تعهيد التأشيرات: الدول تعمل تحت ظل الخواص

أصبح مزودو الخدمات مثل تي ال اس كونتاكت (TLScontact) الخانة الإجبارية التي يمر عبرها الراغبون والراغبات في الحصول على تأشيرة دخول إلى أوروبا. غير أن نظام الاستعانة بمصادر خارجية هذا القائم على التعاقد مع شركات خاصة والذي يُفترض أن يُيسر عملية طلب التأشيرة يضع في الواقع مسافة مع المتقدمين بالطلب ويكرس سياسة تملص الدول من مسؤولياتها ويضع جني المزيد من الأرباح في صدارة أولوياته. تحليل.
بقلم | 24 جوان 2023 | reading-duration 20 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
لا يخفي وائل* اندهاشه قائلا: "لهم اعتقاد راسخ بأن شركة تي ال اس هي القنصلية نفسها وأنها من يتولى إصدار قرار منح التأشيرة من عدمه في حين أن الأمر مخالف لذلك تماما!". عمل وائل سابقا صلب شركة تي ال اس كونتاكت بين عامي 2015 و 2017. وكان بحكم عمله على اتصال يومي بطالبي وطالبات التأشيرة وملفاتهم وها هو يحدثنا هنا عن تجربته صلب الشركة المذكورة وتفاعلاته مع العملاء الذين غالبا ما لا يكونون على بينة من إجراءات طلب التأشيرة ودور مسدي الخدمات هذا.

تتعهد شركة تي ال اس كونتاكت الخاصة، المنتصبة بالعاصمة والمنتمية إلى مجمع الاتصالات تيلي بيرفورمنس (Teleperformance) بتجميع طلبات تأشيرة الدخول إلى عدة دول على غرار فرنسا وبلجيكا وألمانيا والكثير غيرها. وتتولى هذه الوكالة جدولة المواعيد وتلقي الملفات وأخذ البصمات إلى جانب قبض رسوم الخدمة والتأشيرة نقدا من المتقدمين بطلب.

تنقل وائل بين جميع أقسام تي ال اس كونتاكت خلال السنتين اللتين قضاهما هناك. ويقول وائل متذكرا: "في بداياتي، كنت موظفا متعدد الكفاءات، بدأت مسيرتي المهنية من أسفل السلم". تنقل الرجل بين مكتب الاستقبال حيث كان مسؤولا عن تجميع ملفات طلب التأشيرة وقسم التوثيق حيث كان يأخذ بصمات طالبي.ات التأشيرة و"المكتب الخلفي" حيث كان مكلفا بإعادة جوازات السفر إلى أصحابها الذين كانوا يتلهفون لمعرفة إذا ما خُتمت عليها التأشيرة المرجوة.

من كثرة معالجة الملفات، أصبح وائل ملما بآليات اتخاذ القرار في القنصلية الفرنسية.

يقول وائل متنهدا: "لطالما نصحت الكثير من الناس بالإحجام عن التقدم بطلب تأشيرة. لا طائل من ذلك. بعضهم لا يصدقونك قبل أن يُصدموا برفض طلبهم. [...] أفعل ذلك بدافع الإنسانية لإدراكي بأن العملية تثقل جيب التونسيين".

يتذكر وائل التوتر الذي كان ينتاب صفوف المتقدمين.ات لمكتبه عندما كان يمدهم تلقائيا بوثيقة تعليمات القنصلية من تحت النافذة الزجاجية. يعرف وائل حق المعرفة أن معظم العملاء لن يجرؤوا على التشكي من النظام القائم والإجراءات المكلفة والمطولة خشية التأثيرات المحتملة على مآل ملفهم.

ومع ذلك، فإن دور وائل صلب تي ال اس كونتاكت ذو صبغة إدارية بحتة: الشركة الخاصة غير مؤهلة بتاتا للتدخل في القرارات التي تتخذها التمثيلات القنصلية. في تونس، يطبق مزودو الخدمات مثل تي ال اس كونتاكت و في اف اس قلوبال (VFS Global) و بي ال اس (BLS) وألمافيفا (Almaviva) القرارات السياسية للدول الأجنبية ويقفون حجر عثرة إضافي أمام المتقدمين.ات بطلب تأشيرة، الشيء الذي يعزز حراسة الحدود الخارجية داخل البلاد ذاتها.

