هذا الفيلم هو عبارة عن مأساة رومانسية لم تكن لترى النور دون مساعدة من وزارة الثقافة. فقد منحت لجنة التشجيع على الإنتاج 500.000 ألف دينار لإنتاج هذا الفيلم وهو الحد الأقصى الممكن لتكاليف الأفلام الطويلة، و يمثل هذا المبلغ ربع تكاليف الفيلم الذي بلغت ميزانيته الجملية 2.080.000 دينار .
كيف يتم اختيار الأعمال السينمائية التي تستحق الدعم
تهدف لجنة الإنتاج السينمائي التي أنشئت بموجب المرسوم عدد 717/2001 بتاريخ 19 مارس 2001 إلى تشجيع أي مبادرة فنية في مجال السينما من خلال آلية الدعم المالي.
ويتم تعيين الأعضاء السبعة المشكلين لهذه اللجنة من قبل وزير(ة) الثقافة، و ذلك طبقا للفصل 7 من المرسوم. ويجب أن يكون الرئيس(ة) « شخصية تنتمي إلى عالم الثقافة ». كما يجب أن يترأس مجلس الفنون المسرحية والسمعية البصرية مديرا(ة) عاما(ة) أو ممثلا(ة) أو مخرجا(ة) سينمائيا(ة) أو منتجا(ة) سينمائيا(ة) أو ناقدا(ة) سينمائي(ة)، أو كاتبا(ة) سينمائيا(ة) أو موزعا(ة) سينمائيا(ة).
يصف محمد شلّوف، ممثل قطاع الإنتاج في اللجنة لسنة 2016، صورة نموذجية قائلا: « لقد كانت هذه التجربة هي الأولى من نوعها و كانت مثيرة للاهتمام، فقد عمل الأعضاء السبعة جنبا إلى جنب، دون أيّ رغبة منهم في المناورة بالرغم ممّا يشاع (…) هم أشخاص على قدر معين من المستوى الثقافي و نحن غالبا ما نتفق بسرعة على الأفلام التي يتم اختيارها خاصة و أنّ البعض منها يتميز عن الآخر بطبيعته ».
“أنا لست نادما على عضويتي لهذه اللجنة في تونس الحرة”.
تعتبر لينا شعبان، المنتجة السينمائية، أنّ السينما التونسية « في حالة جيدة بظهور الجيل الجديد المزدهر من المخرجين السينمائيين ». أمّا محمد شلوف فقد كان أكثر دقة، فهو يرى أن الأفلام المتنافسة هذه السنة « متوسطة الإبداع » مقارنة بأفلام التسعينات المندرجة ضمن « سينما المقاومة ». ويضيف محمد شلوف الذي كان عضوا باللجنة السابقة مشيرا إلى أنّه رغم كل الصعوبات: « فإنه يرغب بأن ينكبّ الشباب على صناعة أفلام ذات موضوعات جذابة و مواهب ناشئة تشجع على التفاؤل. »
منحٌ ليست متاحة للجميع
تجسَد لينا شعبان ميزة التفاؤل وتعتبر أنه من البديهي الحصول على مساعدات، « اذ يكفي تقديم الملف إلى اللجنة حتّى يتمّ قبول المشروع ! » إذا توفّرت فيه بعض الشروط : أن يكون السيناريو « جيدا » و يكون المخرج(ة) السينمائي(ة) « ذا(ت) مصداقية » نظرا لكون المنتجين والمنتجات في قطاع السينما « بحاجة إلى الاطمئنان ».
ويوضّح السيد شلوف بأن اللجنة تقوم تحديدا بالحكم على « الطابع الاستثنائي للسيناريو والتسلسل المنطقي للحوارات و الإخراج والإنتاج وخطة التمويل « . عماد مرزوق، مؤسس شركة (بروباغندا للانتاج) بأن « انتاج الأفلام يتطلّب أموالا طائلة، فإذا لم يكن هناك مثل هذا الدعم المالي فلن تكون لدينا مواهب جديدة ».
