الفصل 2

الفصل 2

اللّغَة والجَندَر: حرَّاسٌ ومُفكِّكَات

كثيرا ما تقترن ولادة اللسانيات كميدان معرفي، بنشر كتاب دي سوسير "محاضرات في اللسانيات العامة" سنة 1916 والذي كان له الفضل في إخراج المسألة اللغوية من التصورات الفلسفية والأحكام الدينية والتأسيس لها كعلم. ولعل أبرز ما توصل اليه دي سوسير هو التأسيس للبحث في التقنيات والطرق التي يتكلم بها الناس في مجتمع لغوي محدد وفي وقت معين، جاعلا اللغة المنطوقة في المقام الأول، ودراستها دراسة موضوعية كما هي وكما تتجلى، لا كما تـ·يتصورها البعض أو يتوقعون ويتوقعن منها أن تكون.
16 دقيقة
reset
المحاور

الْأُسُسُ النَّسَويَّةُ لِلْبَحْثِ فِي اللِّسَانِ وَالْجَنْدَرِ وَالِجنْسَانِيَّة

تأثرت اللسانيات بالمقاربة النسوية، شأنها شأن عديد المجالات الأخرى، وإن لم تخصص دراسات لفحص هذه العلاقة وإبرازها. وبالرغم من اختلاف المدارس النسوية، إلا أنها تتفق على معالجة العنف الاجتماعي وعدم المساواة. ولذلك، لا يمكن أن نصنف كل الدراسات التي تتقاطع اللغة فيها مع الجندر والجنسانية على أساس أنها نسوية. لأنها لا تتقاسم كلها نفس المبادئ بالضرورة، كما لا تنخرط كلها في النظريات أو في اللسانيات النسوية. 

طوّرت المدرسة النسوية، وخاصة في الولايات المتحدة، ثلاثة مقاربات عبر الزمن: وهي نسوية الاختلاف والنسوية الناقدة والنسوية الكويرية. ولا تزال تستعملها إلى الآن في شتى دراساتها. فقد تطورت النظريات النسوية الأنجلو-أمريكية في 1960 بسبب حركة سياسية سميت آنذاك بـ"الموجة النسوية الثانية" التي تلت الموجة الأولى في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وبالإضافة إلى الأهداف السياسية، رامت الموجة الثانية أن تهتم بالمسائل النظرية التي تتعلق بالمسائل النسوية، مستعملة التقدم السياسي والأكاديمي المُحرَز في تلك الفترة. وقد ركزت الأبحاث آنذاك على رصد الاختلافات الجندرية، وإن لم تتفق على الطريقة أو الطرق المُثلى لفهم هذه الاختلافات وخاصة في توفير تفسير نسوي لها.

النَّسَوِيَّةُ اللِّيبِيرالِيَّةُ وَ"لُـــغَةُ النِّسَاء"

تهدف النسوية الليبرالية أساسا إلى تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في كل المجالات الاجتماعية، عبر حذف الحواجز أمام مشاركة النساء مشاركة تامة وغير منقوصة. ولذلك، لا تسعى النسوية الليبرالية إلى تغيير المجتمع، بل إلى توفير فرص متساوية للنساء ضمن الهياكل الاجتماعية الموجودة. ولم تستمد النسوية الليبرالية خطابها من البحوث الأكاديمية، بل من المطالب الشعبية والشعارات التي رفعتها. ولعل أكبر دليل على نجاح النسوية الليبرالية في طرح المواقف النسوية في الخطاب العام والسياسات، أن هذه المطالب لم تعد تصنف اليوم كمطالب نسوية.

