أنس جابر تقود تونس إلى قمة التنس

تبلغ من العمر 27 عاما وتحتل المرتبة الثانية في تصنيف أفضل لاعبات التنس في العالم. تراكم الألقاب الدولية بلا هوادة ما يجعلها أول امرأة تونسية وعربية تصل إلى أعلى المستويات العالمية في تاريخ الرياضة. في هذا البورتريه، تتقصى إنكفاضة مسيرة أنس جابر من مسقط رأسها في  المنستير وصولا إلى القمة.
بقلم | 01 جويلية 2022 | reading-duration 25 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
تُتبِع أنس جابر الضربة تلو الأخرى، أمامية، ثم خلفية، ونظرات سيرينا وليامز أمامها تشع إعجابا. سرعان ما انتشرت مقاطع المباراة على وسائل التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، بعد أن وقع اختيار أسطورة التنس الأمريكي وليامز على اللاعبة التونسية لتكون رفيقة عودتها إلى منافسات الزوجي في بطولة إيستبورن في إنجلترا. "إنه لشرف لي أن تقرر لاعبة مثل سيرينا ويليامز القيام بعودتها برفقتي، فهذا يثبت أنني أصبحت اليوم شخصية ذات اعتبار في الملعب" تقول أنس باعتزاز في مقابلتها مع إنكفاضة.

منذ سن 17 عاما وأنس تراكم الألقاب "الأولى". أول تونسية وعربية تفوز ببطولة رولان غاروس للناشئين، والأولى التي بلغت ترتيب أفضل 100 لاعبة في العالم ثم أفضل 50 وأخيرا أفضل 10 لاعبات. وفي يوم 7 ماي 2022 دخلت أنس جابر التاريخ من أعرض أبوابه حين فازت ببطولة متوا مدريد Mutua Madrid المفتوحة، وهو أول لقب لها في إحدى بطولات WTA 1000.

بعد تكبدها خسارة في مباراتها الأولى في بطولة رولان غاروس الفرنسية لسنة 2022 قبل بضعة أسابيع أين تم الإعلان عنها كمرشحة أولى للفوز، تعود لاعبة التنس في هذه الصائفة إلى "بطولة الغراند سلام المفضلة" لديها كما تقول، ألا وهي ويمبلدون البريطانية.

مسيرة أنس جابر هي قصة حلم رافقها منذ نعومة أظافرها، وحكاية مثابرة وطموح عائلي، ورغم الدعم الحالي الكبير الذي تحظى به المتربعة اليوم على قمة التنس العالمي، إلا أن الحال لم يكن كذلك في السابق.

غرام بالتنس منذ الطفولة

يوم 12 ماي 2022. التحضيرات لمباراة أنس في بطولة روما تجري على قدم وساق. وفي منزل الأسرة بولاية سوسة، تستعد سميرة حشفي لمشاهدة ابنتها تلعب، بينما اعتاد زوجها، رضا جابر، على متابعة النتيجة على هاتفه. "لا يريد أن يعترف ولكنه متوتر"، تسرّ لنا سميرة مازحة. واحدا تلو الآخر، يصل بعض أفراد العائلة، "جميع أفراد الأسرة متواجدون هنا لمشاهدة أنس"، يقول عمها بحماسة.

ينتقل شغف الرياضة في عائلة أنس جابر من الأم إلى الابنة. كانت أنس وبالكاد تبلغ السنة والنصف، تشاهد والدتها الشغوفة بالتنس تلعب مع صديقاتها في المنستير. "وهناك وقعت في غرام كرة المضرب. كانت تركض وتلتقط الكرات" يتذكر والدها، حتى أن الفتاة الصغيرة كانت تقدم النصائح الفنية لأمها وتعاتبها إذا خسرت: "كانت تقول لوالدتها: لماذا لم تفوزي؟ كان بوسعك الربح هذه المرة"، يواصل والدها رضا ضاحكا.

