الفصل 5 :

الإجراء الحدودي S17، وحش أفلت من قبضة صانعه

يوم الأربعاء 5 سبتمبر 2018، سكب محمد ضياء عرب البنزين على جسده وأخرج ولّاعة وأضرم النّيران في نفسه بكلّ هدوء قبالة مركز الأمن ببلدة منزل بوزلفة، كلّ هذا تحت أنظار أعوان الشّرطة. بالنّسبة للمقرّبين·ـات من الشّاب، فإنّه لا مجال للشكّ في أنّ محمد ضياء انتحر بسبب إخضاعه للإجراءالحدودي S17، وهو ما منحه شعورا بالعيش داخل سجن في الهواء الطّلق. حظر مغادرة التراب التونسي ورقابة أمنية مستمرّة... حالة محمد ضياء ليست حالة معزولة، إذ هناك الآلاف من المواطنين·ـات تحت طائلة هذا الإجراء، أحيانًا دون معرفتهم·ـنّ، في تجاهل تامّ لحقوقهم·ـنّ الأساسية.
بقلم
| رسوم : Z
| 11 نوفمبر 2020 | 20 دقيقة | متوفر باللغة الفرنسيةالإنجليزية
في ذلك الوقت، لم تتصدّر الحادثة عناوين وسائل الإعلام التونسية، ولم تحظ حتّى بمقال مقتضب أو ببيان إذاعي موجز. بالكاد نشرت إحدى المنظّمات غير الحكوميّة مذكّرة موجزة بدون تبعات تذكر، كما لم تتداول الحادثة سوى بضع صفحات إسلامويّة على شبكات التّواصل الاجتماعي.
على مشارف الوطن القبلي، في بلدة منزل بوزلفة الواقعة على بعد حوالي أربعين كيلومترًا من العاصمة، كان كلّ شيء يبدو هادئًا، يوم الأربعاء 5 سبتمبر 2018. عادة ما تجعل السوق الواقعة في مدخل وسط المدينة حركة المرور لا تطاق في بعض الأزقّة المؤدّية إلى السّاحة الرئيسيّة.
هذه السّاحة هي نقطة تمركز البنوك وبعض الإدارات. مدخل المدينة شبه مقفر ما عدا بعض السيارات المارّة بين الحين والآخر. هنا، يقع مركز الأمن الرئيسي، وهو عبارة عن مبنى ذي واجهة صغيرة بيضاء، ومدخل ضئيل.
لدى دخول المركز، يعترضك شبّاك مظلم على اليمين، ومكتب رئيس المركز إلى اليسار، وبعض المكاتب الأخرى على جانبيْ الممرّ. في ذلك اليوم، كان المقهى المقابل لمركز الأمن خالياََ من الرّوّاد ما عدا بعضاََ من التجار الذين يعملون في الجوار، بما فيهم ميكانيكي وبائع فواكه متجوّل.

في الخامس من سبتمبر 2018، يغادر الشّاب الثّلاثيني محمد ضياء عرب المنزل العائلي  المتواضع والواقع في طرف أحد أزقّة البلدة، ويمشي لمسافة كيلومتر إلى أن يصل أمام مركز الأمن عند مدخل المدينة. لا أحد يكترث بوجوده. يبادر محمد ضياء بفتح صفيحة بنزين ليسكبه على جسده بتؤدة، ثمّ يخرج ولّاعة ويضرم النّيران في نفسه تحت أنظار زبائن المقهى المقابل. ثمّ يتقدّم بهدوء ودون انفعال. ويهرع أعوان الأمن المناوبون أمام المركز إلى الدّاخل في هلع.  

يتبعهم محمد ضياء عرب إلى الداخل بهدوء والنيران تلتهم جسده. ذُعر أعوان الأمن واندفعوا مسرعين، في حين واصل محمد ضياء عرب متابعتهم متقدّما وكأنّه في مشهد فيلم رعب وإن كان حقيقيّا. ثم يخرج ويجلس والنيران تواصل التهامه. لم يتدخّل أحد من شهود الحادثة أو من أعوان الأمن الذين أشلّتهم الصّدمة. ولم يبادر أحد بمحاولة إنقاذه أو باستخدام مطفأة حريق مركز الأمن أو المقهى.  

