ليست هذه الحادثة فريدة من نوعها، ذلك أن عددا من المنظمات الحقوقية رصدت، على أعقاب الإحتجاجات التي انطلقت منذ 14 جانفي 2021، موجة واسعة من الإيقافات التعسفية مُرفقة بانتهاكات لحقوق الموقوفين·ـات أثناء الاحتجاجات أو إثرها. لم تثنِ حتّى الظروف الصحيّة الإستثنائيّة التي تمرّ بها تونس النيابة العموميّة عن حشد مراكز الإيقاف وذلك عبر إصدار مئات الأذون بالاحتفاظ مطلع السّنة.
"كما جرت العادة، بعد المشاركة في مسيرة يوم السبت، ارتأينا مواصلة النقاش السياسي في منزل أحدنا". هكذا يروي مهدي البرهومي وقائع تلك الليلة: "كنّا نتجادل بصوت عالِ، ولم ندرك حينها أنّ ذلك النقاش سيُصبح لاحقا تهمتنا".
"داهم عون أمن محلّ سكناي دون إذن قضائي. ودون إعلام أو تفسير، اقتادنا خارجا أين أُلقي القبض علينا بطريقة استعراضيّة وألبسوا أحدنا الأصفاد. صرخ أحد الأعوان متوعّدا: 'أتشتمون النقابات الأمنية ! سترون عاقبة فعلكم' "، يروي منذر سوودي.
يرفع متظاهر شارة النّصر بيدين مصفدتين في مسيرة " أطلقوا سراح تونس" يوم 6 مارس 2021. صورة: عيسي زيادية
في سياق اجتماعي واقتصادي وصحي متوتّر، أعادت الحادثة الجدل القائم حول الحدّ الأدنى للاشتباه في إقرار الإحتفاظ بالمتّهمين·ات، وسلطة تقدير قضاة وقاضيات النيابة العموميّة في الاقتصار على التقارير الأمنيّة لإقرار الإحتفاظ، خاصّة بعد رصد عدّة "تجاوزات في تطبيق إجراءات الاحتفاظ" مثل ما ورد في تقرير لهيومن رايتس ووتش. مما يدفع للتّساؤل حول الدور الذي تضطلع به النيابة العموميّة أوّلا والسلطة القضائية في وقت لاحق في استخدام ترسانة قانونية تلجأ إلى عقوبات سالبة للحرّية ولحق التنقل.
في نفس الموضوع
"تكفي 24 ساعة من السجن لتحطيم حياة برمّتها"
"يفتقر مركز الإيقاف لأدنى الظروف الصحيّة"، هكذا يروي مهدي البرهومي تجربته : "طيلة ليلة الأحد تزايد عدد الموقوفين الوافدين على الغرفة المكتضّة دون توقّف، رغم أنه لم يعد في الغرفة متّسع، في تناقض صارخ مع البروتوكول الصحّي. يبرز هذا نفاق الدّولة التي تفرض إجراءات قمعية للتوقي من الفيروس وفي المقابل تحشد مراكز الإيقاف دون اعتبار لصحّة الموقوفين".
ردّا على ذلك، يتنصّل الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس 1 محسن الدّالي من مسؤوليّة تطبيق تدابير الوقاية من الجائحة في مراكز الإحتفاظ ويحمّلها "للدّولة" على حدّ تعبيره: "البروتوكول الصحّي في مراكز الاحتفاظ مسؤوليّة وزارة الداخلية. من واجب النيابة العموميّة عند تلقيها تقارير أمنيّة تفيد بأن مائة شخص قاموا بعمليات تكسير، أن تأذن بالاحتفاظ بهم جميعا."