أما بالنسبة للآخرين، فإن الصورة بعيدة كل البعد عن المثالية، فمثلا إسماعيل*، مخرج سينمائي بوسعه « متعدّد الاختصاصات ليس خبيرا في أي شيء »، ويصف نفسه بأنه « فنان بصري »، هو واحد من أولئك الذين يتركون خلف الستار. فالفيلم الأخير »آخر واحد فينا »، الذي قام بإنتاجه إسماعيل لم يكن حظّه أمام لجنة الدعم وفيرا على عكس فيلم « نحبك هادي »، حيث عُرض أمام اللجنة منذ 5 سنوات للحصول على دعم للمساعدة على كتابة السيناريو لكنّ مطلب الدعم جوبهَ بالرفض.
و رغم عدم الحصول على الدعم العمومي من قبل وزارة الثقافة، فقد تحصل الفيلم على واحدة من أهم الجوائز في عالم السينما، وأفضل أول فيلم في مهرجان البندقية. يقول إسماعيل في هذا السياق: »لقد نجح الفيلم دون دعم مالي من الدولة بفضل فريق متطوع، كما تحصلنا على منح أجنبية أخرى لمرحلة ما بعد الإنتاج »، مشيرا بذلك إلى المساعدات التي قدمتها العديد من صناديق الدعم لمرحلة ما بعد الإنتاج كصندوق هابرت بالز ومؤسسة الدوحة للأفلام والصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) و سند*.
لم تكن المرة الأولى التي يواجه خلالها اسماعيل « فيتو » وزارة الثقافة، فقد حصل الشيء ذاته مع فيلمه السابق « بابيلون » الذي توّج بالمهرجان الدولي للسينما بمرسيليا سنة 2011. ويؤكد المخرج الشاب أنه موجود بالقائمة السوداء بعد تأليفه لكتاب عنوانه « السينما في تونس » الذي ينتقد فيه بشدة وزارة الثقافة في عهد بن علي.
« لقد بدأت العمل بين سنتي 2007 و 2008 و قمت بنشر أشياء صغيرة على المدونة، وكسبت جراء ذلك سمعة سيئة لدى السلطات وأيضا لدى كبار المنتجين أو أولئك الفاسدين الذين كانوا يحتكرون نوعا ما أخذ القرارات في الوسط السينمائي وعلى مستوى الدعم أيضا. ».
في الحقيقة لم يتغير الأمر منذ قيام الثورة، فبغضّ النظر عن المحسوبية و الاحتكار الذي يمارسه بعض المنتجين و المخرجين و حتى المدراء منهم، فإن الميزانية المخصصة للمنح السينمائية لا تسمح بظهور موجة جديدة من السينمائيين والمخرجين التونسيين.
ميزانية غير كافية
يمثّل النقص المالي في الحقيقة عائقا، فإذا كانت سنة 2011 مزدهرة إلى حد بعيد بفضل الميزانية التي بلغت أكثر من 8.510.000 دينار و 52 فيلما مدعما، فقد تراجعت الأهمية المعطاة للثقافة والسينما من جديد في السنوات التالية حيث لم يتم إسداء الدعم الّا ل20 فيلما فقط في سنة 2016 بميزانية إجمالية قدرها 3.650.000 دينار. و الجدير بالذكر أنّ الميزانية التي تميزت باستقرارها منذ سنة 2012، لا تزال غير كافية بسبب الازدياد الكبير للمشاريع المقدمة للوزارة.
« بالنسبة إلى سنة 2016، تمّ فقط التمكّن من دعم 20 مشروعا من جملة 97 ذلك أن الحكومة التونسية ليست على استعداد للترفيع في الميزانية نظرا للحالة الكارثية للاقتصاد ». السيدة بن حليمة، مديرة قسم السينما في وزارة الثقافة.
تشريعات فاشلة
ينصّ المرسوم الصادر سنة 2011 على أنّ الأفلام المدعومة من الدولة يجب أن تكون على شكل 35مم. من جانبه يقول إسماعيل في هذا السياق مستنكرا: « على هذا النّحو فإنّ كل ما تمّ تصويره تصويرا رقميا بتونس هو خارج عن القانون (…) إن القوانين التي تقنن السينما تتسم بسذاجة بالغة فقد تجاوزها الزّمن، وهي لا تطبّق في أيّ حال من الأحوال ».