كما أثرت النسوية الليبرالية تأثيرا بيّنا في الأسس الأولى للبحث حول اللغة والجندر والجنسانية، أبرزها المطالبة بإلغاء الفوارق الجنسية الشديدة في اللغة الانجليزية، وإن لم تجد هذه الدعوات صدى كبيرا في المجتمع وتغاضت عنها البحوث الأكاديمية أمام اهتمامها بكيفية استعمال النّساء للغة. وإن كان كتاب لاكوف الذي نشرته سنة 1975 أول الدراسات المؤسسة لمجال البحث حول اللسانيات النسوية الليبرالية، إلا أنه لم يكن في منأى عن النقد من النسويات وغير النسويات على حد السواء، متهمين·ـات إياها بالتحيز للمبادئ اللسانية الذكورية وبالتقليل من قيمة الممارسات اللسانية للنساء. وفي الحقيقة، لم تتبنّ لاكوف الإيديولوجيا السائدة التي تخفّض من قيمة النساء وتتفه كلامهن، بل قامت فقط بتوصيفها. وبالرغم من كل النقد لكتاب لاكوف إلا أنه ظلّ مرجعا للباحثين·ـات لأكثر من ثلاثين سنة، نظرا لتعريفه "لغة النساء" كممارسات لسانية ملأى بالإيديولوجيا التي تضغط على النساء وتمنعهن من المشاركة في مجالات الرجال.

ولا تـ·يزال الكثيرون·ـات يستشهدون ويستشهدن بجملتها الشهيرة "تُحرم النساء من الوصول إلى السلطة بشكل منهجي بتعلة أنهن غير قادرات عليها، وأكبر دليل على ذلك تصرفاتهن اللغوية".*

ولا يزال اهتمام لاكوف الواسع بدور الأثر الأيديولوجي للغة في إضعاف المرأة يساهم بوضوح في النسوية الليبرالية. كما لا تزال النسوية الليبرالية تؤثر في البحث حول اللغة والجندر والجنسانية وإن تعددت المباحث والمناهج وتفرعت.

النَّسَوِيَّة الَّثَقافِيَّة وَالأَنْمَاطُ التَّفَاعُلِيَّة المجَنْدَرَة 

تعتبر النسوية الثقافية أن للنساء طرقا مختلفة ومميزة للتفكير والتصرف والكلام، يجب على المجتمع والباحثين·ـات تثمينها. وتـ·يُرجع الباحثون·ـات إختلاف ممارسات النساء إلى تجارب تنشئتهن الاجتماعية المبكرة وكذلك إلى استعدادهن البيولوجي للأمومة والاعتناء بالغير.

وقد تمكنت ديبورا تانن عبر كتابها "أنت فقط لا تفهم" الذي نشرته سنة 1994 من عولمة البحث في اللغة والجندر مبينة أن الرجال والنساء يعيشون ويعشن مشاكلا في التواصل، بسبب اختلاف أنماطهم·ـن التفاعلية المجندرة.

اللِّسَانِيَّاتُ الكْوِيرِيَّة

تطور منهج اللسانيات الكويريّة حديثا في الولايات المتحدة أساسا وفي الثقافة الأنجلوسكسونية عموما. وقد تخلفت الدراسات اللسانية الأوروبية عن اتباع المناهج بعد البنيوية، كما عزفت خاصة عن تبني الفكر الكويري بالرغم من الأثر الإيجابي الذي تركه هذا الفكر على نقاش اللغة والجنسانية منذ سنوات 1990*.

ولاتزال العديد من اللغات تتصارع مع ترجمة كلمة "كوير" نفسها لما قد تتسبب فيه الترجمة غير الموفّقة من إحالات "سلبية" تحول بينها وبين دخولها إلى عالم الدراسات الأكاديمية مما يفسر القرار العملي باقتراض الكلمة من الانجليزية.

وكما ذُكر سابقا، تأكد بتلر على أن الاستمرار في استعمال الثنائية، أي لغة النساء مقابل لغة الرجال، يزيد من الهوة بينهما ويبعدنا عن الوقوف على نقاط التشابه بين "اللغتين" مثلما نقف على نقاط الاختلاف.   

