#أوراق_باندورا

أوراق باندورا | من لندن إلى ماليبو، عقارات ملك الأردن الفخمة

اشترى العاهل الأردني، بين سنتي 2003 و 2017، 14 عقارا فخما في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بقيمة قُدّرت بـ106 مليون دولار. واستطاع عبد الله الثاني طمر هذه الاستثمارات العقارية لمدة 15 سنة بفضل شبكة من الشركات "الأوفشور" المُقيمة في بنما والجزر العذراء البريطانية.
بقلم | 05 أكتوبر 2021 | reading-duration 15 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
"تعرفون من". هذه هي العبارة التي يستعملها أحد مسيّري ثروة العاهل الأردني حين يتحدّث عنه في مراسلاته مع مكتب المحاماة البَنَمي "آليمان، كورديو، قاليندو و لِي (تُختصر في آلكوغال)"، كسبيل لمزيد إخفاء هوية عبد الله الثاني. ومكتب المحاماة هذا مسؤول عن تسجيل 36 شركة صورية للملك، سمحت البعض منها بالتستر على عمليات شراء 14 عقارا بقيمة تُقدّر بـ106 مليون دولار أمريكي.

انطلقت هذه الشراءات منذ 2003، وفق ما تضمنته الوثائق التي تحصل عليها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ في سياق أوراق باندورا، وتواصلت إلى 2017. في نفس الفترة، وبينما كان الملك منهمكا في إنفاق ملايين الدولارات، كانت الأردن -التي تعتمد بصفة خاصة على المساعدات الدولية- تمرّ بسلسلة من الموجات الاحتجاجية الاجتماعية تحديدا منذ 2011. 

تظاهر·ت الأردنيون والأردنيات خلال العقد المنقضي باطّراد ضد البطالة وانخفاض القدرة الشرائية والتقشف والفساد. غير أن هذه التحركات جوبهت بالقمع من قبل الشرطة ومصالح الأمن الملكي. وهكذا في موفى 2019، فرقت قوات الأمن المظاهرات، واعتقلت عدة معارضين ومعارضات للنظام وقادته. 

لم تمض بضعة أشهر حتى ضربت جائحة كوفيد-19 البلد ضربة موجعة، خاصة بما فرضته من حجر صحي وغلق للحدود. وتفاعلا مع تبعات الأزمة الصحية على مالية الدولة، أعلنت السلطات الأردنية في جوان 2020 عزمها على التصدي لكل من سولت له نفسه إخفاء ثرواته، وأطلقت وعودا بالقضاء على نزيف رؤوس الأموال خارج البلد والتي قُدّرت بـ800 مليون دولار في السنة. 

من جهته، طمأن رئيس وزراء الأردن "عمر الرزّاز" يوم 13 جويلية 2020 أنه سيضيق الخناق حول التهرب الضريبي، مضيفا أن هذه الظاهرة حرمت اقتصاد البلاد المتأزّم من مليارات الدولارات من المداخيل في السنوات الماضية. 

تمثل هدف هذه الحملة في تطبيق العدالة، وفق تصريحات نقلتها "رويترز" عن مسؤولين أردنيين أكدّوا أن لا أحد فوق القانون. ولكن، أثبتت التسريبات - التي وضع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين يده عليها - أن أول المعنيين بالأمر ليس سوى العاهل الأردني عبد الله الثاني المتربع على عرش المملكة منذ 20 سنة، بـ14 عقارا فارها موزعة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.  

شخص مارّ أمام مبنى يحتوي على أحد عقارات الملك عبد الله الثاني بـ"جورج تاون" بالعاصمة "واشنطن دي سي". صورة : سلوان جورج / صحيفة الواشنطن بوس.

106 مليون دولار

يقع أحد هذه المنازل الفخمة المملوكة للعاهل الأردني بـ "آسكوت"، وهي إحدى أغلى المدن بإنقلترا، إضافة إلى شقق تضاهي قيمتها ملايين الدولارات في وسط لندن وثلاث شقق أخرى في واشنطن دي سي تحظى بإطلالة خلابة على نهر "بوتوماك". 

