في الدّاخل، ينشغل الصّيادلة وراء المنضدة، مرتدين/ات قفازات وكمامات طبيّة. لا يسمح لأحد بالدّخول الى الصّيدليّة التي يسدّ مدخلها حاجز معدني ويجبرهم/ن على استدعاء الصّيدليّة لطلب غرض ما، مع احترام مسافة الأمان. يطلب العديد من العملاء/ات الأقنعة الواقية غير أنّهم/ن ليسوا/ن متيقّنين/ات من توفّرها.
غياب الاستباق
توفير الكمامات الواقية هي إحدى الأوليّات الملحّة للرّفع التّدريجي للحجر الصّحّي في حين أنّ الحال لم يكن كذلك من قبل. من خلال توفير هذه الحماية، تأمل السّلطات تجنّب مخاطر موجة ثانية من العدوى وتدفّق المرضى للمستشفيات.
مع ذلك، في بداية الأزمة، أقنعت الحكومة المواطنين/ات بعدم إلزامية شرائها. "استعمال الكمامات من قبل أشخاص أصحّاء لا يفيد بشيء"، كما أكّد شكري حمّودة، المدير العامّ السّابق للصّحة العموميّة بوزارة الصّحّة يوم 26 فيفري 2020، ناصحا المواطنين/ات بعدم شرائها إلّا اذا ظهرت عليهم/ن أعراض المرض.
من جهته دعا خليل عمّوس، المديرالعامّ للصيدليّة المركزيّة يوم 1 مارس إلى "عدم شراء الكمامات دون سبب وجيه لتجنّب الاضطراب في عمليّة التزويد". في اليوم الموالي، أيّدت نصاف بن علية المديرة العامّة للمرصد الوطني للأمراض الجديدة و المستجدّة أقوال شكري حمّودة حين أكّدت على "عدم فاعليّة الأقنعة سوى لدى المرضى".
"حينها، كان هذا الخطاب مقبولا"، حسب تعليق شادلي فندري، رئيس المجلس الوطني لهيئة الصّيادلة بتونس.كما أكّد أنّه نظرا لنسبة العدوى المرتفعة للفيروس، "غيّر كلّ المسؤولين/ات في أنحاء العالم رأيهم/ان مع تطوّر المرض".
ومع ذلك، اتخذت بلدان أخرى، ولا سيما في جنوب شرقي آسيا، نهجًا مختلفًا. ودعت بسرعة أو حتى فرضت استخدام القناع. على سبيل المثال، لم تسجّل هونغ كونغ التي اتبعت هذه السياسة الاستباقيّة، سوى أربع حالات وفاة منذ بداية الأزمة. سمحت هذه المقاربة، إلى جانب تدابير أخرى لفرض المسافة الاجتماعية التي يمكن أن تصل إلى حد المراقبة النشطة للحالات المثبتة أو المشتبه فيها، من السيطرة على انتشار العدوى.
في تونس، اعتمدت الاستراتيجية في المقام الأول، على الحد من قدوم الفيروس على ترابها من خلال وضع جملة إجراءات. من بينها، سياسة مراقبة الأشخاص القادمين/ات من الخارج، وعزل الحالات المشتبه فيها، وكذلك متابعة جميع من تواصل شخصيّا مع هذه الحالات. غير أنّه و بعد بضعة أسابيع، تقرّر إقامة الحجر الصّحّي على جميع السّكان.
لم يكن توفر الكمامات الواقية أولويّة حيث تأخّر تزويد الصّيدليّات بها. حين تم اكتشاف الحالات الأولى لمرضى كوفيد-19، زاد الطلب وارتفعت الأسعار، ويرجع ذلك أساسًا إلى تشبع السوق الدولية. يعلّق مالك مقني عضو نقابة الصيادلة بتونس: "قبل الوباء، لم نكن نبيع الأقنعة. كانت لدينا بعض العلب الاحتياطيّة في حالة طلبها/طلبتها بعض الحرفاء/الحريفات المرضى لحماية أقاربهم/ن من عدوى الإنفلونزا."
"لقد فوجئ الجميع، وقدرتنا على إنتاج الأقنعة لم تناسب احتياجاتنا الحاليّة."، كما يفسّر شاذلي فندري رئيس المجلس الوطني لهيئة الصّيادلة بتونس.
