المبيدات: صادرات الاتحاد الأوروبي السامة إلى تونس

استوردت تونس خلال سنة 2018 ما يناهز 240 طناً من المبيدات الزراعية المحظورة أو الخاضعة إلى قيود صارمة داخل الاتحاد الأوروبي. تستعرض إنكفاضة هنا الوضع بالاستناد إلى قاعدة بيانات أعدتها منظمتا "غرينبيس المملكة المتحدة" و"بابليك آي".
بقلم | 25 جوان 2021 | reading-duration 7 دقائق

متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
إلى يومنا هذا، تواصل الشركات الأوروبية تصدير المبيدات الخطرة إلى تونس على الرغم من حظر استخدامها داخل الاتحاد الأوروبي. وتجاه هذا الوضع، تستنكر سامية الغربي وهي مختصّة في علم الأحياء وناشطة بيئية "فرض الدول الغنية قيودًا على نفسها مقابل استغلالها للثغرات الموجودة في مناطق أخرى لترويج منتجاتها السّامّة".

في سنة 2020، تم تصدير 45 مادة فعالة "غير مرخصة" في الاتحاد الأوروبي إلى تونس، وفقًا لقائمة المبيدات المصادق عليها الصادرة عن وزارة الفلاحة. هذه التجارة المسمومة تمثل أكثر من ثلث عائدات أكبر خمس شركات مصنعة للمبيدات في العالم.

لم تكشف وزارة الفلاحة عن الكميات المستوردة لكل مادة.

السياناميد، سم لا يزال يصول ويجول

في سنة 2018، دخل التراب التونسي ما يزيد عن 35.000 لتر تحتوي على السياناميد تحت العلامة التجارية "دورماكس" (Dormex). تُستخدم هذه المادة على نطاق واسع في زراعة الكروم والثمار بغرض تحفيز نمو البراعم، خاصة في منطقة الوطن القبلي، على الرغم من تصنيفه كمادة فعالة عالية الخطورة من قبل الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية (ECHA).

جهة الوطن القبلي، عُوين انتشار مكثف للأمراض السرطانية بين صفوف عاملين وعاملات في القطاع الفلاحي مثلما صرحت باحتراز عالمة آثرت عدم الإفصاح عن هويتها. وهي تفترض أن "هذه الحالات السرطانية قد تكون مرتبطة باستخدام السياناميد أو بمركبات أخرى على نفس الدرجة من الضرر، ما جعلها محظورة في أوروبا".

تثير هذه المادة اشتباه السلطات الأوروبية لكونها مسرطنة وقد تضر بالخصوبة ليُمنع بالتالي استعمالها داخل الاتحاد الأوروبي منذ 2008 لما يحمله تعرض الفلاحين والفلاحات لها من مخاطر جمة، حتى في حال ارتداء معدات الحماية. كما أثبتت دراسات أن السياناميد تتسبب في كثير من الأحيان في حالات تسمم لدى العاملين والعاملات في القطاع الفلاحي، فضلا عن أن ملامستها للجلد قد تؤدي إلى حروق بالغة وتلفا شديدا بالعينين.

غير أنه ومنذ ذلك الوقت، لم يحل شيء دون إنتاج وترويج هذه المادة التي يتواصل تصديرها خارج حدود الاتحاد الأوروبي. وهي تتبوأ المركز الثالث من بين المبيدات عالية الخطورة المصدرة من أوروبا، وفقًا لتحقيق "المبيدات المحظورة: النفاق السام للاتحاد الأوروبي"، الذي أجرته منظمتا جرينبيس المملكة المتحدة وبابليك آي.

تُعد الشركة الألمانية "ألزشام" (Alzchem) من ضمن الشركات المتهمة بإنتاج وتصدير السياناميد وفقا لذات التقرير، وباتصال المؤلفين·ـات بها، لم تتردد الشركة في الدفاع عن نفسها قائلة أن "جميع البلدان التي نصدر نحوها تحظى بقوانين صارمة متعلقة بترخيص المبيدات كما أننا ندرب الفلاحين حول الاستخدام الآمن لمنتجاتنا".

في هذا الإطار، جاء في تصريح باسكوت تونكاك المقرر الخاص الأسبق للأمم المتحدة سنة 2020: "إذا كان الاتحاد الأوروبي، بما له من موارد، قد خلُص إلى أن هذه المبيدات خطيرة للغاية، فكيف لها أن تُستعمل بطريقة آمنة في بلدان أفقر (...) ليس لها أنظمة أو موارد لمراقبة استخدامها ؟".