اللُّغَة العَرَبِيّة

مِنْ مَنْظُورِ اللِّسَانِيَّاتِ وَاللِّسَانِيَّاتِ الإِجْتِمَاعِيَّة

كثيرا ما تقترن ولادة اللسانيات كميدان معرفي بنشر كتاب دي سوسير "محاضرات في اللسانيات العامة" سنة 1916 والذي كان له الفضل في إخراج المسألة اللغوية من التصورات الفلسفية والأحكام الدينية والتأسيس لها كعلم من العلوم. وقد ساعدت المبادئ التي ضبطها دي سوسير في تأسيس الدرس اللساني الأوروبي بوجه خاص، والدراسات اللسانية العالمية بوجه عام. ولعل أبرز ما توصل إليه دي سوسير هو التأسيس للبحث في التقنيات والطرق التي يتكلم بها الناس في مجتمع لغوي محدد وفي وقت معين. هكذا، جعل اللغة المنطوقة في المقام الأول ودراستها دراسة موضوعية كما هي وكما تتجلى لا كما يتصورها البعض أو يتوقعون منها أن تكون.

كما رفض·ـت اللسانيون·ـات أن تصنيف اللغات المكتوبة فقط على أنها لغة، بل تمّ اعتبار كل ظاهرة لغوية لغة، بما أن هنالك مجموعة من البشر تستعملها بطلاقة وبعفوية للتواصل مع بعضهم·ـن البعض. كما ترفض اللسانيات تصنيف اللغات على حسب معايير الجمال ودرجة تعقيد قواعد النحو والصرف. فكل اللغات متساوية، وليست هنالك لغة صعبة أو جميلة وأخرى سهلة أو قبيحة. وقد كانت للدراسات الأنثربولوجية ولدراسات اللهجات الفضل في الكشف أن المنطوق هو الأصل وأن البشرية قد طورت المنطوق قبل المكتوب بمراحل.

برزت اللسانيات الاجتماعية، في سنوات 1960، كفرع من فروع اللسانيات، مطوّرة مناهجها ونظرياتها الخاصة بها، مستندة على أعمال ويليام لابوف عالم الاجتماع الأمريكي الذي درس الاختلافات اللغوية وربطها بالطبقات الاجتماعية.

أظهرت الأبحاث أن المجموعة اللسانية التي تعتمد أكثر من لغة واحدة في كلامها تشهد تأثير اللغات المختلفة على بعضها البعض وهو حال اللغة العربية مثلا. وتناولت العديد من الأبحاث ظواهر الاقتراض والتداول اللغوي والخلط بين اللغتين على مستوى اللغة العربية الفصحى ولكن كذلك على مستوى اللهجات*.

التَّعَدُّدِيَّة اللُّغَوِيَّة أَوْ الدِّيقْلُوسْيَا

منذ أن نشر فرقسون مقاله الشهير سنة 1959 حول الديقلوسيا أو التعددية اللغوية مستمدا ملاحظاته من وضع اللغة العربية، أصبح اللسانيون العرب والأجانب يبحثون في هذه الخاصية الأولى للغة العربية والتي تتمثل في ازدواجيتها. فالعربية لغة تُستعمل على مستويين في مجتمع واحد: مستوى فصيح والآخر لهجي عامي. كما أشار فرقسون أن المجتمعات التي تشهد ظاهرة الديقلوسيا عادة ما تجعل إحداها في مقام عالِِ وتخفّض من قيمة ما تبقّى وهو حال اللغة العربية بامتياز. حيث يعتبر العرب الفصحى الأصل والأعلى بينما يتمّ التّقليل من قيمة اللهجات الوطنية والجهوية التي يُشار إليها بنعوت سلبية مثل "الدارجة" أو "العامية"، وتُعتبر صورة مشوّهة عن اللسان الفصيح، الأصل، الجميل و"الكامل".

لأسباب عدة، لم تحاول البلدان العربية تقليص الفوارق بين الفصحى وبين مختلف اللهجات، ولم تغير من الموقع التفاضلي للفصحى على حساب اللهجات. واعتبر كثيرون أي محاولات "لإعلاء" اللهجات كمحاولة لهدم الهوية العربية الإسلامية، مما زاد من حساسية هذه الازدواجية عبر السنوات. وبالإضافة إلى علوية الفصحى، لغة القرآن، جعلت كل البلدان العربية اللغة العربية لغتها الرسمية لتأكيد القومية العربية، الرابط الثاني بعد الدين. كما يُنظر إلى الفصحى كالقوة التي توحد البلدان العربية، ولا يتوانون ويتوانين في الدفاع عن العربية الفصحى من كل محاولة لتغييرها أو التقليل من شأنها وهي التي حافظت على نقائها وجمالها منذ غابر العصور.