"في الحالات العاديّة في تونس، لا يوجد لدينا سوى بضعة وحدات لتصنيع الكمامات الواقية ذات الاستعمال الوحيد. و عادة ما يكون هذا كافيا لاحتياجاتنا التي تكون بشكل أساسي طبيّة."
تحسبا لحدوث أوبئة محتملة، التجأت عدة بلدان لتوفير مخزونات إضافية حمايةً للسكان. هذا ما يتم التخطيط له عادة في الاستراتيجية الفرنسية على سبيل المثال، حيث وُجّهت أصابع الإتّهام للحكومة لإدارتها الكارثية للمخزونات الإحتياطيّة. في تونس، رغم أنّ كميات الأقنعة عادة كافية، لم يذكر أي مسؤول/ـة وجود احتياطات إضافية لحالات الطّوارئ. اتصلت إنكفاضة بهذا الشّأن بالصيدلية المركزية و بالمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدّة (OMNME) غير أنّهم لم يستجيبوا لطلباتنا لإجراء مقابلة.
ندّدت العديد من شهادات الطاقم الطّبّي بنقص الأقنعة ومعدات الحماية الأخرى خلال هذا الوباء. وعلى الرغم من ذلك، يؤكّد مالك مقني أنّه "لم يكن هنالك نقص حقيقي فيما يتعلّق بالأقنعة في المستشفيات أو المصحّات. إذ أنّ طاقم الرعاية الصّحّيّة كان محميا بشكل جيد". وبحسب قوله، "بما أن الأقنعة خُصّصت للطاقم الطبي، لم يبق سوى القليل من معدّات الحماية للسكان".
"لقد أثّر النّقص بحدّ أكبر على العامّة".
منذ شهر فيفري، لم تعلن السّلطات عن مخزون الكمامات الجراحيّة أو من صنف FFP2 المتوفّرة. وفقا للشادلي فندري، تمّ طلب حوالي 25 مليون كمامة جراحيّة ومليون قناع من صنف FFP2 مخصّصة للطاقم الطّبّي من الصّين، و تمّ استلامها من قبل الصّيدليّة المركزيّة خلال شهر أفريل. اتّصلت إنكفاضة بالصّيدليّة المركزيّة بخصوص مزيد من التّوضيحات بهذا الشّأن غير أنّها لم تستجب لطلبنا.
شبهات فساد
خلال شهر أفريل، بدأت السلطات في اتخاذ تدابير ضمن سياستها في إدارة مخزون الأقنعة. أُعلن أن ارتداء القناع سيكون إجبارياً بعد الحجر الصّحّي، في حين يتم إطلاق إنتاج الأقنعة القماشيّة - أي القابلة للغسل وبالتالي قابلة لإعادة الاستخدام -. تمّ تحديد الهدف بتصنيع 30 مليون قناع لعامة الناس بسعر ثابت هو 1،850 دينار للوحدة.
يتناقض قرار إنتاج الأقنعة لعامة الناس مع التوصيات الأولية للسلطات. مع العلم أن أول إجراءات مكافحة الوباء قد تم اتخاذها في نهاية جانفي وأن الإعلان رسميّا عن اكتشاف أوّل مريض كان في 2 مارس، فقد استغرق الأمر أكثر من شهر لبدء الإنتاج الموسّع.
في هذا الخضمّ، استغلّت السّلطات شبهات الفساد كمبرر لتأخير إضافي. بعد أن أعلنت الحكومة عن رغبتها في دفع الشركات إلى تصنيع معدات الوقاية الشخصية، وقع الإختيار على شركة Ortho-Group لتصنيع الدفعة الأولى بمليوني قناع قابل للغسل بصفقة قيمتها 3،8 مليون دينار. غير أنّ هذه الشّركة تابعة لجلال الزياتي، النائب عن البديل التونسي بمجلس النّوّاب.
وفقا للفصل 25 من النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب الّذي ينصّ على "أنّه [...] يحجّر على أعضاء مجلس نواب الشعب التعاقد بغاية التجارة مع الدولة أو الجماعات العمومية أو المؤسّسات والمنشآت العمومية"، قرّرت الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد رفع قضيّة في شبهة فساد أمام القضاء.
هذا يشكل كذلك تضاربًا في المصالح، وفقًا للقانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح لعام 2018. "وتضارب المصالح هو شكل من أشكال الفساد حسب القانون المتعلّق بحماية المبلّغين"، وفق شرف الدين اليعقوبي، الرئيس السابق للجمعية التونسية للمراقبين العموميّين.
