«خارج الملعب أفعل ما أشاء» يقول أحمد، «لكن داخله تتنظم العلاقات بيننا بناءً على قواعد واضحة». يبلغ أحمد من العمر 30 عاما، ولئن كان حاليا معطّلاً عن العمل، فإن شغفه الرياضيّ يوجّه حياته كفرد من أفراد الألتراس. يواصل حديثه قائلا: «منذ أن بلغت الرابعة، سجّلني والدي -الذي كان لاعب كرة قدم هو ذاته- في نادٍ رياضي. لكنني غادرت أرضية الملعب ولازمت المدرجات منذ سن السادسة عشرة».
أسّس أحمد في أوائل الألفيّة رفقة عدد من المشجعين مجموعة ألتراس محليّة لمساندة فريقه. كان عدد الأعضاء في البداية يُعدّ على الأصابع «إلا أن المجموعة اليوم صارت تضم أجيالا كاملة من نفس العائلات، من الجدّ إلى الحفيد» يقول أحمد بفخر. هذا الثلاثيني الذي أفنى سنواتٍ من عمره في تنظيم أنشطة المجموعة وعملها صار منخرطا فيها بكامل كيانه.
«أن تكون فرداً من الألتراس يعني أن تكون لك حياة ثانية تماما. فأنت تعيش كل مباراة كما لو كانت مباراتك الأولى».
وحدة مجموعات الألتراس في مواجهة عداء الشرطة
في تونس، يتجاوز الشغف برياضة كرة القدم كل الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية. تقول إيناس بن عثمان التي أخرجت عديد الأفلام الوثائقية حول ظاهرة مجموعات الألتراس إن «ثمة عديد الأطباء والمهندسين وعمال النظافة والطلبة وغيرهم». ويُؤكد أحمد من جانبه نفس الفكرة: «لئن كان من المستحيل تصنيفنا فإننا جميعنا نشترك في عشقنا لكرة القدم». ومن التفاني المطلق للنادي، إلى التسلسل الهرمي الواضح وروح التضامن غير المشروطة، تتشابه القواعد الصارمة لهذه المجموعات الذكورية من المغرب العربي إلى أوروبا -أين نشأت هذه الظاهرة خلال ستينيات* القرن الماضي وتحديدا في إيطاليا.
لكن في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، بات الالتزام بقاعد الالتزام بالسرية أكثر صعوبة. يوضح أحمد: «لم يعد الأمر كما كان بالنسبة للأجيال الجديدة. من الصعب عليهم مقاومة إغراء توثيق اللحظات بالصور لذا علينا مراقبتهم باستمرار. أما نحن، فلا نزال نشجع فريقنا على الطريقة التقليدية [...] حتى والداي لا يعلمان أنني عضو في مجموعة ألتراس».
بالنسبة لهؤلاء المشجعين الذين تتجاوز العلاقات فيما بينهم حدود المدرجات، يبقى إخفاء الهوية مبدأً لا يمكن المساس به. لكنّ أحمد يوافق على كشف بعض جوانب هذه الحياة: «لدي الكثير لأقوله بصفتي فردا في مجموعة ألتراس، فأنا على أتم الدراية بمشاكلنا». غالباً ما يُختزل الحديث عن ظاهرة الألتراس في الخطاب الإعلامي والسياسي في بعدها الأمني، إلا أن أحمد يسعى إلى تسليط الضوء على قيم التضامن والتعاون التي يعتبرها جوهر هذه الحركات: «إذا احتاج النادي أو أحد أعضائه إلى المال، فإننا نبيع الغالي والرخيص بما في ذلك أحذيتنا وشاشات التلفاز خاصتنا بل وحتى سياراتنا».
«نجمع التبرعات في الأعياد والمناسبات الأخرى ونُقدِّمها في سرية تامة. أن تكون ألتراس يعني الانتماء إلى ثقافة قيمٍ متكاملة الأركان».
