غير أنّه في الواقع، تعاني هؤلاء النّساء الأمرّين إلى أن يتمّ قبول شكواهنّ ومن ثمّة تقديمها إلى العدالة للتّحقيق فيها. كما تتعرّض بعضهنّ إلى تخويف أعوان الشّرطة وأحكامهم المسبقة عليهنّ عوضا عن تعهّدهم بهنّ.
تندّد سعيدة: " عندما أخبرت عون الشّرطة أنّ المعتدي عليّ شدّني من شعري، ضحك قائلا إنّ ذلك لا يُعدّ عنفاً".
تمّ مدّ إنكفاضة بهذه الأرقام من قبل وزارة الدّاخليّة دون بيان ما يشمله مصطلح "العنف اللّفظي"، علما وأنّه لم يتمّ تعريفه على هذا النّحو في القانون الذي ينصّ بدل ذلك على "العنف المعنوي". وعلى الرّغم من طلب إنكفاضة، لم يتمّ التّمكّن من الحصول على توزيع عدد الشّكاوى حسب نوع الاعتداء. وتؤكّد نبيهة كداشي، رئيسة وحدة الأمن المركزيّة بالقرجاني، أنّ وزارة الداخلية لا تحصي سوى الشّكاوى حسب نوع العنف المسلّط.
تمّ إيداع أكثر من 30 ألف شكوى عنف ضدّ المرأة منذ دخول القانون المذكور حيّز النّفاذ في 2018. ويشكّل أعوان الشّرطة أوّل حلقة من سلسلة ممتدّة أشبه ما تكون بمتاهة مخرجها غير مضمون ومنعدم أحيانًا. إيداع شكوى هو في الواقع عبارة عن إجراء طويل ذي حلقات متعدّدة، تشوب كلّا منها، جملة من الإخلالات.
إيداع الشّكوى، معاناة إضافيّة
يُعدّ إيداع الشكوى محنة حقيقيّة تعترض النّساء ضحايا العنف. إذ لا يُعرف سوى القليل عن هذا الإجراء ولا يتسنّى للضّحايا بالضّرورة النّفاذ إلى المعلومات اللّازمة عنه. بالتّالي يلجأن، في حالة جهلهنّ بوجود وحدة أمن مختصّة أو في صورة استحالة النّفاذ إليها، إلى مركز شرطة تابع لمقرّ سكناهنّ غالبًا ما يكون غير مؤهّل للتّعهّد بهنّ. ومع ذلك، فقد نصّ الفصل 24 من القانون آنف الذّكر على إحداث وحدات مختصّة بـ"البحث في جرائم العنف ضدّ المرأة"، تقتصر مهمّتها على استقبال النّساء المعنّفات.
بالرّغم من علمها بوجود هذه الوحدات، تعرّضت سعيدة إلى العديد من العراقيل. وذكرت أنّ أعوان مركز الشّرطة الذي تقصده يريدون ثنيها عن رفع شكوى بدعوى " أنّها لا تحمل أيّة آثار جسديّة". غير أنّ المرأة طالبت بالتّعهّد بها من قبل وحدة مختصّة وإن أكّدوا لها أنّ هذه الأخيرة مغلقة. " أجبتهم أنّ ذلك مستحيل وأنّني على يقين بوجود مناوبة لتلقّي الشّكاوى". بعد إصرارها لعدّة مرّات، دلّها الأعوان أخيرًا على المقرّ.
أضافت قائلة : " أعرف الإجراء حقّ المعرفة، ولذا أصررت، لكن امرأة غيري تجهل ذلك كانت ستعود أدراجها إلى المنزل".
هذه الوحدات التي يُفترض أن تضمن التّعهّد بالنّسوة الرّاغبات في تقديم شكوى والإنصات إليهنّ لا توجد إلّا في مناطق الأمن الرّئيسيّة وفي بعض مناطق الحرس الوطني. لا أثر لموقعها المحدّد، وغالبًا ما لا يكون أمام الضّحية خيار آخر سوى التّوجّه نحو مركز الشّرطة الذي عليه بعد ذلك، توجيهها إلى مكاتب الوحدة المختصّة.