تي ال اس أو منطق الإبعاد

لدى عملها صلب تي ال اس كونتاكت، كانت داليا* أحيانا مطالبةً بمعالجة أكثر من مائة طلب يوميًا. وهي تتذكر قلة حيلتها إزاء ملفات بعض العملاء لدى عملها كمرشدة حرفاء بين سنتي 2012 و 2016. تروي داليا عابثة بأصابعها في عصبية واضحة: "أذكر في ما أذكر نحيب رجل أمام شباك الخزينة. كانت زوجته مستقرة بفرنسا وقد اضطر لبيع أثاثه لدفع رسوم التأشيرة دون الموافقة على طلبه في الأخير".

وكما هو الحال بالنسبة لوائل، اكتسبت داليا بعض التجربة: "من كثرة معالجتي للملفات، يمكنني التنبؤ بمن سيُرفض طلبه أم لا".

وفقًا للموظفة السابقة، فإن بعض الفئات المعينة أقل حظا من غيرها ومن ذلك الأرامل المتقاعدات اللواتي استقر أبناءهن البالغون بفرنسا. تحلل داليا الوضع بقولها: "إذا كان الزوج على قيد الحياة، عادة ما يُقبل الطلب. لكن هنالك احتمالية كبرى لرفض طلب أرملة مسنة حتى مع توفر ملف تكفل ابنها المستقر بفرنسا بها لغياب ما يبقيها هنا [في تونس] ".

وتسر بأنها كثيرا ما استرقت النظر إلى كتفها للتأكد من أن رئيستها في العمل ليست بصدد مراقبتها قبل أن تقترح إقحام تغييرات على ملفات عملائها وعميلاتها. فطبقا لتعليمات رئيستها في العمل، لم تكن داليا مخولة إلا للتثبت من توفر الوثائق المدرجة في قائمة المستندات المطلوبة من قبل القنصلية من عدمه، دون إعطاء أي تفصيل بشأن الوثائق الناقصة منها.

تشرح داليا: "إذا ما تقدم إليك أحدهم بكيس فارغ طالبا منك إدراجه بالملف، تنصاع إلى رغبته وتقبل الملف كما هو. لسنا مخولين للإلحاح عليه أو نصحه بإحضار مستندات أخرى، وإن كنا نعلمه بذلك أحيانًا بوازع الشفقة".

كانت داليا تحاول مساعدة المتقدمين.ات بطلب تأشيرة كلما أُتيحت لها الفرصة من خلال تشديدها على أهمية استيفاء الملف لبعض العناصر. فعلى سبيل المثال، يُعتبر المبلغ الواجب توفيره لتغطية مصاريف الإقامة من بين العناصر الحاسمة. وتلخص ذلك بقولها: "أحيانا يكون إحضار مبلغ هام سببًا لرفض الطلب حيث أن إحضار مبلغ كبير من المال مع عدم الحصول على تأشيرة سابقا يوقظ الشكوك بشأن نية العودة إلى تونس. كما أنه على العكس من ذلك، إذا كان المبلغ زهيدا، فذلك دليل على أنك لا تملك [الإمكانيات] الكافية للتوجه نحو فرنسا." غير أنه في غالب الأوقات، يتعين على داليا قبول المبلغ الذي تم جلبه دون أي تعليق.

ومع أنه يُفترض أن تكون تي ال اس كونتاكت مجرد وسيط، فإن عملية إيداع مطالب التأشيرة في الحقيقة بعيدة عن أن تكون حدثًا محايدًا من وجهة نظر فيديريكا إنفانتينو، الباحثة في مجال ممارسات مراقبة الهجرة والحدود صلب مركز سياسة الهجرة بفلورنسا، التي تعتبرها "عملية سياسية بامتياز يتفاعل فيها الحكام والمحكومون. كما أنها فرصة مواتية للمحكومين للتفاوض حول وضعيتهم وشرح حالتهم والتواصل مع الدولة". خلافا لذلك، تقتصر التفاعلات الموجزة على موظفي تي ال اس كونتاكت الذين يتلقون تعليمات مباشرة بعدم تقديم المشورة.

