18 فيفري 2011: تقصي الحقائق في التجاوزات المسجلة خلال الثورة
في 18 فيفري 2011، أي بعد شهر واحد من رحيل بن علي، أُحدثت اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق حول التجاوزات والانتهاكات برئاسة توفيق بودربالة، بموجب المرسوم عدد 8 لسنة 2011 المؤرخ في 18 فيفري 2011. تتمثل المهمة المناطة بعهدتها في توثيق التجاوزات والانتهاكات المسجلة خلال أحداث الثورة.
2011: قائمة مؤقتة صادرة عن وزارة الداخلية
347 شهيداً·ة و 2749 مصابا ومصابة . في سنة 2011، أعدت وزارة الداخلية قائمة مؤقتة لشهداء وشهيدات الثورة ومصابيها ومصاباتها. مكنت هذه الأرقام لاحقًا من توزيع دفعة أولى من التعويضات على أبرز المعنيين والمعنيات رغم غياب سند قانوني باعتبار أن القائمة الرسمية لم تكن جاهزة بعدُ.
وفقا للنائبة يمينة الزغلامي التي كانت بدورها إحدى أعضاء "لجنة شهداء الثورة ومصابيها" التي كُلفت بوضع القائمة الرسمية بعد ذلك، جمعت الوزارة هذه المعطيات عن طريق مكاتيب الولاة. كما وضحت النائبة أنه تم إرساء هذه المبادرة خلال فترة ترؤس الباجي قايد السبسي الحكومة بين فيفري وديسمبر 2011.
24 أكتوبر 2011: إحداث لجنة خاصة بالشهداء والشهيدات والمصابين·ـات
لجنة شهداء الثورة ومصابيها ترى النور. ومهمتها: إعداد وتقديم قائمة رسمية للضحايا خلال الفترة الفاصلة بين 17 ديسمبر 2010 و 19 فيفري 2011. كان فؤاد المبزع، رئيس الدولة آنذاك، قد أقر، بمناسبة عقد مجلس وزاري، سن المرسوم عدد 97 لسنة 2011 المُحدث لهذه اللجنة. كانت هذه الأخيرة تتكون حال تشكيلها من 8 أعضاء، أغلبهم من الممثلين·ـات عن هياكل وزارية.
24 ديسمبر 2012: تنقيح المرسوم عدد 97
غير أنه بعد سنة واحدة من وضعه، أصبح هذا المرسوم عدد 97 محل تساؤل. بحسب يمينة الزغلامي، فإن التّرويكا، أي الائتلاف السياسي الذي كان ماسكا بزمام الحكم آنذاك، هي التي تقف وراء قرار التنقيح هذا. وفقا لذات النائبة، نبعت هذه المبادرة من سمير ديلو، وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية وقتها.
تبعا لذلك، تحولت هذه اللجنة اعتبارا من سنة 2012، من لجنة مكونة في أغلبها من ممثلين·ـات عن هياكل وزارية إلى لجنة أكثر تنوعا تضم نوابا ونائبات والمزيد من أعضاء وعضوات المجتمع المدني. كما نُقحت بعض الأحكام المتعلقة بشروط إسناد التعويضات لفائدة المصابين·ـات وعائلات الشهداء والشهيدات.
علاوة على ذلك، وقع التمديد في الفترة التي تم أخذها بعين الاعتبار في ما يتعلق بالاحتجاجات: حُددت في البداية من 17 ديسمبر 2010 إلى 19 فيفري 2011 قبل أن يتم التمديد فيها إلى غاية 28 فيفري 2011 لتغطي كذلك احتجاجات القصبة 2.
جدير بالتذكير أن هذه الأحداث التي استمرت قرابة عشرة أيام، شهدت اعتصام محتجين ومحتجّات في ساحة القصبة بالعاصمة للمطالبة بحل لجان النظام السابق وباستقالة حكومة محمد الغنوشي.
جاء في توضيح إلياس بن سدرين، المدير المساعد السابق المسؤول عن البحث والتقصي صلب هيئة الحقيقة والكرامة (IVD): "اتسمت تلك الفترة بتواتر الانتفاضات وانعدام الاستقرار، ما استوجب التسريع بالإجراءات أمام حالة الغليان السائدة آنذاك، وهو ما يفسر تعديل العديد من القوانين وتنقيحها في ما بعدُ."
