مند سنة 2011 لم تنفك الاضرابات تفتك بقطاع التعليم الاساسي و الثانوي و حتى التعليم العالي. هناك اتفاقيات تمّ توقيعها ومفاوضات ما زالت على طاولة النقاش بين ابناء القطاع والنقابات والجهات المسؤولة.و تشمل هذه الاتفاقيات خاصة ظروف عمل المعلمين و الاساتدة وا وضاعهم المادية. على صعيد اخر، هناك اصلاحات يجب القيام بها على المستوى الهيكلي و البرامج بهدف تطوير منظومة التعليم في تونس، غير أنّ هذا الجانب لم يحظ بالاهتمام المطلوب.
حسب الاحصائيات الرسمية تكاد الاصلاحات ان تكون منعدمة. ففي اطار الاهداف المبرمجة لسنتيْ 2015 و 2016 تنكبّ الوزارات المعنية على تحسين ظروف عيش التلاميذ و طلبة الجامعات، وتقليص الفجوة بين الجهات على مستوى البنية التحتية و ملائمة التكوين حسب متطلبات سوق الشغل. لكن هذه الاصلاحات، مثلما تقدم به الحوار المجتمعي حول اصلاح المنظومة التربوية، تبقى جوفاء حسب اراء النقابيين.
ففي مساره التعليمي يتعرّض التلميذ الى جملة من الظواهر التي ما انفكّ تفاقُمُها يبعث على الحيرة مثل العنف و العزوف عن الدراسة واستهلاك المخدرات.
و اذا قرر التلميذ مواصلة تعليمه العالي فسيواجه العديد من المشاكل كالسكن الجامعي وتغيير مكان الاقامة من ولاية الى اخري. ويمكن له، حسب امكانياته المادية، اختيار مؤسسة تربوية عمومية او خاصة.
فى صورة انهائه تعليمه العالي دون عوائق فانّ الطالب يقف وجها لوجه مع البطالة، وهنا تُطرح اشكالية مدى ملائمة التكوين لمتطلبات سوق الشغل. و تبرز الارقام الحالية مقارنة بسنة 2010 تطورا كمّيا من حيث عدد المؤسسات و الاساتذة ولكنها تكشف عن وجود فرق واضح بين كافة الولايات.
و اذا كان الحوار المجتمعي لسنة 2015 حول اصلاح المنظومة التربوية يتميز بمشاركة جميع الفاعلين فى قطاع التعليم بما في ذلك التلميذ والنقابات فانّه بات من الضرورى تسليط الضوء على الوضعية الحالية للقطاع.
و اذا كان الحوار المجتمعي لسنة 2015 حول اصلاح المنظومة التربوية يتميز بمشاركة جميع الفاعلين فى قطاع التعليم بما في ذلك التلميذ والنقابات فانّه بات من الضرورى تسليط الضوء على الوضعية الحالية للقطاع.
التربية و التعليم العالي في تونس
التجوّل بين مختلف الولايات يسمح بالقيام بمقارنة بين الجهات من حيث عدد المؤسسات و الاساتذة ومدى ملائمة التأطير لطاقة الاستيعاب فى الاقسام.
المستوى الوطني
تعدّ تونس الى حدود نشر هذا المقال 4544 مدرسة ابتدائية و 1392 مؤسسة تعليم ثانوى (اعدادية و معاهد). اما في القطاع الخاص وحتى شهر ديسمبر 2014 نجد 191 مدرسة خاصة و 312 اعدادية و معهد ثانوى . و نلاحظ تعمق الفجوة بين الولايات كلما تدرجنا في مستوى التعليم.
ولئن كانت الفروق تلُوحُ جليّة خاصّة من التنوع الديموغرافي لكل جهة فانها تتعمق اكثر من جهة الى اخرى.و تحتل جهة الساحل و تونس الكبرى المركز الاول من حيث عدد المؤسسات التعليمية مقارنة بالجهات الداخلية اما جهات الجنوب فان عدد المؤسسات التعليمية فيها يعد ضئيلا.
