القصرين على طريق نيْل صفة "الجهة الضحية"

لاول مرة في العالم العربي، تتقدم جهة بملف في إطار العدالة الانتقالية قصد تصنيفها "جهة ضحيّة".
بقلم | 30 سبتمبر 2015 | reading-duration 10 دقائق

متوفر باللغة الفرنسية
من بين الثلاثة عشر ملفا التي تلقتها هيئة الحقيقة والكرامة والتي يتعلق أغلبها بضحايا العنف الجسدي، هناك حالة خاصة تسترعي الانتباه ألا وهي الملف الذي تمّ تقديمه باسم ولاية القصرين للمطالبة بمنحها صفة “الجهة الضحية”. سابقة تعتبر الأولى من نوعها في العالم العربي. 

«انّه حدث نادر في تونس وفي العالم العربي. حدث لم يسبق أن حصل مطلقا ».

هكذا كان تعليق الخبير الاقتصادي وعضو المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية و الإجتماعية السيد عبد الجليل البدوي. 

بدعم من المنظمة البلجيكية محامون بلا حدود، تقدم المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية بملف لطلب منح ولاية القصرين صفة “جهة ضحية”. ويندرج هذا التمشي في إطار مسار العدالة الانتقالية. خلال ندوة صحفية انتظمت يوم 16 جوان 2015، صرّح أنطونيو ماقانيلا (Antonio Maganella)، رئيس بعثة محامون بلا حدود في العاصمة تونس، أنّ هذه الخطوة ستمكّن من إدراج المسألة الاقتصادية والإجتماعية في مسار العدالة الانتقالية. ويرى علاء الطالبي، المدير التنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والإجتماعية، أنّ هذه الخطوة ستكون نقطة إنطلاق أو فلنقل فقهَ قضاء يمكن البناء عليه لخدمة جهات أخرى.

العودة إلى أسباب الثورة

تُعتَبر الخطوة التي قام بها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسعى مهمّا لانه سيمكّن من اعادة أسباب الثورة الى قلب النقاش العام.

“إلى حدود اللحظة، كثّف المسار الثوري تركيزه على الجانب السياسي على حساب ما هو اجتماعي وإقتصادي. في هذا التمشي هناك سعي إلى الذهاب في هذا الاتجاه. فالنقاط التي تم التطرق لها في هذا الملف هي محاولة للغوص في أصول الثورة .” شهادة علاء الطالبي

وتسعى هذه الخطوات إلى حل إشكاليات ما بعد والثورة وكذلك ما قبلها. وتندرج في إطار المصالحة التي يجب أن تخوّلها العدالة الانتقالية. هذا التمشي الذي يجب أن يحدد المسؤولين عن الإغتصاب و محاكمتهم ومصالحة مختلف الاطراف وخاصة السهر على عدم تكرار هذه الأفعال. وقد تطلّب الملف الذي تم تقديمه الى هيئة الحقيقة والكرامة سنة من العمل وكان من الضروري الانطلاق بتعريف المصطلحات.

إمكانية يخوّلها القانون

يخوّل قانون العدالة الانتقالية في تونس لأيّ جهة من جهات البلاد أن تتقدم بملف لدى الهيئة لانه يشمل عديد اصناف الضحايا على إمتداد الدكتاتوريتين المتتاليتين. ويشمل مصطلح الضحية “الجهات التي كانت تشهد تهميشا منظما”.

الفقرة 3 من الفصل 10 من القانون الأساسي عدد 53-2013

يشمل مفهوم “الضحية” كل من لحقه ضرر جراء تعرضه إلى الانتهاك على معنى هذا القانون سواء كان فردا أو جماعة أو شخصا معنويا. ويُعدّ ضحيةً أفرادُ الاسرة الذين لحقهم ضرر لقرابتهم من الضحية على معنى قواعد القانون العام بالاضافة الى كل شخص حصل له ضرر أثناء تدخله لمساعدة الضحية او لمنع تعرضه للانتهاك. ويشمل هذا التعريف كل منطقة تعرضت للتهميش أو الإقصاء الممنهج .

ولئن يُعتبر طلب منح صفة “جهة ضحية ” للقصرين سابقة في تونس فانّ هنالك تجربة مماثلة في كينيا شكّلت علامة للمشتغلين على هذا الملف.