4 ماي 2012: حصيلة أولية
رفعت اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق المُنشأة سنة 2011 تقريرها. الخلاصة : 2147 مصابا·ـة و 338 قتيلاً وقتيلة . تُعد هذه الحصيلة أدنى بقليل من تلك التي قدمتها وزارة الداخلية في نفس السنة. توضح يمينة الزغلامي في هذا الصدد: "على ضوء هذا التقرير، بادرنا [ملاحظة المحرر: أي أعضاء وعضوات لجنة شهداء الثورة ومصابيها] بفرز الأشخاص استنادا إلى قرائن لا يشوبها غبار وشهادات طبية".
14 ماي 2013: بدء أعمال لجنة شهداء الثورة ومصابيها
رغم هذه الحصيلة الأولية، لم تشرع اللجنة في أعمالها فعليا إلا في السنة الموالية، أي بعد مرور سنتين على إحداثها. يضبط الأمر عــدد 1515 لسنة 2013 المؤرخ في 14 ماي 2013 طرق سير أعمالها: زيارات ومعاينات وطلب وثائق رسمية، علما وأنه كان يُخول لهذه الأخيرة النفاذ إلى شتى المعلومات اللازمة. غير أن التأخير المسجل في هذا المجال أثار العديد من الانتقادات.
يعبر إلياس بن سدرين عن أسفه لكون "اللجنة لم تشرع في إجراء الفحوصات الطبية إلا بعد انقضاء ثلاث سنوات على الوقائع والحال أنه هناك آثار تُمحى بمرور الزمن. فبينما يسهل إثبات الإصابة بطلق ناري، يستحيل معاينة الآثار المنجرة عن القبض على شخص ما وتعذيبه وإساءة معاملته والتنكيل به بعد مضي 3 سنوات على الأحداث".
يتفق العديد من أعضاء المجتمع المدني معه حول نقصان القائمة الرسميّة منددين ومندّدات بطرق سير عمل اللجنة المذكورة. ذهب·ـت البعض منهم ومنهن إلى كونها لم تقم بأي عمل ميداني أو لم تبادر بسماع الأشخاص المعنيين. "لم يقع إدراج بعض المصابين والمصابات في القائمة رغم بت محاكم عسكرية في القضايا مع صدور أحكام قضائية في شأنهم·ـن"، كما تشرح ذلك ليلى حداد، النائبة بمجلس الشعب ومحامية على اتصال دائم بأسر الشهداء والشهيدات والمصابين والمصابات.
من جهتها، استنكرت المحامية لمياء فرحاني رئيسة جمعية "أوفياء"* التعتيم الذي يكتنف هذه اللجنة وعدم تواصلها بشأن عملها:
"كيف ضبطت القائمة؟ كيف كانت الظروف المحيطة بعملها؟ كان كل ذلك محاطا بسرية مطلقة. إذ أُبقيت الأعمال طي الكتمان حتى الآونة الأخيرة"، حسب تأكيدها.
بمواجهتها حول هذه النقاط، وضحت يمينة الزغلامي أن أعضاء اللجنة كانوا وكنّ في خشية من عرقلة عملها في حالة الكشف عنه. "تناقشنا حول عقد مؤتمر صحفي من عدمه. في نهاية المطاف، فضلنا عدم القيام بذلك خوفا من إثارة غضب الناس ومن احتلالهم لمكاتبنا"، كما ورد في تبرير هذه الأخيرة.
اتصلت إنكفاضة برئيس اللجنة توفيق بودربالة مرات عدة. عندما رد أخيرا، تعلل بواجب التحفظ لمدة ثلاثة أشهر اعتبارا من انتهاء فترة عهدته على رأس اللجنة في أوائل أفريل 2021، ما حال دون الرد على الأسئلة الموجهة إليه.
21 ديسمبر 2015: إدراج شهداء وشهيدات الثورة في القائمة
القائمة الأولى لشهداء وشهيدات الثورة جاهزة أخيرا، لكن دون الإعلان عنها أو نشرها رسميا. حسب قول النائبة ليلى حداد "قررت الحكومة انتظار إتمام قائمة الجرحى قبل نشرها، ما دفع بأسر الشهداء إلى تنظيم العديد من المظاهرات تعبيرا عن غضبها".
2 أفريل 2018: القائمة الرسمية جاهزة أخيرًا
استغرقت اللجنة قرابة ثلاث سنوات أخرى لختم أعمالها. غير أنه لم يقع نشر النسخة النهائية للقائمة رغم تقديمها إلى رئيس الجمهورية ثم إلى كل من رئيسي الحكومة ومجلس نواب الشعب.