التنس، مدارس الموسيقى، السباحة، الرقص وغيرها… لم يتأخر والدا أنس عن تشجيع أطفالهما على ممارسة ما أمكن من الأنشطة خارج المدرسة في سن مبكرة. يرى والدا الرياضية أن "التوازن يقتضي لا فقط التركيز على الدراسة فحسب، بل أن يكون الطفل قادرا أيضا على النماء خارجها. عندما كانت أنس بنت ثلاث سنوات كانت قد اختارت بالفعل رياضة التنس".

أنس جابر الطفلة، حاملةً بفخر ميدالياتها وكؤوسها.
رضا جابر، والد لاعبة التنس يشير إلى صورها القديمة.
اللاعبة التونسية مع صديقات طفولتها خلال مسابقة تنس.

"في إحدى المرات أرتني كيف تضرب الكرة بقوة، رافضةً اللعب بالكرات البلاستيكية [المخصصة للأطفال]"، يتذكر نبيل مليكة مدرّب أنس لمدة 10 سنوات، في البداية في مركز النهوض برياضة التنس الذي أُقيم في المدرسة الابتدائية طريق الشط، ثم في نادي حمام سوسة. لكن هذا النادي لم يكن يستوعب حينها سوى حوالي خمسين لاعب ولاعبة، فما كان من أنس إلا التمرن في ملاعب الفنادق المجاورة.

في سن السادسة، بدأت الرياضية التنافس في البطولات المحلية ضمن فريق الأطفال تحت سن السابعة [أو ما يصطلح عليه بالفرنسية بـ Lutins أي العفاريت الأقزام] وكانت الفتاة الوحيدة في الفريق. ثم واجهت أنس في السنوات الموالية منافسة نظيرتها نور عباس. "أنس لاقت منها منافسة ضارية" يتذكر مدرّبها نبيل، حيث كانت نور تحتل المرتبة الرابعة ثم الأولى على المستوى الوطني، وهي أكبر منها سنا. ولكن شيئا فشيئا و بتؤدة، عكست أنس الوضع لصالحها.

يقول نبيل أن أنس "كانت تترقى في الجدول الأعلى، لأن جدول الكتاكيت بدا لها على غاية من السهولة".
نبيل مليكة، أول مدرّب لأنس جابر في نادي التنس بحمام سوسة.

سريعا ما أصبح التنقل في أرجاء تونس وحتى خارجها للمشاركة في الدورات أمرا معهودا لأنس ترافقها في رحلاتها والدتها، ولكن الشابة كانت تضطر في بعض الأحيان للسفر مع مدربها فحسب. تتذكر أمها أنه في سنة 2008، وبينما أنس تستعد للمشاركة في بطولة الدوقات الصغار Petits Ducs في فرنسا. وأثناء إعداد حقيبة ابنتها، ترددت سميرة في عدد البدلات الرياضية التي كان عليها وضعها فيها. "أخبروني أن الأمر لن يتطلب أكثر من بدلتين أو ثلاث على الأكثر، لأن أنس لم تكن في التصنيف، وكانوا يعتقدون أنها ستلعب مباراتين لا أكثر وتولّي عائدة إلى تونس". لكن انتهى الأمر بلاعبة التنس الشابة بلعب إحدى عشرة مباراة، فوجدت نفسها كل ليلة بين المباراة والأخرى تغسل بدلاتها باليد، وانتهت بالفوز بلقب البطولة.

مرت السنوات وأخذت أنس تكبر شيئا فشيئا وصار من الصعب عليها الموازنة بين الرياضة والدراسة. يتذكر مدربها نبيل مليكة أنها "بدأت تبتعد بعض الشيء عن التنس ولم تستطع التدرب بما فيه الكفاية". ولذلك نصحها بمواصلة دراستها في المعهد الرياضي بيار دي كوبرتان في المنزه بتونس العاصمة.

هذا المعهد مخصوص للرياضيين والرياضيات رفيعي المستوى، ويتم فيه تنظيم تواقيت الدراسة بما يتلاءم مع أوقات التدريبات. يوضح والدها رضا أن ذلك النظام "يسمح للرياضيين بالتمرين. فحتى عندما تضطر إلى التنقل بعيدا للمنافسة في المسابقات، كان بوسعها القيام بساعات تدارك". "كانت تدرس لشهادة البكالوريا على متن الطائرات"، تتذكر إحدى قريباتها في حوار لإنكفاضة.