بالنسبة الى التعليم الاساسي هناك حوالي مائة مدرسةِ فى كل ولاية ما عدا ولايتا اريانة و منوبة اللتان تتقاربان من حيث عدد المؤسسات التعليمية اما ولايتا توزر و قبلّي فتحتويان اقل عدد من مدارس التعليم الاساسي.
تطور عدد المؤسسات الابتدائية والثانوية الخاصة بين سنتي 1984 و 2014
و يبعث الوضع في التعليم الثانوي (اعدادية و معاهد ) اكثر على الحيرة . فعدد مؤسسات التعليم الثانوي ينقسم احيانا الى اثنين او ثلاثة. ففي سيدى بوزيد مثلا يوجد 323 مدرسة ابتدائية ليتراجع عدد هذه المؤسسات فيصبح 65 معهدا ثانويا فقط.
وهذا التقلص يكون ملموسا في جهات الجنوب – توزر و قبلي و تطا وين- التى فقدت مثلا 75 مؤسسة تعليمية عند المرور من الابتدائي الى الثانوي حيث كانت تعدّ 110 مدرسة ابتدائية لتصبح 35 معهدا ثانويا فحسب. هذه القطيعة الواضحة بين التعليم الاساسي و الثانوي التى تعيشها مختلف الجهات ماعدا وسط العاصمة تسمح بتفسير ظاهرتين اولهما عزوف التلاميذ عن الدراسة في مستوى السنة السادسة اساسي وثانيا غياب التأطير و مشكل كثافة الاقسام و هذه الاشكالية الثانية تفندها الاحصائيات الرسمية من حيث معدل التلاميذ فى القسم و عدد التلاميذ لكل استاذ.
ولمزيد توضيح فكرة عملية التأطير من خلال معاينة عدد التلاميذ لكل معلم فان العدد يتقلص من 16.8 فى التعليم الأساسي الى 11.6 فى الثانوي بالنسبة للقطاع العمومي في حين نلاحظ تطور عدد التلاميذ في القسم من 22.1 الى 25.1 بالمائة في التعليم الثانوي و هذا يعني تقلص عدد الاقسام مقابل ارتفاع عدد الاساتذة.لكن هل ان ارتياد التلاميذ المدرسة و المعهد ظلّ فى تراجع.
فقد احصت وزارة التربية فى السنة اولى اساسي حوالى 188 ألف و 816 تلميذ من المرسمين الجدد فى حين أحصت اكثر من 66 الف تلميذ غادروا مقاعد الدراسة سنة 2014 في مستوى السنة التاسعة. وهذا العدد يبدو فى معادلة مع ال 100 ألف تلميذ الذين انقطعوا عن التعليم و تم احصاءهم سنة 2013 من قبل الوزارة.
التعليم العالي .. غياب الطلب فى الجهات
يوجد فى تونس 13 جامعة و 195 مؤسسة تعليم عمومي و 47 مؤسسة خاصة كلهم موزعون بصفة غير عادلة بما انّ 8 ولايات فقط من جملة 24 ولاية تحتوي على جامعة واحدة على الأقلّ. و تعد تونس العاصمة الاوفر حظا من حيث عدد الجامعات و المعاهد والمدارس الخاصة و العمومية وتقدم باقة زاخرة من الاختصاصات.
ويبرز التقسيم حسب تمركز المؤسسات التعليمية هشاشة في عدد الاختصاصات المعروضة من الوسط الى الجنوب فمثلا ولاية قبلي تحتوي على معهد واحد وهو المعهد العالي للدراسات التكنولوجية. في المقابل تزخر الولايات المحاذية للعاصمة و الجهات الساحلية بتنوع كبير فى عدد الجامعات والمعاهد و المدارس.
و تنتهج مؤسسات التعليم العالي الخاصة نفس المنطق الذي سلكته مؤسسات التعليم العمومي فنجدها بكثافة فى العاصمة و التجمعات السكنية و الجهات الساحلية مثل سوسة و المنستيرو نابل . و يفسّر وائل نوار رئيس الاتحاد العام لطلبة تونس هذا الفارق بين الجهات بانّ “المدارس الخاصة يقع احداثها في مواقع تحقق الربح بمعنى تبنى فى مناطق حسب متوسط راتب سكان المنطقة” .