حسب تقدير الباحثة: "إنها معضلة تتعلق أساسا بحقيقة وجود وسيط".

إذا بدا الرفض غير مبرر، فإن قلة قليلة من الناس يجرؤون على التظلم خشية مجابهة طلبهم برفض آخر إذا ما عبروا عن موقفهم، بحسب داليا.

التملص من المسؤولية

وفقًا لفيديريكا إنفانتينو، يُعتبر هذا الإبعاد طريقة تنتهجها السلطات للتنصل من مسؤولياتها. "إن اللجوء إلى مزود خدمات خارجي وتعهيد التأشيرات أي تكليف مؤسسة أخرى بمعالجة عملية طلب التأشيرة برمتها، يسمح للدول (...) بإلقاء المسؤولية كاملة على الآخرين وتفادي إلقاء اللوم عليها عندما تبوء العملية بالفشل"، في حين أن تي ال اس لا تتمتع في الواقع بسلطة اتخاذ القرار بشأن منح التأشيرات. وتذكر الباحثة بحقيقة أن: "هذه الشركات ليست مركز القرار ولا ترغب حتى في اتخاذ أي قرار".

"عندما يُفصل بين المحكومين والحكام، يُحرم الأولون من إمكانية الاعتراض والدفاع عن مواقفهم".

يُعد ذلك محنة حقيقية بالنسبة لطالبي.ات التأشيرة في الوقت الذي تشهد فيه حالات الرفض ارتفاعا متواصلا والذي تتعدد فيه الشهادات حول مدى تعقد العملية. وبالفعل، تضاعف معدل حالات رفض التأشيرة في غضون عشر سنوات. ففي سنة 2022 وعلى الرغم من تراجع عدد الطلبات مقارنة بفترة ما قبل وباء الكوفيد، سجلت نسبة الرفض رقما قياسيا. وهكذا، فإنه من خلال لجوئها إلى مزود خدمات، "تتنصل الدول من مسؤوليتها بالعلاقة مع تنفيذ السياسات العامة" كما تندد بذلك فيديريكا إنفانتينو.

المصدر : statistics.schengenvisainfo.com

تتيح فرنسا إمكانية الطعن في قرار رفض التأشيرة من خلال توجيه رسالة إلى لجنة الطعون بنانت. وتبين الإحصائيات المتاحة أن اللجنة المذكورة لا تستجيب سوى لـ45٪ من المطالب وترفض 98,6٪ من جملة الطعون. كما لم يعد بإمكان المتقدمين.ات بطلب تأشيرة التعامل مباشرة مع التمثيل الدبلوماسي الأجنبي متحملين.ات مسؤولية إيداع الملف كاملة. 

إرساء الاستعانة بمصادر خارجية

في السابق، لم يكن هناك وجود للتأشيرة حيث فرضت نفسها تدريجياً في غضون القرن العشرين مع تنامي التنقل من بلد إلى آخر وتشديد الرقابة على الحدود. تم إقرار تأشيرة شنغن في التسعينات وهي وثيقة تسمح لحاملها بالتنقل بكل حرية في كل دولة من الدول أعضاء منطقة شنغن. وبالتالي، كانت القنصليات والسفارات هي المسؤولة عن تجميع طلبات التأشيرة.

تذكر فيديريكا إنفانتينو: "لطالما تعرضت القنصليات للنقد بسبب تعاملها مع طالبي التأشيرة المصطفين في طوابير لا نهاية لها خارج القنصلية وبسبب البطء المسجل على مستوى معالجة الملفات وطول الآجال لتلقي إجابة ...".

ثم شرعت عدة دول تدريجيًا في إبرام عقود مع مزودي خدمات ومن ضمنها فرنسا التي قررت في مطلع القرن الحالي الاستعانة بمصادر خارجية لمعالجة طلبات التأشيرة بالصين من خلال تعاقدها مع تي ال اس كونتاكت . وبذلك دخلت الشركة في منافسة مع في اف اس قلوبال وهي أول شركة مختصة في إدارة الإجراءات المتعلقة بالتأشيرات.