لكن في تونس، مثلما هو الحال في أماكن أخرى، يرتبط اسم مجموعات الألتراس بصداماتهم الشهيرة مع قوات الأمن. تفسر باحثة في العلوم السياسية، فضلت عدم الكشف عن هويتها، ذلك قائلة: «إنّ التجمّع حول فكرة رفض السلطة البوليسية هي وسيلة للتنظّم من أجل مقاومة الهيمنة الأمنية وللتنفيس عن الإحباط الجماعي وإثبات هوية اجتماعية مستقلة».
هذا هو المنطق الذي يتبناه المشجعون بلا تردد. يقول أحمد: «الانضمام إلى الألتراس يعني أن تقبل مواجهة الشرطة. التضامن بيننا لا حدود له، إذا تعرض أحدنا لاعتداء من البوليس لأي سبب كان، صار من واجبنا جميعا التدخّل». أنيس*، المشجع الشاب لأحد أندية كرة القدم في العاصمة التونسية، يشهد هو أيضا على الطبيعة المعقدة للعلاقات بين الألتراس وقوات الأمن.
يقول: «تبدأ علاقتي مع الشرطة منذ اللحظة التي أتّجه فيها نحو الملعب. فأول من أصادف هناك بعد أصدقاء الحي، هم رجال الشرطة».
يرى أنيس أنها علاقة «صراع متواصل مادامت الدولة البوليسية قائمة» على حد تعبيره. كما يندد الشاب بالاستفزازات الصادرة عن قوات البوليس والتي يصِفها بأنها «ثابتةٌ لا تغيب عن أيّ مباراة [...] فنحن لا نغادر أبدًا الملعب على نفس الحالة التي أتينا عليها».

مقتل عمر العبيدي: رمز الإفلات من العقاب
ذات يوم 31 مارس 2018، بلغت التوترات بين مجموعات الألتراس والشرطة ذروتها، لما اندلعت مواجهات عنيفة بينهم وقوات الأمن عقب مباراة جمعت النادي الإفريقي بنادي أولمبيك مدنين في ملعب رادس. في ذلك اليوم، طارد قرابة اثنا عشرة رجل أمن عمر العبيدي، الشاب البالغ من العمر 19 عامًا، حتى بلغوا به ضفاف وادي مليان أين وجد الضحية نفسه، وفقًا لشهود عيان، محاصرًا من قبلهم بالقرب من مجرى المياه. استرحم الشاب رجال الشرطة قائلا إنّه لا يُجيد السباحة، لكن الرد جاء قاسيًا حين هتف أحدهم: «تعلّم عوم، اقفز!» وفق رواية أخيه الذي يُؤكّد أنه سمع ذلك. بعد لحظات، سقط عمر في المياه، وفي اليوم الموالي عُثر على جثته هامدة. أثارت هذه الحادثة موجةً من دعوات الاحتجاج في أنحاء البلاد واجتاح وسم #تعلم_عوم منصات التواصل الاجتماعيّ. أما وجه الشاب اليافع فقد تحوّل إلى رمز يذكّر بالإفلات البوليسي من العقاب.
في نفس الموضوع
في جويلية 2024، أي بعد مرور ستّ سنوات على الواقعة، أصدرت محكمة الاستئناف بتونس حكمًا بالسجن لمدة عام واحد مع وقف التنفيذ ضدّ 12 شرطيًا بتهمة القتل غير العمد. لكن القضية لم تنتهِ بعد، إذ تم الطعن في الحكم أمام محكمة التعقيب في سياقٍ اعتبرت فيه جماهير كرة القدم التونسية التعامل القضائي مع المتهمين لا يرتقي إلى مستوى جسامة الواقعة. يقول أحمد بأسف: «تكون المجموعات خصوما لبعضها داخل المدرجات لكن الأمر الآن بات يتعلق بقضية إنسانية. لقد هزّ موت عمر البلاد من شمالها إلى جنوبها». ومن جانبها، تفسّر الباحثة في العلوم السياسية هذا الحكم القضائي بأنه «نقطة فارقة حتى لو لم تُرضِ هذه الإدانة جماعات الألتراس، لأن هذه المحاكمة تعكس توجّس السلطة السياسية من القضايا التي تحظى باهتمام الرأي العام».
