فرضت وزارة الصحة إجراءات صحية حسب بلدان الوفود بهدف الحد من خطر عودة انتشار العدوى. لكن تصنيف الدول طرح عديد الإستفهامات : فقد تمّ ضمّ العديد من البلدان التي تُعتبر مصدر خطر مثل فرنسا أو إيطاليا إلى "القائمة الخضراء" وهو ما يُعفي القادمين·ـات منها من إجراء الاختبار الطبي أو الالتزام بالحجر القسري.
منذ ذلك الحين تزايد عدد الحالات المكتشفة و تبيّن أنّ 87٪ منها قادمة من مناطق القائمة الخضراء. تم بعد ذلك تغيير تصنيف بعض البلدان، بما في ذلك فرنسا وبلجيكا وضمّها إلى القائمة البرتقالية وفرض الاختبار الطبي والحجر الصحي. أعلنت السلطات كذلك أنه سيتعين الآن على جميع المسافرين·ـات الوافدين·ـات تقديم اختبار RT-PCR عند دخول البلاد وذلك انطلاقا من يوم 26 أوت. لكن عدد الإصابات الجديدة - التي تشمل عددًا كبيرًا من الحالات المحليّة - يُظهر أن الموجة الثانية من الوباء قد بدأت بالفعل.
سعت إنكفاضة إلى مزيد فهم المخاطر الناتجة عن عودة الوباء في تونس من خلال مقارنة تطور الوضع بعد فتح الحدود في 27 جوان بالفترة التي تلت اكتشاف الحالة الأولى في 2 مارس 2020 وإلى التدقيق في مختلف الأرقام الخاصة بالوباء. وتعتبر إنكفاضة، انطلاقا من هذه البيانات، أنّ يوم 10 جوان يمثل تاريخ نهاية الموجة الأولى علما أنّه لم يتمّ إحصاء أيّة حالات جديدة لعدة أيام وأن معدّل الاستشفاء قد انخفض أيضًا.
زيادة هامّة في عدد الإصابات
عدد الحالات النّشطة التّراكمية منذ ظهور أول حالة (2 مارس 2020)
بلغت تونس ذروة عدد الحالات النشطة في 18 أوت 2020 : 972 شخصًا مصابا·ـة بفيروس كورونا. وكان الارتفاع في عدد الحالات النشطة منذ بداية أوت هو الأسرع على الإطلاق منذ بداية الوباء.
لم يتجاوز العدد الأقصى للحالات النّشطة المسجلة خلال الموجة الأولى 784 مريضًا·ـة بتاريخ 16 أفريل 2020 ثم بدأ المعدّل بالإنخفاض تدريجياً ليتراجع بسرعة خلال شهر ماي بفضل الاستراتيجيات المقرّرة لاحتواء الوباء. في 13 جوان، تمّ إحصاء 49 حالة نشطة فقط في جميع أنحاء البلاد. بعد ذلك، شهد شهر جوان عودة طفيفة تضخّمت خلال الأسابيع التي أعقبت إعادة فتح الحدود.
مقارنة الحالات اليوميّة الجديدة بين الموجة الأولى والموجة الثانية
لأول مرة منذ بداية تفشي وباء كوفيد-19 في تونس، تمّ في 14 أوت 2020 تجاوز عتبة الـ100 حالة يوميّة. وبالمقارنة مع الفترة الأولى، فاٍن عدد الحالات قد بلغ ذروته يوم 24 مارس بـتسجيل 59 حالة، ليتراجع تدريجيا منذ ذلك التاريخ.
خلال الموجة الأولى، بدأ عدد الإصابات بالانخفاض بعد شهر واحد من اكتشاف الحالة الأولى. لكن منذ 27 جوان أي خلال الموجة الثانية، تزايدت الحالات الجديدة المسجّلة بشكل منتظم، خاصة مع دخول شهر أوت. وبالتالي، مقارنة بنفس الفترة، فاٍن تزايد عدد الحالات منذ فتح الحدود أكبر بكثير مما كان عليه الأمر خلال الفترة الأولى.