تحلل الباحثة الوضع بقولها: "إن تعهيد التأشيرات ظاهرة عالمية تتجاوز حدود الاتحاد الأوروبي. ويقتصر ذلك على عدد قليل للغاية من الشركات التي تحظى بنشاط هائل ومن بينها تي ال اس كونتاكت و في اف اس قلوبال اللتان تعُدان من بين الشركات العالمية الرائدة في المجال".

حاليا، يُعتبر نظام تعهيد التأشيرات المعيار السائد في معظم الدول الأوروبية. وتلخص فيديريكا إنفانتينو ذلك بقولها: "تجمع بين هذه الشركات والدولة علاقة تعاقدية". وتأمل الدول في تقليص دور القنصليات من أجل "الضغط على المصاريف وتقليص عدد الموظفين نظرا إلى أن الدولة مطالبة على الدوام بالتحكم في الإنفاق العام".

هو إذن رهانٌ موفقٌ وفقًا للسلطات، إذ يبرز تقرير صادر في 2017 عن محكمة المحاسبات الفرنسية نجاعة مثل هذا القرار الذي سمح بتطوير "نمط جديد للعلاقة القائمة بين الخدمات العامة التي تقدمها القنصلية والشركات الخاصة يندرج في إطار نموذج اقتصادي قائم على تقليص النفقات العمومية ".

غياب الإطار القانوني

في بداياته، لم يكن تعهيد تأشيرة شنغن مؤطرا بإطار قانوني ملائم. كما انجر عن إقرار رسوم إضافية موظفة على خدمة الشركات المذكورة الترفيع في كلفة التأشيرة بصفة تعسفية في حين أن هذه الكلفة "محددة بموجب لائحة أوروبية"، بحسب فيديريكا إنفانتينو. وبالتالي، "وجب على الدول الأعضاء التفاوض مع المفوضية الأوروبية لإرساء سند قانوني يسمح باللجوء إلى مزودي خدمات خارجيين."

تبعا لذلك، تم سنة 2009 سن مجلة التأشيرات التي تنظم من بين عدة أمور اللجوء إلى مزودي الخدمات. وبذلك، أصبحت الرسوم الإضافية الراجعة إلى الشركات الخاصة جزءًا لا يتجزأ من تأشيرة شنغن. وتذكر فيديريكا إنفانتينو في هذا الصدد بأن المتقدمين بطلب تأشيرة هم الذين يتكبدون تكلفة عملية التعهيد بالكامل باعتبار أن "الحكومات لا تدفع للشركة الخاصة مباشرة". ذلك وعلى الرغم من بعض الإعفاءات والتخفيضات المنصوص عليها في الفصل 16*، يظل الدفع للوكالة الوسيطة إلزاميًا بالنسبة لغالبية طالبي.ات التأشيرة. 

وتضيف الخبيرة: "الجهة المنتفعة بتعهيد الـتأشيرات ليست الدولة الفرنسية بل الشركة نفسها".

بالنسبة لتأشيرة شنغن إلى فرنسا التي تقل مدتها عن 90 يومًا، تتقاضى القنصلية 80 يورو (أي ما يعادل 269 دينارًا) من جملة رسوم التأشيرة بعنوان معالجة الطلب في حين تتقاضى تي ال اس كونتاكت 33,50 يورو (أي ما يعادل 112 دينارًا).

تتغير رسوم خدمة تي ال اس كونتاكت بتغير بلد الوجهة (تبلغ رسوم الخدمة في نفس مكتب تي ال اس كونتاكت تونس 23 يورو بالنسبة لبلجيكا و 25 يورو لألمانيا).

باتصال انكفاضة بهما، أكدت قنصليتا بلجيكا وألمانيا بتونس أن اختلاف الرسوم الموظفة هو نتيجة إجراءات المناقصات المستقلة التي تبادر بها مختلف الدول الأعضاء في منطقة شنغن والعروض المتلقاة خلال هذه الإجراءات.

