في ذات الوقت، تلقى الناشط والباحث السينيغالي إبراهيما كوناتي رسالة من شخص تونسي مفادها أن أخاه تم ترحيله يوم 20 جويلية إلى تونس على متن الرحلة عدد XZ7744 التي تشغّلها شركة آيرو إيطاليا. نفس المعلومة كشف عنها الموقع التونسي فالصو، والنائب السابق والناشط مجدي كرباعي في تدوينة على موقع فايسبوك بتاريخ 21 جويلية.
يكفي استعمال هذا الرقم على مواقع التتبع الجوي مثل FlightRadar و FlightAware للتأكد من حقيقة أن الطائرة قد أقلعت بالفعل في ذلك اليوم من مطار روما فيوميتشينو في اتجاه تونس بعد توقف في باليرمو، قبل أن تحطّ في مطار طبرقة على بعد 130 كيلومترا من العاصمة.
هذه الوجهة ليست من بين الوجهات المعلن عنها على موقع الشركة، ذلك أن الرحلات التي يتم تشغيلها على هذا الخط هي رحلات مخصصة لمسافرين·ـات لم يكونوا راغبين في مغادرة التراب الإيطالي أصلا. كل من على متن هذه الطائرة هم من التونسيين·ـات، ويرافقهم ممثلون عن السلطات الإيطالية.
في نفس الموضوع
رحلة 20 جويلية 2023 هذه مرتبطة بسوق الترحيل القسري عبر الرحلات المؤجرة (شارتر)، وهي رحلات جوية تبرمجها سلطات بلدٍ ما لترحيل مجموعات من الأشخاص حُرموا من إمكانية البقاء على أراضيها. في حالة إيطاليا، فإن هؤلاء يكونون في أغلبهم من التونسيين·ـات مثلما تؤكد ذلك أحدث المعطيات المتعلقة بعمليات الترحيل الجوي المقدمة من طرف وزارة الداخلية الإيطالية.
شهدت سنة 2023 ما مجموعه 70 رحلة ترحيل إلى تونس من إجمالي 106 رحلة شارتر. 80٪ من المرحّلين قسرا إلى بلدانهم على متن هذه الرحلات، أي 2.006 شخصا من مجموع 2.506، هم من التونسيين·ـات.
تم ترحيل أكثر من 1000 تونسي وتونسية من إيطاليا في الفترة الممتدة من غرة جانفي إلى 31 أوت 2023، وفقا للبيانات التي جمعتها إنكفاضة.
تونس مركز اهتمام إيطاليا
صائفة 2023 كانت حافلة في تونس، إذ مثّل يوم 6 جوان تاريخ أول زيارة رسمية لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، عادت بعدها مرة ثانية في 11 جوان جنبا إلى جنب هذه المرة مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته. وكان الأمل معقودا على الحصول على التزام متجدد من طرف الرئيس قيس سعيد بشأن التعاون في مكافحة ما اصطُلح على تسميته بالهجرة غير النظامية.
في نفس الموضوع
دار هذا الذهاب والإياب بين أوروبا وتونس في سياق اضطهادٍ طال الأشخاص من بلدان جنوب الصحراء المتواجدين·ـات في تونس، والذي غذته الرئاسة نفسها من خلال خطابها، وكذلك في سياق تضييق متزايد على المجتمع المدني في البلاد. لكن ذلك لم يمنع الاتحاد الأوروبي من التوقيع على مذكرة تفاهم في 16 جويلية تهدف إلى تعزيز «الشراكة الاستراتيجية». وقد حاولت أوروبا لسنوات إشراك الحكومات الأجنبية في سياساتها لتصدير وتحصين والصد عن حدودها الخارجية من خلال معادلة بسيطة: التمويل مقابل تشديد مراقبة الحدود وإعادة قبول الأشخاص غير الأوروبيين·ـات المطرودين منها.
وهكذا اختبرت الحكومات الأوروبية مختلف الوسائل لردع الناس عن مغادرة بلدانهم في اتجاه أراضيها. بعض هذه الوسائل كانت مباشرة كرفض التأشيرات أو صد قوارب الهجرة أو الامتناع عن تنفيذ عمليات الإنقاذ في البحر. وبعضها الآخر كانت أكثر مكرا ودهاءً من خلال تكوين وتمويل حرس السواحل في بلدان «ثالثة» أو تعميم تكنولوجيات مراقبة الحدود دائمة التطور.
ترحيلات غير مدروسة
أسهل الطرق وأكثرها فعالية لطرد شخص ما من الاتحاد الأوروبي هي شحنه على متن طائرة وإرساله من حيث جاء، وهنا يأتي دور شركات الطيران على غرار آيرو إيطاليا التي تنتفع من منظومة لا تزال خفية إلى حد ما. يلاحظ الباحث ويليام والترز أن «الطيران المدني هو المحور المركزي لترحيل الأشخاص من بلدان الشمال، لكن أولئك الذين يدرسون موضوع الترحيل نادرا ما يهتمون بمسائل النقل الجوي».