"رغم طلب الحكومة التّسريع في توزيع الأقنعة القماشيّة (...)، لم تُحترم الإجراءات المتعلّقة بالصّفقات العموميّة! لدينا مرسوم بتاريخ 2014 يسمح باللّجوء إلى تدابير استثنائيّة في حالات الطّوارئ دون الأخذ بعين الإعتبار المواعيد المعتادة ولكن في إطار قواعد الشّفافيّة و الحوكمة التي نصّ عليها الدّستور".
أكّد صالح بن يوسف وزير الصّناعة خلال ندوة صحفيّة، أنّه لم يكن على علم بأنّ الشّركة التي تمّ اختيارها على ملك النائب جلال الزّيّاتي. "ربّما لم يكن يعرف فعلا، علما و أنّه قد تمّ تعيينه مؤخّرا. غير أنّ هذا لا يُعتبر عذرا"، حسب تقدير شرف الدّين اليعقوبي." هناك العديد من المستشارين/ات، وهناك هيكل إداريّ كامل داخل وزارة الصّناعة مسؤول عن ميدان صناعة النسيج، نحن نتحدّث هنا عن أحد أكبر المصنّعين للكمامات في تونس".
عبّر رئيس الحكومة من ناحيته عن مساندته لوزيره قائلا "أنّه بذل مجهودات و نفّذ ما طُلب منه". كما برّر عدم احترام التّدابير الجاري بها العمل بـ"سياق الحرب" الذي يستدعي "تدابير عاجلة" لتجنّب "الإجراءات البيروقراطيّة" وبدء الإنتاج.
نظرا إلى هذا الجدل القائم، لم يتم منح العقد في نهاية المطاف إلى شركة جلال الزياتي. كما عبّرشرف الدين اليعقوبي عن عدم يقينه من أن الدعاوى القضائية ستذهب إلى أبعد من ذلك.
لكنه لا يزال يشعر بالقلق بشأن "حالات أخرى مماثلة تثير مشاكل شفافية حقيقية"، ويعتبر أن "قضايا تضارب المصالح يجب أن يتم التعامل معها بمزيد من التعمق".
جاء في تقرير الهيئة العامة للرقابة على النّفقات العموميّة فيما يتعلق بقضية الكمامات هذه، أن "العديد من التجاوزات والعيوب تخللت عملية صنع الأقنعة الواقية".
بالنسبة لشرف الدين اليعقوبي، فإن حالة جلال الزياتي ليست حالة معزولة خلال هذه الفترة من الأزمة الصحية. "هناك العديد من أعضاء/عضوات البرلمان الآخرين الذين لديهم/ن عقود مع الدولة. البعض لديه شركات تصنيع أدوية، والبعض الآخر لديه عقود مع وزارة الصحة، أو عقود استشارية …" ووفقًا له، فإن الفرق الوحيد يكمن في أن هؤلاء لم يتمّ التّفطّن لهم/ن من قبل الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد. علما وأنّ الهيئة لم تستجب لطلباتنا المتكرّرة لإجراء مقابلة.
من جهتها، لا يخفى انزعاج وزارة الصّناعة من هذا الجدل. إذ يتّهم عبد الكريم الحمداوي، المراقب العامّ بالهيئة العامة لمراقبة الخدمات العمومية برئاسة الحكومة، المنتدب بوزارة الصناعة والمسؤول عن القضية، هذا الأخير يتهم الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد بالتسرع في الإعلان عن قضية، في رأيه، لا أساس لها من الصّحّة.
"أشتغل مراقبا عامّا منذ عشرين سنة، لو كان هناك أدنى شكّ في شبهة فساد لما كنت مدافعا عنهم. [...] الوزير ليس مسؤولا عن تصريف النّفقات حتّى يعقد هذه الصّفقة"، حسب تعبيره.
يؤكّد عبد الكريم الحمداوي كذلك، أنّه لمّ يتمّ التّوقيع على هذه الصّفقة، بل الحال أنّه تمّ الإتّصال بعدّة شركات قادرة على تصنيع مليوني كمامة بشكل استعجالي، بالإضافة إلى 30 مليون أخرى متوقّعة في الأسابيع المقبلة.
