كُنيَتُه "المبحبح" لكثرة سخائه على الدوريات الأمنية

يُكنّى في أوساط التهريب ب"المبحبح" لكثرة سخائه على الدوريات الأمنية. هو مهرّب سلاح جزائري الجنسية ذائع الصّيت في الغرب التونسي نظرا لهيمنته على نصيب الأسد من كعكة الحدود.
بقلم | 08 ديسمبر 2017 | reading-duration 5 دقائق

مسالك الأسلحة غير المشروعة في الغرب التونسي تتحكّم فيها مجموعتان اثنتان تتفرّع عنهما عناصر أخرى مهمّتها "استخباراتية" ولوجيستية بالأساس. مجموعة تونسية أغلب عناصرها صادرة في شأنها بطاقات تفتيش وجلب ومطلوبة في قضايا تتعلّق بالإرهاب. ومجموعة جزائرية لها خبرة في التعاطي مع المجاميع الارهابية وكان بعض عناصرها من بين المستفيدين من العشرية الدموية السوداء في الجزائر. غير أنّ العنصر الأهمّ والأكثر خطرا ضمن هذه المعادلة يظلّ "اليفرني".

"اليفرني" هو مهرّب سلاح جزائري الجنسية تونسيّ المنشأ، معروف لدى السلطات الأمنية ودوائر المخابرات التونسية والجزائرية. يُكنّى في أوساط التهريب ب"المبحبح" لكثرة سخائه على الدوريات الأمنية، حيث اعتاد الدخول إلى التراب التونسي عن طريق المناطق الحدودية مع ولاية القصرين.

ليس من السّهل طرح الأسئلة في شوارع القصرين حول شخصية "المبحبح" ونوعية الأنشطة التي يقوم بها. فبمجرّد ذكر اسمه، سواء في أوساط المهربين أو بين عامّة الناس، حتّى ينفضّ الناس من حولك، أو يتمّ تغيير الموضوع -في أحسن الأحوال- لتفادي الاجابة. لماذا يخشى أهالي القصرين الخوض في سيرة هذا المهرّب رغم أنّه ذائع الصّيت وسيرته معلومة لدى القاصي والداني ؟

بين التهريب والارهاب

من خلال الاستعانة ببعض الأصدقاء و الثقاة في المنطقة، تمكنّا من ربط الصلة ببعض المصادر المتقاطعة (بعضها ينحدر من أوساط التهريب في القصرين) حيث تبيّن أنّ اليفرني (أو المبحبح) تمكّن في السنوات الأخيرة، بمعية بعض العناصر التونسية، من شراء ذمّة عدد من الأمنيين في الجهة ما أتاح له التنقّل بحرية وأمان، وإدخال بضاعته (كانت مجهولة المحتوى إلى وقت غير بعيد) إلى داخل التراب التونسي.

وتتحوّز السلطات الأمنية والعسكرية التونسية، من جانبها، على تفاصيل ومعطيات خطيرة حول أنشطة اليفرني على التراب التونسي من بينها أنّه :

"يستعين خلال تنقّلاته من وإلى معتمدية فوسانة من ولاية القصرين بنقيب من الجيش الوطني (عمره حوالي 45 سنة، يستظهر ببطاقته المهنية على مستوى النقاط الأصلية، وهو محلّ احترام أعوان حرس فوسانة)، في حين يستعين خلال تنقلاته في الشمال الغربي بعون حرس أصيل باجة، وأمّا في الشمال الشرقي والعاصمة فيستعين بعون حرس أصيل زغوان (حوالي 35 سنة)". مقتطف من محضر جلسة عمل انعقدت يوم 12 أوت 2014 بمقر الإدارة المركزية للاستعلامات العامة.

اليفرني ليس طارئا على القصرين ولم ينتظر 14 جانفي 2011 ليباشر نشاطه على التراب التونسي، فقد عُرف سابقا بتعامله مع عائلة الطرابلسية (أصهار الرئيس الأسبق بن علي) في مجال تهريب السيارات الفاخرة ما جعله يحتلّ مكانة مرموقة بين أثرياء المنطقة وأغلبهم من كبار المهربين أيضا. 