تُضاف إلى القائمة كذلك ثلاث منازل أخرى لا تزال في طور البناء مطلّة على شاطئ البحر في منطقة "بوينت دوم" الراقية بلوس أنجلوس، أحدها قصر بسبع غرف يقع على جرف مطل على المحيط الهادئ تم شراؤه في 2014 عبر "نابيسكو القابضة"، وهي إحدى شركات الملك الصورية، مقابل مبلغ 33.5 مليون دولار. 

ولو تم التصريح علنا بهذه الشراءات، لأثار توقيتها انتقادات لاذعة من طرف الأردنيين والأردنيات وزعماء العشائر المساهمين في الإبقاء على عبد الله الثاني في سدة الحكم، حسب ما جاء في أقوال خبراء وخبيرات ضمن فريق الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين. فمعظم هذه المعاملات العقارية، أمريكيةً كانت أو بريطانيةً، والتي تجاوزت ستة منها عتبة الـ5 ملايين دولار، وقعت منذ 2011 في أعقاب المظاهرات التي شكّلت أول تهديد جدي للعائلة الملكية الأردنية منذ أجيال. 

في سنة 2012، أي السنة التي اشترى فيها الملك أحد عقاراته الفارهة في واشنطن، طفحت شوارع المدن والقرى الأردنية بآلاف الأشخاص المنددين بحذف الدعم على الوقود. وقد وجه المتظاهرون والمتظاهرات جام غضبهم نحو الملك عبد الله الثاني نفسه، ورفعوا في الشوارع هتافات من قبيل : "يا عبد الله يا ابن الحسين، مال الشعب راح فين ؟ ناس بتسرق بالآلاف، وناس بتوكل خبز حاف". 

المصدر : معطيات وثائق باندورا و سجل ملكية صاحبة الجلالة وسجلات الملكية الأمريكية

تقول الدكتورة آنيل شيلين الخبيرة في الشؤون الدينية والسياسية بالشرق الأوسط والمكلفة بالبحث صلب "معهد كوينسي" بالعاصمة واشنطن للاتحاد الصحفي: "الأردن لا يملك مالا يوازي الأنظمة الملكية الأخرى في الشرق الأوسط، على غرار المملكة العربية السعودية" وتضيف مؤكدة أنه "لو أظهر الملك الأردني ثروته علنا، لما أثار ذلك سخط شعبه فحسب، بل وغضب المانحين الدوليين أيضا"، ذلك حسب شيلين أن المملكة الأردنية تعوّل أساسا على الإعانات الخارجية للاستجابة لحاجيات سكانها ولاستضافة ملايين اللاجئين واللاجئات وعلاجهم، بسبب افتقارها للموارد البترولية والمياه. ففي 2020 فقط، منحت الولايات المتحدة الأمريكية الأردن أكثر من 1.5 مليار دولار في شكل مساعدات وتمويلات عسكرية، بينما وفر الاتحاد الأوروبي للمملكة أكثر من 218 مليون دولار لامتصاص آثار الصدمة التي خلفتها جائحة كوفيد-19. 

أما عبد الله الثاني، الذي لم يسلم أبدا من سخرية الأردنيين والأردنيات من لكنته الانقليزية حين ينطق بالعربية، فلا يحق له أن يقع في الخطأ، وفق خبراء حاورهم الاتحاد الصحفي.

الملك عبد الله الثاني يشرف على موكب رسمي بعمان عاصمة الأردن. صورة : جوردان بيكس / جيتي إيميجز

وكانت الشرطة الأردنية قد أوقفت، خلال السنة الجارية، 16 شخصا من بينهم أحد أفراد من العائلة الحاكمة في إطار التصدي لما زُعم أنه مؤامرة هدفت للإطاحة بعبد الله الثاني. وعُزل الأمير حمزة، أخ الملك غير الشقيق، بشكل مؤقت، داخل إقامة تخضع للمراقبة من أجل دوره المُفترض في محاولة الإنقلاب.غير أن هذا الأخير نفى ضلوعه في تدبير المؤامرة في فيديو نُشرت عقب زيارة أدتها له الاستخبارات الأردنية.  