وصلت سيارة الإسعاف بعد ساعتين طويلتين من الاحتضار. وتوفّي محمد ضياء عرب في اليوم الموالي في مستشفى الرابطة متأثّرا بجروحه دون أن يتمّ تناقل الحادثة، لا من باب الرّقابة بل سهوا. فبعد سبع سنوات من الثورة، لم يعد أحد يكترث بحادثة انتحار حرقا، خاصّة عندما يتعلّق الأمر بشابّ يحمل وصمة مُخزية ألا وهي S17.  

منذ بضع سنوات خلت، لم يكن هنالك ما يُنذر بهذا الانزلاق إلى الهاوية أو هذا الانتحار المأساوي. كيف آل الأمر بمحمد ضياء عرب إلى ذلك؟ فلنعد إلى بداية هذه القصة. يبدو محمد ضياء عرب -تصديقا لصفحته الشخصية على موقع فيسبوك- كشابّ عادي يلتقط صورا أمام السيّارات الرّياضيّة التي يعشقها، خاصّة في إيطاليا حيث عثر له أحد أخواله على عمل سنة 2011.  

" تعذّر رؤية والده قبل مماته وعدم قدرته على دفنه خَنَقاه".

سامية لوسان، والدة محمد ضياء عرب.  

انقلبت حياة محمد ضياء رأسا على عقب عند وفاة والده الذي كان مقرّبا منه في فيفري 2014. غير أنّ عدم حصول محمد ضياء عرب على تأشيرة جديدة في أوروبا حالَ دون حضوره الجنازة. وانقطعت أخباره عن أسرته لمدّة عام. عندما رنّ الهاتف أخيرا بعد سنة من الغياب، لم يحمل صوت محمد ضياء، بل صوت شرطي من فرقة مكافحة الإرهاب بالقرجاني.  

" حجزوا وثائقه وأمواله وتمّ اقتياده إلى القرجاني فور وصوله".

سامية لوسان، والدة محمد ضياء عرب.  

 تمّ ترحيل الشّاب من أوروبا بسبب تردّده على مسجد سيّئ السّمعة عندما كان يمرّ بفترة إحباط. وقد تمّ استقباله واستنطاقه بفظاظة لدى استجواب أولي من قبل أجهزة مكافحة الإرهاب. ولم يفض الاستجواب إلى معلومات هامّة، باستثناء أنّ الشابّ يبدو وكأنّه قد وجد في إيمانه العقائدي علاجا للأزمة النّفسية التي مرّ بها في منفاه.
على أيّ حال، لا وجود لأيّ دليل يثبت ارتباطه بشبكة إرهابيّة ما. وبعد عدّة أيّام من الإيقاف التّحفّظي، تمّ إخلاء سبيله مع إخضاعه للإجراء S17.  

لم يكن محمد ضياء عرب مرتاحا إثر عودته إلى منزل بوزلفة، حيث أنّه كان يعاني في نفس الآن من إخفاق مهني وآفاق محدودة، ومن فراغ كبير تركه والده المتوفّي.
ومع ذلك، فقد حاول إعادة الاندماج في الحياة الاجتماعية في بلدته، ساعيا إلى البحث عن عمل. لكن التّدخل الأمني المستمرّ كان يعرقل كلّ محاولاته.  

" كان يطلب منا ألا ننبس بكلمة عن هذا الموضوع".

سامية لوسان، والدة محمد ضياء عرب.  

جسد مراقب، جسد مسلوب

يعاني آلاف الشباب والشابّات التونسيين·ـات من نفس الوضع المثير للسخط والتمرّد، وكذلك القنوط أحيانا. كان من الممكن ألا تتدهور حالة محمد ضياء، حيث أنّ حياته اليومية كانت مستمرّة برتابة على أمل اقتناص فرصة طال انتظارها، لولا تصنيفه S17. هذا التّصنيف الذي يذكّر المرء يوميًا بأنّه·ـا مواطن·ـة من درجة ثانية. بالنّسبة للشّرطة وبالنسبة للأجوار، فإنّ الخاضعين·ـات لهذا الإجراء أرواح ملعونة أبد الدّهر، وأجساد تَجب مراقبتها.  