في نفس الموضوع
ورغم الطبيعة الاستثنائية لهذه الإدانة القضائية نظرا لندرتها في قضايا العنف المرتبط بالمباريات الرياضية، يقول محمد الجويلي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تونس «إن قضية عمر العبيدي لم تُفضِ إلى أية مراجعات حقيقية إزاء مسألة استخدام البوليس للقوة، ولم تتغيّر الوسائل والآليات والردود المُستخدمة في كل مباراة». وبما أن الدولة التونسية تتحمّل مسؤولية الإدارة الأمنية للمباريات الرياضية، فهي التي تُرسِل البوليس داخل الملعب. تقول الباحثة في العلوم السياسية مُفسّرة: «إنّ عدم اللجوء إلى شركات أمنية خاصة مثلما هو الحال في عديد الدول الأخرى، يُبرِز الدور المحوري لوزارة الداخلية في هذه المسألة».
«لئن كانت ظاهرة العنف متقلّبة الحدّة [...] فإنّ طريقة التعامل مع مجموعات الألتراس في تونس لم تتغيّر بتاتا حتى بعد الثورة ومقتل عمر» تضيف الباحثة.
من جهتها، تعتبر أميمة جبنوني، العضو السابق في الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان (LTDH)، والتي كانت قد أطلقت مشروعا رياديّا حول الشباب والعنف القصوَوِيّ، أن السبب الرئيسي وراء العنف الأمني في الملاعب هو غياب العقوبات التأديبية داخل الجهاز الأمني. تقول منددة: «إنّ إفلات الشرطة من العقاب هو مشكلة هيكلية في تونس ومتجذرة في المنظومة الأمنية والإدارية، وقد دفع شاب تونسي حياته ثمنا لذلك. إن موازين القوى غير متكافئة بين قوات الشرطة والجمهور، فرجال الأمن يعلمون أنه بإمكانهم التصرف بمطلق الحرية دون التعرض للمسائلة».
في أفريل 2019، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا حول مقتل أربعة شباب، من بينهم عمر العبيدي، تحت عنوان " عندما يكون الفرار من أعوان الأمن قاتلاً" حذّرت فيه من «التداخل بين الأجهزة الأمنية والجهات المسؤولة عن التحقيقات، إلى جانب غياب الشفافية في عملية اتخاذ القرار القضائي».
تقول الباحثة في العلوم السياسية حول هذه النقطة إن «ثمة نزرٌ جدّ قليل من التحقيقات التي أُجريت في مسألة الاستخدام المفرط للقوة، سواء في الملاعب أو خارجها». كما أن تواتر حالات الانتهاكات الأمنية تجعل من الصعب تحديد مدى إفلات قوات الأمن من العقاب، وفي هذا الصدد، تشير مبادرة الإصلاح العربي (Arab Reform Initiative) إلى «شبه استحالة الحصول على المعطيات من طرف الوزارة، [...] وتتولّى آليا رفض جميع مطالب النفاذ إلى المعلومة المقدّمة لها.»
في نفس الموضوع
توترات وعنف متواصل
لا يقتصر العداء بين الشرطة ومجموعات الألتراس على المواجهات العنيفة فحسب، بل يمتد إلى ضغوط تُمارس على أفرادها في الحياة اليومية. في ماي 2022، نشرت مجموعة "كورفا نورد" (Curva Nord) التي تشجع النادي الإفريقي بيانًا على فيسبوك تندد فيه بالمضايقات الأمنية المتكررة التي يتعرض لها أفرادها. تشير الباحثة في العلوم السياسية إلى أننا «كثيرا ما نعاين حالاتٍ من الإيقاف التحفظي أو الترهيب الذي يُمارس على عائلات أفراد مجموعات الألتراس». أما أحمد فيؤكد أنه يخضع لرقابة أمنية لصيقة، لا سيما في الفترات السابقة للمباراة: «عندما نذهب إلى الملعب، تقوم الشرطة الفنية بتصويرنا وتسجيل أسمائنا وألقابنا. إنهم يعرفون عنا كل شيء».