وكان مصدر من الإدارة المركزية لمكافحة الإرهاب (حبّذ عدم إفشاء هويّته) اعترف خلال لقاء له مع موقع انكيفادا بأنّ السلطات الأمنية التونسية وخاصّة الإدارات المتخصّصة في الجانب الاستخباراتي كانت قد تحصّلت على معلومات خلال شهر أوت من سنة 2012 تفيد بأنّ "المبحبح هو المدعو الصادق بن محمد بن عبد الله الطاهري، جزائري، مولود سنة 1970، قاطن بتبسّة شرق الجزائر على الحدود مع البلاد التونسية".

المصدر ذاته قال انّ الجهات الأمنية على علم بكلّ تحرّكات "المبحبح" مضيفا أنّه "محلّ إجراء منع دخول لفائدة الإدارة المركزية لمكافحة الإرهاب منذ بتاريخ 29 أفريل 2011". ووفق شهادة عدد من المهرّبين ممّن تسنّى ل"انكيفادا" الحديث إليهم فانّ "المبحبح" دأب على ربط الصلة بعدد من المعاونين التونسيين على مستوى مقهى شعبي كائنة على الطريق الرئيسي باتّجاه القصرين دون أن تطاله يد الأمن كأنّه يتمتّع ب"حصانة غير معلنة" حسب تعبير المصادر السابق ذكرها.

أشعل النار في التسعيرة

ولئن كان اليفرني معروفا، مثلما ذكرنا أعلاه، بسخائه على الدوريات الأمنية وذلك من أجل "شراء الطريق" وضمان مرور آمن لبضاعته المهرّبة التي أصبحت تتمثّل أساسا في الأسلحة والذخيرة خلال السنوات الأخيرة، فانّه أصبح محلّ امتعاض و مصدر قلق لعدد من المهرّبين في القصرين وفي مقدّمتهم مهرّبو الخمور الفاخرة (فودكا) والمحروقات نظرا لتسبّبه أي (اليفرني المبحبح) في ما تمّ وصفه ب"إشعال النار في تسعيرة شراء الطريق".

يقول مهرّب محروقات انّ التسعيرة (الرشاوى التي تقدّم للدوريات الأمنية) ارتفعت إلى خمسة أضعافها خلال السنوات الثلاث المنقضية فحسب. ويستنكر مهرّب ثان، متخصّص في الأجهزة الإلكترونية، سخاء اليفرني على الأمنيين معتبرا ذلك من قبيل "المنافسة غير الشريفة" التي أضرّت بالمهرّبين عموما وجعلتهم مضطرّين للدفع أكثر عند "شراء الطريق".

تونس : "أمراء" الحدود .. ومسالك تهريب السلاح

من مجموعات الفيسبوك الليبية الى المعسكرات الجهادية في جبال الشعانبي. كيف تحوّلت تونس من منطقة عبور الى منطقة لتخزين السلاح والاتجار فيه ؟ أيُّ المسالك تمّ اتّباعها ومن يشرف على تأمين هذه العمليات؟ كمْ يبلغ حجم هذه الأسلحة ؟ وهل يستفيد الارهاب فقط من هذا النشاط غير المشروع؟

من مهرّب سلاح الى هارب من تجّار السلاح

هرب من "تنظيم المهرّبين" بعد أن اكتشف من باب الصدفة أنّه كان بصدد تهريب السلاح على الحدود التونسية الجزائرية. قرار مغادرة عالم "كونترا السلاح" كلّفه ما لم يكن يتوقّعه أبدا.

العدوّ رقم واحد : حمار

ماذا لو وجدتَ نفسك في لحظة خوف وهلع و يأس تتمنّى لو أنّك بصدد مواجهة جيش نظامي مدجّج بالأسلحة الثقيلة بدل مواجهة حمار تائه على الحدود البرية بين تونس والجزائر. في ما يلي حكاية الحمار الذي تحوّل الى "العدوّ رقم واحد" بالنسبة الى إحدى الدوريات العسكرية.