مـا يزيد من علوية الفصحى عند المدافعين·ـات عنها، أنها بالإضافة للدين، فهي لغة التعليم. بمعنى أن الطفل أو الطّفلة تـ·يتعلم القراءة والكتابة بالفصحى لا بلهجته. كما أن الفصحى لغة الأدب والشعر وان لم تعد لغة العلوم والمعارف. وبما أن العربية هي القاسم المشترك بين كل المتحدثين·ـات بها، فإن المغربيّة، التي تستمع إلى اللهجة العراقية لأول مرة مثلا، تستعمل معرفتها بالفصحى لتتمكن من التغلب على الاختلافات بين لهجتها واللهجة العراقية.

ويمكن أن نصف خاصيات الفصحى كالآتي:

  1. قام النحويون بضبط قواعد اللغة العربية الطويلة والمعقدة منذ أكثر من 11 قرنا ولم تتغير هذه القواعد كثيرا منذ ذلك الحين. 
  2. تـ·يجد المتعلمون·ـات قواعد الإعراب صعبة ومعقدة مما قد يثنيهم·ـن عن تعلمها.
  3. تفرق الفصحى بين المفرد والمثنى والجمع وقليلا ما تستعمل اللهجات المثنى، وتبسّط القواعد كلما تسنى لها ذلك.
  4. إنّ مفردات الفصحى ثرية ومتنوعة وهو ما يشجع البعض على التشديد على علوية الفصحى ودونية اللهجات.
  5. لا تـ·يوجد من تـ·يتكلم الفصحى. وفي حقيقة الأمر، لا تـ·يوجد من تـ·يتكلمها بعفوية، فهي نوعية يتعلمها الأطفال في المدارس ولذلك قد تستعصي على الأميين·ـات الذين واللّواتي لم يتسنّ لهم·ـن الذهاب الى المدرسة.

وتُستعمل كلمة اللغة العربية لتجمع بين الفصحى التي لا يتكلمها أحد واللهجات التي تختلف من منطقة الى أخرى وتتجاوز الحدود الجغرافية بكل سهولة. كما تتكون كل لهجة من اللهجات "الوطنية" بدورها من لهجات أخرى محلية عادة ما تختلف من منطقة جغرافية الى أخرى، ولكن كذلك من طبقة الى أخرى، إذا ما كان المجتمع مقسّما تقسيما طبقيا محكما. 

كما تعيش اللهجات علاقة خاصة بالفصحى. فمثلا توجد كلمات في اللهجات العامية اندثرت من الفصحى ولكنها بقيت فيها. وتجب الإشارة إلى أن اللهجات العامية أكثر مرونة وقدرة على التغيير بعكس الفصحى التي لا تستجيب لمتطلبات التغيير بسهولة، والتي تولي الأصالة أهمية أكبر من المرونة وسهولة التعبير عن المتطلبات الجديدة للناطقين·ـات بها.

فللفصحى حرّاس كثر، بينما لا يحرس اللهجات الدارجة إلا حرص أهلها على التواصل بسهولة. فهم·ـن لا يقفون ولا يقفن أمام الكلمات الجديدة للتساؤل عن مدى نقائها الإيتيمولوجي بل يتعاملون ويتعاملن مع الجديد على حسب قدرته على سدّ حاجاتهم·ـن وسهولة استعماله.