يساند أنيس أقوال قائد مجموعته، فكل سلوك خارج عن انتظارات قوات الأمن يعرض المشجعين للعنف. وتتمثل هذه الانتظارات بالنسبة إليه، في ضرورة أن يكون المشجع مشجعًا 'عاديًّا'، يحضر المباراة ويرتدي قميص فريقه ويردد الأناشيد المسموح بها ويتلفظ بعبارات مسموح بها. وكل خروج عن هذا الإطار يُقابل بالعنف والاعتقالات وفق قوله.
«يتعاملون معنا كأننا مجرمون. لديهم كل المعطيات، بما في ذلك صورنا، وبصماتنا، وعناويننا، وتحركاتنا [...] لا يخفى عليهم شيء».
في إطار تحقيق ميداني حول العنف المتطرف أُجري سنة 2016، حضرت رابطة حقوق الإنسان عدة مباريات في العاصمة لرصد سلوك مختلف الأطراف وتوثيق الانتهاكات البوليسيّة المحتملة. توضح أميمة جبنوني نتائج الدراسة قائلة: «رغم أن وجودنا البارز لم يسمح لنا بمعاينة حالات عنف خطيرة، إلا أننا لاحظنا علاقات عدائية مستبطنة تتجلى في الاستفزاز اللفظي، وفترات الانتظار الطويلة والمرهقة، والإهانات المتكررة من قبل قوات الأمن». أما عالم الاجتماع محمد الجويلي، فيقول ناصحا: «قبل اللجوء إلى القمع، يجب أولا معالجة جذور العنف، بدءا بالسوق السوداء لتذاكر المباريات وكيفية الاستقبال في مداخل الملاعب».
سياسة قهرية لاحتواء الظاهرة
حصصٌ محدودة من التذاكر، ومنعٌ للقُصّر من دخول الملاعب، ومبارياتٌ دون جمهور… هذا هو نوع الإجراءات الصارمة التي دأبت السلطات التونسية على اتخاذها منذ الثورة لاحتواء ظاهرة الألتراس، غير أن المشجعين يعتبرون هذه التدابير انتهاكًا صارخًا لحرياتهم. يتساءل أحمد ساخطا: «البعض يعمل طيلة الأسبوع وآخرون يذهبون إلى الملاهي الليلية للترفيه عن أنفسهم فلماذا نُحرَم نحن من دخول الملعب؟». لكن عندما تُمنع المجموعة من حضور المباريات لا يتورّع أفرادها عن الإفصاح عن غضبهم.
يقول أحمد: «نذهب إلى محيط الملعب لنشاغب الشرطة، فالمسألة تتعلق بحريتنا!».
يصعب الحديث عن نجاعة هذه الإجراءات في احتواء الظاهرة في ظل غياب نتائج ملموسة. يرى محمد الجويلي أنه «لا يمكن القضاء على الظاهرة بفرض القيود عليها، والدولة ستواصل اللجوء إلى الحل الأمني ما دامت ترفض فهم قيم مجموعات الألتراس». لكن لا شك أن هذه السياسة القهرية قد تؤدي إلى نتائج عكسية. تشرح الباحثة في العلوم السياسية أنه «غالبًا ما تكون فترات القمع الشديد وقودا لتصاعد العنف، سواء داخل الملاعب أو خارجها. فالعنف البوليسيّ يُؤجِّج بدوره الاحتجاجات ضدّه».
تجربة أحمد خير دليل على هذه المفارقة، فبين عامي 2007 و2009، تعرض الشاب للسجن ست مرات لمجرد إشعاله شماريخ أثناء المباريات. لكن هذه التجربة لم تردعه بقدر ما أوقدت إصراره وعزيمته. يروي أحمد ما حصل: «كان الأمر أشبه بمغامرة […] لم نرتكب جريمة قتل، ومع ذلك تم اعتقالنا. جَعَلَنا السجن أكثر لُحمَةً لعلمنا أن رفاقنا في الخارج يكافحون من أجلنا. وعند إطلاق سراحنا بتنا أكثر حماساً للدفاع عن الآخرين».