تعرّف عامة الناس على أنس لأول مرة في سن السادسة عشر لدى فوزها ببطولة رولان غاروس للناشئين سنة 2011. قبل خمس سنوات من ذلك، حين كانت الرياضية في سن التاسعة، وعدت أمها بأنها ستُشربها يوما ما قهوة في رولان غاروس، وقد "تم الأمر فعلاً" تقول سميرة أمها مبتهجة. "لقد كان أمرا بعيد المنال ولم نكن نصدق أنه سيتحقق" يعترف نبيل مليكة.

على الأرضية الترابية لملعب رولان غاروس، مثّل الانتصار لحظة مفصلية لا فقط في مسيرة أنس، ولكن أيضا للتنس في تونس ككل.

"انفجر اهتمام التونسيين بالتنس وأخذ يتصاعد بقوة"، يؤكد المدرب. "بدأ الإيمان يتسلل إلى قلوبنا، إيمانٌ بأن تونسيا يمكنه فعل ذلك".

مرت 11 عاما مذاك، وبمناسبة أولى مبارياتها في بطولة رولان غاروس 2022 في ملعب فيليب شاترييه، أعلنت أعمدة الصحافة التونسية والدولية على حد السواء أنس جابر كالمرشحة المفضلة للفوز . لم يمض وقتها عن فوزها ببطولة مدريد سوى أسبوعين، وبدت الشابة في وضع جيد للفوز ببطولة فرنسا الكبرى للتنس التي طالما حلمت بها منذ الطفولة. لكن التونسية خسرت في ثلاث مجموعات أمام منافستها البولندية ماغدا لينيت. غير أن الخسارة لم تثبط عزيمتها مقدار ذرة: "من الواضح أنها خيبة أمل كبيرة. ولكن هذا لا يمحو أي شيء من نتائج الأسابيع القليلة الماضية، ونحن نمضي قدما" تقول أنس لإنكفاضة.

صور من الأرشيف العائلي.

المال، حجر الزاوية في صرح الرياضة

بعد تألقها سنة 2011، أملت عائلة أنس في رؤية ابنتهم تلعب في صفوف الكبار، فانضمت إلى الأكاديمية التي أنشأتها البلجيكية جوستين هينين المصنفة الأولى في العالم سابقا. لكن سرعان ما قابلتها خيبة الظن حسب مدربها نبيل، حيث لم تجد أنس في هذه الأكاديمية ضالتها : "إنها أكاديمية لكسب المال، وليس الهدف الرياضي هو الأهم".

للانتقال من المستوى "المبتدئ" إلى المستوى "المحترف" لا بد من موارد مالية ضخمة. إذ من الضروري أن تكون اللاعبة قادرة على ضمان تمويل التنقل إلى البطولات في جميع أنحاء العالم، والإقامة في الفنادق، ولكن أيضا تمويل الفريق الفني المرافق لها. "يكلف المدرب حوالي 2000 يورو في الأسبوع" يوضح رضا كمثال. كما لم يمكّن فوز أنس بلقب بطولة رولان غاروس للناشئين من ضمان نصيب كافٍ من الرعاية والدعم. فما كان من الرياضية لتحقيق نجاحها سوى الاعتماد على دعم أحبائها و "كان الأمر معقدا من الناحية المالية. لكن العائلة ساهمت في مساعدتها"، يقول والدها.

لئن أضحى بإمكانها اليوم التعويل نسبيا على دعم الجامعة التونسية للتنس ووزارة الشباب والرياضة وبعض الراعين الرسميين، لم يكن الحال كذلك في بداية حياتها المهنية. يشرح والدها أنهم "لم يظنوا أنها ستبلغ مستويات عالمية ولذلك لم يكن هناك الكثير من الدعم" ولكن أنس "لطالما آمنت بنفسها".