ويعرب عماد مرزوق المنتج السينمائي عن موافقته لما ذكر في نفس الاتجاه مصرحا بأن » هذه الثغرة القانونية بشأن إجراءات تقديم المنح الموجودة بالمرسوم ليست الأولى من نوعها ». ويُبدي مرزوق أسفه لعدم وجود الشفافية: « نحن لا نعلم ما إذا تمت قراءة السيناريو ام لا، و ما الذي قيل بالضبط خلال مداولات اللجنة ». ويضيف « يجب على الاعضاء عدم الاكتفاء بنشر الأفلام المختارة والمبالغ الممنوحة فقط ولكن أيضا نقاشاتهم و نصائحهم ».
اما منيرة بن حليمة و محمد شلوف فلم يقدما جوابا واضحا حول هذه النقطة. فإذا كان العضو السابق في اللجنة المعنية بتقديم المنح يعتبر بأنه يمكن لأي شخص الاطلاع على السجلات لأنه « أمر إلزامي في قانون اللجنة » حيث يتمّ تدوين كل جلسة في محضر ويتم كشف التقرير للعموم »، فإنّ مديرة قسم السينما لم تحسم رأيها بعد.
تعتبر بن حليمة أنّ المخرجين/ات السينمائيين/ات و المنتجين/ات لديهم/هنّ الحق في طلب هذه التفاعلات ولكنّ القانون لا يشير إلى أي شيء حيال هذا الموضوع، لا سيما وأنّ الفصل عدد 10 من المرسوم يؤكد هذا الغموض اذ ينصّ على أنّ مداولات اللجنة تتّسم « بالسرية » وهي « مسجلة في محاضر ».
كما لا يحدد القانون مدة ولاية أعضاء اللجنة أو عددهم. وتفسر السيدة بن حليمة قائلة: « من حيث المبدأ، هناك تجديد سنوي ولكنّ بعض الأعضاء يجددون ولايتهم مرة و اثنتين و ثلاث كحد أقصى ». ويؤكد إسماعيل بأنّ هذا التمشي يتسبب في « اختناق الجيل الجديد من المخرجين في السوق ». كما يضيف المخرج السينمائي بشركة بابلون قوله « عندما ننظر إلى تشكيل اللجنة، فعادة ما نجد أعضاء تتراوح أعمارهم بين الخمسين و الستين أو السبعين عاما! وعادة ما يميل أعضاء اللجنة إلى تمويل المشاريع التي يكون فيها المنتجون/ات و المخرجون/ات السينمائيون/ات ذَوُو (ذوات) الشهرة العالية في الميدان السينمائي لتفادي أية مجازفة ».
و لتصحيح هذا النظام المعيب، يقترح عماد مرزوق إنشاء لجنتين منفصلتين على التوالي للهُواة والمحترفين/ات، حتى تنعم المواهب الشابة بنفس المساعدات التي ينعم بها المخرجون/ات مع مزيد تحصيل الخبرات.
وضع لا يمكن اختاقه
يتمحور المجال السينمائي حول الإنتاج في حين يُمثل استغلال الصناعة السينمائية آلية مهمة لنشر الأعمال السينمائية للجمهور، وبالتالي فهو كذلك آلية للتمويل.
ارتفع نسق زيارة قاعات السينمائي بشكل كبير بين سنتي 2013 و 2015 ، فقد ارتفعت النسبة من 22.680 إلى 27.000 متفرج، وذلك حسب الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الثقافة. غير انّ هذه الأرقام تلوحُ أقل بكثير من الواقع الملموس، حسب ما صرّح(ت) به العديد من المهنيين/ات بالقطاع.
ورغم العدد المحدود لدور السينما فقد كان هناك بالفعل انخفاض حاد في عدد المجمعات السينمائية في البلاد التي كان عدد قاعاتها يتراوح بين 120و150 في السبعينات.
و قد استنكر فتحي خراط الذي عين مديرا للمركز القومي للسينما والصورة سنة 2015 في مقابلة صحفية مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء النقص في قاعات السينما ونهاية الشراكة مع التلفزيون منذ إغلاق الوكالة الوطنية للنهوض بالقطاع السمعي البصري. وحثّ في السياق ذاته المستثمرين على انشاء أقطاب سينمائية جديدة وإيجاد مصادر أخرى للتمويل.
