بعد مرور العاصفة التي دامت 5 أيام والتي حالت دون تنفيذ كل عمليات الإبحار، تعاقب يومان من البحر الهادئ المصحوب برياح جنوبية ما يعتبر أفضل ظرف مُتاح للابحار. انّها اللحظة المثالية للانطلاق في أعظم عملية ابحار منذ 2015.
في الليلة الفاصلة بين 13 و14 أفريل، أعطى مركز تنسيق الإنقاذ البحري بروما معلومات عن قارب في وضعية تستوجب النجدة (إشارة استغاثة) على بعد 12 ميلا بحريا. "لا يمكننا البقاء داخل 12 ميل" (في المياه الإقليمية الليبية) يقول كاي كالتيغيرتنر قبطان سفينة ايوفينتا، "اتصلنا بحرس السواحل الليبية فلم نتلقّى أيّ ردّ لنكتشف فيما بعد أنّ مئة شخص قد لقوا حتفهم في تلك الليلة في حين تمّ إنقاذ 25 من قبل حرس السواحل".
توالت بعد ذلك أربعة أيام من عمليات الإنقاذ المتواصلة. "بدت كأنّها يوم واحد طويل دام 96 ساعة"، هكذا علّقت كاترينا، احدى الأطباء والطبيبات الموجودين/ات على متن سفينة ايوفينتا.
ايوفينتا، هي سفينة راجعة بالنظر إلى المنظمة الألمانية غير الحكومية "يوغند ريتيت" التي قامت، لوحدها، بمساعدة 2147 شخصا، سواء عبر الانتشال وتأمين الوصول الى برّ الأمان أو من خلال توفير الطوافات والسترات الواقية. "يوغند ريتيت" هي احدى أصغر المنظمات غير الحكومية التي تشارك في العمل الإنساني لعمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط.
وقد أنشئت هذه المنظمة سنة 2015 من قبل مجموعة من شباب برلين الذين، بعد مشاهدة العديد من صور الوفيات في البحر الأبيض المتوسط، أطلقوا عملية لجمع التبرعات لاستعادة قارب صيد قديم والبدء في بعثات البحث والإنقاذ.
في نفس الموضوع
"نريد إطلاق صيحة فزع نحو أوروبا.. إن لم تكن قادرة على فعل أي شيء لوقف هذه المذبحة، فإننا سنقوم بذلك بأنفسنا كمواطنين عاديين"، هكذا علّق فيلكو هولمز، مساعد قبطان سفينة ايوفينتا.
منذ ضباب الساعات الأولى من فجر شهر أفريل، تغادر العشرات من القوارب القابلة للنفخ والقوارب الخشبية ذات النوعية الرديئة المنطقة التي تسيطر عليها ليبيا وتصل إلى منطقة ما بين 12 و 24 ميلا بحريا (في 'المنطقة المتاخمة أو منطقة البحث والإنقاذ، لأن هذا هو المكان الذي تتم فيه جميع عمليات الإنقاذ).
"لا يمكن أن تؤدي هذه القوارب المطاطية الى أي مكان"، يقول خوسيه باستور، رئيس البعثة .. "لم يكن لديهم ما يكفي من الغاز وكانت ثقيلة جدا (حوالي 150 شخصا كانوا على متنها)، كل ما يمكنهم تخطيه هو 25-30 ميلا بحريا فقط" حتّى يتسنّى لهم الوصول إلى المياه الدولية ومن ثمّ البقاء هناك.
عن بعد، لا نرى سوى بقعة مظلمة في زرقة البحر. ثم تدريجيا، تأخذ هذه البقعة شكلا آخر تأتي منه العيون الخائفة والسيقان الحافية (يفرض الوسطاء على المهاجرين السريين نزع أحذيتهم للتخفيف من الوزن) على قارب رمادي.
هكذا تبدو بداية القصة، ولكن بالنسبة إلى الأغلبية هي مجرد لحظة في رحلة تستمر أحيانا لعدة أشهر أو حتى سنوات : أنا جئت من الصومال وأنا من إريتريا، أنا من نيجيريا، أنا من السنغال، أنا من سوريا، أنا من ساحل العاج وغانا والنيجر ومالي والمغرب وتونس. تكدّس الجميع هناك، على القوارب في وسط البحر، لا ماء ولا غذاء ولا مراحيض ولا غطاء. القاسم المشترك بين الجميع هم الأمل .. أمل البقاء على قيد الحياة.