بتطور مسيرتها الاحترافية، راكمت أنس النجاحات تلو الأخرى. في عام 2017، دخلت في تصنيف أفضل 100 لاعبة في العالم. ثم وقعت "عقدا حسب الأهداف" مع وزارة الشباب والرياضة، زاد مقداره وفقا للنتائج المحققة. هذا النوع من العقود "مخصص للنخب والأبطال الكبار"، يقول محمد علي بن حسين، المسؤول عن برامج المنتخبات الوطنية صلب إدارة رياضة النخبة. تحصلت أنس بفضل ذلك على 100 ألف دينار في السنة الأولى، ولكن انخفض المبلغ بمقدار النصف في العام الموالي بسبب انخفاض ترتيبها. نددت لاعبة التنس آنذاك علنا بهذا العقد الذي غطى، وفقا لها، أقل من 10٪ من نفقاتها.

"عندما تفوز يكونون حاضرين مع باقات الزهور لالتقاط الصور. ولكن عندما تخسر أو تتراجع في التصنيف يغيب أثرهم، ولا تسمع منهم كلمة تشجيع واحدة" يدين والدها.

في شهر أكتوبر من عام 2018 في أعقاب بطولة موسكو التي بلغت فيها مرحلة النهائي، تلقى معدّها البدني وزوجها مراسلة تعلمه بأنه قد عُيّن في منصب آخر. عارضت أنس جابر هذا القرار على موجات إذاعة موزاييك إف إم:

"ماذا يريدون؟ أن أذهب لأجد معدّا أجنبيا جديدا دون أن يمنحوني دعما !".

وحتى على مستوى اتحاد التنس، لم يكن التعاون بالسهولة المرجوّة وفق رضا إذ "كان التعامل مع جامعة التنس أمرا شاقا، مع المسؤولين والأوراق وما إلى ذلك" ولكن يضيف الأب أن كل ذلك "كان شيئا من الماضي، تحسن الوضع الآن خصوصا مع الرئيسة الجديدة للجامعة".

أصبحت المسألة المالية أسهل اليوم من أي وقت مضى. بلغ عقدها لعام 2021 مع الوزارة ما مقداره 450 ألف دينار. كما أصبحت لاعبة التنس تعتمد أيضا على عدد أكبر من الراعين.

يقول مدربها السابق مليكة أنه حين "يسطع نجم ما، يرغب الجميع في التقرب منه والظهور معه، ولذلك أصبح الرعاة أكثر حركيّة".

الآن وقد انخرطت أنس جابر تحت جناح شركة اتصالات تونس، أصبحت اللاعبة المحترفة وجه إحدى الحملات الإعلانية للشركة.

حملة إعلانية لشركة اتصالات تونس الراعية لأنس جابر.

رياضة تتطور

تريد أنس جابر من خلال نجاحها العمل من أجل تسهيل النفاذ إلى الرياضة للجميع في تونس وخاصة رياضة التنس. ترى رئيسة الجامعة التونسية للتنس سلمى المولهي أن "تبعات صعودها واضحة للغاية من حيث تطور التنس وعدد الإجازات وعدد الممارسين". كما تشير إلى أن البلاد ضاعفت عدد الإجازات في غضون عامين، من 10.000 إلى 20.000، ويبلغ الرقم حتى 30.000 وفقا لمصادر أخرى. وللمرة الأولى في تاريخ تونس، ستقام دورة دولية لرابطة محترفات التنس 250 WTA في أكتوبر 2022 بالمنستير.

ويعد نادي طفولتها في حمام سوسة، الذي نما بشكل هائل في الآونة الأخيرة، مثالا جيدا على هذه الظاهرة. إذ أصبح يضم ملاعب عديدة و 700 منخرطا ومنخرطة. يقول نبيل متحمسا أن

"الأندية صارت تفيض بالشباب في السنوات الأخيرة وهذا بلا شك بفضل نجاح أنس! أصبحت العائلات تؤمن بإمكانية ذلك، فيجلبون أطفالهم".