صرح الأمير حمزة : "أنا لست سبب الخراب والدمار الموجوديْن في البلد، والفساد والتراجع اللّذين نخرا هذا البنيان [الحكومي] منذ 15 إلى 20 سنة وما فتئا يتفاقمان سنة عن سنة". وأضاف : "النظام الحاكم قرر أن مصالحه الشخصية والمالية وفساده أهم من حياة العشرة ملايين ساكن وكرامتهم ومستقبلهم".

في خضم هذا الجو المشحون بالريبة والتعزيز الأمني، أعلن محامو الملك البريطانيون أن عبد الله كانت له أسباب أمنية وسرية مشروعة أدت به إلى تملك هذه العقارات عبر شركات "أوفشور". كما أكدوا أن لا علاقة لهذا الشأن بأي محاولات للتهرب الضريبي أو أي هدف غير مشروع. كما لم يسئ الملك التصرف في الأموال العامة أو المنح الدولية، وهو يستمد ثروته من مصادر شخصية، وفق ما جاء على لسان محاميه. وأضافوا أن معظم الشركات غير المقيمة لم يعد لها وجود أو هي غير مرتبطة بالملك، فضلا عن أن بعض العقارات التي حددها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ليست على ملكه. غير أنهم امتنعوا عن تقديم تفسير لما اعتبره الملك غير صحيح بتعلة أسباب تتعلق بخصوصيته وأمنه وعائلته. 

مستشارو ومستشارات الملك

تظهر الوثائق أن مستشاري الملك بذلوا قصارى جهدهم لإخفاء هذه الأصول العقارية. إذ أنشأ محاسبون ومحامون في سويسرا والجزر العذراء البريطانية، شركات وهمية باسم الملك وحاكوا خططًا لحماية اسمه من السجلات العامة وحتى السجلات الحكومية السرية. 

في وثيقتين، صرح مسيّرو الشركات التابعين لمكتب "آلكوغال" في جزر فيرجن البريطانية عن عدم ارتباط أي شخص له علاقة بإحدى شركات الملك بالسياسة - رغم ما للملك من سلطة تعيين الحكومات وحل البرلمان وتمرير القوانين.

وأنكر المحامون أي مخالفة في شراء المنازل من خلال الشركات غير المقيمة، وذلك باتصال جمعهم مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، مضيفين أنه، بموجب القانون الأردني، فإن عبد الله الثاني غير ملزم بدفع الضرائب.

"فيكتوريا لورين" محامية بريطانية تعيش على ضفاف بحيرة "ليمان"، وهي إحدى مستشارات الملك في عالم "الأوفشور". تمتلك المحامية شركة سويسرية لإدارة الثروات تُدعى Sansa Suisse SA. وفي عام 1995، ساعدت عبد الله الثاني في تأسيس واحدة من أولى شركاته الصورية، وهي شركة Guinevere Enterprises Ltd في جزر فيرجن البريطانية، إلا أن التسريبات لم تحدد طبيعة نشاطاتها.

تعمل "فيكتوريا لورين" مع المحاسب البريطاني "أندروز إيفانز" وهو شريكها في العمل. اشتغل هذا الأخير لأكثر من عشرين عامًا لدى عملاق المحاسبات الدولية PwC في الإمارات العربية المتحدة، وفقًا لما ورد بملفه الشخصي على منصة "لينكد إن". أطلق، في أعقاب ذلك، شركتين لإدارة الثروة في سويسرا، هما "الخليج للائتمان Khalij Fiduciaire SA" و"فيديجير FidiGere SA". ومن خلال سجلات الشركة السويسرية، يتبيّن أن "لورين" رئيسة لشركة "الخليج للائتمان" في حين كان "إيفانز" سكرتيرها.

ويتضح من خلال المراسلات بينه وبين Alcogal، أن "إيفانز" بعدّ -من خلال شركاته- أحد أهم مديري ثروات الملك وأمين سجلاته. 