"عندما يكون الأمن القومي في الميزان، تلجأ النيابة إلى الإيقاف إلى أن نستعيد الأمن، وعلى الدولة توفير مراكز احتفاظ تحترم البروتوكول الصّحي." محسن الدّالي، الناطق الرّسمي باسم محكمة تونس 1
علاوة على الظروف الصحيّة السيئة، يسترجع منذر سوودي أثر الاعتقال على نفسيته : "تمّ إيواؤنا في الغرفة الأولى، والتي تعتبر على حدّ تعبير موقوفين آخرين أكثر الغرف رفاهة" يروي متهكّما. "في 'الغرفة الفاخرة'، كان العنف بالأساس نفسيّا. كان من الصعب تمييز الليل عن النّهار جرّاء الإنارة أو مواعيد الوجبات الغذائية، إضافة إلى الاكتظاظ الشديد. لم يكن في أرضيّة الغرفة أي متّسع للتنقل. كانت الحواشي المعدّة للنوم متراصّة فأُجبرنا على النوم متلاصقين."
يبرّر الناطق الرّسمي باسم محكمة تونس 1 "جدوى" العدد الكبير من الإيقافات التي لاحقت الإحتجاجات الأخيرة بضرورة "التّحكّم في الأمن العام" : "تعاملت النيابة العموميّة مع الإضطرابات بطريقة 'تهدئة الأوضاع قليلا' عبر الإيقافات". كما يعترف القاضي أنّه "وقع الاحتفاظ بالعديد من الأشخاص 'لعدّة أيام' في انتظار أن تتولى المحكمة بعد ذلك إصدار أحكام مخفّفة".
عمدت النيابة العمومية إذن، بتعلّة إخماد الإحتجاجات مؤقتا، إلى حشد مراكز الإيقاف بالشباب والشابات، مُلقية العبء على القضاء الجالس ليجد حلّا فيما بعد.
جانب من المظاهرات التي جابت العاصمة احتجاجا على الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعية مطلع السّنة. شارع باريس يوم 23 جانفي 2021. صورة: عيسى زيادية
"يعتقد قضاة النيابة العموميّة أن دورهم يتمثّل في ملء مراكز الإيقاف، مركز بوشوشة مثلا". هكذا يحلّل المحامي عدنان العبيدي لإنكفاضة عمل النيابة التونسية في تطبيقها للقانون "عبر اعتماد فلسفة قائمة على حماية النظام العام". ويرى أنّها "فلسفة تندرج ضمن مفاهيم القرون السابقة، بينما تقوم المفاهيم العصرية في الإجراءات الجزائية على حماية الفرد، البشر، الإنسان التي تضمن بصفة طبيعية حماية الأمن العام".
حسب تعريف الدستور التونسي لها، تمارس النيابة العمومية مهامها في إطار التوجّه العام للسياسة الجزائيّة الرسميّة للحكومة كجزء من القضاء العدلي. تكلَّف النيابة، تحت إشراف كاتب الدّولة للعدل، بالسّهر على تطبيق القانون حسب مجلّة الإجراءات الجزائيّة.
الفصل 115 من الدستور التونسي
[...] النيابة العمومية جزء من القضاء العدلي، وتشملها الضمانات المكفولة له بالدستور. ويمارس قضاة النيابة العمومية مهامهم المقررة بالقانون وفي إطار السياسة الجزائية للحكومة طبق الإجراءات التي يضبطها القانون. [...]
في المطلق، يتمثل دور النيابة العمومية حسب المبادئ التوجيهية للأمم المتّحدة، في ضمان حسن تطبيق القانون من جهة، واحترام حقوق المتّهمين·ـات والضحايا من جهة أخرى. تنصّ المادّة 14 من نفس المبادئ التوجيهية أنّه على أعضاء النيابة العمومية "الإمتناع عن بدء الملاحقة القضائية أو مواصلتها، أو يبذلون قصارى جهدهم لوقف الدعوى، إذا ظهر من تحقيق محايد أن التهمة لا أساس لها."
تستعرض نفس المذكرة كذلك البدائل الممكنة التي يجب على النيابة العموميّة اتخاذها لتجنّب الملاحقة القانونيّة :
المادّة 18 من المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة
مؤتمر الأمم المتّحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين 1990
يُولي أعضاء النيابة العامة، وفقا للقانون الوطني، الاعتبار الواجب لإمكان صرف النظر عن الملاحقة القضائية ووقف الدعاوى، بشروط أو بدون شروط، وتحويل القضايا الجنائية عن نظام القضاء الرسمي، وذلك مع الاحترام الكامل لحقوق المشتبه فيهم والضحايا. [...] ينبغي أن تستكشف الدول، بشكل تام، إمكان اعتماد خطط للاستعاضة عن الملاحقة القانونية، [...] لتجنيب الأشخاص المعنيين وصمة الاحتجاز السابق للمحاكمة والاتهام والإدانة، وكذلك الآثار الضارة للسجن.