الشباب، الملاعب، وتقصير الدولة
يرى محمد الجويلي أن المقاربة القهرية في التعامل مع مجموعات الألتراس، علاوة على كونها تتسبب فقط في شحذ همم أفرادها، تعكس أيضًا تقصير الدولة في الإحاطة بالشباب. يشرح عالم الاجتماع قائلًا: «تزامن ظهور هذه المجموعات المحلية في مطلع الألفية مع تراجع دور المؤسسات التي كانت تحتضن الشباب وتؤطرهم. ولذا وجد هؤلاء في 'ثقافة التشجيع' وسيلةً للتعبير عن أنفسهم وإثبات وجودهم داخل النسيج الاجتماعي. وهكذا، أصبحت كرة القدم بالنسبة إليهم قضية جماعية جديدة».
بحلول سنة 2024، وجد الشباب أنفسهم أمام أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة، إذ بلغت معدلات البطالة 40% علاوة على تفاقم التفاوتات الاجتماعية وانعدام الآفاق المستقبلية. وفقًا لدراسة حديثة نشرها مركز "الباروميتر العربي" (Arab Barometer) في أوت 2024، 71% من الشباب التونسي الذي يتراوح سنه بين 18 و29، يرغب في الهجرة. ويكشف التقرير أن «الشباب لم يكن أبدًا ضمن أولويات الحكومة. فلا توجد رؤية واضحة، ولا سياسات جادة، ولا حتى اهتمام حقيقي بهم [...] وهكذا يجدون أنفسهم مضطرين للبحث عن حلول ذاتية. الخلاص أصبح فرديًا».
ساهم هذا التهميش إذاً في دفع الشباب للبحث عن أشكال أخرى لإثبات ذواتهم، فكان الانتماء إلى ثقافة الألتراس أحد هاته البدائل. تقول أميمة جبنوني «إنّ الأمر بسيط: لا يُدعى الشباب مطلقا للحوار ولا تُتاح له فرصة التعبير عن رأيه».
«ورغم الحضور القويّ لمجموعات الألتراس على أرض الواقع، فإنها لا تحظى بأي اعتراف أو اعتبار».
في هذا السياق، أصبح الملعب مساحة التعبير والاحتجاج بامتياز. يقول أحمد «إذا نشرت منشورًا على فيسبوك، لن يشاهده سوى 300 شخص تقريبا. وإذا خرجت في مظاهرة بشارع الحبيب بورقيبة، قد يلاحظك 20 شخصا وكاميرا إعلامية واحدة. أما في الملعب، فثمة 30 ألف شخص، بينهم سياسيون، وإعلاميون، وزوار وغيرهم».
يَعتبر قائد مجموعة الألتراس أن الملعب يمثل المكان المثالي لطرح قضايا مثل «مشاكل النقل، البطالة، والفقر [...] هنا يمكننا أن نُسمع صوتنا». كما تُبرز التيفوهات، والأناشيد، وعمليّة ابتكار هذا الأسلوب من التعبير، ما للملعب من أهميةٍ أساسية بالنسبة لألتراس تونس. بينما تلخّص إيناس بن عثمان كل ذلك في قولها: «الملاعب ليست سوى انعكاسا لمجتمعاتها».
أما أميمة جبنوني فتذهب إلى كون الألتراس يمثلون «جزءا من الذاكرة الوطنية» للمجتمع التونسي. ويُردِف محمد الجويلي «إهم أوّل من كسر حاجز الخوف من البوليس». ففي شهر أفريل من سنة 2010 أي خلال الأيام الأولى للثورة، أدّى تعرض أحد المشجعين لاعتداء وحشي من قبل قوات الأمن في الملعب الأولمبي بالمنزه إلى رد فعل عنيف سرعان ما اكتسب بعدا سياسيا.
واليوم، بعد أربعة عشر عامًا من اندلاع الثورة، لم تفتر نقمة الألتراس على الجهاز الأمني، ولم تتحسّن الأوضاع الاجتماعية التي لا يكلّون عن التنديد بها في المدرجات. والأهم من ذلك في نظر أحمد، أن لهيب الشغف بثقافة التشجيع لا يزال متّقداً. ويختم القائد الألتراسي وهو الذي شاهد أجيالًا من اللاعبين يمرون عبر ناديه، قائلاً: «إن الأمر أشبه بمفعول المخدرات، كل مباراة نعيشها كما لو كانت المباراة الأولى».