ركنت الحكومات المتعاقبة هذا الملف في أدراجها رافضة نشر القائمة رسمياً. ولكن ما السبب؟ تـ·يتفق معظم أعضاء وعضوات المجتمع المدني والسياسيين·ـات على أن ذلك راجع إلى غياب الإرادة السياسية. تُتابع ليلى حداد قائلة: "كنا على أبواب انتخابات وكان يوسف الشاهد يخشى أن يُثير نشر هذه القائمة غضب الجرحى وأهالي الشهداء غير المدرجين فيها. كان ينوي الترشح ولذا رفض نشرها". وتؤكد يمينة الزغلامي قولها مشيرة إلى أنه "لم تكن هناك إرادة سياسية جادة. فشلت الحكومات المتعاقبة فشلا ذريعا في معالجة هذا الملف".
من جهته، يرى إلياس بن سدرين أن التعلل بمخافة التعرض إلى النقد أو بخشية الاحتجاجات في صورة نشر القائمة ليس سوى ذريعة واهية. فمن وجهة نظره، "ترك الناس في منطقة رمادية [عبر الامتناع عن نشر القائمة] طريقة لنكران الثورة".
كما أنه حسب تقديره " كانت الحكومات المتعاقبة ترفض الاعتراف بقيام ثورة لكون ذلك يجعلها محل اتهام. فحقيقة أن بعض أعضائها وعضواتها من أزلام النظام البائد تجعل منهم متواطئين إلى حد ما مع ما حدث ".
18 أكتوبر 2019: نشر قائمة هيئة الحقيقة والكرامة IVD
بالتوازي، بادرت هيئة الحقيقة والكرامة IVD بنشر قائمتها الخاصة بشهداء وشهيدات الثورة ومصابيها ومصاباتها. يجدر التذكير في هذا السياق بأن هيئة الحقيقة والكرامة كُلفت بموجب القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 والمتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها بتوثيق جميع انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في تونس بين سنتي 1955 و 2013، أي أنها تشمل بالتالي الانتهاكات التي لحقت ضحايا النظام القمعي السابق الذين قُتلوا وقُتلن أو أُصيبوا وأُصبن خلال أحداث الثورة.
في نفس الموضوع
من جهتها، تعتبر يمينة الزغلامي أن إعداد مثل هذه القائمة لا يدخل بأي حال من الأحوال ضمن صلاحيات هيئة الحقيقة والكرامة، إذ أن هذه المهمة تقع حصريا على عاتق لجنة شهداء الثورة ومصابيها. كما تتساءل النائبة: "قائمة توفيق بودربالة قائمة قانونية ورسمية، كما أن قانون العدالة الانتقالية لا يُلزم هيئة الحقيقة والكرامة بضبط قائمة، ذلك عمل إضافي. لماذا قامت بذلك؟". وتستفيض قائلة: "كان على المصابين وأهالي الشهداء التوجه إلى كل من اللجنة وهيئة الحقيقة والكرامة، ما أفضى إلى اختلاط الأمور في أذهانهم".
من جهته، يبرر إلياس بن سدرين إعداد هيئة الحقيقة والكرامة لقائمة خاصة بها بـ"وضع حد لانتظار الناس نظرا إلى أنهم كانوا يترقبون نشر القائمة الرسمية بفارغ الصبر". كما يشدد على أنه سبق لهيئة الحقيقة والكرامة الاتصال باللجنة سنة 2017 لكن دون تلقي رد يُذكر منها: "طلبنا النفاذ إلى أعمال هذه اللجنة والاطلاع على القائمة الأولية كي يتسنى لنا تنسيق أعمالنا وحتى نتفادى وجود أنفسنا أمام قائمتين متباينتين مع إقصاء بعض الأشخاص. لو تمت الأمور على هذا النحو، لكان ذلك أجدى نفعا"، حسب قوله.
"كنا نُعَد هيئة رسمية، لذا فإن تجاهل طلبنا يعادل الرفض. إنه امتناع عن العمل"، وفقا لتقديره.
في المقابل، تصر يمينة الزغلامي على كون "لجنة بودربالة كانت محقة في التغاضي عن الرد على هيئة الحقيقة والكرامة" متعللة بأن هذه اللجنة كانت قد ختمت أعمالها لدى تقدم هيئة الحقيقة والكرامة بطلبها.
13 أكتوبر 2019: نشر القائمة الرسمية على الإنترنت
في نهاية الأمر، نشر توفيق بودربالة القائمة الرسمية على الموقع الإلكتروني للهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وهو الأمر الذي تشبث برفضه في البداية رغم الطلبات المتكررة. مع نشر القائمة، اكتشف·ـت العديد من المصابين والمصابات وعائلات الشهداء والشهيدات عدم إدراج أسمائهم·ـن فيها. لكن لم يكن في وسعهم·ـن التظلم أمام القضاء. صرحت ليلى حداد في هذا السياق: "شرحت لهم أن هذا المنشور لا يكتسي أية قيمة رسمية وأنه لا يمكنهم بالتالي استئناف الحكم على هذا الأساس".