مقارنة المعدّلات الأسبوعيّة لعدد الحالات اليوميّة بين الموجتين الأولى والثانية
ارتفع معدّل الحالات الجديدة يوميًا بنحو 15 مريضًا·ـة بين شهر جويلية وأوائل أوت. لكن التّسارع المسجّل بعد ذلك مفاجئ : فقد تضاعف هذا المعدل ثلاث مرّات تقريبا بين 8 و 15 أوت.
مقارنة عدد الحالات التراكميّة بين الموجتين الأولى والثانية
تجاوز عدد الاٍصابات في 15 أوت ما وصل إليه خلال الموجة الأولى بعد فترة مماثلة. ويستمر المنحنى منذ ذلك الحين في الارتفاع بنسق أُسّي بينما يتسطح المنحنى الأخر تدريجياً ليصبح ثابتًا تقريبًا.
مقارنة عدد الفحوص التي أجريت بين الموجتين الأولى والثانية
بشكل عام، تم إجراء عدد أكبر من الفحوص منذ فتح الحدود مقارنة ببداية الوباء. في 6 أوت، تم إجراء 1743 اختبارًا بينما في فترة مماثلة في 11 أفريل تم إجراء 562 اختبارًا فقط.
وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في عدد الحالات، لا تزال السلطات بعيدة عن تطبيق سياسة التّحاليل المكثفة رغم توصيات منظمة الصحة العالمية (OMS). إذ تتمثل استراتيجيّتها في المقام الأوّل في فحص الأشخاص الذين و اللّواتي كانوا أو كن على اتّصال بالمرضى والمريضات من أجل الحدّ من مخاطر العدوى.
كان الهدف الأساسي من حملة الاختبارات الأخيرة التي تم إجراؤها فحص الأشخاص الموجودين·ـات في بؤر العدوى، مثل مطار تونس أو ولايات قابس وسوسة ومدنين والقيروان. صرّح مدير معهد باستور الهاشمي الوزير أنّه : "عندما قرروا إجراء اختبار لجميع موظّفي المطار على سبيل المثال، كان من الضروري القيام بـ 400 إلى 500 فحص في اليوم". وحسب المتحدث نفسه فإن اكتشاف مناطق الخطر يتطلب زيادة عدد الاختبارات "وهو ما يفسّر المتغيّرات". زيادة على ذلك، تمّت إضافة متغير جديد : يجب أن يخضع المسافرون·ـات الوافدون·ـات من بلدان معيّنة أو المغادرون·ـات لها لاختبار RT-PCR للتحقق من سلامتهم·ـن.
محليّة مقابل وافدة
مقارنة عدد الحالات المحليّة التراكميّة بين الموجتين الأولى والثانية
بعد فتح الحدود، و بينما كانت سلاسل العدوى داخل البلد تحت السيطرة. قدِمت الإصابات الجديدة أساسا من الخارج. ولم يتم اكتشاف الحالة المحلية الأولى إلا بعد 13 جويلية حيث انطلق المنحنى تدريجياً في الارتفاع بعد شهر واحد فقط من تاريخ فتح الحدود. بالمقارنة مع شهر مارس، فإن نسق تضاعف الحالات المحلية سريع.
خلال الموجة الأولى، شهد تطور الحالات المحلية ارتفاعا متواترا وبدأ في الاستقرار بعد شهرين من اكتشاف أول حالة. وعلى العكس من ذلك، بدأ منحنى ما بعد فتح الحدود في الارتفاع بسرعة كبيرة انطلاقا من 10 أوت تقريبا. وتم اكتشاف أكثر من 100 حالة محلية جديدة بين 16 و17 أوت.
تحمل هذه الموجة من العدوى عدّة مخاطر : بالإضافة إلى مضاعفة اٍمكانية انتشار الوباء، فاٍنها قد تجعل من الصعب تتبع مختلف سلاسل العدوى، خاصة بالنّسبة للمرضى والمريضات الذين أو اللّواتي لا تظهر عليهم·ـن أعراض المرض.
مقارنة عدد الحالات الوافدة التراكميّة بين الموجتين الأولى والثانية
على امتداد 40 يومًا تقريبًا، تطورت منحنيات الحالات الوافدة بشكل متشابه، وإن كانت الحالات الوافدة بعد 27 جوان أكثر عددًا مما كانت عليه بعد 2 مارس. بعد ذلك، اختلفت الاتّجاهات : إذ يستمر عدد الحالات الوافدة بعد فتح الحدود في الارتفاع بنفس النسق تقريبًا بينما يتسطّح منحنى الموجة الأولى ويستقر ابتداءًا من 9 أفريل بعدد حالات لا يتجاوز 300 حالة.