لا تعدد الوثائق المسربة الممتلكات الفردية للملك، ولكن يمكن العثور على موقعها وتفاصيلها وقيمتها من خلال مطابقة أسماء الشركات الصورية بالسجلات العامة للمِلكية. وكشف مراسلو الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين و صحيفة "واشنطن بوست" عن 12 شركة تابعة للملك، بما في ذلك عمارات سكنية بقيمة 6.5 مليون دولار في منطقة "جورج تاون" الراقية بواشنطن، اشترتها "زاير ذ. م. م. Zayer Ltd" في عام 2012. علما وأن نجل الملك، ولي العهد الأمير حسين، كان قد تحصل في سنة 2016، على شهادة في التاريخ الدولي من جامعة "جورج تاون"، على بعد 10 دقائق سيرًا على الأقدام من هذه الشقق الفاخرة.

لا تكشف الوثائق الغرض أو الأصول المحددة للشركات الصورية الأخرى التي في حوزة الملك، ولكن لمّحت لامتلاك البعض منها لاستثمارات في الولايات المتحدة وأوروبا، دون مزيد الإفصاح عن التفاصيل.

Propriétés appartenant au roi Abdallah II à Malibu, en Californie. Image : Salwan Georges/The Washington Post

ومن خلال سجلات تخطيط المدن في كاليفورنيا، سيخضع اثنان من قصور الملك الثلاثة في "ماليبو" لأشغال كبيرة. أحدهما سيُهدم ويُعاد بناؤه بضعف حجمه السابق، أما الآخر، الذي يقع على أرض بجوار شاطئ عمومي، فسيُهيأ قريبًا بمسبح جديد وعريشة فولاذية ومنصة شواء ضخمة في الجزء الخارجي من القصر.

و باقتراب مراسلي "واشنطن بوست" منها، بدت المنازل فارغة. بينما صرح أحد عمال البناء في أحدها أنه بصدد "بناء مرأب سيارات للمالك".

"تعرفون من"

ذاع صيت مكتب "آلكوغال" في عالم التركيبات المالية، وهو واحد من 14 مقدم خدمات كشفت عنهم أوراق باندورا. وكان قد تولى إدارة شؤون الملك في بنما والجزر العذراء البريطانية منذ سنة 2007، وفق ما ورد في الوثائق.  

يقع أرخبيل الجزر العذراء البريطانية في الكاريبي ويجمع أكثر من 50 جزيرة، وهو جزء من أراضي ما وراء البحار التابعة للمملكة المتحدة. يُعرف هذا البلد بكونه جنة ضريبية حيث الضرائب المفروضة ضئيلة أو تكاد تنعدم، وأين يخيم التعتيم. تزدهر في الجزر العذراء صناعة الشركات الوهمية التي يبلغ عددها مئات الآلاف، وتجنّد مجموعات من المحامين والمحاميات والمحاسبين وغيرهم، خدمةً للأجانب. هذا فضلاً عن قوانين صارمة همّها حماية المعطيات الشخصية والتزام من أجل صناعة "الأوفشور" لجذب المشاهير والسياسيين والمجرمين.  

عمل مكتب "آلكوغال" في الجزر العذراء البريطانية منذ تسعينات القرن الماضي على مساعدة عملائه وعميلاته لتكوين شركات صورية واستغلالها، ليصبح المكتب - الذي أسسه ابن سفير بنما السابق لدى الولايات المتحدة - أحد أهم مقدمي الخدمات في مجال الاستشارات القانونية وتلك المتعلقة بـ "الأوفشور"، واختص في التعامل مع الشركات متعددة الجنسيات والنخب العالمية من كل صوب.  

وسجل مكتب "آلكوغال" نفسُه شركة محسن مرزوق لحساب نظيره "إس إف إم لخدمات الشركات" المقيمة في دبي. أُدرجت شركة "إيقل وان للاستثمارات القابضة ذات المسؤولية المحدودة" يوم 16 ديسمبر 2014 في مدينة "رود تاون" في الجزر العذراء البريطانية.  

يتوخى موظفو وموظفات مكتب "آلكوغال" ومعهم "آندروز إيفانز" -وهو مستشار عبد الله الثاني- حيطة بالغة حين يتم ذكر الملك، ويكنّونه بـ"المستفيد النهائي" المقيم في الأردن. أما "إيفانز" فيفضّل استعمال عبارة "تعرفون من".  