بالنسبة إلى المدرب السابق، تعتبر أنس جابر رائدة في مجال التنس في تونس. "التنس لا يمثل جزءا من تقاليدنا". "ليس لدينا مرجعية نتقفى خطواتها ولذلك حاولت أنس اتباع المسارات المختلفة التي وجدتها. فأنصفها الحظ أحيانا وخيّبها أحيانا أخرى".

تأخذ لاعبة كرة المضرب مكانتها كقدوة على محمل الجد. "كانت دائما تقول إنها 'منتج تونسي 100٪' وهي مقتنعة بأنها يجب أن تلهم الشبيبة لا فقط في الرياضة". يلحظ نبيل مليكة ذلك بشكل يومي خلال دروسه في التنس وكثيرا ما يذكر أنس كمثال "لإقناع متمرّنيه بنجاعة حركة أو تكتيك معيّن". وكلما عادت أنس جابر إلى تونس، لا بد أن تزور نادي طفولتها الذي أعاد تسمية ملعبها ا

لمفضل باسمها. "إنه لفخر لي أن تتاح لي الفرصة لعيش هذه اللحظات معها"، يقول ممرّنها السابق والدموع في عينيه.

"أريد حقا أن أكون مصدر تحفيز كبير للتونسيين والعالم العربي، وخصوصا الفتيات الصغيرات. عندما أمر بأوقات عصيبة في الملعب، أفكر في هذا الدافع فيمنحني ذلك قوة لا توصف"، تقول أنس جابر.
ملعب "أنس جابر" في نادي التنس بحمام سوسة.

على المستوى الوطني، تريد رئيسة جامعة التنس سلمى المولهي الذهاب إلى أبعد من ذلك، وجعل التنس ثاني أكثر الرياضات ممارسة في البلاد بعد كرة القدم. وللذهاب في هذا الاتجاه، لا بد من إنشاء مركز دولي للتنس في السنوات المقبلة وفقا للمسؤولين والمسؤولات في هذا المجال. ويهدف هذا المشروع بشكل خاص إلى سد احتياجات البنية التحتية "المنقوصة نوعا ما" مثلما تعترف رئيسة الجامعة التي تؤكد أن "الأوان قد حان".

"آمل أن تتمكن المؤسسات من اغتنام هذه الفرصة الرائعة للرياضة التونسية، من خلال تسريع بناء البنية التحتية وبالتالي السماح لأكبر عدد بالوصول إلى مستويات أعلى من الأداء" تؤكد أنس.

تهدف وزارة الشباب والرياضة بشكل أعم إلى وضع مشاريع لتعزيز الولوج إلى رياضات الهواة والنخبة. ومن المتوقع إنشاء ست معاهد ثانوية رياضية جديدة في جهات مختلفة من البلاد.

وبسؤالها، ترى وزارة الرياضة أن تعميم رياضة التنس له حدوده، ففي تونس كما في أي مكان آخر "يعتبر التنس أو الغولف رياضات برجوازية" وفق محمد علي عن إدارة رياضة النخبة. ويؤيد نزار الصفاقسي رئيس مصلحة صلب إدارة رياضة النخبة، هذا الرأي قائلا أن "الحديث في الرياضة أصبح آخر الاهتمامات في مسائل الميزانية مع الحكومة بالنظر إلى الوضع المالي للبلاد".

حاملة العلم

"إنها وزيرة السعادة"، يكرر والدها مبتسما. إنها "تمثل تونس في جميع أنحاء العالم، وتصدّر النجاح التونسي". "لديها معجبون في جميع أصقاع العالم، حتى في الصين!" تضيف سميرة مبتهجة.

اعتادت أنس على الإفصاح بحبها لبلدها خلال البطولات، وبالتالي الترويج لتونس في جميع أنحاء العالم. "ما تفعله لتونس، وزارة السياحة لا تستطيع القيام بمثله"، يعترف محمد علي عن وزارة الرياضة. من جهتها، تصفها سلمى المولهي رئيسة جامعة التنس بأنها "سفيرة تنقل صورة جميلة جدا عن بلدنا أصبحنا بحاجة ماسة إليها في السنوات الأخيرة".