عدد الوحدات المختصّة التّابعة للأمن الوطني حسب الولايات
يبلغ عدد الوحدات المختصّة 128 وحدة تتوزّع على جميع أنحاء البلاد. " تمّ إحداث هذه الوحدات بعد ستّة أشهر من تبنّي القانون. وتضمّ كلّ منها خمسة أعوان، بما فيهم رئيس الوحدة، في المعدّل" وفقا لنبيهة كداشي، رئيسة وحدة الأمن المركزيّة بالقرجاني والتي ترأس السّبعين وحدة المختصّة التّابعة لمناطق الأمن المركزيّة. ويقتضى القانون أن تضمّ جميع هذه الوحدات من بين عناصرها امرأة واحدة على الأقلّ كي تشعر الضّحيّة بالثّقة لدى إيداع شكواها. غير أنّ نبيهة تؤكّد أنّ ذلك غير معمول به على أرض الواقع حيث أنّ قرابة 20٪ من الوحدات التي تشرف عليها تتكوّن من رجال فحسب. ووفقا لوزارة الدّاخليّة، تمثّل النّساء حاليّا 38٪ من مجموع الأعوان الملحقين بهذه الوحدات.
على الصّعيد الوطني، تتركّز الوحدات المختصّة في العاصمة والمناطق المجاورة لها. وتوجد على الأقلّ وحدة مختصّة تابعة للحرس الوطني في كلّ ولاية، غير أنّه يصعب النّفاذ إليها خاصّة بالنّسبة للنّساء المقيمات في جنوب البلاد. تعدّ ولاية تونس 16 وحدة في المجمل بينما لا تعدّ ولاية قبلي، التي تبلغ مساحتها 20 ضعف مساحة العاصمة، سوى وحدة مختصّة واحدة. المعطيات حول الوحدات المختصّة في مناطق الأمن التي حصلت عليها إنكفاضة من مركز الدّراسات والبحوث والتّوثيق للمحامين تفتقر إلى الأرقام المتعلّقة بالعديد من مناطق الوسط والجنوب.
عدد الوحدات المختصّة التّابعة للحرس الوطني حسب الولايات
في الوحدة، حصلت سعيدة على تسخير طبّي لفحصها مجّانا في المستشفى. وسيتعيّن عليها إثر ذلك العودة إلى نقطة الانطلاق لتقديم شهادة طبّيّة بعد فحصها من طرف طبيب شرعيّ. جملة رحلات ذهابًا وإيّابًا من شأنها التّأثير سلبا على نفسيّة الضّحيّة وتعقيد وضعيّتها الهشّة. وفقا للمحامية فدوى براهم، فإنّ الوضع يزداد سوءًا عندما " تتوجّه الضّحيّة مباشرة إلى المستشفى بغرض فحصها والحصول على شهادة طبّيّة ويتمّ رفض التّعهّد بها مع إحالتها إلى الوحدات المختصّة". في بعض الأحيان، يوافق المستشفى على التّعهّد بالضّحيّة مقابل دفع ما بين 20 و 30 دينارًا وهو " مبلغ قد يبدو متواضعا، لكن بعض النّسوة ليست لهنّ بالضّرورة الإمكانيّات المادّيّة الكافية"، كما تؤكّد المحامية.
وتروي سعيدة: " انتظرت ساعة كاملة في قاعة الانتظار حاملة الوثيقة". وبمجرّد دخول قاعة الفحص، تستمرّ المعاناة. إذ بينما يطلب الطّبيب من سعيدة نزع ملابسها، يظلّ الباب مفتوحًا على مصراعيه في انتهاك لخصوصيّتها كامرأة. بعد فحصها، أكّد لها الطّبيب أنّه " ليس بها سوء"، طالبا منها العودة في اليوم الموالي لاستلام شهادتها والتي لن تتمكّن سعيدة من رفع شكوى بدونها. غير أنّه تعذّر عليها الحصول على الوثيقة الثّمينة في اليوم الموالي وكان عليها الانتظار لمدّة شهر آخر بسبب الحجر الصّحّي. كنتيجة لكلّ هذه العقبات المتتالية، قرّرت المرأة التّنازل عن حقّها في التّقاضي.
في نفس الموضوع
نقص في الإمكانيّات على الميدان
هذا وإن سمح القانون بإحراز بعض التّقدّم، فإنّ المكلّفين·ـات بتطبيقه على أرض الميدان، يتذمّرون و يتذمّرن من نقص الإمكانيّات المتاحة. على سبيل المثال، غالبًا ما تكون مكاتب وحدات الأمن المختصّة ضيّقة، ما يحول دون إحداث فضاء للتّعهّد بالضّحيّة المشتكية في كنف السّرّية. في هذا الصّدد، صرّحت منية قاري، مديرة المرصد الوطني لمناهضة العنف ضدّ "المرأة": "لا يوجد فضاء استقبال، وعلى الضّحيّة الانتظار في ظروف مزرية".