وبما أن الفصحى لا يتكلمها أحد للتواصل، فإن القادرين على القراءة والكتابة هم وحدهم من يستطيع فك رموزها، مما يفسر استعمال الفصحى كحاجز اجتماعي طبقي عبر العصور. وإذا ما تذكّرنا أن حظ النساء في التعليم في البلدان العربية كان عبر العصور أقل بكثير من حظ الرجال، ولم تتساوَ فرص التعليم للفتيات والفتيان على حد السواء إلا في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، يمكن أن نتصور كيف كانت الفصحى تُستعمل كحاجز أمام النساء غير المتعلمات.

ولعل أول من أشار إلى الفوارق الكبيرة بين المنطوق والمكتوب في اللغة العربية هي المدارس الأجنبية لتعليم العربية في القرنين السابع والثامن عشر. ذلك أن المدرسين، وإن وجدوا المكتوب واضحا، كثيرا ما احتاروا، ولا يزالون، في أي منطوق يدرسون لطلبتهم وهم أمام زخم منطوق هائل. ولعل حيرة المدرسين·ـات والدارسين·ـات للعربية لم تتقلص عبر السنين، وإن اختارت بعض المدارس اللهجة المصرية وأخرى اللّهجة اللبنانية/ السورية، واضطر·ت كل من تـ·يحتاج تعلم لهجة أخرى أن تـ·يقوم بذلك عبر العيش في ذلك البلد خصّيصا.

كما تحدث·ـت الكثير·ات من المستشرقين·ـات عن الفوارق بين الفصحى والعامية إلى درجة أن بعضهم·ـن أعلن عن موت الفصحى، ودعا العرب إلى التخلي عنها وكتابة لهجاتهم·ـن عوضا عنها. ولم تنفكّ هذه الدعوات تظهر من حين الى آخر ويقابلها العرب بالكثير من التشكيك والتخوف والزيادة في الحرص على الفصحى.

تستمد الفصحى علويّتها من عدة سلطات منها الدينية والسياسية والمعرفية. فالعربية لغة القرآن وإن كان القرآن بلهجة قريش، ويحتوي على العديد من الكلمات من أصل غير عربي. كما أن الفصحى كانت ولازالت لغة البلاط الرسمية، وإن رطن·ـت السياسيون·ـات بلغات ولهجات أخرى شتى مع بعضهم·ـن البعض. كما أن الفصحى لغة المعرفة لأن الأطفال العرب يتعلمون ويتعلّمن الكتابة والقراءة بـ"لغة" مختلفة عن تلك التي يتكلمونها أو يتكلّمنها في البيت مع العائلة والأقران. فمن الطبيعي أن يحافظ كل هؤلاء على علوية الفصحى ليتمّ الإبقاء على موازين القوى الحالية. ومن الطبيعي أن تتمّ "حراسة" الفصحى من التغيير لأنه قد يعني قلب موازين القوى.

كما ترتبط بعلوية الفصحى مظاهر لسانية غريبة. منها أن يبني المدافعون عن "نقاء" الفصحى موقفهم عن طريق نفي وجود أي "ظواهر" لسانية أخرى، فالفصحى هي اللغة العربية وما عداها انعكاسات مشوهة ورطانة في حين لا تربط اللسانيات بين اللغات واللهجات بنفس الطريقة المعيارية.كما أنّ علوية الفصحى "مفتعلة" وغير طبيعية، لأنها لو تنافست مع اللهجات الأخرى منافسة شريفة من دون تدخل الدين والسياسة والسياسات التربوية فلن تتغلب الفصحى على بقية اللهجات.

وكلما زاد المغالون في الدفاع عن الفصحى تعنّتا في الحفاظ عليها من التغيير، كلما عرّضوها لخطر الانقراض. لأن اللغة التي لا تتغير ولا تحاول الاستجابة لاحتياجات الناطقين·ـات بها تموت. فمن الطبيعي أن يحرص النحويون على احترام القواعد. وفي المقابل، يجب على اللسانييّن·ـات أن ينبهوا وينبّهن إلى الاغتراب اللغوي الذي يفرضه أصحاب السلطة على الفصحى وعلى اللهجات المقابلة، وعلى خطورة الإزدواجية والتعنت في الحفاظ على علوية سلطة الفصحى التي لا تخدم مصالح إلا النخبة.