في نفس الموضوع
في سياق صحّي واجتماعي مختنق، اتّسم بصعود غير مسبوق لعدد الوفيات بفيروس كوفيد19، واندلاع احتجاجات في عديد من مناطق البلاد تزامنا مع عيد الجمهورية، جاء قرار تفعيل الرئيس للفصل 80 من الدستور. قرارات دفعت بآلاف التونسيات والتونسيين إلى الشوارع للاحتفال الذي تواصل صخبه إلى فجر يوم الإثنين 26 جويلية 2021.
في المقابل، لم تكن ردود أفعال مختلف المكوّنات السياسية والاجتماعية الوطنية والدولية بهذا الوضوح والانسجام. فقد اتسم الموقف السياسي الوطني والدولي بانقسام شديد، لازمه الحذر والضبابية في توصيف ما حدث.
راوحت التصريحات والمواقف، منذ ليلة الأحد وطيلة اليومين المواليين لجلّ الأحزاب السياسية التونسية بين الرفض الشديد والوصف بـ"الانقلاب الدستوري" و"إلغاء النظام الجمهوري" والقلق من "العودة إلى نظام الحكم الفردي المطلق" وبين المساندة التامة، واعتبار قرارات الرئيس "طريقا لتصحيح مسار الثورة ".
في المقابل بدى موقف المنظّمات الوطنية والنّقابات والهيئات أكثر تناغما من القوى السياسية، حيث شدّدت عن تمسّكها بالمكاسب القانونية والحقوقية دون التعبير الصريح عن رفض مبادرة الرّئيس أو دعمها.
على صعيد آخر ألقى الحدث بظلاله على الشأن العام الإقليمي، دافعا معظم الشركاء الإقليميين والدوليين لتونس إلى الانشغال بماهية التغيير السياسي الجاري والإسراع باتخاذ موقف دبلوماسي منه
الأحزاب السياسية من "الانقلاب الدستوري" إلى "تصحيح مسار الثورة"
"ما قام به قيس سعيد هو انقلاب على الثورة والدستور وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة". على هذا النحو عبر راشد الغنوشي عن موقف حركته في تدوينة له لحظات بعد خطاب سعيّد. الغنوشي أتبع هذه التدوينة ببيان اعتبر فيه "تجميد أعمال مجلس نواب الشعب دعوة لا دستورية وغير قانونية ولا تستقيم، وأن مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية قائم وسيستكمل أشغاله"
نسجت أحزاب الإئتلاف الداعم للحكومة على منوال حركة النهضة. فقد رفض إئتلاف الكرامة "رفضا مطلقا القرارات واعتبرها انقلابا فاضحا وخطيرا على الشرعية الدستورية". فيما وصفت الكتلة النيابية لحزب قلب تونس القرارات المتخذة بـ"الخرق الجسيم للدستور ولأحكام الفصل 80 وأسس الدولة المدنية وتجميعا لكل السلطات في يد رئيس الجمهورية وعودةً بالجمهورية التونسية للحكم الفردي".
لم تدم هذه اللُحمة بين الإئتلاف الداعم للحكومة طويلا، فسرعان ما تراجع رئيس كتلة قلب تونس أسامة الخليفي عن موقفه في اليوم الموالي معتبرا في تصريح له لقناة التاسعة التونسية أنّ “رئيس الجمهورية أصاب في قراره الأخير”.
على صعيد آخر اختلف موقف حزب التيار الديمقراطي المعارض مع " تأويل رئيس الجمهورية للفصل 80 من الدستور ورفض ما ترتب عنه من قرارات واجراءات خارجة عن الدستور في بيان صدر عن مكتبه السياسي وكتلته النيابية، على الرّغم من تثمين النائبة سامية عبّو عن نفس الحزب قرارات قيس سعيد ووصفها بالتاريخية في وقت سابق.
لكن الحزب، سرعان ما تراجع عن هذا الموقف في بيان آخر باسم مجلسه الوطني بتاريخ 29 جويلية 2021، حيث أعلن هذه المرة عن "تفهمه للإجراءات الاستثنائيّة التي اتخذها السيد رئيس الجمهورية ودوافعها، باعتبار الأوضاع المتردية والمخاطر التي تمر بها البلاد".
في نفس الموضوع
في الجهة المقابلة، ساندت حركة الشعب قرارات سعيّد معتبرة إياها "طريقا لتصحيح مسار الثورة الذي انتهكته القوى المضادة لها وعلى رأسها حركة النهضة والمنظومة الحاكمة برمتها." نفس الموقف تبنّته أحزاب الحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي والتيار الشعبي وحركة تونس إلى الأمام. فقد اعتبرت جميعها قرارات الرئيس "تعبيرا عن إرادة الشعب" وخطوة هامة في اتّجاه بناء تونس الجديدة وتصحيح المسار الثّوري وأنّها "تفتح أفق سياسيا أمام الشعب التونسي لاسترجاع وطنه".