يؤكد القاضي محسن الدالي أنّ بإمكان النيابة العمومية إيقاف العمل بنصوص لم تعد تتجاوب مع تطور الواقع وتتعارض مع دستور 2014 ومع المعايير الدّوليّة "طالما كان اجتهاد النيابة العموميّة موجودًا وممكنا" في انتظار تحيين القانون الجزائي. لكنه في نفس الوقت لا ينفي حق القاضي·ـة في أولويّة اللجوء إلى النصّ الجزائي نافذ المفعول. وبتعلّة الحفاظ على الأمن العام، يتجاهل القاضي المعايير الدولية قائلا: "ما شأني بتوجيهات دولية تطالبني بالرفق، 'ما يحسّ بالجمرة كان الّي يعفس عليها!' [لا يحس بالجمرة إلّا من يدوسها]".
"تكفي أربعة وعشرون ساعة من السجن لتحطيم حياة برمّتها" مارك أنسل Marc Ancel.
يقتبس المحامي عدنان العبيدي هذه الفكرة للقاضي والمفكّر مارك أنسل من كتاب "الدفاع الاجتماعي الحديث" في تعليقه على سياسة "السلب الآلي للحرية المتّبعة من النيابة العموميّة" على حد تعبيره : "تقبل النيابة العمومية التونسية بصفة 'شبه آلية' مطالب الإذن بالاحتفاظ التي يتقدّم بها أعوان الأمن في مرحلة أولى، وتصدر بطاقات إيداع بالسجن خلال فترة التحقيق في مرحلة ثانية"، مشيرا إلى تجربته في القضايا التي ترافع فيها. الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عما إذا كان ميل النيابة العمومية إلى الاحتفاظ بشكل "شبه آلي" يمثّل السياسة الجزائية الرسمية للدولة.
"لا وجود لتعليمات عامة" صريحة فيما يتعلّق بالإيقافات على خلفيّة الاحتجاجات أو غيرها. هكذا علّق النّاطق الرّسمي باسم محكمة تونس 1 لإنكفاضة، موضحا أن الحكومة "غير قادرة على ذلك" أصلا.
"الأذون بالاحتفاظ في بعض الجرائم هو ردّ فعل شخصي واجتهاد قضاة النيّابة العموميّة الذين هم جزء من هذا الوطن. لم تقع تعليمات عامة ولا يتدخل وزير العدل بتاتا لا بالأمر ولا بالنهي". محسن الدالي
إذا لم تكن النزعة الآلية لسلب الحرّية نابعة من سياسة جزائية رسميّة للحكومة، فإنها قد تعود، حسب رأي المحامي عدنان العبيدي إلى كونها "ترسّبات الممارسة السّائدة طيلة عقود من سلطة الدولة البوليسية".
تهاون النيابة في تطبيق إجراءات الاحتفاظ
في منطقة الأمن بحي الخضراء، حُرّر محضر سماع للشباب الثلاثة مهدي وسامي ومنذر على ضوء شكاية تفيد إعتداءهم على حارس السفارة الهولندية المجاورة لمسكنهم. ورغم مطالبتهم بإنابة محام·ـية، إلا أنّ طلبهم جوبه بالتجاهل ليتم اقتيادهم إلى مركز الاحتفاظ ببوشوشة حسب قولهم.
"مرّت حوالي ساعتين على احتجازنا قبل أن يصدر إذن بالاحتفاظ من وكيل الجمهورية" يستنكر مهدي. في تعليقه على هذه الحادثة يوضح محامي الشباب حمادي الهنشيري أنّ "دخول عون أمن غريب عن المسكن وإيقاف أشخاص في غياب إذن قضائي، هو خرق واضح للقانون والإجراءات القانونية". ما أدى بدوره إلى "حرمان موكليّ من حرّيتهم وحقّهم في السكن والتنقل في غير حالة تلبّس، دون إذن مسبق من النيابة".