أما في ما يتعلق بتونس، يلاحظ تقرير* صادر عن الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات (ANCSEP) أن جزءا مهما من الفلاحين والفلاحات التونسيين·ـات يجدون ويجدن صعوبات في حماية أنفسهم·ـن من المبيدات التي تُستعمل بشكل مبالغ فيه ودون تأطير أو وقاية، رغم أنه من الناحية النظرية، تقع مهمة التأطير هذه على عاتق المرشدين·ـات التابعين·ـات لوزارة الفلاحة. في سنة 2020، ذهبت إنكفاضة إلى لقاء مجموعة من الفلاحين الذين أكدوا أنهم تُركوا لمواجهة مصيرهم بمفردهم.

على الصعيد الوطني، تُمثل المبيدات ثاني أكبر سبب للتسمم بعد الأدوية.

رغم اتصالات إنكفاضة المتكررة، رفض هشام عون اللّه المدير العام لشركة "بيوبروتكسيون" (Bioprotection) الموردة للسياناميد والتي تُعتبر كذلك أكبر مورد للمدخلات الزراعية في تونس، الاستجابة لطلباتنا.

سياسة "الكيل بمكيالين"

زيادة على السياناميد، تدخل لتونس سنويا أكثر من 40 مادة ممنوعة في الاتحاد الأوروبي نظرا لأضرارها على الصحة الإنسانية والبيئة. صادرات لا يبدو أنها تنضب، بل تتزايد سنة عن سنة بالتوازي مع سحب الاتحاد الأوروبي لهذه المركبات خطرة من أسواقه مثلما جاء في تقرير غرينبيس/بابليك آي.

في هذا السياق، تتهم سامية الغربي عالمة الأحياء وأستاذة علوم البيئة وعضوة جمعية التربية البيئية للأجيال المستقبلية AEEFG : "نظريتي هو أن المصنعين الأوروبيين بحاجة لتسييل منتجاتهم التي عفا عليها الزمن في أوروبا. إنه سم يضع سكاننا في خطر".

ترى عالمة الأحياء أن من شأن سياسة الكيل بمكيالين هذه أن تخول للدول الأكثر ثراءً التمادي في تجارتها المربحة في أرجاء من العالم لا تحظى بتشريعات على نفس القدر من الصرامة، دافعة بذلك المخلفات الصحية والبيئية خارج حدودها، و ملقية إياها على عاتق الأضعف. وتستطرد مستنكرة: "أضحت البيئة والصحة السليمة حكرا على من يتمتّعون بالإمكانيات للعيش في ظروف جيدة".

تضيف قائلة : "هذا نفاق. يعتبروننا مجرد بشر من الدرجة الثانية".

تُعتبر اتفاقية روتردام من النصوص القلائل المنظمة للتجارة الدولية في مجال المبيدات والكيمياويات الخطرة. وأصبحت الاتفاقية منذ 2014 تقتضي إعلام البلدان المستوردة بمخاطر المركبات الكيميائية التي تدخل ترابها، على حد تفسير سامية الغربي : "بما أن مختلف البلدان لا تملك نفس الموارد التقنية، كانت الفكرة أن تُتاح للبلدان الأقل نموا إمكانية أخذ قرارات مستنيرة".

وتبعا لذلك، صار ينبغي على كل شركة راغبة في تصدير منتجات كيميائية محظورة في بلد المنشأ إصدار "إخطار تصدير" يوضح أسباب حظر المنتج ومجالات استخدامه والكمية التي تنوي الشركة تصديرها. ثم تتولى السلطات الأوروبية التثبت من هذه الوثائق وتوجيهها إلى السلطات المعنية في بلد الاستقبال.

مع ذلك، أشار مقال حديث الصدور في "جون آفريك" إلى أن 40٪ من هذه المواد المحظورة لا تخضع لموافقة مسبقة. في نصف الحالات تقريبا، لا يحتاج المصنعون الأوروبيون إلى موافقة السلطات لترويج هذه المبيدات السامة للشركات الموردة المحلية.

وعلى أية حال، يوضح باسكوت تونكاك، المقرر الخاص الأسبق للأمم المتحدة "تصدير مواد محظورة الاستعمال داخل البلد المصنع إلى أي من الـ25 دولة إفريقية المصادقة على اتفاقية باماكو [بما فيها تونس، ملاحظة المحرر] هي جريمة".

في 2018، كانت فرنسا أول دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي تتخذ قرار منع تصدير المبيدات المحظورة على ترابها بحلول سنة 2022. غير أنها في الواقع لا تزال إحدى أكبر الدول الأوروبية المصدرة لمبيدات عالية الخطورة نحو تونس، بعد إسبانيا وألمانيا.