تجبر التشريعات في الجزر العذراء البريطانية، وفي غيرها من الولايات القضائية الأخرى على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، شركات الخدمات المهنية مثل "آلكوغال" على الإفصاح عن أي محاولات لتبييض الأموال وغيرها من الجرائم المالية التي يقترفها عملاؤها، خاصة منهم السياسيين والمسؤولين الحكوميين "المكشوفين سياسيا" لسهولة وقوعهم في الفساد والجرائم المتعلقة به. أما في ما يخص العقوبات في الجزر العذراء البريطانية فقد تصل إلى 75.000 دولار أمريكي لأي تقصير في الإفصاح عن هذه العمليات.  

ورغم ذلك، وضعت "آلكوغال" في فيفري 2017 علامة في خانة "لا" كإجابة عن سؤال ورد في وثيقة داخلية لتقييم المخاطر عما إذا كان أحد الأشخاص المضطلعين في إحدى شركات الملك "مكشوفا سياسيا" أم لا، أي بعبارة أخرى، إن كان سياسيا أو مقربا من دوائر الحكم. وذكرت نفس الوثيقة الاسم الكامل لعبد الله الثاني وتاريخ ولادته ومكان إقامته في قصر رغدان بعمّان.  

تكبد "إيفانز" الكثير من العناء في سبيل ضمان السرية المطلقة لعلاقة العاهل الأردني بشركاته الصورية. وهو ما يتضح من خلال التعديلات والتعليقات المُدخلة على مشروع اتفاقيةٍ تجاريةٍ ممضاة في 2016 بين "آلكوغال" وشركة "فيديجير" التي يديرها "إيفانز"، حيث عبرت هذه الأخيرة عن قلقها من احتمالية الإفصاح عن اسم الملك وأنشطته "الأوفشور". 

اقتضت الاتفاقية التي حررتها "آلكوغال" أن تشارك الشركة غير المقيمة معلومات عن المستفيد الحقيقي منها مع سلطات الجزر العذراء في حال طلبتها بلدان أخرى في إطار تحقيقات إجرامية تقوم بها. لكن "إيفانز" تساءل : "هل يمكنكم تحديد ماذا يُقصد بـ'سلطات' ؟" قبل أن يطلب من "آلكوغال" أن ترفع من سقف الحماية لـ"العملاء ذوي الوضعيات الحساسة بشكل خاص" وتعدّل الاتفاقية. ثم طلب منهم تخزين المعلومات الخاصة بعملائه وعميلاته على الورق فقط لمزيد حمايتهم من التسريبات والأخطاء البشرية. كما فرض على مكتب "آلكوغال" ألا يسمح بالنفاذ لهذه المعلومات إلا "على أساس الحاجة إلى المعرفة". ولم تُشر الوثائق المسربة إلى قبول "آلكوغال" هذه التعديلات من عدمه.  

"حاليا، ليس لدينا سوى عميل واحد مصنف تحت هذه الخانة [أي العملاء الأكثر حساسية]"، وفق ما كتب "إيفانز" على الوثيقة الأولية في 2016. ورغم أنه لا يذكر الملك أو شركاته بطريقة مباشرة، إلا أن بعض الوثائق المُرسلة في نفس الفترة تقريبا تشير إلى اسم عبد الله. 

لم تنتهِ مشاقّ "إيفانز" هنا، بل تملكته الخشية أيضا على جواز سفر الملك، ولكنه قبل رغم ذلك توفير نسخة إلكترونية عنها لـ"آلكوغال" طالبا منها تقييد النفاذ إليها وتأمينها باستعمال كلمة سرية. فما كان من "آلكوغال" إلا أن تمتثل.  

ولم تكد معضلات معالجة الوثائق تنهي حتى واجهت "آلكوغال" و "إيفانز" مسألة شائكة أخرى : هل يجب عليهم التصريح بملكية العاهل الأردني لهذه الشركات لدى سلطات الجزر العذراء البريطانية ؟ 

طُرح هذا السؤال بعد أن كانت السلطات قد عززت مطالبتها بالكشف في أعقاب التسريبات عن أسرار عالم "الأوفشور" وخاصة تحقيق "أوراق بنما" الذي قاده الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين في 2016. 