مسيرة ضد الترويكا في القصرين يوم 8 جانفي 2014. عدسة آزر منصري

مشقّة التعريف “الجهة الضحية”

كان من الضروري تعريف مصطلح “جهة ضحية ” قبل الشروع في وضع اللمسات الاولى للملف. كاترين دنيز، المختصة في العدالة الانتقالية والقانون الدولي بمنظمة محامون بلا حدود اشتغلت على هذا الملف و أوضحت أنّ القانون التونسي المتعلّق بالعدالة الانتقالية لم يوضّح مفهوم “الجهة” ومفهوم “الإقصاء الممنهج”. 

بالإستئناس بالتجربة الكينية و القانون التونسي و آلآليات الوطنية والدولية المتاحة، تمّ التمكن من تعريف هذه المصطلحات. فيما يتعلق بمصطلح “الجهة” تمّ التوصل إلى أنّ المعني هو التقسيم حسب الولاية أما مصطلح “التهميش و الإقصاء المنظم” فإن التجربة الكينية مكّنت من توفير عدة عناصر تعريفية توجد بدورها في القانون الدولي وفق ما أوضحته السيدة دنيز.

وتضيف الخبيرة ذاتها أنّ عديد الاشارات تمّ استعمالها كذلك في هذا التعريف المفهومي. فبالاضافة إلى الاستئناس بالروح التي كُتب على اساسها القانون التونسي -تقول دينيز- اعتمدنا على عديد الدراسات التي تثبت أن عديد الجهات كانت محرومة :

“تعريفنا يرتكز على القول انّ التهميش يُعرّف على أنه شكل من أشكال التفرقة والتمييز والاستنقاص الحاد والمستمر من الحظوظ، الذي يقلص من حظوظ المجموعة في العيش في إطار تمشي سياسي و إقتصادي و إجتماعي”.

مصطلح التهميش يستبطن فكرة إنكار أو استبعاد مجموعة من إمكانية التمتع بخدمة أو حقوق كحق الشغل أو التعليم أو الصحة.

على نفس الدرجة من الاهمية هناك مصطلح آخر يتعلّق بفكرة التهميش “المنظّم” و التي تفترض أن يكون التهميش “منهجيا” أي أنها متأتية من عملية مهيكلة.

وكي نبرهن على أنّ القصرين جهة ضحية على غرار عديد الجهات في تونس، إستعمل الفريق مؤشرات إجتماعية وسياسة موضوعية ثم قام بمقارنتها بمؤشرات جهات أخرى اضافة إلى المعدل الوطني.

فيما يلي الأرقام بعد أن تم تجميعها :

إذا ما تم طرح الوضعية واتّجهت القصرين نحو نيل صفة “الجهة الضحية”، فانّه من الضروري وقتها التساؤل حول مسؤولية الدولة والقائمين على شؤونها في هذا التمييز لفهم كيف تم التهميش وبالتالي ضبط خطط واضحة وناجعة للنضال ضده في المستقبل. الملف الذي تم تقديمه لدى الهيئة يطرح توصيات من هذا النوع .

الملف لاقى إستقبالا حسنا

في قاعة الندوة الصحفية التي نظمها المنتدى التونسي الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع منظمة محامون بلا حدود للاعلان عن تقديم الملف، أعلن محمد عياري رئيس لجنة التعويضات في الهيئة أنه تم تلقي الملف وتمّ الأخذ بعين الاعتبار هذا الطلب، واصفا هذه المبادرة بالذكية و الجريئة على اعتبار أنّ لها دلالات رمزية قوية حسب رأيه.

“هذا العمل يؤكد ثقة المواطنين و المجتمع المدني في الهيئة، ويؤكد على إنتظارات الاهالي. عكس ما يتداول، هذا الملف من مشمولاتنا حسب ما ينص عليه القانون.”

مبادرة يمكن أن تصبح بمثابة فقه قضاء -يضيف العياري- وسوف يُعين الهيئة لأن نفس التمشي يمكن أن يطبق على هيئات أخرى أو أشخاص معنويين اخرين.

دعم عمل الهيئة

بغض النظر عن البعد الرمزي لهذا الطلب، تتمثل الفكرة في فتح المبادرة أمام الجهات الاخرى بتعبيد الطريق أمامها:

“جزء كامل من من هذا العمل تم تخصيصه لتعريف هذه المصطلحات بشكل منهجي يمكن اعادة استعماله من طرف الهيئة ” حسب كاترين دنيز.

هناك إرادة قوية لدعم عمل الهيئة. فمثالُ جهة القصرين يمكن أن يكون مثالا للمصالحة بين المجموعات. هو “باب أول مفتوح” حسب أنطونيو منغانيلا الذي أكد على أنّ هذه المبادرة ليست سوى بداية العمل فالخطوة القادمة سوف تكون متابعة الرد على الملف.