يمكن أن تتم عمليات الإعادة القسرية أيضا على متن رحلات نظامية (أي مجدولة) حيث يصعد الشخص المرحّل قبل الركاب الآخرين ويُعزل في الجزء الخلفي من الطائرة. لكن ذلك يطرح احتمالية أن يقاوم ذلك الشخص ترحيله في محاولة لاستجداء انتباه الركاب، وأن ينتهي بالقبطان بإنزاله إذا خرج الوضع في الطائرة عن السيطرة. وهنا تبرز ميزة الرحلات الشارتر كونها تضمن ألا يحدث شيء من ذاك القبيل.
«ميزة عمليات الطرد عبر الرحلات شارتر هي أن السيطرة عليها تكون أسهل» يقول ياشا ماكانيكو الباحث في منظمة Statewatch.
ليس من الغريب إذاً أن تفضل إيطاليا اللجوء إلى عمليات الترحيل شارتر، وفي سبيل ذلك أنشأت منظومة فريدة وعالية التعقيد لإدارتها. منذ سنة 2011 -وهي سنة شهدت إحدى الاتفاقيات الكثيرة حول «التعاون في مجال الهجرة» بين إيطاليا وتونس- سعت السلطات الإيطالية، دون أن تفلح، إلى الإبقاء على وتيرة رحلتين شارتر في الأسبوع مخصّصتيْن لعمليات الترحيل. كل رحلةٍ منهما تحمل ما بين 20 إلى 40 شخصا مرحّلا·ـة وما بين 60 إلى 110 مرافقا·ـة له.
في ضوء هذه الوتيرة، كان الحل الأكثر منطقية هو إبرام عقود متوسطة إلى طويلة المدى بعنوان إسداء خدمة «نقل مهاجرين غير نظاميين» حسب مصطلح اللغة الرسمية، على شاكلة ما يجري في بريطانيا و إسبانيا.
وهكذا، أطلقت السلطات الإيطالية في سنة 2016 طلب عروض في الغرض عبر مصلحة الشراءات التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية الإيطالية Consip*، نيابة عن المديرية المركزية لشرطة الهجرة والحدود وإدارة الحريات المدنية والهجرة. لقي طلب العروض فشلا ذريعا لقلة الاهتمام الذي أبدته شركات الطيران به، وفقا للمعلومات المتحصل عليها من مصلحة الشراءات. ولهذا السبب، في إيطاليا على عكس نظيراتها من دول الاتحاد الأوروبي، لا تزال منظومة «طلب عروض واحد لكل رحلة» معمولا بها.
منظومة طلبات عروض غير شفافة
إلى حدود موفى 2023، نشرت وزارة الداخلية الإيطالية (المسماة أيضا فيمينالي) على موقعها وثيقتين لكل طلب عروض: الأولى تتمثل في نص «طلب العروض من أجل تشغيل رحلة شارتر» تكون في العادة مقررة في الأسبوع الموالي وهي بمثابة دعوة للشركات لتقديم عروضها، والثاني «إشعار الترسية» أي الإعلان عن الشركة الفائزة بالصفقة.
لكن أسماء شركات الطيران المشغلة لرحلات الترحيل هذه لا تظهر أبدا، ذلك أن من يحصد هذه الصفقات في حقيقة الأمر هما شركتان وسيطتان (تسمى أيضا شركات سمسرة) : الشركة الألمانية Professional Aviation Solutions (أو PAS) وشركة Air Partner البريطانية التي استحوذت عليها الشركة الأمريكية Wheels Up في سنة 2022.
هاتان الشركتان تقتسمان السوق وتغنمان عمولة تترواح بين 3 و 5 ٪ على المبلغ المطلوب لتشغيل كل رحلة. وبينما تتولى شركات الطيران من جانبها توفير الموارد والعمال الذين لولاهم لما كانت عمليات الترحيل ممكنة، يؤدي السماسرة من جانبهم دور واجهة التفاهم مع السلطات وهم الذين يبقون آلة الترحيل هذه شغالة بكامل طاقتها.
علاوة على اسم شركة السمسرة، يتضمن إعلان الحائز على الصفقة عدد العروض التي تلقتها وزارة الداخلية الإيطالية بالنسبة إلى الرحلة المعنية (في الأغلب عرضان وأحيانا عرض وحيد) إضافة إلى المقترح الفائز.
أما اسم شركة الطيران التي ستضطلع بتشغيل الرحلة والتي ستغنم نصيب الأسد من الأموال لا يظهر في أي مكان.
ردا على طلب نفاذ للمعلومة مودع في إطار هذا التحقيق، أجابت كتابة مديرية الأمن العام الإيطالية بأنها «ليست على اتصال مباشر» مع آيرو إيطاليا بالنظر إلى أن «منح عقد الخدمة لشركة الطيران المنتقاة من جملة من قدموا أفضل العروض يتم من خلال شركة ثالثة - أي وسيط». وبالفعل، لا يكشف البحث في الوثائق المتعلقة برحلة روما - باليرمو - طبرقة بتاريخ 20 جويلية 2023 على موقع وزارة الداخلية سوى أن الفائز بالصفقة هو شركة PAS بعرض قدره 115،980 أورو، أما آيرو إيطاليا فلا أثر لها*.