لا يزال هذا المرصد المحدث بمقتضى الفصل 40 من القانون والخاضع لإشراف وزارة المرأة والأسرة والطّفولة وكبار السّنّ في مراحله الأولى. ولم يتمّ إحداثه رسميًا إلا في أوت 2020 أي بعد ثلاث سنوات من سنّ القانون. تبيّن منية قاري أنّ هذه المؤسّسة تتولّى نشر الإحصائيّات التّي يتمّ تجميعها بالتّعاون الوثيق مع مختلف المتدخّلين·ـات والوزارات المعنيّة. لكنّها لا تعلم إلى حدّ الآن حجم الميزانيّة التي سترصد لها وما إذا كانت كافية "كي يتمكّن المرصد من أداء المهمّة الموكولة له".
زد إلى ذلك ضعف المعدّات من آلات طابعة وسيّارات… وفقًا لنبيهة كداشي، لا تتمتّع سوى 22 من بين 70 وحدة التي تديرها بسيّارة.
" ينصّ القانون على أنّه يتعيّن على مركز الشّرطة الإتّصال بالوحدة المختصّة للحضور على عين المكان لنقل الضّحيّة غير أنّ نقص الإمكانيّات المتاحة يحول دون ذلك. إزاء افتقار الوحدات لسيّارة، ليس لدينا خيار آخر سوى إعادة توجيه الضّحيّة"، التي عليها التّنقّل إلى هناك بمفردها.
وتعزي نبيهة كداشي هذه المشاكل إلى نقص الميزانيّة حيث أنّ الموارد الماليّة المرصودة للوحدات المختصّة مدرجة ضمن الميزانيّة الإجماليّة الممنوحة من قبل وزارة الدّاخليّة لجميع الوحدات. كما أعربت عن أملها في أن يتمّ تخصيص ميزانيّة قائمة بذاتها للوحدات المختصّة بعنوان سنة 2021.
من جهتها، تذمّرت الأخصّائيّة النّفسيّة والمدرّبة ضمن الوحدات المختصّة، سندس قربوج، من اتّباع هذه المراكز توقيت عمل إداريّ من الثّامنة والنّصف صباحًا إلى غاية الخامسة والنّصف مساءً خلال أيّام الأسبوع مع إغلاقها في عطلة نهاية الأسبوع في حين أنّ " ذروة الاعتداءات على المرأة تسجّل خارج هذه الأوقات". وفي غياب الأعوان المختصّين·ـات، من المفترض أن يلتزم أعوان مناطق الأمن بالتّعهّد بالضّحايا.
غير أنّ معظم هؤلاء الأعوان لم يتلقّوا تدريبا. " هم يمثّلون حلقة من السّلسلة التي يمكن أن تشكّل خطورة كبرى ولذا، قرّرنا تدريبهم أيضًا مؤخّرًا. في غضون شهر واحد، درّبنا أربع فرق قارّة، أي ما يمثّل 100 شخص"، كما توضّح ذلك سندس قربوج.
واجهت الأخصّائيّة النّفسيّة العديد من الصّعوبات بمناسبة هذه التّدريبات مبيّنة أنّ بعض الأعوان يبدون ويبدين اعتراضا على إنفاذ القانون الذي يعتبرونه " شديد الصّرامة". كما أنّ العديد منهم·ـن، حسب قولها، يناصرون أو يناصرن دور "التّوفيق" لدى مكافحة الضّحيّة مع المعتدي عليها، وهو تدبير سبق وأن أجازه المدّعون·ـيات العامّون·ـات قبل أن يتمّ إلغاؤه بمقتضى القانون الجديد.
تروي سندس قربوج: " خلال التّدريبات، أخبرني بعضهم أنّ التّوفيق يُعتبر طريقة للحفاظ على 'التّماسك الأسري' في حين أنّ ذلك يخفي في طيّاته في الواقع، تقليلا من شأن الضّحيّة".
من جهتها، كانت سعيدة شاهدة على قلّة إلمام أعوان الشّرطة الذين استقبلوها بالإجراء، إذ أخبرها أحد أعوان الأمن أنّ الأمر سيستغرق شهرا كاملا لمكافحتها مع المعتدي عليها مؤكّدا أنّ وضعها " لا يشكّل حالة طارئة لأنّه لم يعاين آثار عنف". " عندما ألححت، أعلمني أنّه هو الذي يقرّر الحالات الطّارئة…"
تقرّ نبيهة كداشي بوجود العديد من الإخلالات الميدانيّة، مؤكّدة على تدخّلها الفوري لدى إبلاغها بمثل هذه الأمور ، وموضّحة أنّه " يتمّ طرد الأعوان الذين لا يمتثلون للقواعد أو الذين يتقاعسون عن إنجاز ما يطلب منهم من الوحدات. مثلا تمّ إقصاء عون أمن في صفاقس بعد رفع ضحيّة لشكوى ضدّه، وذلك بالرّغم من إسقاطها للتّتبّعات"، مشيرة إلى أنّه العون الوحيد الذي عاقبته إلى حدّ الآن.