2014-2010 .. تقدم كميّ و تدهور نوعي
لطالما ساد الاعتقاد انّ المنظومة التعليمية تطبق سياسة -المدرسة للجميع – لكنّ هذه الفكرة ما انفكت تتراجع تدريجيا حسب المستوى التعليمي و تعمّقت بعزوف التلاميذ عن التعليم لأسباب عديدة فضلا عن اضمحلال المؤسسات التعليمية في الجهات عند الارتقاء لمرحلة التعليم الثانوي ما جعل الجهات الداخلية أولى الضحايا لقلة المؤسسات التعليمية.
ما نلاحظه طيلة هذه الفترة تفاقم لعدد المؤسسات التعليمية والاساتذة مقابل تراجع في عدد التلاميذ في القطاع العمومي فى حين نسجل ارتفاعا في عدد المؤسسات و الاساتذة و ايضا للتلاميذ في القطاع الخاص.
تطور عدد التلاميذ في المدارس الابتدائية والثانوية العمومية والخاصة بين سنتي 1984 و 2014
الباكالوريا في تقهقر
اذا كان عدد المؤسسات و الاساتذة فى ارتفاع فاننا نجد في المقابل تراجعا في نسبة النجاح في الباكالوريا . ففي سنة 2010 كانت نسبة النجاح 61.9 بالمائة لتصبح اليوم في حدود 52.3 بالمائة (لم نأخذ بعين الاعتبار نتائج الدورة الرئيسية لسنة 2015).
قطاع التربية و التعليم العالي في قلب النقاشات منذ سنة 2014
لم تكن مسألة العزوف عن الدراسة محلّ اهتمام فى التقارير الرسمية لذلك وقع ادراجها كموضوع دراسة قام بها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية سنة 2014. و تبدو ظاهرة العزوف المدرسي ظاهرة محيرة لقطاع التربية فى تونس.
سنة 2013 احصى قطاع التربية الوطنية 107 آلاف حالة عزوف عن الدراسة. و يظل مستقبل هؤلاء التلاميذ المنقطعين عن العليم مجهولى المصير و لا تعلم الجهات المسؤولة الكثير عن مستقبلهم. حسب تقرير المنتدى لا يوجد الى حدود هذه الساعة اي تواصل بين وزارة التربية و وزارة الشؤون الاجتماعية يسمح بتقديم المساندة و الدعم لهؤلاء التلاميذ الذين يجدون انفسهم في مواجهة البطالة او وجوب القيام بعمل مقابل راتب متدني.
ويشمل الانقطاع عن الدراسة مختلف الاعمار و يسجّل ارتفاعا نسبيا في سن 16 عندما يصبح التعليم غير اجباري حسب الفصل 39 من الدستور.
التسرب المدرسي: المعضلة الجديدة في التعليم التونسي
و تظلّ اسباب هذه الظاهرة متعددة منها التعليمية و المادية و العائلية و هي تبرر الانقطاع عن الدراسة الذي يكون مهيأ بالرسوب في بعض الاقسام او الظروف العائلية التي تنميّ الاحساس بضرورة ايجاد مورد رزق للعائلة غير امكانية ايجاد عمل لا تلوح دائما سهلة. فحسب تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي التأم سنة 2013 فانّ ابزر مرحلة للقطع مع الدراسة هي اللجوء الى التكوين المهني الذي يسبق البطالة قبل الالتحاق بالعمل.
التعليم الثانوي على وقع الاضرابات
منذ العودة المدرسية في سبتمبر 2014 عاش تلاميذ المدارس الاعدادية و المعاهد الثانوية على وقع الاضرابات بمعدل اضراب واحد في الشهر استجابة لدعوة نقابة التعليم الثانوي تحت اشراف لسعد اليعقوبي. وعادة ما تكون نسبة المشاركة فى الاضراب ب 90 بالمائة ويكون التلاميذ اول المتضررين من هذا الشلل الجزئي للدروس في حين يتموقع الاساتذة في قلب النقاشات لطرح مسالة الزيادة في الرواتب.