وأضاف المسؤول: "بدلاً من العمل على الملفات العاجلة، بما في ذلك إنتاج الأقنعة، أجد نفسي منشغلا بإعداد ملف للّجنة البرلمانية والإجابة على أسئلة هيئة المراقبة". ويصر قائلاً: "لقد جعلنا ذلك نضيع الوقت في عملنا، ولكن ليس صحيحًا أنه أدّى إلى تأخير الإنتاج، حيث لم يكن هناك عقد مبرم أصلا".
كما يؤكّد أيضا أن الوزارة لم تتواصل مع النائب مباشرة ولكن مع شركته، وأنه لم يحط علما بأن هذه الشركة على ملك المسؤول المنتخب إلا بعد التغطية الإعلامية للقضية. من جانبه، اعتذر جلال الزياتي عن مخالفته لأحكام النظام الداخلي للمجلس.
خيّاطة بصدد صنع كمامة واقية، فتحي بلعيد/ الوكالة الفرنسيّة للصّحافة.
تأخير مستمرّ في الإنتاج
في نهاية أفريل، أعرب شهاب بن ريانة، مدير المخبر الوطني لمراقبة الأدوية (LNCM)، عن أمله في توفير 20 إلى 25٪ من أصل 30 مليون كمامة في الصّيدليّات، بداية من رفع الحجر الصّحّي. اتصلت إنكفاضة بالصّيدليّة المركزيّة وبالمركز الاستراتيجي للعمليّات الصّحّيّة بوزارة الصّحّة، غير أنّهما لم تستجيبا لطلباتنا بإجراء مقابلة فيما يتعلّق بالمخزونات الموجودة.
تعدّ البلاد ما يقارب 1200 شركة نسيج، بحسب تصريحات رئيس الإتحاد التونسي للمنسوجات والملابس (FTTH). نظريّا، يجب أن يسمح هذا بالإنتاج السريع للأقنعة القابلة للغسل بكميات كافية لجميع السكان. ومع ذلك، فإن 82٪ منها مستقرّة بالمناطق الحرّة أي أنّ سلعها موجّهة بشكل أساسي للتصدير، رغم إمكانها بهذا الوضع، تسييل ما يصل إلى 50٪ من إنتاجها محلّيّا.
يعوّل سليم الجموسي، المدير العام للمركز الفني للمنسوجات في تونس (CETTEX)، وهي الهيئة المكلّفة بمراقبة إنتاج الأقنعة، على هذه الإمكانية لزيادة عدد الأقنعة القابلة لإعادة الاستخدام في السوق. "كل هذه الشركات استفادت من برنامج التحديث بدعم من الدولة التونسية... حان الوقت لرد الجميل".
ومع ذلك، تقوم العديد من هذه الشركات بالفعل بتصدير إنتاجها كما يوضّح شهاب بن ريّانة، من المختبر الوطني لمراقبة الأدوية (LNCM): "تُستورد العديد من الأقمشة من فرنسا أو أي مكان آخر وتصنَّع بالفعل كمامات لأوروبا وفرنسا... إنها علاقة تعهّد ثانوي".
في نهاية أفريل أيضًا، دعا موقع إلكتروني أطلقته وزارة الصناعة الشركات المصنعة لمعدات الحماية الشخصية (EPI) إلى التسجيل وبيع منتوجها. غير أنّه إلى حدود 12 ماي، سجلت أقل من أربعين شركة، دون أن يتمّ الإفصاح عن تفاصيل البدء الفعليّ للإنتاج. يشير "المتجر الإلكترونيّ" إلى قدرة إنتاجية تبلغ حوالي مليون قناع أسبوعيًا - ولكن وفقًا للمعلومات المتاحة - لم يتم إلى الآن تمرير أي "طلبية" عبر هذه المنصّة.
بالنسبة لعبد الكريم الحمداوي، المراقب العامّ بالوزارة، فإن هذه المنصة لا تعطي إشارة دقيقة عن عدد الشركات التي تنتج حاليًا المعدات اللازمة، ولا عن القدرات الإنتاجية للبلاد. لم يعط المراقب العامّ أيضًا رقمًا دقيقًا، مشيرًا إلى أنه ليس له علم شخصيّ بهذه القدرة الإنتاجية.