فيما يخصّ "إقرار حالة التّلبس لإصدار الإذن بالاحتفاظ في حق الشباب الثلاثة"، يعترف محسن الدالي، الناطق الرّسمي باسم محكمة تونس 1 بالصلاحيات الواسعة لأعوان الأمن في إيقاف المشتبه بهم·ـن بتعلّة التلبّس، دون إذن قضائي. وحتى في الحالات التي يكون فيها عون الأمن الخصم والحكم، لا تتحقق النيابة من حقيقة التلبس قبل الإيقاف، بل بعده، أي حين تتحصّل على المحضر. لذلك في مقتضى الحال، "لمّا لم يثبت ضرر كبير، توجّهنا إلى المحاكمة في حالة سراح".
"بقطع النظر عن صورة الأمني لدى الرأي العام، تتمثل مهمّتي في حمايته بصفته موظفا عموميا، ولا أكترث لما يُنسب للنيابة العمومية من 'ممارسات دولة البوليس'" محسن الدّالي، الناطق الرّسمي باسم محكمة تونس 1.
في نفس الموضوع
في نفس الموضوع
في نفس الموضوع
"تتم معاينة الجريمة من قبل مأموري الضابطة العدلية، ويتمّ إعلام النيابة باستشارة كتابيّة في الإحتفاظ"، حسب تفسير الناطق الرسمي باسم محكمة تونس 1. ويستطرد موضّحا أنّه في واقع الأمر، يتّصل عون الأمن هاتفيّا بالنيابة العمومية من أجل نقل الوقائع. في حال توفرت لدى وكيل الجمهورية معطيات عن جريمة يخوّل القانون الاحتفاظ فيها، يُطلب من عون الأمن إرسال إستشارة كتابية في الاحتفاظ عبر الفاكس أو بالتنقل على عين المكان للمحكمة. عندها تأذن النيابة العمومية بالإحتفاظ بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا.
نظّم نفس الفصل الإجراءات الموجب إتّباعها من قبل أعوان الأمن المكلّفين بالضابطة العدليّة، في حالة الاحتفاظ :
المصدر : قانون عدد 5 لسنة 2016 مؤرخ في 16 فيفري 2016 يتعلق بتنقيح وإتمام بعض أحكام مجلة الإجراءات الجزائية، متوفر هنا
"لم تقع تلاوة حقوقنا علينا من قبل أعوان الأمن بمنطقة حي الخضراء، ولا التهم الموجهة ضدنا، ولا مدة إيقافنا، بل وتمّ استنطاقنا قبل وصول المحامي، وبلغ بهم الأمر أن دوّنوا في المحضر رفضنا إنابة محام". هكذا يروي مهدي البرهومي ظروف اعتقاله وما اعتبره "عدم الإعتراف الصريح بالقانون عدد 5 بعد 5 سنوات من إصداره".
"حين طالبت عون الأمن بتبيان حقوقي، أجابني بتهكّم 'نجيبلك رقاصة؟' (أتريد راقصة أيضا؟) " مهدي البرهومي.
لا ينفي الناطق الرسمي باسم محكمة تونس 1 تسجيل تجاوزات عديدة، لكنه يؤكد حرص النيابة على الحدّ منها من خلال الإلتزام بقانونية المحضر*: "عندما لا يضمّن مأمورو الضّابطة العدليّة كل هذه الإجراءات في المحضر يُعتبر باطلاً.". يؤكّد القاضي إذن مبادرة النيابة العمومية إلى التحقق من قانونية المحضر شكلا، لكنه لا يقدّم آليّة فعالة للتثبت من حقيقة الوقائع المضمنة به. موضحا أنه حتى بالنسبة للتحقيق في حالات التعذيب مثلاً، يُحرّر محضر مستقلّ في الغرض، "لكن يبقى المحضر الأوّلي نافذا".
