تفيد آخر المعلومات المتوفرة أن سليمان بوحفص معتقل حاليا في سجن القليعة قرب العاصمة الجزائرية على إثر مثوله أمام محكمة سيدي محمد. من جهتها، أعربت إيمان البجاوي، المحامية التونسية لسليمان بوحفص الذي نُسبت إليه ست تهم لم يُصرح بعدُ بطبيعتها، عن "بالغ خوفها" على حياة موكلها.
وفي الوقت الذي عبرت فيه حوالي أربعين منظمة من المجتمع المدني عن قلقها إزاء ما اعتبرته "سابقة خطيرة أقدمت عليها الدولة التونسية" مع اتهامها "بتسليم لاجئ يتمتع بالحماية الدولية إلى سلطات بلاده التي تلاحقه على خلفية مواقفه السياسية"، تشير العديد من الأدلة إلى التراخي في تولي مسؤولية حمايته.
مهدّد منذ حلّ بتونس
يُعتبر الأمني السابق سليمان بوحفص شخصية مثيرة للجدل في بلده ذلك أنه يُعد من أنصار "الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل (الماك)" وكان قد اعتنق الديانة المسيحية بحسب ابنته. وفي سبتمبر 2016، صدر في حقه حكم بالسجن لثلاث سنوات في طور الاستئناف بتهمة "الإساءة إلى الرسول والاستهزاء بالمعلوم من الدين وبشعائر الإسلام"، كما يتجلى من خلال منشوراته الفيسبوكية.
ثم أُطلق سراحه إثر انتفاعه بعفو رئاسي بعد مضيّ ثمانية عشر شهرًا، وانتقل إلى العاصمة التونسية في سبتمبر 2018 حيث منحته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين HCR صفة لاجئ. غير أن شعورا بعدم الأمان بدأ يلازمه: "منذ حلوله بتونس، بدأ يتلقى العديد من الرسائل والمكالمات التهديدية والمهينة"، وفقا لمصدر فضل عدم الكشف عن اسمه.
وتُشير مراسلات إلكترونية تعود إلى فيفري 2021 والتي تمكنت إنكفاضة من الاطلاع عليها إلى أن عائلة سليمان بوحفص كانت قد أعلمت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بجملة من الأحداث المثيرة للقلق: تهديدات متكررة مصدرها رقمان جزائريان وربوض سيارة بلوحات منجمية جزائرية أمام منزله طوال اليوم وتتبُّعه من قبل شخص إلى منزله... وفي ماي 2020، أعلم اللاجئ بتعقبه من قبل "مجموعة من المسلحين".
"ليس هناك مجال للشك في أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين كانت على علم بالمخاوف التي راودت سليمان بوحفص. إذ بلغ به الأمر إلى حد طلب نقله إلى بلد آخر"، وفقا للمصدر المذكور.
مسؤوليات الدولة التونسية
كان من المقرر أن يلتحق سليمان بوحفص بموعد لدى المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين يوم الاثنين الموالي لاختطافه. "كان ينوي الكشف عن أمور على غاية من الأهمية والخطورة"، حسب أقوال محاميته التي أكدت أن "اختطافه في ذلك اليوم بالذات لم يكن من محض الصدفة إذ أن مكالماته كانت حتما تخضع للتنصت".
في المقابل، يذكّر رمضان بن عمر، الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية FTDES بأن "الدولة التونسية هي المكلفة أولا وقبل كل شيء بضمان حماية اللاجئين وطالبي اللجوء على ترابها. وذلك بغض النظر عن الضغوطات المحتملة التي سلطتها الجزائر، إذ من واجب حكومتنا احترام تعهداتها".
"حيث أن بلد اللجوء هو المسؤول الأول عن حماية اللاجئين على أراضيه، فالقوانين السارية في كل دولة تشكل السند القانوني الأساسي لحماية اللاجئين".
إضافة إلى النصوص الدولية، تنص مقتضيات الفصل 26 من دستور 2014 على أن "حق اللجوء السياسي مضمون طبق ما يضبطه القانون، ويحجر تسليم المتمتعين باللجوء السياسي". ورغم ذلك، لا يزال الغموض يكتنف ملابسات اختطاف سليمان بوحفص إلى يومنا هذا، فكما صرح أحد موظفي المفوضية السامية: "من الصعب معرفة ما إذا كان هذا الاختطاف تم بتحريض من الجزائر أم تونس، وبالتالي من الصعب الإقرار بوجود ترحيل قسري من عدمه". جدير بالذكر هنا أن تمتع سليمان بوحفص بصفة لاجئ تجعله محميا بمقتضى هذه الترسانة القانونية التي تمنع الدولة التونسية منعا باتا من تسليمه إلى الجزائر، مع وجوب السهر على حمايته من أية محاولة لترحيله إلى بلده.