لم يستجب الإتّحاد التّونسي للمنسوجات و الملابس (FTTH) لطلباتنا بإجراء مقابلات بشأن عدد الشركات المقيمة أو غير المقيمة التي تنتج حاليًا أقنعة للسوق المحلية.
إجراء مقيِّد
بالإضافة إلى هذه الصعوبات، يشير العديد من الأشخاص إلى طول إجراءات إسناد الشهادات التجارية، مما يؤدي إلى مزيد من التأخير في الإنتاج. طلب أحمد*، الذي يملك مصنعاً للمنسوجات، الحصول على موافقة السّلطات منذ 3 أسابيع تقريباً، غير أنّ شركته لا زالت تنتظر المصادقة، "مثل العديد من المصانع الأخرى". حيث يؤكّد أنّه: "من المفترض أن تستغرق اختبارات الغسيل والتحقق من الأقنعة خمسة أيام فقط!"
صاحب الشركة مقتنع تماما بأن الأقنعة التي قام بتصنيعها مطابقة للمواصفات مؤكّدا حرصه على اتباع جميع الإجراءات المعمول بها دوليًا. "مستورد الأنسجة الذي أتعامل معه مطابق للمعايير وأنا وكيل مختبر سابق، وقد أجريت بالفعل اختبارات التحقق". بالنسبة له، فإن هذه "البيروقراطية" تبطئ الإنتاج لاسيما وأنه هناك "طلب مرتفع للغاية".
قبل توزيع منتجاتها، يجب أن تكون الشركات معتمدة أولاً من قبل CETTEX، المركز المسؤول عن فحص الكمامات. إذ يجب عليها إيداع ملف في الغرض وإنتاج نموذج أولي يتم اختباره ثمّ يتم إجراء الفحص الثاني عند تسليم البضائع.
يقول شهاب بن ريانة، من المختبر الوطني لمراقبة الأدوية (LNCM): "هذه المنتجات تظهر للمرة الأولى، وبالتالي لا توجد مواصفات حقيقية".
وضع المختبر بالتعاون مع CETTEX و الصّيدليّة المركزيّة، كراس شروط بناءً على توصيات الجمعية الفرنسية للتقييس (Afnor). تتلخص التوصيات في معيارين أساسيين: يجب على الكمامات ألّا تزعج التنفس، ويجب أن تشكّل حاجزًا فعليّا للجسيمات التي يقل قطرها عن 3 ميكرومتر (µm).
يمكن أن تستغرق إجراءات التحقق هذه بعض الوقت، رغم أنّ المؤسسات منكبّة أساسا على الملفات المتعلقة بالأزمة الصحية. إلى حدود نهاية شهر أفريل، لا يزال ما يقارب 50 ملف مصادقة عالقا في المركز. يقول سليم الجموسي، المدير العام لـ CETTEX: " لكن بمجرد الشروع فيها ، يتم ذلك بسرعة".
في إحدى الصّيدليّات بوسط العاصمة، ركّب/ت الموظّفون/ات حواجز حمائيّة زجاجيّة لمنع الاحتكاك مع الزّبائن
مخزونات غير كافية رغم تخفيف إجراءات الحجر الصّحّي
فيما يخصّ الحجر الصّحّي الموجّه بداية من 4 ماي، لا تتوفّر الكمامات القابلة لإعادة الاستخدام بما يكفي في الصيدليات. يفسّر مالك مقني، من نقابة الصيادلة (SPOT) : "لا توجد كمّيّة كافية من الأقنعة القابلة لإعادة الاستخدام في السوق بسبب عدم تحصّل العديد من الشركات المصنّعة على شهادات المصادقة إلى حدّ الآن".
لقد بدأت عمليّة التّزويد فعلا غير أنّ "هذا غير كاف لتغطية احتياجات كلّ الصّيدليّات".
آية*، صيدليّة تعمل بتونس الكبرى، استقبلت فعلا عددا من الكمامات في بداية الحجر الصّحّي. غير أنّ هذه الكمامات ليست قماشيّة كما وعدت الحكومة بل جراحيّة من المفروض أن تكون مخصّصة للطاقم الطّبّي. ووفقا لتوجيهات السّلطات، يجب على آية أن تبيع 5 كمامات للحريف/ـة الواحد/ة على الأقصى، بسعر محدّد بـ500 ملّيم للوحدة.