تعتيم السلطات التونسية وتخاذلها

تعتبر سامية الغربي أن "مسؤولية توريد هذه المواد مشتركة وتقع أيضًا على عاتق تونس. إذا عقدنا العزم على حظر المواد التي نعتبرها خطرة، فيمكننا ذلك".

لاعتماد مبيد ما في السوق التونسية، يتعين على وزارة الفلاحة إخضاعه لعدة اختبارات بغرض التأكد من مطابقته وفعاليته وتأثيره على البيئة وصحة الإنسان. ويعود القرار النهائي بشأنه إلى الهيئة الفنية* المكلفة بدراسة المبيدات المعدة للاستعمال الفلاحي. وبهدف تجاوز النقص الفادح في فعالية اللجنة، تم في سنة 2019 الإعلان عن إصلاح شامل لمنظومة المصادقة الإدارية عبر إحداث لجان فرعية مختصة. "ما زلنا قيد انتظار تفعيل هذا القرار"، حسب تعليق عالمة الأحياء.

تلتئم هذه اللجنة من حين إلى آخر لتحيين قائمة المنتجات المصادق عليها في تونس، إذ يعود إليها قرار إضافة البعض منها وسحب البعض الآخر. على المستوى النظري، يمكن شطب منتج معين من القائمة قبل انقضاء المدة التي صودق عليها. "في حالة حصولنا على معلومات جديدة حول الأضرار التي قد تتسبب فيها مادة ما على الصحة أو الزراعة أو البيئة، يمكننا تناولها بالدرس وسحبها"، حسب تأكيد موسى شعبان، مقرر اللجنة وكاهية مدير المدخلات الفلاحية صلب الإدارة العامة للصحة النباتية ومراقبة المدخلات الفلاحية التابعة لوزارة الفلاحة، حيث يعمل منذ ما يزيد عن 35 عامًا.

من جهتها، تعرب سامية الغربي عن بالغ أسفها قائلة أنه "على أرض الواقع، غالبًا ما نتعرض إلى عراقيل عندما يتعلق الأمر بسحب مبيد ما من القائمة لأننا نتعنت في انتظار موافقة الهيئات الدولية". ويشاطرها موسى شعبان الرأي موضحا أن الغلبة في اتخاذ القرار تعود بدرجة أولى إلى الإجماع الدولي: "عندما يُسحب منتج على نطاق عالمي، يتعين علينا الانصياع وحذفه دون نقاش (...). لكن توجد إلى جانب ذلك عمليات سحب على المستوى الإقليمي، إذ أن سحب منتج ما في أوروبا لا يقتضي بالضرورة سحبه في تونس أيضا".

من وجهة نظره، يعود السبب الرئيسي لسحب منتج بدرجة أولى إلى فعاليته، لا بسميته المحتملة على البيئة وصحة الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، تحدّ الموارد المتاحة من إجراء التحليلات المستوجبة والمتعلقة بسمية المبيدات على البيئة والحياة البرية. وترى سامية الغربي أن "عدم تطبيق مبدأ الحيطة يشكل تصرفا غير مسؤول على الإطلاق. إذا راودتنا شكوك حول منتج ما، فيجب أن يكون ذلك سببا كافيًا لسحبه".

من جملة العقبات الأخرى التي تعترض سحب مبيد معين : يجب أن يتوفر نظير معادل له في تونس لاستبداله به. "لا يمكننا ترك فلاحينا بدون بديل"، كما يبرر ذلك الموظف الوزاري، مشددًا على أنّ تونس ليست البلد الوحيد الذي يتصرف على هذا النحو.

مع ذلك، فإن "منتجا ساما يُعتبر كذلك بغض النظر عن مكان تواجده"، كما تؤكد ذلك سامية الغربي. إني أسعى جاهدة من أجل فرض سيادتنا الوطنية. استباحة أمننا الصحي يعني بدوره المس من سيادتنا".

لهذا، تطالب عالمة الأحياء بالمزيد من الشفافية: "قائمة المنتجات المصادق عليها والمنشورة على على الإنترنت تعود إلى سنة 2017. لا وجود لأي معلومة دقيقة حول الكميات المستوردة... على أي أساس يمكننا إذن دق جرس الإنذار؟ ". كما تناضل سامية الغربي في نفس الوقت من أجل إرساء نظام عالمي لتنسيق القرارات : "في صورة سحب منتج في أي مكان كان، يجب سحبه بصفة فورية في جميع أرجاء العالم".