ديسمبر 2020 - جانفي 2021 : اعتصام مجموعة من المصابين والمصابات وعائلات الشهداء والشهيدات بمكتب الكيلاني
لمدة شهر كامل، نفذت مجموعة من المصابين والمصابات وعائلات الشهداء والشهيدات اعتصاما في مقر "الهيئة العامة للمقاومين وشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية" التي يرأسها عبد الرزاق الكيلاني، مطالبين مرة أخرى بنشر القائمة رسميا.
19 مارس 2021: نشر القائمة الرسمية بالرائد الرسمي
بعد لأي، نشرت حكومة هشام المشيشي القائمة الرسمية لشهداء وشهيدات الثورة ومصابيها ومصاباتها بالرائد الرسمي . ترصد القائمة 129 شهيدًا·ة و 634 مصابا ومصابة.
بعد مضي 10 سنوات على اندلاع الثورة، يمكن أخيرا للمصابين والمصابات ولعائلات الشهداء والشهيدات المستثنين·ـات من القائمة تقديم الطعون أمام المحكمة الإدارية المختصة بينما سيـ·تتمكن الآخرون والأخريات من الانتفاع بجبر الضرر ومن الاعتراف بهم·ـن رسميا.
غير أنه على أرض الواقع، لا تزال هذه القائمة مثيرة للجدل حتى بعد نشرها. من جملة المؤاخذات التي عبر عنها بعض أعضاء وعضوات المجتمع المدني استعمال مصطلح "شهيد" عوضا عن "ضحايا". فكما يلاحظ إلياس بن سدرين "ذلك ليس مصطلحا قانونيا أو تقليديا متعارفا عليه. لقد أفضى آليا إلى تقييد نطاق تطبيق هذا المرسوم". وبذلك، يستثني هذا المصطلح في واقع الأمر كل من أُصيب أو قُتل على هامش الاحتجاجات.
كما يوضح هذا الأخير أن التجارب المقارنة تُشير إلى استعمال مصطلحات من قبيل "ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان" للاعتراف بضحايا الثورة في إطار عملية العدالة الانتقالية- " ذلك هو الشأن في ليبيا مثلا ".
في نفس الموضوع
من جهتها، ترى يمينة الزغلامي أن دور اللجنة كان يتمثل في: "إصدار قائمة تحصر الأشخاص الذين شاركوا في الثورة وهتفوا 'بن علي، ديقاج' أو 'خبز وماء وبن علي لا' ".
بالنسبة لها، يتعين على الضحايا الذين أُصيبوا وأُصبن أو قُتلوا وقُتلن على هامش الاحتجاجات والراغبين·ـات في الإنصاف اللجوء إلى القضاء، داعمة فكرة أن الأمر مختلف بالنسبة لمن تنطبق عليهم·ـن صفة "شهيد أو مصاب. يجب أن يرسخ التاريخ هؤلاء الأشخاص باعتبارهم ذوي ميزة خاصة".
غير أن معضلة الاعتراف بالضحايا لا تتوقف عند هذا التعريف الضيق. إذ أنه يحصل أن تُقصي القائمة حتى المصابين·ـات أو الشهداء والشهيدات ممن تنطبق عليهم·ـن المعايير المعتمدة.
ذلك هو شأن كل من جواهر وعلاء، الناشطين اللذين شاركا في الاحتجاجات. حيث تعرض علاء لتعنيف أعوان الأمن يوم 13 جانفي 2011 في القصرين، في حين أطلقت الشرطة النار على جواهر أثناء أحداث القصبة 2 بالعاصمة. كان كل منهما قد تقدم بشكوى إلى المحكمة الإدارية لكن دون أية معلومة تُذكر حول مآل قضيتيهما إلى يومنا هذا، إذ أنهما لم يحاطا علما بأي سبب أو تسفير لتغييبهما من القائمة الرسمية.
تخلص لمياء فرحاني رئيسة جمعية "أوفياء" إلى أن "عدة لجان وإدارات تعهدت بهذا الملف لكن دون أدنى تنسيق يُذكر فيما تتقاذف المسؤولية في ما بينها".
ستُخصص الحلقة القادمة التي ستنشر قريبا لسرد روايات المغيبين·ـات عن القائمة.