وتنص القوانين الجديدة على أن الشركات التي تساعد عملاءها في إنشاء شركات في الجزر العذراء البريطانية مطالبةٌ بتوفير أسماء أصحابها الحقيقيين -أو ما يُعرف بـ "المستفيدين الفعليين النهائيين"- للسلطات التي تسجلها في سجل حكومي سري. بالتالي، وجدت "آلكوغال" نفسها أمام إجبارية إيداع هذه المعلومات حتى بالنسبة للشركات التي ستُنقل فيما بعد إلى جنات ضريبية أخرى على غرار بنما، مثلما حدث لعدد من شركات الملك.  

ووفق ما ورد بالتسريبات، طلب السيد "إيفانز"، عبر البريد الإلكتروني، من "آلكوغال" أن تودع إسم إحدى الشركات -الخليج للائتمان أو "فيديجير"- بالسجل الحكومي عوضا عن اسم الملك. وحسب تقدير مسؤول الامتثال بـ"آلكوغال"، فإنه من الممكن تسجيل إحدى شركات "إيفانز" كمستفيد فعلي من شركات الملك الوهمية، وفق ما ورد بمراسلة الكترونية مؤرخة بـ 2017. ولكن مسؤول الامتثال صرح في نفس الآن أن هذا يتعارض مع روح القانون الجديد الذي يهدف إلى استعادة سمعة الجزيرة.  

بالإضافة إلى كل ذلك، يفرض القانون على آلكوغال أن توفر معلومات عن الملكية "دون إبطاء"، غير أن تسجيل شركة "الخليج أو فيديجير" "يجعل هذا الأمر عسيرا"، يكتب مسؤول الامتثال.  

من جهته، يؤكد المحامي "حكيم كريك" لدى مكتب المحاماة "مارتين كيني وشركاؤه" في الجزر العذراء للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أنه "كان ينبغي تسجيله كمستفيد فعلي" مادام الملك يتصرف بصفته الشخصية. 

غير أن وثائق "آلكوغال" لا تذكر القرار النهائي. وفي ردها على الاتحاد الصحفي، رفض مكتب "آلكوغال" التعليق على الحوادث الفردية مؤكدا في ذات الحين أنه يسجل بدقة أصحاب الشركات المقيمة في الجزر العذراء البريطانية بموجب القوانين سارية المفعول. كما صرح مكتب المحاماة أنه يقوم بفحص معمّق لسوابق عملائه ممن لهم روابط سياسية بعدما شهدت القوانين المتعلقة بتدابير العناية الواجبة عدة تغييرات في البلدان التي ينشط فيها المكتب. 

وفي تصريح للاتحاد الصحفي وللمنصة الإعلامية السويسرية "تاميديا" ولهيئة الإذاعة الكندية، قال "إيفانز" أنه تقاعد ولم يعد يعمل لحساب الملك، رافضا الإجابة عن الأسئلة، بينما أكد محامو الملك للاتحاد الصحفي أن شركات الملك تخضع لتصرف مهنيّين في سبيل ضمان احترام الالتزامات القانونية والمالية. 

وفي نفس الوقت الذي حدث فيه هذا التبادل الالكتروني سنة 2018، كان عبد الله يواجه مظاهرات ضد الضرائب هزّت البلاد أين يبلغ متوسط الدخل السنوي 7620 دولار. وبادر الملك بطمأنة شعبه قائلا أنه يتفهم معاناته الاقتصادية والاجتماعية : "يجب على مؤسسات الدولة أن تتبنى منهجية عمل قائمة على الشفافية والمسؤولية".  

وندد الديوان الملكي الهاشمي في تصريح مؤرخ في 4 أكتوبر 2021 بـ"المعلومات غير الدقيقة" وما اعتبره تشويها للحقيقة ومبالغات، كإجابة على المنشورات التي تناولت عقارات الملك. وأضاف الديوان الملكي "إن عدم الإعلان عن العقارات الخاصة بجلالة الملك يأتي من باب الخصوصية وليس من باب السرية أو بقصد إخفائها".