في سنة 2017، اقتنى رجل الأعمال الشاب لنفسه يختا ترفيهيا صغيرا يدعى "التينيت". ولكن على عكس ميلاد المقيم في تونس، كان اليخت مقيما في "جزيرة مان" ويرفع علما مانكسياً ومملوكا لشركة "آيبلسايد Ableside المحدودة" المسجلة في الجزر العذراء البريطانية. ولئن تمسّك محمد أمين ميلاد بنفيه القاطع لذلك مصرّا على أن المركب يعود لقريبه القاطن في الكونغو، إلا أن الوثائق المسربة من مكتب "ترايدنت ترست Trident trust"، وهو أحد 14 مقدم خدمات كشفتهم أوراق باندورا، تُثبت أنه بالفعل مالكه الوحيد.
جزيرتان لإخفاء يخت واحد
في مطلع الألفينات، سُجّل مركب "التينيت" في جزيرة مان الإقليم المستقل والتابع للتاج البريطاني. تُتيح هذه الجزيرة، كغيرها من الأقاليم المحسوبة على الجنات الضريبية، "أعلام ملاءمة" وهي ميزة الجنات الضريبية البحرية أين يُسمح لأصحاب المراكب بتسجيلها والتهرب من الجباية المفروضة عليها في بلدان إقامتهم.
وتشير وثائق باندورا إلى أن هذا اليخت المذكور يعود لشركة أخرى هي "آيبلسايد" المسجلة في الجزر العذراء البريطانية. تركيب معقد يتجلى في طرفه اسم المالك الأصلي وهو مواطن سعودي كان يعيش في تونس، في حين تقدّر أصول الشركة آنذاك بـ 300.000 يورو.
في ماي من سنة 2017، انتقلت ملكية المركب إلى شاب تونسي مقيم بتونس يدعى محمد أمين ميلاد الذي وُصف في وثائق مكتب ترايدنت ترست كالمستفيد الوحيد من شركة آيبلسايد التي لا هدف لها سوى "حيازة باخرة". وقُدّر مركب التينيت هذه المرة بـ 94.000 يورو.
باتصال انكفاضة به، اتسم محمد أمين ميلاد بالغموض وأكد في وقت أول أن شركته "في تي إل" مصدّرة كليا، في حين يتبيّن أنّ لا المركب ولا الشركة المالكة للمركب مسجلان تحت اسم شركة "في تي إل" التونسية. ثم في وقت لاحق، نفى السيد ميلاد ملكيّته لشركة آيبلسايد المحدودة وشكّك في الوثائق المسربة من مكتب ترايدنت ترست متعلّلا بأن بحوزته شهادة ملكية أسهم تثبت أن المالك الحقيقي للمركب ليس إلا قريبه يسري ميلاد المقيم في الكونغو. ومع ذلك، يظهر في شهادة الأسهم التي عثرنا عليها ضمن أوراق باندورا اسم محمد أمين ميلاد دون غيره إثر نقل الملكية لفائدته في سنة 2017.
ولم يقدم هذا الأخير ولا قريبه يسري ميلاد أية أدلة عن وجود شهادة أسهم أخرى، كما أصر يسري ميلاد أن قريبه المقيم في تونس محمد أمين ميلاد مسجل كـ "ربان للمركب" لا غير وله الحق بهذه الصفة في استعماله والإبحار به في تونس. وهنا أيضا تتعارض أقواله مع ما تنص عليه التشريعات الجاري بها العمل.
مركب مستعمل خلافاً للقانون ؟
هل لمحمد أمين ميلاد الحق في الانتفاع بباخرته في تونس دون أن يدفع الأداءات والضرائب المفروضة على المقيمين والمقيمات التونسيين؟ "لا، لا يستطيع" يقول مراد بوسالمي مسؤول الديوانة في مكتبه بميناء حلق الوادي، ويضيف مشدّدا: "أَ تظنون أنّه بوسعي، مثلا، أن أحصل على توكيل من قبل قريب لي يعيش بالخارج لأنتفع بمركبه هنا بتونس؟ بالطبع لا".
ويوضح المسؤول الجمركي أنه سواءً كانوا مالكين أو "مستعملين" للباخرة الترفيهية المعدة للاستخدام الخاص، لا يُمنح تصريح الدخول الوقتي إلا للأشخاص الطبيعيين من غير المقيمين وليس للشركات. جدير بالذكر أن هذا التصريح يسمح بتعليق الرسوم والضرائب بعنوان التوريد
الوقتي للبواخر الحاملة لأعلام أجنبية.
بالعودة إلى ميناء حلق الوادي، يعثر السيد بوسالمي وسط كم من الأوراق والملفات التي تغطي سطح مكتبه على قرار متعلق بالمراقبة الجمركية على الإبحار الترفيهي ويفصّل إجراءات الدخول إلى التراب الديواني.
"يجب على مورّد الباخرة أن يمتثل للشروط الترتيبية من أجل الانتفاع بنظام التوريد الوقتي وهي أن يكون مقيما بالخارج لأكثر من ستة أشهر في السنة وألا يكون صاحب أنشطة مدرّة للربح بتونس" يقول المسؤول الديواني قبل أن يضيف أن هذا "يرتبط دائما بالشروط التي يجب أن تتوفر في المستعمل".
إذن، ليس بإمكان محمد أمين ميلاد الانتفاع بامتيازات نظام التوريد الوقتي سواءً كان مالك المركب أو "ربانه" (أي أحد أفراد طاقمه)، كما كان ينبغي عليه خلاص ضرائب مثل ما تنص عليه التراتيب فضلا عن ضرورة التصريح بأملاكه بالخارج وفق ما تنص عليه مجلة الصرف التي تفرض عقوبات في حال مخالفة ذلك.
الضرائب، تعلّة لرفع أعلام أجنبية
من جانبه، يصرّح يسري ميلاد أن "التينيت" (أو "السي وايفر"، تختلف الأسماء باختلاف روايتي القريبيْن) ليست راسية بل هي متواجدة بميناء قمرت فحسب. في هذا المرفأ الخالي من الحياة، لا يُقابل الزائرون بالترحيب بل بنظرات الحراس الرقيبة واستجواباتهم. هنا، تتلاشى المراكب الراسية أو الموضوعة في الحوض الجاف أمام خلفية سماء خريفية رمادية.
أما المتواجدون في الأنحاء، فيبدو أن لا أحد ممن سألناهم منهم على علم بوجود يخت ميلاد، وأما مدير الميناء أنيس زروق فلم يخفِ سخطه حين أُثير موضوع الرسوم والضرائب الديوانيّة.
يرى هذا الأخير أن المبالغ المستوجبة على المقيمين والمقيمات في تونس لتسجيل بواخرهم الترفيهية والانتفاع بها مشطة للغاية، إذ تبلغ في بعض الأحيان 50 % من رسوم الاستهلاك، هذا دون احتساب رسوم الديوانة وما إلى ذلك. ويؤكد السيد زروق أن تخفيض السلطات لهذه الضرائب قد يحفز مالكي البواخر الترفيهية لتسجيلها بتونس والمساهمة في ازدهار هذا القطاع، خاصة بالنسبة للموانئ السياحية.
في انتظار ذلك، يقبع عدد كبير من البواخر الرافعة أعلاماً أجنبية في مرافئ الضاحية الشمالية لتونس.