في جويلية الماضي، وبينما كانت البلاد تمر بأزمة صحية خطيرة، أعلنت أنس جابر أنها ستطرح للبيع مضرب التنس الذي وصلت به إلى ربع نهائي بطولة ويمبلدون، مؤكدة على منصة انستاغرام أنها لا تستطيع "الجلوس مكتوفة اليدين والبلد يمر بوضع محرج. سيتم استخدام هذه الأموال لشراء الأدوية والمعدات الطبية اللازمة". ومن خلال بيع هذا المضرب وآخر بعده، جمعت الرياضية المحترفة 75.000 دينار.

ترى أسرتها أن هذا الرابط الذي يجمعها بتونس ينعكس أيضا في خياراتها الاحترافية. إذ تلقت أنس في سن المراهقة اقتراحا للتمرّن في أستراليا يشمل ميزانية مخصصة وممرّناً وما إلى ذلك. لكنها رفضت لأن "أمي هي تونس، ولا أستطيع تغييرها" كما يقول والدها نقلا عنها.

أحاطت أنس نفسها بطاقم يغلب عليه التونسيون، ولا تزال تمارس تدريباتها في تونس. وهذا أمر على غاية من الندرة في المستوى المحترف "إذا قارنا مع لاعبين إفريقيين آخرين، فإنهم ليسوا مستقرين في بلدانهم" وفقا لرئيسة الجامعة التونسية للتنس. إذ قررت أنس بعد عدد من التجارب في الخارج العودة إلى تونس وتفسر خيارها هذا بالحنين إلى بلدها قائلةً أنها مضطرة إلى "العودة إلى جذورها إذا ما أرادت تحسين أدائها"، ولكن أيضا بسبب تقنيات التدريب.

"أدركت أن عديد المدربين في الخارج يحاولون تطويع تقنيتي، أما في تونس لطالما كان مدرّبيّ قادرين على تكييف تعليماتهم مع شخصيتي التي تبرز لا محالة في طريقة لعبي".
ملعب "أنس جابر" في نادي التنس بحمام سوسة.

ومع ذلك، لم يحظ اختيارها بالإجماع فبالنسبة للبعض، لا يتمتع مدربها عصام جلالي ومعدّها البدني وزوجها، كريم كمون، بالخبرة الكافية. يقول مدرّب طفولتها نبيل مليكة إن منتقديها يعتقدون أنها يجب أن "تجد ممرّنين معروفين عملوا مع لاعبين كبار".

  ولكن لا يخفى أن هؤلاء المدربين أنفسهم هم الذين "رافقوها نحو هذا المستوى الرفيع" حسب قوله. ويضيف والدها أن العتاب يأتي من أناس "لا يؤمنون بقدرات التونسيين"، وبالتالي أرادت أنس "تغيير هذه العقلية".  

تأخذ أنس دورها كـ "حاملة للعلم" على محمل الجد، ولكن لا يخلو ذلك من ضغوط. يقول والدها أنه "أمر صعب للغاية ومجهد دائما، لكنها مصممة". كما تعلمت مناورة هذا الضغط بفضل معدّتها النفسية وعالمة النفس ميلاني مايارد التي تتابعها عن طريق المراسلة أو ترافقها في البطولات منذ كان عمرها 16 عاما.

الرياضة، ملعب السياسة

جلب نجاحها بعض الجوانب السلبية أيضا، حيث تواجه أنس نصيبها من التعليقات التمييزية، ولم تسلم منذ فوزها في رولان غاروس عام 2011 إلى اليوم من التعاليق والنظرات المتفحّصة التي تحكم على بدلاتها الرياضية بأنها ضيقة جدا أو قصيرة جدا. لكن أنس تقول أن صفتها كرياضية بارزة تحتم عليها "تلقي هكذا تعليقات وهي جزأ من الوظيفة، لذلك أفضّل تجاهلها".