مبدئيا، تمنح مجلة التأشيرات طالبيها الحق في تجاوز مزود الخدمات والتعامل مباشرة مع القنصلية المعنية لإيداع طلباتهم. "من الناحية النظرية"، كما توضح فيديريكا إنفانتينو، "لكن ذلك مستحيل من الناحية العملية". فعلاوة على طول الآجال المسجَلة للحصول على موعد في القنصلية، تم مؤخرا تنقيح مجلة التأشيرات في عام 2020 حيث أصبح المرور عبر القنصلية اختياريًا. وفي صورة استحالة النفاذ إلى القنصلية، يجد طالبو التأشيرة أنفسهم مضطرين إلى المرور عبر مزود الخدمات وبالتالي دفع رسوم الخدمة، مع حرمانهم من التفاعل مع الدولة.

الفصل 17 الفقرة 5 من مجلة التأشيرات لسنة 2009: : " تحافظ الدولة أو الدول الأعضاء المعنية على إمكانية إيداع جميع طالبي التأشيرة لطلبهم مباشرة لدى قنصلياتها."

في سنة 2020: " يجوز للدولة العضو المعنية المحافظة على إمكانية إيداع جميع طالبي التأشيرة لطلبهم مباشرة لدى قنصلياتها أو لدى قنصلية دولة عضو أبرمت اتفاقية تمثيل معها، طبقا لأحكام الفصل 8."

"غالبًا ما يُوصف نشاط هذه الوكالات الخاصة بالحياد ودون أي تأثير يُذكر على تنفيذ السياسة المتبعة. كما يقدم الخطاب السياسي الاستعانة بمصادر خارجية كمجرد صندوق بريد. فبدلاً من التوجه نحو القنصلية، يقصد الناس هذه الوكالة الخاصة ولا يغير ذلك أي شيء. غير أن ذلك مجانب للصحة"، كما تؤكد فيديريكا إنفانتينو.

منطق ربحي صرف

بمجرد تسجيلهم على موقع تي ال اس، يُستهدف طالبو.ات التأشيرة لترويج مختلف منتجات الوكالة، إذ تقدم تي ال اس مثلا خدمة البريميوم المميزة نظير 111 دينارًا تُضاف إلى رسوم إيداع الملف. وتسمح هذه الخدمة بالانتظار في فضاء مريح مع تخطي قائمة الانتظار. وتعلق داليا ضاحكة: "ستنتظر رغم ذلك! لكن الفضاء مجهز بمقهى صغير وبأرائك عوضا عن الكراسي."

"الشركة الخاصة هي بطبيعتها مؤسسة ذات غرض ربحي بالأساس. ولا تتمثل مهمتها أو هدفها في اتخاذ قرارات بشأن إسناد التأشيرات ولكن في جني المزيد من الأرباح " مثلما تؤكد فيديريكا إنفانتينو.

ورغم صبغتها الاختيارية، لا تُقدَم دائما خدمة البريميوم المميزة على هذا النحو. تؤكد داليا أنه خلال عملها لدى تي ال اس، كان يقع تحفيز الأعوان على ترويج هذه الخدمة لدى طالبي.ات التأشيرة. تسلل خطأ على مستوى الاستمارة؟ تأخر بسيط عن الموعد المحدد؟ تكرر داليا: "تمتع بخدمة البريميوم المميزة".

وتُنتهج الاستراتيجية ذاتها فيما يتعلق بالصور المصاحبة لاستمارة طلب التأشيرة. إذ تروي الموظفة السابقة: "نتعمد رفض أكبر عدد ممكن من الصور حتى نتمكن من ترويج خدمة التقاط الصور داخل المؤسسة". ومقابل ذلك، يحصل مرشدو الحرفاء على علاوات مبيعات تسمح لهم بجني بعض المال الإضافي. علما وأن الراتب الأساسي إلى غاية سنة 2018 كان لا يتجاوز حوالي 650 ديناراً شهرياً رغم ظروف العمل الشاقة.