العدد المسجّل للنّساء المعنّفات في 2018 حسب الولايات
إضافة إلى الصّعوبات التّقنيّة، فإنّ الإحصائيّات الرّسميّة المتعلّقة بالعنف المسلّط على النساء، غير مكتملة ومتناقضة أحيانا، حيث أنّ المعلومات التي حصلت عليها إنكفاضة يتمّ نشرها من قبل الوزارة المكلّفة "بالمرأة" ولا تغطّي سوى عدد النّساء المعنّفات اللّواتي تقدّمن إلى هذه الوزارة بالذّات. وبناءَ على ذلك، لا تعكس هذه البيانات الحجم الحقيقي للظّاهرة.
كدليل على ذلك، فإنّ الأرقام الخاصّة بالقصرين تفوق بنحو 200 مرّة تلك المتعلّقة بقابس رغم تقارب المساحة والكثافة السّكانيّة للولايتين. وتؤكّد نبيهة كداشي على أنّ " المرصد الوطني لمناهضة العنف ضدّ "المرأة" سيتعهّد بجني كافّة البيانات وتجميعها".
قضاء فاشل
تشوب إجراءات التّقاضي بدورها صعوبات جمّة، مع إثقال كاهل المحاكم وغياب متابعة حالة الضّحايا. ذلك بالإضافة إلى التّقصير المسجّل على مستوى مرافقة النّساء المشتكيات خلال إجراءات التّقاضي. تلك مثلا حالة فيرجيني*، السّائحة البلجيكيّة، التي لم تتلقّ أيّ توجيهات من قبل أعوان الشّرطة بعد رفعها لشكوى، " لم يعطوني سوى وثيقة ورقم شكواي". وبعد أن تركت للأعوان بياناتها للاتّصال بها، عادت فيرجيني إلى بلجيكا حيث قضّت أسبوعًا في مستشفى للأمراض النّفسية على إثر الصّدمة التي تعرّضت لها.
غير أنّها لم تبلغها أيّ أخبار عن مآل شكواها طوال عدّة أشهر، فقرّرت توكيل محامين بلجيكيّين تمكّنوا من استرجاع ملفّ قضيّتها بمشقّة كبرى. واندهشت فيرجيني عندما أدركت أنّه تمّ حفظ قضيّتها دون إعلامها. ودفعها يأسها إلى العدول عن الطّعن في الحكم. " لا أرغب في مواصلة إهدار الوقت والجهد والمال".
كانت المحامية فدوى براهم شاهدة على العديد من الحالات المشابهة لقضيّة فيرجيني.
تفسّر قائلة: " عندما يتمّ إيداع الشّكوى، غالبًا ما يكون على الضّحيّة متابعة تقدّم ملفّها بنفسها والتّنقّل إلى المحكمة في كلّ مرّة إذ لا أحد يحيطها علما بذلك".
وفقًا لوزارة الدّاخليّة، تصدّر العنف المادّي أشكال العنف المسلّط على النساء سنة 2018.
كما أنّ توكيل محام أو محامية يفترض أن تتحمّل النّساء المعنّفات جميع التّكاليف القضائيّة، وهو ما ليس في إمكان الجميع. ومن المُفترض أن تقدّم الدّولة الإعانة العدليّة للأشخاص الذين و اللّواتي لا تتوفّر لديهم·ـنّ الإمكانيّات لتوكيل محام·ـية. غير أنّه في الواقع، لا تتمكّن العديد من النّساء من الانتفاع بهذه الخدمة، كما تندّد المنظّمات باعتماد الدّولة عليها بشكل كبير.
تقول منية قاري، مديرة المرصد، محتجّة: " إمكانيّات الجمعيّات محدودة للغاية. إلى متى سيتواصل التّواكل عليها؟ لا يمكنها أن تحلّ محلّ الدّولة وأن تنجز المهامّ التي يُفترض أن تضطلع بها هذه الأخيرة".