لا تخلو مداهمات أعوان مركز الأمن الأسبوعيّة للمنزل العائلي ذي الأثاث البالي من العبث بمحتوياته ومن تهديد للأسرة. طريقة فظّة لتذكير محمد ضياء بأنه خاضع للرقابة.بعد مرور عدّة أشهر، أصبحت مداهمات أعوان الأمن أكثر تواترا من فرص العمل. حلقة مفزعة.  

" لم يكن على دراية بما يُنسب إليه ولمَ كان يتعرّض لكلّ ذلك".

إسكندر، شقيق محمد ضياء عرب.  

"اختار" محمد ضياء عرب الانتحار حرقا بعد أن فاض به الكأس. وقد يحدث أن تـ·يفضّل آخرون أو أخريات تفجير أنفسهم·ـن بقنبلة محليّة الصّنع أمام عون شرطة. أمّا البعض الآخر فقد يعاني في صمت إلى حدّ الموت. وكما تبيّن الأخصائيّة في علم النفس ريم بن إسماعيل، فإن الشّعور بالعنف الذي تسلّطه الدّولة يمكن أن ينقلب على الذّات أو على الدّولة نفسها، وبالتالي على جناحها المسلّح، أي الشّرطة.  

"  يؤدّي ذلك حتما إلى نتائج عكسية، حيث أّننا بلجوئنا إلى إجراءات التّصنيف هذه، نولّد العنف".

ريم بن إسماعيل هي من بين الأخصائيّين·ـات النّفسيين·ـات القلائل الذين واللّواتي يتدخّلن·ـون في السّجون لصالح السجناء والسجينات المتورطين·ـات في قضايا إرهابية.  

في حالة محمد ضياء عرب، سينقلب العنف المتراكم على ذاته وعلى كلّ ما يمثّل سلطة الدّولة.  

" هل ستقوم بتقديم شكوىَ ضدّ أعوان الأمن إلى الأمن نفسه؟ لن يؤازرك أحد."

إسكندر، شقيق محمد ضياء عرب.  

وخلافا للمعهود، قرّرت أسرة محمد ضياء عرب رفع شكوى بمساعدة المحامي الشابّ وسام عثماني.  

" إنّ قوّات الأمن تلجأ إلى هذه الهرسلة بغرض ابتزاز النّاس".

وسام عثماني هو ناشط سلفي سابق في عام 2011، أصبح محامياً مسجّلا في عمادة المحامين بتونس ولا يزال مقرّبا من الأوساط الإسلامية الأصولية. وهو محامي عائلة محمد ضياء عرب.  

في البداية، قدّم المحامي شكوى ضدّ مركز الأمن محلّ اتّهام الأسرة. وتمّ رفضها مبدئيّا. بعد الاستئناف لمرّات عدّة، تمّ قبولها من قبل وكيل الجمهورية بقرمبالية قبل أن تُحفظ في النّهاية. أمّا بالنّسبة للنّيابة العمومية، فإنّ محمد ضياء عرب قد انتحر. نقطة.  

ومن باب الطّمأنة، يمكننا إخبار أنفسنا أن حالة محمد ضياء عرب ليست ذات أهمّية تذكر، بل هي مجرّد حادثة عابرة لا تعدو أن تكون أحد الأضرار الجانبية النّاجمة عن مكافحة الإرهاب والتي يندر التساؤل حولها. لمَاذا إذن نستحضر ذكرى شاب مشتبه في تطرّفه؟ ذلك لأن هذه الحادثة -على نهايتها المأساوية وندرتها- تخفي آلاف المآلات القضائية المشابهة، وإن كانت غير ظاهرة للعيان. غيض من فيض لواقع يصعب استجلاء أعماقه.

ومن جانبها، تعمد وزارة الداخلية إلى التّعتيم على هذه الملفّات النّابعة عن قرار إداري، والتي تفلت من أيّة رقابة عدليّة، أي لا تخضع لسيطرة القضاء. تعتيم تامّ على العدد الحقيقي للخاضعين·ـات للإجراء وعلى طبيعة التّصنيف. كم يبلغ عدد الأشخاص تحت طائلة الإجراء الحدودي  S17 ؟
تمّ رسميا حظر 30.000 شخص* من السفر إلى الخارج بين سنتي 2013 و2018، غير أنّنا لا نعرف ما إذا كان جميعهم·ـن تحت طائلة الإجراء المذكور.

