحة يقسمها إلى ثلاث فترات قصيرة.

يتفق جميع محدثينا كذلك على استحالة طلب مهلة من الراحة خلال فترات الذروة. يتنهد أحمد وهو يروي لنا كيف أنه "في بعض الأحيان بعد ساعات الذروة نجلس لتدخين سيجارة، لكننا من فرط التعب نفقد القدرة على التركيز". وبصفته نادلًا تكون مهامه خلال التظاهرات الخاصة في مكان عمله أكثر شمولاً وتطلبًا مع تدفق أكبر للعملاء.

"في الأوقات العادية أكسب 35 دينارًا في اليوم وينص عقدي على زيادة بمقدار مرة ونصف خلال المناسبات الخاصة إلا أن ذلك لم يحدث أبدًا " مشددًا على مكانة البقشيش في مجموع مدخوله.

خلال أيام العطل كان بإمكان بشير العامل في محل المثلجات أن يكسب ضعف أجره اليومي المعتاد مثلما حدث خلال العيد حين عمل لأكثر من اثني عشر ساعة متتالية. لكنه استقال قبل حصوله على مرتبه الأخير وهو أمر يثير لديه القلق: "لا أعرف ما إذا كنت سأتلقى أجري عن ثلاثة أسابيع من العمل في جويلية". سمير هو الآخر يعاني عادة من الانتظار لعدة أيام أو حتى أسابيع قبل أن يتلقى مرتبه الشهري.

فرص العمل في السوق الحالية أصبحت على غاية من الندرة لدرجة أن الباحثين عن شغل يرضون بظروف العمل المتعبة والأجور المنخفضة للبقاء لأطول فترة ممكنة. هذا ما يحاول سمير فعله قائلا: "لي صديق طباخ في ملهى ليلي هو الذي عرض علي هذه الوظيفة. قال إنه سيكون أمرا سهلا لكن كل نوبة عمل جحيم".

يحدث أن يترك العمال الموسميون وظائفهم إذا كان عملهم مخيبًا للآمال مثلما فعل أحمد الذي خيّر هذه المرة الاستمتاع بالصيف دون أن يجبر نفسه على العمل، بينما لم يستطع بشير تحمل المظالم في مكان عمله: "استقلت بسبب خلافات مع مشرفي حول التوزيع غير العادل للبقشيش بين الموظفين وعندما أثرت المسألة أنكروا الحقيقة فقررت المغادرة، طفح بي الكيل".

في حالات الاستغلال أو المعاملة غير العادلة في مكان العمل، تكون إجراءات الإبلاغ عن الانتهاكات معقدة. حيث تشرح رجاء الدهماني أنه "يجب على النقابة مراجعة طلبك والموافقة عليه إذا اعتُبر شرعياً"، مشيرة إلى عيب هذا الإجراء المتمثل في خطر فقدان المرء لوظيفته وهو ليس خيارًا يستطيع تحمّل آثاره معظم العملة. وعلاوة على ذلك، إذا لم تتم الموافقة على الطلب يصبح الدعم من المنظمة الشغيلة من أجل التنديد بظروف العمل أمرا مستحيلًا بعد ذلك. 

الاستغلال في العمل

على الرغم من الصعوبات، طورت سارة علاقات وطيدة مع زملائها بما في ذلك الموظفين «الدائمين». لكنها تؤكدعلى وجود "استغلال لا محالة". تم "تعيين" سارة بدون عقد ولطالما كانت مهامها غير واضحة: غسل الأطباق وإعداد الطاولات في مطعم الفندق والترحيب بالسياح. يبدأ يوم عملها على الساعة السادسة صباحًا وينتهي مع الساعة الرابعة أو الخامسة مساءً. ما تلبث أن تكمل مهامها الرئيسية حتى يتم تكليفها بمهام أخرى مثل تنظيف النوافذ أو الأرضيات. تقول: "أنا لست فخورة بهذه التجربة لأنني أرى أنهم عهدوا إلي بمهام لم يكن من المفترض بي الاضطلاع بها. لكنني أعتقد أنه كان من الجيد بالنسبة لي أن أحصل على مثل هذه التجربة في شبابي".

من جانبه، يخبرنا بشير أنه لاحظ نوعا من التضامن بين العمال الموسميين لم يره مع رؤسائه وزملائه الموظّفين على فترات أطول. وبدلاً من الطلبات، لم يكن هناك سوى الأوامر. يقول: "إذا انتقدتهم لشيء ما فإن عاقبة أدنى ملاحظة تكون الزيادة في عبء العمل والمهام التي ليست من اختصاصنا". "كان العمل الإضافي مفروضا وغير مدفوع الأجر والوصول متأخرًا إلى العمل أمر غير مقبول. وجب علينا المواصلة إلى نهاية الخدمة".

في الحانة التي عمل فيها أحمد، يتم جرد المخزون في بداية كل خدمة. في نهاية ليلة العمل، تحسب آلةٌ مبيعات المساء بناءً على الإيرادات الداخلة ويحدث أن تكون هناك "فجوة" يجب سدها. "إذا بدأنا على سبيل المثال بمخزون 300 زجاجة وأشارت مبيعاتنا إلى 200 في نهاية المساء، إذاً من المفروض أن تبقى 100 زجاجة. فإذا وجدنا 90 فقط يتم تقسيم تكلفة العشر الباقيات بين الموظفين". من جهته يضيف بشير إلى أن العملية مشابهة في محل بيع المثلجات حيث كان يعمل، إذ عندما ينكسر كوب أو شيء ما يُترك الأمر للموظفين لسداد ثمنه.