و فى لقاء جمعنا به، أكّد لسعد اليعقوبي كاتب عام نقابة التعليم الثانوي، أنّ هنالك عددا كبيرا (لم يقدّم رقما محددا) للاساتذة الذين يضطرون للقيام بعمل ثاني كالعمل في قطاع الفلاحة، في حين يعوّل اساتذة اخرون على الدروس الخصوصية التى اصبحت العملة المتداولة فى تونس لتحسين دخلهم المادي.
تواتر هذه الاضرابات هو دليل قاطع على فشل المفاوضات التي تسبق كل تحرك احتجاجي. وفي ردها على هذا الموضوع قامت وزارة التربية بتقديم تقرير حول غياب الاساتذة قدّرته ب 2.2 مليون يوم عمل ضائع و 57 مليون من الخسائر بالنسبة لميزانية وزارة التربية.
لكن بعد الاتصال بالقائم على هذه الاحصائيات تمت مراجعة هذه الارقام حيث وقع تعديل عدد الغيابات الذي تراجع الى 1.2 مليون يوم عمل ضائع مضيفا ان هذه الغيابات كانت كلها مبررة و يجب تفهمها معللا ذلك حسب رأيه بمشقة مهنة المربي حيث يعاني الكثير منهم من الامراض المزمنة وفق قوله.
«احببنا ام كرهنا… التربية اصبحت قطاعا استراتيجيا بالنسبة للسياسيين في تونس».
كانت نقابة التعليم الثانوي تأمل ان تحقق هدفين بعد رحيل بن علي: اولا استثمار حقيقي و فعلي من قبل الحكومة الجديدة في قطاع التعليم و ثانيا تحسين وضعية الاستاذ. وتعترف النقابة بفشلها في عدم تحقيق الهدف الاول. وهي تدعو فى هذا الصدد الى النظر فى العلاقة بين الحكومة والبنك الدولي الذى يمنع تطبيق الحوْكمة في اعادة توزيع المصاريف العمومية و هذه الوضعية فى نظر الجهات النقابية تتناقض مع الرغبة فى اصلاح المنظومة التربوية.
و حسب وجهة النظر النقابية فانّ عملية الاصلاح لا يمكن ان تكون مجرد افكار او شعارات. اذ يتعين ادماج فكرة عملية الاصلاح فى الدستور التونسي. بمعنى أنّه يتوّجب على الدولة توفير وسائل التعليم و حرية التعليم و مجانيته. يجب ان تأخذ الدولة، ايضا، بعين الاعتبار، الفوارق بين الجهات خاصة على مستوى الفقر لدعم الوسائل فى هذه المناطق.
لكنّ الاصلاح فى نظر النقابيين يجب ان يندرج ضمن خطاب وطني يضمن تشريك كل الاطراف المعنية. و في هذا الاطار يؤكد لسعد اليعقوبي انّ النقابة ستعمل جاهدة على منع التوظيف السياسي لهذه الاصلاحات أو تكون اداة تستغلها بعض الاحزاب او الحكومة.
اضراب المهندسين .. مثالا للصراع بين القطاع الخاص و العام
فى خضم الاحداث التى تخص التعليم العالي فى تونس اسال اضراب المهندسين فى شهر جانفي 2015 الكثير من الحبر. و اذا كانت المطالب كثيرة فان السبب الرئيسي لهذه التحركات هو وجود المدارس الخاصة للمهندسين.
ففي قطاع الهندسة تعمل المدارس العمومية و الخاصة حسب نظريتين مختلفتين. فطلاب القطاع العمومي يمرّون بمرحلة تحضيرية تدوم سنتين قبل ان يخوضوا مناظرة وطنية تمّ تحديد القبول فيها بمعدل 8 / 20. و فى القطاع الخاص تعمل كل مدرسة حسب طريقتها وفي اغلب الاحيان يكون دفع معلوم التسجيل كافيا للقبول.