زد على ذلك العدد الكبير للأشخاص المصنّفين·ـات والذين أو اللّواتي لن يدركوا أو يُدركن ذلك أبدًا ما لم تسنح لهم·ـن فرصة السّفر إلى الخارج. وبإضافة الأشخاص رهن الإقامة الجبريّة في مقرّ الإقامة أو ضمن حدود المدينة أو الولاية، يُرجّح أن يتجاوز العدد 100.000 مواطنا من أصل 12 مليون نسمة.*

تمّ في البداية وضع الإجراءات S17 وكذلك S1-S18 و S19* بغرض فرض مراقبة حدودية على الأشخاص الذين واللّواتي قد يسهل تطويعهم·ـن أو من قد تـ·يشكّل خطرا وذلك لثبوت علاقتهم·ـن بجماعات أصوليّة. وعادة ما يبرَّر التصنيف بكونه يسمح بمراقبة لصيقة للأشخاص الذين أو اللّواتي يشكلن·ـون خطراً محتملاً على البلاد.  

" تتمّ كذلك مراقبة هؤلاء الأشخاص أثناء تنقّلهم داخل التّراب التونسي. وإذا انتقل شخص من مدينة إلى أخرى، فستقوم الشرطة بإيقافه واستجوابه. "

القاضي "س" هو أحد القضاة المكلّفين بملفّات مكافحة الإرهاب، عيّن في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في تونس. طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنيّة.  

الإجراء S17 ، إدانة بدون تهمة

هذا التّبرير فقد مصداقيّته حين توسّع التّصنيف تدريجياً ليشمل جميع الذين واللواتي يُرجّح أنهم·ـن عناصر خطرة والذين واللواتي يُشتبه في إمكانيّة صلتهم·ـن بجماعات أصوليّة أو مؤسّسات إرهابيّة. حيث أن التردّد على مساجد معيّنة أو وجود قريب·ـة غادر·ت إلى ليبيا -مثلا- يمكن أن يؤدّي إلى الخضوع للإجراء. كما يمكن أن يشكّل مجرّد ارتداء النقاب أو إطلاق اللّحية ذريعة كافية للتّصنيف. كذلك الشأن عندما يتعلّق الأمر بوشاية مغرضة من قبل احد·ى الأجوار.

في واقع الأمر، تـ·يجهل القاضيات والقضاة والمحامون·ـيات والأسر، على حد السّواء، كلّ ما يمتّ إلى معايير التّصنيف بصلة. ويبقى الغموض قائما في غياب كليّ لأيّ  قرار قضائي. كما أنّ إدانة عشرات الآلاف من الأشخاص بناءََ على قرار إداري، مع غياب القرائن أو القرارات القضائية، تطرح معضلة جدّية. كما ندّد·ت المحامون·ـيات بهذا القرار التّعسّفي في حين أبدى·ت بعض القضاة والقاضيات اعتراضا محتشما. يجدر هنا التّذكير بأنّ هذا التصنيف يتعارض مع مقتضيات الفصل 24 من الدّستور*. لكن كيف يمكن إثبات ذلك في ظلّ غياب محكمة دستورية ؟  

يعتريني شعور بالخوف حتّى عندما أذهب إلى المقهى. لقد تمّ إيقافي العديد من المرّات في المقهى لاستجوابي".

"ي" مصنف S17. طلب عدم الكشف عن هويّته.  

وكما هو الشّأن بالنّسبة لمحمد ضياء عرب أو في شهادة ي. تـ·يندّد الأخصّائيون·ـات في علم النّفس بالانعكاسات الخطيرة لهذه الإجراءات على الصّحة النفسية للأشخاص المعنيّين·ـات. ومع تعرّضهم·ـن إلى الهرسلة الأمنية، آثر·ت بعض المصنّفين·ـات S17 الالتحاق مجدّدا ببؤر التّوتر كما هو الشّأن بالنّسبة لشقيق مغنّي الراب الشهير دي جي كوستا. هذا الفتى الذي هجر جبهة القتال السّورية عائدا إلى تونس حيث تمّ العفو عنه لاحقًا، والذي تعرّض إلى العديد من المضايقات بتعلّة الرقابة القضائية المستمرّة، ما دفع به إلى الالتحاق بالجبهة السورية مجدّدا.  