يعرف أصحاب العمل أن عمالهم الموسميين لا يعملون سوى لفترة محددة وبإمكانهم الاستقالة قبل انتهائها. بحسب بشير، فإن ذلك يساهم في معاملة غير عادلة لهذه المجموعة،بينما يتبع سمير بقوله "عندما تكون صغير السن وعديم الخبرة من الواضح أنهم سيتنمرون عليك ويهينونك".

يرى الشاب أن أفضل طريقة لتفادي التنمر هي أن تكون مثاليًا قدر الإمكان. وهو ما يؤكده أيوب بقوله  "عليك أن تتصرف بشكل جيد وإظهار الاحترام للآخرين ولنفسك حتى لا يتم استغلالك". بصفته وكيل تسجيل في الحفلات، يتوجب على أيوب أيضًا إنشاء علاقات جيدة مع الأمنيين "لا فقط من أجل العمل. فإذا حدث أي خطأ من المهم أن تضع في اعتبارك أنه سيتعين عليك العمل معهم مرة أخرى مستقبلا أو حتى مصادفتهم في إحدى السهرات - وحينها قد يوقعونك في مشاكل".

الدولة من جهتها لا تزال عاجزة عن التحكم في ظروف عمل الموظفين. ووفقا لشفتر كان يمكن للشرطة الاضطلاع بهذا الدور، لكن الإدارة العامة لتفقدية الشغل هي المسؤولة عن مراقبة امتثال المشغّلين لقواعد الشغل. وتشرح سارة أنه "خلال الجائحة، كانت الشرطة أكثر حضوراً. ولكن الآن مثلما كان يحدث من قبل، يقدّم المشغلون الأموال للسلطات في حالة وجود انتهاكات فيتم حل الوضع. "

أيوب عن نفسه شهد مشاهد مماثلة. "في المناسبات يأتي أعوان البوليس ويتحققون من عدد الأشخاص الموجودين وما إذا كان هناك كحول وما إلى ذلك. ثم يطالبون بالمال ويغادرون". ويضيف: "يمكن للشرطة أن تأتي عدة مرات خلال نفس السهرة. عليك فقط أن تدفع لهم في كل مرة."

تكرر الأزمات

وفقًا لرجاء الدهماني ساءت في السنوات الأخيرة حالة العمال الموسميين وخاصة منهم العاملين في قطاع السياحة. وألقى الوباء بظلاله على عدد السياح وساهم عموما في تدهور الوضعية. سارة التي عملت في فندق خلال صيف 2016، توضح أن معظم الحرفاء اليوم هم من التونسيين والتونسيات. هؤلاء يقومون بزيارة مدن ومواقع محددة في رحلات يومية وبذلك لا يحتاجون إلى حجز غرف فندقية. بينما تقول رجاء الدهماني من جهتها أن "السياحة أخذت تنتعش مرة أخرى بفضل السياح من البلدان المجاورة مثل ليبيا والجزائر".

وتشير الأخيرة إلى أن تأثير جائحة كوفيد-19 لا يزال جليا، لكن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها تونس لها دور أيضًا في قلّة عدد السياح الأجانب في البلاد. كما أن مشاكل الأمن على الحدود وفكرة وجود تهديدات إرهابية لا تشجع الزوار على القدوم. لكن ذلك لا يمنع أن المعطيات الأولية تبدو واعدة، حيث صرّح وزير السياحة محمد معز بلحسين في مقابلة مع إذاعة موزاييك إف أم أن البلاد استقبلت أكثر من 5 ملايين سائح وسائحة إلى موفى شهر جويلية 2023.

ويؤدي الانخفاض في عدد السياح بالنسبة للسكان المحليين إلى انخفاض الحاجة إلى العمالة في المطاعم والحانات والفنادق مما يساهم بدوره في ضعف سوق الشغل. تقول سارة أن العمل مع الحرفاء التونسيين والتونسيات يعني أيضا تغيير معايير اختيار العمال. فعلى سبيل المثال، لم يعد من الضروري التحدث بعدة لغات مضيفةً "نحن في تونس نحتاج إليهم [أي السياح الغربيين]... عندما يأتون تتم معاملتهم بشكل جيد لأننا نعلم أن بحوزتهم موارد مالية".

بعبارة أخرى لا يولي قطاع السياحة نفس الاهتمام والعناية للسكان المحليين مقارنة بغيرهم من الأجانب. لكن السؤال الأخير يدور حول ما إذا كانت هذه الظروف والأجور المتداوَلة تستحق التعب من أجلها. ترك أحمد وظيفته في قمرت للاستمتاع ببقية الصيف مع عائلته وأصدقائه. وسارة من جهتها لم تعد إلى العمل في الفندق على الرغم من أن الفرصة كانت سانحة: "لا أعتقد أن الأمر يستحق ذلك. اعتقدت في ذلك الوقت أنه أمر جيد لأنني أردت أن أعمل وأجني مالي الشخصي ولا أعوّل على والديّ".

لا يعتبر أيوب من ناحيته أن عمله مستقر فهو يعلم أنه مجرد نشاط ثانوي ومؤقت. الأمر كله يتعلق في نهاية المطاف بالمال."المال وحده يرضينا" يعلّق سمير متبعاً "لكن التجربة مروّعة، أنا أضحّي بصيفي ولا أتقاضى أجرًا مناسبًا".