و يطالب المهندسون المضربون بضرورة توحيد المناظرة الوطنية التى تُفرض عليهم ظلما عكس بعض التلاميذ الاخرين الذين حسب قولهم ” يشترون شهادة ” من المدارس الخاصة. وهذا ما اكدته غادة بوخاري وهي من الطلبة المضربين و تزاول تعليمها بالسنة اولى بالمدرسة الوطنية للعلوم و التكنولوجيا المتقدمة (مدرسة جديدة تم احداثها فى طار شراكة تونسية يابانية) . ووفق غادة بوخاري فانّ توحيد المناظرة لكافة التلاميذ سيمكن من تعديل مستوى تقييم الطلاب.
و يطرح الطلبة المضربون مشكلا اخرا و هو مسألة تعطّل عملية تجديد الاطار التربوي بسبب تعدد المدارس الخاصة بما انها تشغّل عامة نفس اساتذة التعليم العمومي الذين يعملون خارج الاطار القانوني، وهو ما يتيح لها التهرّب من دفع المزيد من الضرائب.
«يجب التصدى للسياسات التى تهدد مستقبل الطفل ».
اكد طاهر بن الاخضر مؤسس و مدير المدرسة العليا الخاصة للهندسة و التكنولوجيا ( اسبري ) التي احدثت سنة 2003 ان الاشكالية تبدو اكثر تعقيدا. فالطاهر بن الاخضر الذي عمل لمدة 40 سنة في القطاع العام هو من مؤيدي الاقسام التحضيرية و تعميم المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية التي ساهمت فى ترسيخ التعليم التقني فى تونس وفق قوله.
و يشكك بن الاخضر فى نجاعة قانون جويلية 2008 حول التعليم العالي الخاص. فهذا القانون حسب رأيه فسح المجال واسعا امام مؤسسات القطاع الخاص حيث يكفي احترام بنود كراس الشروط لاحداث مؤسسة تعليم عالي خاص.
القطاع الخاص يكسب الميدان
و بقطع النظر عن مدرسته مقارنة بالمدارس الاخرى الملقبة “ببائعي الشهائد” لتحقيق الثراء على حساب التطور العلمي لم يفوّت بن الاخضر الفرصة لانتقاد السياسات الوطنية و التي حسب رايه تهدد ابناءنا. و دون التملص من الاخفاقات في مجال التعليم التقني يذكر بن الاخضر العوائق الادارية التى واجهت الوزارات المتعاقبة.
«اردنا النسج على المنوال الفرنسي بالنسبة للمرحلة التحضيرية و المدارس الكبرى و لكن الوزارة لم توفر الظروف اللازمة للنجاح . لقد خلقنا طاقة استيعاب لاستقبال تلاميذ قد لا يمتلكون المؤهلات ليصبحوا من خريجى مدارس الهندسة ».
بالنسبة لبن الاخضر ذي الخبرة الواسعة في القطاع العمومي، تكمن اولوية الوزارة خاصة بالنسبة الى طلبة الهندسة في تكوين هيئة مستقلة تعنى بالشهائد الوطنية مثلما هو الشأن على المستوى العالمي.
واذا كانت البلاد التونسية تريد استقبال المؤسسات الاقتصادية الاجنبية او الحاق مهندسيها الى الخارج فانّه يتوجّب عليها ان تحترم الشهادة العالمية التي تجعل من المهندس التونسي “منتوجا مصادق عليه و فاعلا فى كل البقاع” . وهذه الميزة الاخيرة تطرح هي ايضا اشكالية. فالقطاع العمومي سمح بنحت ملامح نوعين من المهندسين: مهندس دراسات للقيام بعملية التصور و مهندس فاعل و عملي قادر على الانتاج و جاهز للقيام باي مهمة عند حصوله على الشهادة .
بالنسبة لطاهر بن الاخضر فان الملامح الاولى هى المتوفرة حاليا في حين ان تونس تحتاج في ظل الازمة الاقتصادية الحالية الى المهندس القادر على الانتاج فور تخرجه.