" هؤلاء الناس بمثابة أحياء أموات، لقد تمّ انتزاع حياتهم منهم في حين أنّه من المفترض أن يكونوا طلقاء".

ريم بن إسماعيل هي من بين الأخصائيّين·ـات النّفسيين·ـات القلائل الذين واللّواتي يتدخّلن·ـون في السّجون لصالح السجناء والسجينات المتورطين·ـات في قضايا إرهابية.  

ومن بين التّداعيات الميدانيّة الأخرى هو أنّ هذه الإجراءات من شأنها أن تشرّع لانتهاكات أعوان الأمن الذين يفلتون من المساءلة. في الواقع، فإنّ ذلك يضفي إطارًا قانونيًا للهرسلة الأمنيّة. في مركز أمن منزل بوزلفة، يدافع أعوان الأمن عن أنفسهم ضدّ اتّهامهم بالهرسلة مشدّدين على أنهم يقومون بواجبهم المهني فحسب، وإن فضحت ملامحهم عدم ارتياح دفين.  

كما أن اللّغة الخشبية لأعوان الأمن تخفي حقيقة أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار: في بلدة منزل بوزلفة التي تعدّ حوالي عشرين شابًا تحت طائلة الإجراء S17، الملفّات غير مكتملة وأعوان الأمن أنفسهم يجهلون في غالب الأحيان فحوى الاتّهامات وسبب التّصنيف. كما أنّه يستحيل عليهم، في ظلّ هذه الظّروف، معرفة ما إذا كان·ـت المصنّف·ـة متورطًا·ـة بشكل مباشر في قضيّة إرهابيّة أو ما إذا كان·ـت، على سبيل المثال، تربطه·ـا علاقة سطحيّة بشخص متورّط فيها.  

وهكذا، يجد أعوان الأمن أنفسهم رازحين تحت تراكم ملفّات تصنيف لا يلمّون بجميع عناصرها، ويستغرق تجميعها وقتًا طويلاً. كلّ ذلك بالإضافة إلى قلق يومي: ماذا لو نفّذ·ت احد·ى المصنّفين·ـات S17 هجومًا؟ حالة من القلق تعيشها جميع مراكز الأمن في البلاد. وبمرور الوقت، أصبح الموضوع علنيًا بعد أن كان سرّيا، كما كثُر التساؤل حول جدوى هذا الإجراء.  

يخفي هذا الجدل في طيّاته جدلا آخر: هل تُعتبر هذه الإجراءات فعّالة في مجال مكافحة الإرهاب؟ " نعم، بالفعل" يجيب أعوان الأمن ووزارة الداخلية دون تردّد. غير أنّنا يمكننا التّشكيك في ذلك، حيث أنّ الإرهابيّين الذين اقترفوا هجمات ضدّ قوّات الأمن منذ سنة 2017 لم يكونوا تحت المراقبة.

وزير الدّاخليّة هشام الفراتي خلال جلسة الاستماع له داخل قبّة مجلس نوّاب الشّعب في جوان 2019.

وآل الأمر إلى عقد جلسة  في مجلس نوّاب الشعب خصّصت للاستماع إلى وزير الدّاخلية بشأن هذه المسألة في جوان 2019. شدّد الوزير في مداخلته على جدوى التّصنيف، وإن أعلن أنّ هذا الإجراء سيقتصر من هنا فصاعدًا على مراقبة الحدود، وأنه تمّ مؤخّرا إعفاء 1000 شخص من التّصنيف S17. لكن، مرّة أخرى، دون الكشف عن العدد الجملي للحالات المصنّفة.  

حظي الاعتراض على التّصنيف بزخم إعلاميّ مرّة أخرى في ديسمبر 2019، مع نشر المنظّمة العالمية لمناهضة التّعذيب لتقرير جازم  أثار ضجّة.  

بشير العكرمي ، قاضي تحقيق مكلف بمكافحة الإرهاب، عيّن وكيلا للجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس في 2016.  

هل سيكون المخرج إذن عبر إخضاع التّصنيف إلى رقابة قضائيّة صارمة مع إمكانية الطّعن فيه؟ ذلك ليس مجرّد احتمال، بل هو طلب مزمن وإن كان أملا بعيد المنال.