ويعود هذا الانخفاض إلى الإجراءات التي اتخذتها السلطات طوال شهر مارس. فقد تم الحد بشكل كبير من اٍمكانية قدوم أشخاص حاملين·ـات للعدوى من الخارج كنتيجة لفرض غلق الحدود في 18 مارس.
توزيع عدد الحالات المحليّة والحالات الوافدة خلال الموجة الأولى (الرّسم البياني الأوّل) والموجة الثانية (الرّسم البياني الثاني)
خلال الموجة الأولى، تجاوز عدد الحالات المحلية عدد الحالات الوافدة بسرعة فائقة. انطلاقا من 27 مارس، أحصت السلطات ما لا يقل عن 130 حالة محلية مقابل 120 حالة وافدة.
ومنذ إعادة فتح الحدود أصبح التوجه معكوسا. تجاوز عدد الحالات الوافدة عدد الحالات المحلية إلى حدود 15 أوت. فقد أحصت السلطات بهذا التاريخ 486 إصابة محلية مقابل 453 إصابة وافدة. وعلى عكس الموجة الأولى، لا يتجه عدد الإصابات المحلية نحو الانخفاض : بل بالعكس، شهد المنحنى تطورًا أسّيًا ، خاصة منذ شهر أوت.
أكثر إصابات وأقلّ وفيّات
مقارنة بين عدد الحالات التراكميّة المقيمة بالمستشفى بين الموجتين الأولى والثانية
على الرغم من الزيادة الحادّة في عدد الإصابات منذ 27 جوان، فإن عدد الحالات المقيمة في المستشفيات لا يزال أدنى بكثير من عدد الموجة الأولى. تم تسجيل ذروة في 14 و15 أوت بتدهور الحالة الصحية ل24 شخصًا. بالمقارنة مع ذلك، في 19 و20 أفريل، تم إدخال 131 شخصًا للمستشفى.
وفقًا للمعلومات التي قدّمها المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة (ONMNE) فإن المعدل المنخفض للحالات التي تتطلب دخول المستشفى يعود في جانب ما إلى كون 85٪ من المصابين·ـات الجدد و الجديدات لا تظهر عليهم·ـنّ أعراض المرض. لذلك لا يحتاجون و لا يحتجن إلى أيّ رعاية خاصة. ولكن حتى دون أعراض ظاهرة، يظل هؤلاء الأشخاص ناقلين·ـات للعدوى، وإذا لم يتم فحصهم·ـن، فإنهم·ـن يخاطرون·ـن بنقل العدوى لمجموعات حسّاسة بسبب عدم تفطّن السّلطات لهم·ـنّ.
مقارنة عدد الوفيّات بين الموجتين الأولى والثانية
تم إحصاء عدد قليل من المرضى و المريضات المقيمين·ـات بالمستشفى. وبشكل مماثل، تم تسجيل عشر حالات وفاة فقط منذ 27 جوان. تُظهر البيانات المتاحة إلى حدود الآن أن الموجة الأولى كانت أكثر عنفًا وفتكًا. ومع ذلك، لوحظ ارتفاع طفيف منذ بداية أوت وتوفي ثلاثة أشخاص بين 17 و18 أوت.
يوم الأربعاء 19 أوت، تم اكتشاف 113 حالة جديدة. دفع هذا الارتفاع إلى اتخاذ قرارات معيّنة تهدف إلى إبطاء انتشار الفيروس لا سيّما من قبل السّلطات المحليّة في بعض بؤر العدوى. وعلى الصّعيد الوطني، تعتزم السلطات جعل حمل الأقنعة إلزاميا في أماكن معيّنة كما أنّها تقوم بتغيير القوانين المتعلقة بالدخول إلى الأراضي التونسية بانتظام، مع استبعاد إمكانية العودة إلى الحجر الصّحّي الشّامل أو أي تدابيرأخرى أكثر تقييدًا.