بيد أن طرق حماية اللاجئين·ـات وطالبي·ـات اللجوء لا تزال تشوبها الضبابية إلى اليوم رغم مصادقة تونس على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951، خصوصا في ظلّ غياب إطار قانوني ينظم حق اللجوء وحماية الأشخاص اللاجئين. وفي هذا السياق، توضح المحامية إيمان البجاوي: "نحن في انتظار ذلك منذ فترة طويلة (...). في غضون ذلك، فإن مكتب المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين بتونس هو الذي يتعهد بالنظر في طلبات اللجوء وإدارتها عوضا عن الحكومة".
لُبس حول دور المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين
صرح مصدر مطلع لإنكفاضة أن "دور المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين يبقى مبهما باعتبار أنها منظمة تابعة للأمم المتحدة ولكنها في نفس الوقت مرتبطة كذلك بالدول"، ويتمثل الدور الموكول إليها في ضمان احترام الاتفاقيات الدولية المتعلقة باللاجئين·ـات. كما أقر نفس المصدر بأنه "نظرا إلى أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين كانت على علم تام بمخاوف سليمان بوحفص بشأن أمنه، فإنه كان يتعين عليها مزيد التحري في الأمر وإعلام السلطات المحلية بها، من خلال إشعار مركز الأمن بالمنطقة، على سبيل المثال".
وتجدر الإشارة إلى أن حماية اللاجئين·ـت وطالبي·ـات اللجوء تتم بالتنسيق بين المفوضية ووزارة الداخلية عبر الإدارة العامة لحقوق الإنسان التابعة لها.
صرح "لوران راغان"، كاهيةصرح "لوران راغان"، كاهية ممثل المفوضيّة السّامية لشؤون اللّاجئين بتونس: "كنّا نتعامل مع شخص معين بشأن جميع هذه القضايا غير أنه لم يعد يشغل هذا المنصب و (...) لم يتم سد الشغور الحاصل منذ ستة أشهر على الأقل، إن لم يكن أكثر".
ورغم اتصالها بهذه الإدارة مرارا وتكرارا، لا زالت إنكفاضة في انتظار رد على طلبها. "امتنعت وزارة الداخلية عن التعليق على الموضوع لأنها تعرف حق المعرفة أنها متورطة"، كما جاء فى اتهام رمضان بن عمر، الناطق الرسمي باسم المنتدى التّونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعية. كما لم نتمكن أيضا من الاتصال بمصالح رئاسة الجمهورية.
وفي المقابل، يضيف "لوران راغان" أن منظمته سبق وأن ساعدت سليمان بوحفص، في سبتمبر 2020، على رفع شكوى بإعانة محام، علاوة على تغيير مقر إقامته حين شعر بالخطر. كما يشدّد أحد الموظفين صلب مكتب تونس على أنه "لم يتم إشعارنا بوجود خطر وشيك. ولو كنا قد اعتبرنا حالته حرجة وعاجلة، لكنا تصرفنا على نحو مختلف". ومع ذلك، أسرت عائلة بوحفص بأنها لم تنتفع بأية مرافقة تُذكر من قبل المنظمة الأممية، على الرغم من الإجراءات المتخذة.
لم يتردّد "لوران راغان" في الدفاع عن المفوضية إزاء ذلك قائلاً: "لقد سعينا بكل ما أوتينا من جهد إلى التوصل إلى حل دائم بشأنه، خاصة منذ أوائل سنة 2021". وفي المقابل، انتقد مصدر آخر كون "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تخاذلت في حقيقة الأمر بدل بذل كل ما في وسعها للسماح لسليمان بوحفص بالحصول على حق اللجوء في دولة أخرى رغم طلبه ذلك منذ سنة 2018".
ويجدر التذكير بأن رئيس الجمهورية قيس سعيد كان قد تعهد، لدى اجتماعه بممثلي وممثلات الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في 3 سبتمبر 2021، بفتح تحقيق حول "عملية تسليم" اللاجئ الجزائري القابع حاليا في سجن القليعة الواقع قرب العاصمة الجزائرية.