ولذا، تلجأ النّساء المعنّفات إلى الجمعيّات ليحظين بالإرشاد القانوني وللتّعرّف على حقوقهنّ. تشير نزيهة بوذيب، المحامية لدى الجمعيّة التّونسيّة للنّساء الديمقراطيّات منذ 25 عامًا، إلى تزايد العبء الملقى على كاهل الجمعيّة. " خلال الأسبوعين الفارطين، تعهّدنا بـ80 امرأة لتقديم المشورة القانونيّة، وهو ما يمثّل عبئا ثقيلا حيث أنّ عددنا لا يتجاوز 5 محاميات".
ووفق قولها، تلجأ يوميّا ما بين 15 و 20 امرأة إلى الجمعيّة بغرض إرشادهنّ أو التّعهّد بهنّ قضائيّا، " بالكاد تقدر 10٪ من هؤلاء النّساء على توكيل محام·ـية والتّكفّل بأتعابه·ـا لمتابعة القضيّة". جمعيّة "بيتي" هي الأخرى تشهد الوضع نفسه، حسب حليمة الجويني، المنسّقة القانونيّة للجمعيّة، حيث تمّ، سنة 2019، استقبال 182 امرأة طلبت 110 منهنّ توفير متابعة قضائيّة لملفّهنّ.
في نفس الموضوع
وتواصل منية قاري مستنكرة الإخلالات القضائيّة التّي تتعرّض لها النّساء المشتكيات. " رغم تنصيص القانون على تخصيص فضاءات مستقلّة داخل المحاكم، لم يتمّ تطبيق ذلك على أرض الواقع. إذ لا وجود لاستقبال خاصّ بالنّساء المعنّفات أو لفضاء مخصّص لهنّ داخل المحاكم". ومن المفترض أن يـ·تكون القضاة والقاضيات المختصّون·ـات بهذه القضايا قادرين·ـات على استقبال الضّحايا والتّعهّد بهنّ في كنف السّريّة التّامّة. غير أنّه بعد مرور قرابة ثلاث سنوات من سنّ القانون، لم يتمّ إحداث هذه الفضاءات بعد. هذا ولم تستجب وزارة العدل إلى طلب إنكفاضة الحصول على معلومات وإجراء مقابلات.
كما تستنكر فدوى براهم سلوك بعض القضاة والقاضيات ورفضهم·ـن تطبيق هذا القانون الجديد، مع مواصلة استنادهم·ـن إلى الأحكام القديمة المنصوص عليها في المجلّة الجزائيّة عند النّطق بالحكم. " تلك ممارسة شائعة نسبيّا داخل المحاكم. كمحامية، ألفت نظرهم·ـن إلى أنّ ذلك ليس من حقّهم·ـن. لكن معظم القضاة والقاضيات لا يأخذون أو يأخذن ذلك بعين الاعتبار".
وحسب منية قاري، يعزى ذلك إلى قلّة إلمام القضاة والقاضيات والمدّعين·ـات العامّين·ـات بالقانون الجديد. " أعطيت دورة تدريبيّة موجّهة للقضاة وللقاضيات لمدّة يوم ولكن لم أقدر على المزيد، لعدم منحي الوقت الكافي". وتضيف أنّ البعض منهم·ـن على خلاف عميق مع فقه القانون نفسه والذي " نقّح بعض أحكام المجلّة الجزائيّة، خاصّة تلك المتعلّقة بالعنف المادّي والمعنوي. إذ كانت المجلّة الجزائيّة تهدف إلى الحفاظ على'الآداب العامّة' وليس إلى تبجيل ضمان حرمة الفرد. وكان من شأن القانون عدد 58 القطع مع هذه الفلسفة لكونه مبنيّا على تكريس حقوق الإنسان ".
مازال عدم اكتراث القضاة والقاضيات وتلكّؤهم·ـن في تطبيق القانون يمثّلان عقبة أمام توفير الإحاطة اللّازمة للنّساء المعنّفات، إضافة إلى معاناتهنّ من تعقيد إجراءات إيداع الشّكاوى. ذلك هو الشّأن بخصوص القضيّة الرّمزية المتعلّقة بالنّائب زهير مخلوف المتّهم بالتّحرّش الجنسيّ والذي يتمّ تأجيل محاكمته باستمرار. في هذا السّياق، طلبت جمعيّة "أصوات نساء" مؤخّرا، تدخّل المجلس الأعلى للقضاء لاعتبارها تعطيل الإجراء يخدم في الواقع أغراضا سياسيّة بحتة. وليس ذلك، سوى مثال آخر من أمثلة عديدة ومتعدّدة على الشّعور السّائد بتكريس ثقافة الإفلات من العقاب وانعدام الإرادة المؤسّساتيّة لمناهضة العنف ضدّ النساء.