تسر داليا بقولها: "كانت أسوأ ثلاث سنوات في حياتي، كابوس بأتم معنى الكلمة. مرت عليّ أيام أتوسل فيها باكية لترك العمل على الساعة الخامسة ظهرا لاستلام ابنتي من الحضانة. غير أنني كنت أُجابه بالرفض في كل مرة."

باتصالنا بها، أكدت تي ال اس كونتاكت منح أعوانها مكافآت "تُحدَد وفقًا لجودة الخدمة المقدمة ومدى رضا طالبي التأشيرة عنها".

"شيء من الاسترقاق"

توفر القنصلية الفرنسية عددا يوميًا معينا من المواعيد لإيداع الطلبات لدى تي ال اس. وبمجرد مغادرة آخر حريف، ينكب أعوان تي ال اس على العمل في المكتب الخلفي. ومهما كان عدد الملفات المودعة في ذلك اليوم، كان يتعين ترتيبها وتحويلها إلى القنصلية في نفس اليوم أو في يوم العمل الموالي. تروي داليا: "ينص العقد على مدة عمل محددة بأربعين ساعة في الأسبوع، لكننا في الحقيقة نعمل أكثر من ذلك بكثير. وكنا نعمل على مدار الشهر مئات من الساعات الإضافية غير مدفوعة الأجر."

وعن تجربته صلب تي ال اس، يقول وائل مبتسما: "كنا نتمتع بقسائم طعام وبتغطية صحية جيدة وإن كان هنالك شيء من الاسترقاق في الواقع". ورغم وصفه لتجربته بالـ"إيجابية" عموما إلا أنه لم يعد قادرًا على تحمل عبء العمل وقرر المغادرة في سنة 2017 معترفا أنه "عندما تجد نفسك تجاه 100 شخص ينتظرون أمام 20 مكتبًا فقط، عليك أن تسرع من إيقاع العمل".

في سنة 2016، أصبحت داليا عاجزة عن مجابهة ضغط العمل، فقررت بمعية زملاء آخرين المطالبة بحقوق الموظفين والانخراط في العمل النقابي: "إما أن نُفلح في تحسين الوضع أو نُطرد". لاقت هذه الحملة نجاحا فوريا في مكاتب تي ال اس كونتاكت حتى أن وائل نفسه انضم إلى صفوف المساندين للحركة. لكن لسوء الحظ تحققت تنبؤات داليا وطردت تي ال اس مؤسسي الحركة التي تم حلها إثر ذلك.

باتصال انكفاضة بها بشأن ظروف العمل، أكدت تي ال اس كونتاكت أنها لم تتلق أي شكاوى وأنها تنشط في كنف احترام مقتضيات مجلة الشغل. ويضيف قسم الاتصال بالشركة: "فريقنا سعيد بالعمل معنا".

رقمنة التأشيرة؟

تحذر فيديريكا إنفانتينو من " وجوب الانتباه إلى أمر آخر مستقبلا يتمثل في نية رقمنة طلبات التأشيرة"، إذ يفيد بيان صحفي صادر في جوان 2023 أن الدول أعضاء منطقة شنغن تتجه نحو مستقبل رقمي ستكون فيه شاشة الحاسوب صلة الوصل الوحيدة لطالبي.ات التأشيرة. ويهدف مشروع رقمنة إجراءات التأشيرة بالكامل إلى جعل الإجراءات أكثر نجاعة و "تعزيز أمن منطقة شنغن".

غير أن الباحثة تعتبر أن مثل هذه الأساليب من شأنها تعميق المسافة بين المواطنين.ات والدولة الأجنبية المعنية. ولا تخفي إنفانتينو قلقها مصرحة أنه: "يمكننا مقارنة ذلك برقمنة السياسات العامة. صلة الوصل الوحيدة هي الحاسوب الذي لا يمكن للمرء التحاور أو التحدث معه مع غياب كل إمكانية تفاعل حقيقي. سنصبح بذلك مجرد مفعول بهم أكثر من كوننا فاعلين بالنسبة للسياسيين".عقةٌ إضافية تزداد في وجه طالبي.ات التأشيرة.