اصلاحات و عقود مع مدارس خاصة ..اللعبة المزدوجة للوزارة
على منوال الحوار المجتمعي حول اصلاح المنظومة التربوية فان الجامعة التونسية معنية ايضا بالاصلاحات المعلنة من قبل وزير التعليم العالي و البحث العلمي شهاب بودن. وحسب وائل نوار رئيس الاتحاد العام لطلبة تونس فان الاصلاحات تكاد تظهر للعيان و حتى ينجح هذا التوجه وجب تشريك الطلبة فى المسار الاصلاحى عوض اقصائهم وهو اصلاح- حسب رايه- سيلبّي قبل كل شيء طلبات البنك العالمي و صندوق النقد الدولي.
فى كل الحالات فان النقابات المعنية لم يتم الاتصال بها فى اطار هذا الخطاب فى حين انهم الادرى بحقيقة واقع الطلاب فى البلاد وفق نوّار. شهادة وائل نوار تمحورت أكثر بخوصصة قطاع التعليم العالي و تحركات الاتحاد لقطع الطريق امام هذا التمشي. ويبرز نوار فى هذا الصدد خاصة النجاح في تعطيل التراخيص لاحداث مدارس خاصة جديدة حتى سنة 2016 و ذلك بالاتفاق مع الحكومة . وقد رفضت هذه الاخيرة توقيع اتفاقية 2017 و هي السنة التي كان من المقرر ان تستقبل فيها الجامعة الامريكية و التى اعتبرها وائل نوار بمثابة “التدخل الثقافي”.
و اذا أشركت وزارة التعليم العالي و البحث العلمي اتحاد العام لطلبة تونس فى النقاش حول قطاع التعليم الخاص و تجاهلته في المداولات حول الاصلاحات فان التقارب سيكون حسب البعض خطير. واقوى دليل على ذلك هو الاتفاق الاخير بين وزارة النقل و المدرسة العليا الخاصة للهندسة والتكنولوجيا ( اسبري). هذا الاتفاق يخصّ ادماج المتخرجين الجدد فى مشروع تطوير و تجديد اسطول النقل البري وهو ما يثير خشية مهندسي القطاع العمومي خوفا من ان يقع الاستغناء عنهم من قبل السلطات حال تخرجهم و احتكاكهم بسوق الشغل.
و حسب طاهر بن الاخضر فقد تم اختيار معهده نظرا لتخرج مهندسين فاعلين و مبدعين و ذوي جاهزية للاندماح السريع في سوق الشغل و هذا ما لا يقدمه القطاع العمومى. لكن بالنسبة لوائل نوار فان الوضع اخطر بكثير. فهو بمثابة الجريمة فى حق التعليم العمومي من منطلق ان سلطتين عموميتين كان من الاجدر بهما ان تتحركا لصالح المهندسين من خريجي القطاع العمومي لضمان حقهم في الشغل عوض تقديم المساعدة لخريجي القطاع الخاص الذين يمكن لهم التخلي عن العقود مع القطاع العمومى.
و ماذا عن الحكومة ؟
و حسب ما عاينته الوزارات المعنية من خلال الاحصائيات توّجب طرح التساؤل عن المراحل ما بعد الاحصائيات او كيف يمكن للسلطات المعنية بملف التربية و التعليم العالي ان تحسن هذه المؤشرات. و الى حد هذه الساعة تشي الاصلاحات بالرغبة في التحسين مع انها ليست واضحة لعموم الناس.
ورغم اطلاق تسمية الحوارالمجتمعي حول اصلاح المنظومة التربوية فانّ هذه الاصلاحات تقصي في الواقع الفاعلين المهمين في المشهد التربوي و الطلابي كالاتحاد العام لطلبة تونس الذي لم يشارك بعد فى المفاوضات حول اصلاح التعليم العالي. هذه المفاوضات ترمي الى في مراجعة المنظومة الموجودة لتحسينها خاصة على مستوى البرامج التعليمية فى حين لم يقع الاخذ بعين الاعتبار الواقع المادي. وستسمح احصائيات سنة 2015 بمقارنة الوضع العام مع المنظومة الجديدة بعد الاصلاحات.