في الواقع لم يُخف عدد من الأحزاب الأخرى تخوّفه من هذه القرارات، إذ شدّدت "على ضرورة أن تكون هذه الإجراءات استثنائية ومحدودة في الزمن ومرفوقة بإجراءات واضحة تهدف إلى تخليص البلاد من هيمنة عصابات الفساد والإرهاب وإعادة القرار إلى الشعب صاحب السيادة"، كما جاء في بيان حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد. من جهته أكد حزب تحيا تونس كذلك "ضرورة إقرار خارطة طريق واضحة لإصلاح المنظومة السياسية (النظام السياسي، النظام الانتخابي، قانون الأحزاب...)".
المنظمات الوطنية، النقابات والهيئات: لا بدّ من ضمانات دستورية وخارطة طريق واضحة
ساندت جلّ المنّظمات الوطنية في بياناتها الرسمية التحركات الشعبية والمطالب المشروعة التي انبثقت عنها، وحمّلت الحقوقية منها مسؤولية الأزمة المستفحلة للمنظومة الحاكمة. وإن لم تقدم كبرى المنظمات الوطنية موقفا واضحا بالرفض أو بالقبول لتفعيل رئيس الجمهورية للفصل 80 من الدستور، فقد اتّسمت مواقفها بالإصرار والتأكيد على المطالبة بمزيد الضّمانات الدستورية والقانونية والحقوقية.
تواترت المطالبة في مختلف البيانات والتصريحات بوجوب احترام الشرعية الدستورية في أيّ إجراء يُتّخذ في هذه المرحلة، وتوضيح التدابير الاستثنائية التي أقرّها الرّئيس مع الحرص على ألاّ يتجاوز سقفها الزمني آجال الثلاثين يوما. كمّا شددت معظم المنظّمات على الزاميّة حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والفردية وعلى ضرورة الالتزام بمدنية الدولة والحرص على استقلالية المؤسسة العسكرية والنأي بها عن التجاذبات السياسية.
كيف تفاعلت الدول والحكومات إزاء قرارات قيس سعيّد؟
التفاعل الإقليمي والدولي مع قرارات قيس سعيد
تصدّرت قرارات قيس سعيد الاهتمام الإقليمي والدولي. الأمر الذي دفع عديد الدول إلى الإعلان عن انشغالها ومتابعتها عن كثب التطورات الأخيرة في تونس. فمنذ الساعات الأولى عبّر رئيس المجلس الأعلى للدولة بليبيا خالد المشري عن رفضه "الانقلابات على الأجسام المنتخبة وتعطيل المسارات الديمقراطية". في نفس السياق، وصف رئيس البرلمان التركي ما يحدث في تونس بـ"الإنقلاب على النظام الدستوري"، وأدان المتحدّث الرسمي باسم الرئاسة التركية ما وقع واضعا إياه في خانة "المحاولات الفاقدة للشرعية الدستورية والدعم الشعبي".
بلهجة أقل حدّة ولا تحتوي إدانة مباشرة، عبرت كل من الخارجية الفرنسية والألمانية والقطرية، والسفارة الأمريكية بتونس عن بالغ اهتمامها بتطورات الوضع السياسي في تونس وتأكيدها على ضرورة احترام سيادة القانون ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية وإلى إعادة البلاد إلى حالة النظام القانوني الدستوري.
من جهتها كثّفت الديبلوماسية التونسية بقيادة قيس سعيد ووزير الخارجية عثمان الجارندي، مجهوداتها خلال الأيام التي تلت إعلان الرئيس عن قرارت تفعيل الفصل 80. ونشرت اثر ذلك وتباعا بلاغات تؤكّد على أنّ هذه القرارات استندت إلى الأحكام الدستورية، وتندرج في إطار الحفاظ على استقرار تونس وحسن سير مؤسسات الدولة وحمايتها وضمان ديمومتها في ظل ما فرضه الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي الراهن من تحديات غير مسبوقة باتت تهدّد البلاد والسّلم.
شملت الإتصالات الديبلوماسية كلا من رؤساء ووزراء خارجية دول الجزائر والمغرب ومصر وتركيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
كمّا خصّت المجهودات الدبلوماسية التونسية المغرب والجزائر بلقاءات خاصة يوم الثلاثاء 27 جويلية 2021. حيث استقبل سعيّد وزيري الخارجية الجزائري والمغربي كمبعوثين خاصين حملا رسالتين شفويّتين موجّهتين إليه من الرئيس الجزائري والملك المغربي. هذا وقد نشرت الرئاسة الجزائرية بلاغا صبيحة يوم الإثنين 26 جويلية 2021 قالت فيه إن اتصالا هاتفيا جمع قيس سعيّد بالرئيس الجزائري وتضمن "تبادل مستجدات الأوضاع بتونس إضافة إلى آفاق العلاقات الجزائرية التونسية وسبل تعزيزها" وفق نص البيان.