حسب شادلي الفندري من المجلس الوطني لهيئة الصّيادلة فإنّه "في خضمّ كل الجدل الذي يشهده السّوق و التغييرات في الاستراتيجيّات والتأخير في الإنتاج، اضطرّت الدّولة إلى التّفريط في جزء من مخزونها من الأقنعة ذات الاستخدام الوحيد". "ابتداء من يوم الأحد 3 ماي، تمّ تحرير وتوزيع 5 ملايين قناع على تجّار الجملة في انتظار قدوم الكمامات القماشيّة." غير أنّه يؤكّد على وجود مخزون كاف للطاقم الطّبّي و يصرّ: "هذا ليس سوى حلّ وقتي و استثنائي".
ومع ذلك، لم يمنع هذا ظهور أقنعة قماشيّة متعددة في السوق في الأسابيع الأخيرة. "يدّعي البعض أنّ الأقنعة التي يعرضونها مطابقة للمواصفات. قد يكون هذا صحيحا في حالة البعض و لكن ليس بالنسبة للأغلبيّة في رأيي. وبما أنها لم تكن متاحة بالفعل في الصيدليات، فقد انكبّ الناس على هذه السّلع الموازية"، حسب تعليق مالك مقني.
في بعض الصيدليات، لا يزال من الممكن الحصول على أقنعة قماشيّة تمّ عرضها دون الرّجوع إلى موافقة الدّولة. قد تكون هذه الكمامات فعلا مطابقة للمعايير إذا التزمت الجهات المصنّعة بالمقاييس الدوليّة، ولكن في كثير من الأحيان، لا يتوافق ثمنها مع السعر المعلن عنه من قبل السلطات (1،850 دينار). "هناك صيادلة يعتقدون إلى حدّ الآن أنّ تحديد السّعر راجع إليهم/ن. وقد تـ/يكون آخرون/أخريات فشلوا/ن في التّحصّل عليها بسعر أقلّ من السّعر المعتمد. أو قد تـ/يستغلّ الصّيدلي/ـة السّياق العامّ للبيع بسعر مرتفع. نجد من كل الحالات." حسب مالك مقني.
فعلا، هذا هو حال رحاب* التي تعمل بصيدليّة في بنزرت."على الرغم من إعلانات الحكومة المستمرة"، وجدت نفسها غير قادرة على شراء المعدات الطبية من الصيدلية المركزية فالتجأت إلى الشركات المصنعة التي وفّرت لها هذه المنتجات بسعر أعلى. كما عرضت عليها كذلك العديد من الخياطات خدماتهنّ، لكنها رفضت، خوفًا من أن تكون هذه الأقنعة غير مطابقة للمعايير.
من جانبه، يعترف أحمد و هو صاحب شركة، أنه بادر بالفعل ببيع بعض العينات من الكمامات القماشيّة التي أنتجها، مؤكّدا أنّه احترم السّعر المحدّد، حتى لو لم يتحصّل على المصادقة بعد.
لقد طلبنا من الصّيادلة الانتظار إلى حين اتّضاح الصّورة، و لكن هناك طلب مرتفع للغاية" حسب شادلي فندري.
ووفقا لقوله، فإنّ هذه الإجراءات "بدأت تتّضح" وتَتَيَسّر. "سيتمّ اعتماد المقاييس الدّوليّة، و سيكون من الممكن التعامل مع مخابر معتمدة من قبل CETTEX إلخ... نحن نعمل على التّسريع في الحصول عليها."
كما يذّكر شادلي فندري أنّه على الرّغم من وضع هذه المعايير، فإنّ الكمامات القابلة للغسل ليست موجّهة للاستعمال الطّبّي "على عكس الأقنعة من صنف FFP2 و الأقنعة الجراحيّة، إذ أنّ الكمامة القماشيّة تحمي خاصّة الآخرين/الأخريات. قد يكون لها أثر فعّال في حماية المستخدمين/ات الأصحّاء و لكنّها تعمل خاصّة على تقليل إمكانيّة العدوى من قبل المرضى في حال ارتدائها. كما يلخّص قائلا أنّ "المهمّ هو استخدام الكمامات من الجهتين".
غير أنّ الكلّ يتّفق على أنّ ارتداء كمامة أو حتّى "قطعة قماش" مهما كان نوعها، يحمي أفضل من عدم ارتدائها… و هو خطاب معاكس للّذي سيق في بداية الجائحة، حين غابت استراتيجيّة استباقيّة فعليّة.