قوانين عهد الإستبداد، أداة النيابة الحاليّة
منذ جانفي 2021 وفي إطار الاحتجاجات التي اندلعت حينها، وجهّت النيابة العموميّة، على إثر إذنها بالاحتفاظ، تُهما تستوجب العقوبة بالسجن للموقوفين·ـات باستعمال تهم " 'فضفاضة' على غرار 'مخالفة حالة الطّوارئ' لتجريم الأفراد دون تحديد التّهم الموجّهة إليهم·ـن بالضّبط"، على حد تعبير نورس الدوزي المنسقة صلب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. تشير نورس هنا إلى الأمر عدد 50 لسنة 1978 المنظّم لحالة الطوارئ. يُعتبر هذا النص "غير مطابق للدستور" على حد قراءة المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية "لما يتضّمنه من حد كبير للحقوق والحريات".
وثّقت كلّ من الرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان (LTDH) ومنظّمة "محامون بلا حدود (ASF)" التّهم الموجّهة ضدّ المحتجّين·ـات الموقوفين·ـات والعقوبات المترتّبة عنها.
تتجاوز النيابة العمومية ذلك إلى تطبيق بعض النصوص القانونية المثيرة للجدل والتي تتنافى مع المعايير الدولية للحقوق والحريات حسب عديد المنظمات الحقوقية على غرار هيومن رايتس ووتش في تقرير لها (متوفّر هنا)، لتكييف القضايا والإذن بسلب الحرية أثناء مواصلة المحاكمات.
هذا ما حدث لسامي ومهدي ومنذر، حيث وجه لهم مساعد وكيل الجمهورية، يوم الإثنين 8 مارس 2021، بعد حوالي 48 ساعة من الإيقاف، تهمة "الإعتداء على موظّف عمومي بالقول أو الإشارة أو بالتهديد" حسب الفصل 125 من المجلة الجزائيّة.
"الجزء الأكبر من القضايا التي تُرفع بعنوان هذا الفصل، يرفعها أعوان أمن ضدّ مواطنين.ـات في استغلال صارخ لنفوذهم" يفسر المحامي أيوب الغدامسي.
"الجزء الأكبر من القضايا التي تُرفع بعنوان هذا الفصل، يرفعها أعوان أمن ضدّ مواطنين.ـات في استغلال صارخ لنفوذهم" يفسر المحامي أيوب الغدامسي.
في نفس الموضوع
حسب المنتدى التونسي للحقوق الإقتصاديّة والإجتماعية، هذا الفصل الموروث عن الحقبة الاستعمارية منذ سنة 1913 هو "من أخطر الفصول التي توظف لمجابهة أصحاب الحقوق وقادة التحركات الإحتجاجيّة في المجلة الجزائية. وهو غير مطابق لدستور الجمهورية التونسية، ومخالف لقواعد العدالة، ويشكل خرقا فادحا للقيم الكونيّة لحقوق الإنسان."
"عفوا سيّد وكيل الجمهورية 'أحنا الطحانة' " لافتة من مسيرة "أطلقوا سراح تونس" يوم 6 مارس 2021. صورة: عيسي زيادية
إلا أنّ محسن الدّالي، الناطق الرّسمي باسم محكمة تونس 1، لا يرى حرجا في مواصلة العمل به: "لا يمكن العمل بطريقة 'الدستور نصّ على الحرية فلن أعمل مجددا بتهمة هضم جانب'. المتوفر الآن لدى القضاة هي النّصوص الجزائيّة النّافذة التي لم تلغ". ويستفيض معللا أن "الدستور في أحكامه أتى بالعديد من الحرّيات، لكنّه لا يحتوي على نصوص جزائيّة. الجهات المخول لها إلغاء العمل بهذه الفصول هي المشرّع أو المحكمة الدستورية."
من جهته، يستدرك المحامي أيوب الغدامسي مستخلصاً أنّ "السلطة القضائية في تونس بنيابتها بقضائها الجالس منحازة تماما للبوليس ولا تستطيع أن ترفض له طلبا. للدولة أن تقرر، مثلما فعلت عديد الدّول، أن توقف العمل بهذه التهم أو غيرها، باعتبارها غير دستورية. لكن واقع السياسة الجزائية في تونس، عبر نيابتها العمومية متجه نحو الحرمان الآلي من الحق في التنقل، وحشد مراكز الإيقاف".