إعادة التفكير في دور المركز الوطني للسينما و الصورة
كان من المفترض أن تزول هذه العقبات المؤسساتية من خلال تأسيس هيئة مستقلة عن وزارة الثقافة في سبتمبر 2011 وهي المركز الوطني للسينما والصورة المكلف بالإشراف على سير عمل اللجنة التي تتمثّل مهامها الرئيسية، نظريا، في تطوير السياسة العامة التي تتعلق بإنشاء آليات جديدة لتمويل الأفلام ودعم التدريب والتأهيل المهني للممثلين والممثلات في القطاع السمعي البصري للنهوض بالسينما التونسية.
في واقع الأمر، وبسبب « غموض علاقاتها مع الوزارة، » وسوء توزيع الأدوار بين الكيانين، يصرح المنتج السينمائي هشام بن عمار بأنها تمثل « صدفة فارغة » تعوق تطوير المشاريع، وعلى الرغم من هذا التطور، فإن الدولة غير قادرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة لإنتاج الأفلام السينمائية و تبقى عرضة للانتقادات. كما يشير السيد بن عمار إلى « الوضع الراهن » الذي استقرت فيه المصالح لصالح أطراف معينة مثل المنتجين والوزارة.
ثم أضاف مبينا بأنه من خلال الدعوة إلى التقاعس في العمل، فهم « يستغلون بحكمة البطء الإداري و عدم كفاءة البعض وجشع البعض الآخر، و النظام في استمرارية ».
مصادر التمويل الأخرى
اقترحت السيدة منيرة بن حليمة، المديرة العامة للفنون المسرحية والسمعية البصرية بالتعاون مع هشام بن عمار إشراك الخواص بهدف دعم الإنتاج السينمائي المحلي.
لا سيما و أنها تعتقد بأن السينما التونسية أصبحت صناعة ثقافية توفر فرص العمل، وأنه يجب ألّا تكون فقط مهمة تثقل كاهل الدولة، « بل يجب على البنوك و الرعاة التشارك في تمويل الأفلام السينمائية ». محدّثتنا دعت أيضا إلى تطوير الفريق العامل باللجنة « لأن الأعضاء فيها لا يزالون على حالهم » فضلا عن التأقلم مع وسائل الإعلام الرقمية.
أما هشام بن عمار، فهو يقترح خيارين: « وضع إطار أخلاقي للقرصنة » أي فرض ضرائب على التحميل غير المشروع وأقراص الفيديو الرقمية والعمل على إشراك مشغلي شبكات الهاتف الجوال اقتداء ببعض الدول كالمغرب والتشاد. »
سوق الفيلم الدولي : خيار ممكن
بعد الحصول على الدعم الدولي الذي يغطي الثلث فقط من إجمالي الميزانية في حال القيام بفيلم سينمائي طويل، يعتبر السيد بن عمار أن للمخرجين/ات والمنتجين/ات خيارين اثنين: إما اللجوء إلى التمويل الأجنبي أو القيام بأعمالهم/ السينمائية بوسائلهم/هنّ الشخصية « كحلّ وقتي ».
ويضيف قوله بأنّ الوصول إلى الأسواق الدولية هو « عقبة » في حدّ ذاته، فهاته السوق تتكون من « لوبيات حقيقية » لا تريد إصلاح النظام بل إرساء بعض التعديلات الصغيرة لخدمة مصالحها الشخصية ».
ويستند إصلاح القطاع السينمائي أيضا الى المشاركة الفعالة لجميع أصحاب المصلحة في آلية منح الدعم المالي الذي يعتبر أمرا ضروريا بالنسبة الى مستقبل السينما التونسية. أمّا على المدى الطويل، فإن الفكرة تتمحور في وضع إطار مستقر للمنتجات السينمائية المحلية في مواجهة الإنتاج الدولي المشترك.
ختاما، يستنتج هشام بن عمار : « أنا لا أجد سببا مقنعا [للمنتجين/ات السينمائيين/ات الذين يسيطرون على السوق الدولية] يبرّر التوجّه الذي يعتبر السينما المحلية ذات الجودة بمثابة تهديد بما أنها مجدية اقتصاديا ».