أنس أيضا وقعت فريسة للوم سياسي حين واجهت في فيفري 2020 اللاعبة الإسرائيلية كاتيك فلادا في كأس فيد Fed Cup بهلسنكي. فازت أنس بالمباراة ولكنها أثارت جدلا واسعا. في اليوم نفسه واجهت لاعبة تونسية، شيراز بشري، لاعبة إسرائيلية تدعى لينا قلوشكو. نشرت وزارة الشؤون الخارجية منشورا على الشبكات الاجتماعية يدين هذه اللقاءات جاء فيه أن "أيّ شكل من أشكال العلاقات مع الكيان الصهيوني حتى وإن تعلّق الأمر بمقابلات رياضية، مرفوض" واصفةً المباراة بأنها "تجاوز لتعهدات تونس والتزاماتها التاريخية إزاء القضية الفلسطينية".

لكن والديْ أنس وجامعة التنس يؤكدون أن الوزارة كانت على علم باحتمال إجراء هاته المباراة.

"إنه جبن. تم توقيع أمر المهمة من قبل الوزارة، وكانوا يعرفون أن إسرائيل كانت في المجموعة" يقول والد أنس كما تؤيده في موقفه جامعة التنس: "لم نحصل على إجابة ولذلك لعبنا".

يقول رضا: "يجب على كل رياضية الدفاع عن علم بلدها وعدم الانسحاب". "شجعتها وقلت لها عليك اللعب والتغلّب عليها، حتى نتمكن من هزيمة إسرائيل في الرياضة على الأقل". أيّدت الجامعة هذا الموقف أيضا على لسان رئيستها سلمى المولهي التي ترى أن "الرياضة غير سياسية ولا يجب الخلط بينهما" مضيفة أن الانتقادات جاءت "من طرف أشخاص لا يفهمون في التنس".

تدافع أنس جابر هي الأخرى عن رؤية غير سياسية للرياضة: "أفضل عدم التورط في القضايا السياسية. أنا لا أتعدى أن أكون لاعبة تنس محترفة، وغير قادرة على التموضع في هذه المسألة. كل ما يهمني هو جعل تونس تفوز وتتألق".

تخلق هذه القضية حرجا داخل مصلحة رياضة النخبة الراجعة بالنظر إلى وزارة الشباب والرياضة. يعترف محمد علي أنه "لا توجد سياسة واضحة، والموقف مبهم بعض الشيء" إذ يتم اتخاذ هذه القرارات حسب كل حالة على حدة. كان هذا القرار في السابق يعتمد على النتيجة المرجوة. يروي نزار الصفاقسي من نفس المصلحة أن مديرا عاما سابقا للرياضة "كان يقول - إذا وجدت نفسك ضد رياضي إسرائيلي وكنت متأكدا من التغلب عليه فافعل ذلك، وإلا فيجب الانسحاب". ليست هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها عالم التنس هذه المعضلة، ففي عام 2013، أقصى الاتحاد الدولي للتنس تونس من كأس ديفيس لمدة عام كامل لأنها طلبت من لاعب التنس مالك الجزيري عدم اللعب ضد رياضي إسرائيلي.

مسالك ترابية

تخطط أنس جابر - إلهاما للأجيال القادمة - لإنشاء أكاديمية للتنس، مثل أكاديمية جوستين هينين في بلجيكا. "أنا مقتنعة بأن هذه الأكاديمية ستمنح الشباب التونسي فرصا إضافية لتحقيق أهداف أكثر طموحا" تقول لنا الرياضية. ولهذا الغرض، تقدمت بمطلب إلى الدولة للحصول على أرض. "يجب على الحكومة مد يد المساعدة، لأن الأكاديمية تستوجب الكثير من المال" وفق قول رئيسة جامعة التنس. 

وهكذا تفتح أنس الأفق لجيل جديد من لاعبات ولاعبي التنس ولا تنوي التوقف عند هذا الحد.

"ليس لدي تاريخ محدد، لكن هذه الفكرة تراودني وهي إحدى أولوياتي عندما تنتهي مسيرتي الاحترافية".