إلى جانب ذلك، نصت إعلانات الحاصلين على صفقات رحلات شارتر التي تم تشغيلها حتى نهاية سنة 2023 أن عقود المناولة ممنوعة. غير أن خدمة النقل الجوي أمّنها طرف ثالث (أي شركة الطيران) وهو ما يمكن اعتباره من طبيعة المناولة.
وحتى موفى سنة 2023، لم تكن عملية طلب العروض محيّنة حيث تضمنت إعلانات الحاصلين على الصفقات قائمة المشغلين الاقتصاديين المدعوّين للمشاركة في طلبات العروض، وهي قائمة شملت Mistral Air (التي أصبحت Poste Air Cargo في سنة 2019)، و Meridiana (التي أُوقف نشاطها في 2018) وشركة السمسرة Astra Associated Services التي هي قيد التصفية في الوقت الحالي.
أعمال تحت ستار من الكتمان
منذ أوائل سنة 2024، شهدت الوثائق المتعلقة برحلات الترحيل التي نشرتها وزارة الداخلية تغييرات. حيث ظلت طلبات العروض متوفرة على الموقع الإلكتروني للوزارة مع إضافة تتمثل في إمكانية أن يتعلق طلب ما برحلتين مبرمجتين لنفس الأسبوع، أولاهما تنطلق من ترييستي والثانية من روما، وأن الحد الأقصى للإنفاق يجب أن يكون أقل من 110 ألف أورو عوض 140 ألف أورو كما كان العمل في السابق.
وعلاوة على ذلك فإن إعلانات منح الصفقات صارت غير متاحة الآن، بما يجعل من المستحيل معرفة المشغلين المدعوّين لعرض خدماتهم أو عدد العروض المقدمة، كما اختفت الملاحظة التي ذكرناها آنفا والمتعلقة بمنع المناولة. ومن بين الوثائق الجديدة المتاحة العقود المبرمة مع السماسرة، والتي لا تذكر أبدا اسم شركة الطيران المسؤولة عن تشغيل الرحلة، في حين أن لا أثر يوجد للعروض التي تلقتها وزارة الداخلية الإيطالية.
هذا الغموض لا يخص عمليات الترحيل التي تقوم بها إيطاليا فحسب، إذ يذكر الباحث ماتياس مونروا* إن وزارة الداخلية الألمانية قد صنفت البيانات المتعلقة بشركات الطيران شارتر المستفيدة من عمليات الترحيل على أنها «سرية». وردا على سؤال برلماني من حزب دي لينكه اليساري، أجابت الوزارة الألمانية إن «هذه المعلومات يمكن أن تعرّض الشركات لانتقادات علنية مما قد يعيق عمليات الترحيل».
في هذا الصدد، رفضت وزارة الداخلية الإيطالية مطلب إنكفاضة للنفاذ إلى المعلومات، ولكنها تعللت هذه المرة بسبب مختلف يتمثل في أن نشر العروض المقترحة لكل رحلة ترحيل، والتي تظهر إضافة إلى اسم الوسيط اسم الشركة المشغّلة للرحلة، على أنه «أمر لا يصب في المصلحة العامة». وهي حجة واهنة بالنظر إلى أن نصيب الأسد من الأموال العمومية الإيطالية التي يتم إنفاقها على هذه الرحلات الجوية تحصدها جيوب شركات الطيران وليس السماسرة. وفي مواجهة هذا الرد، قدمت إنكفاضة و إنترنازيونالي طلباً آخر لإعادة النظر جوبه بالرفض بتاريخ 8 ماي 2024 حيث اكتفت وزارة الداخلية الإيطالية بإحالتنا إلى نفس الوثائق الموجودة على موقعها.
وفي تلك الأثناء، أدى خلل في الكمبيوتر - أو ربما هو على الأرجح خطأ بشري - إلى تمكيننا من النفاذ إلى اثنتين من هاته المستندات. في 13 نوفمبر 2023، نشرت وزارة الداخلية المقترحين الوارديْن من السماسرة المعتاديْن من أجل تشغيل رحلة 12 أكتوبر 2023، مع الانطلاق من مطار تريييستي رونكي دي ليجيوناري والتوقف في باليرمو والوصول إلى طبرقة. والمثير للدهشة أن كلا من شركتيْ السمسرة PAS و Air Partner قد اقترحتا لهذه الرحلة طائرة تابعة لشركة الطيران الإسبانية آلباستار وطلبتا 71.200 أورو و 71.880 أورو تباعا.
بعبارة أخرى، سوف تنتفع شركة الطيران آلباستار من الصفقة مهما كانت هوية السمسار المتحصل على العقد (في هذه الحالة PAS التي قدمت أقل عرض)، وهو ما يؤكد عدم جدية إجراءات طلبات العروض هذه.
من أجل محاولة تحديد هذه الشركات، كان من الضروري استخدام مصادر أخرى مثل شهادات المرَحّلين·ـات أنفسهم، والمواقع الإلكترونية لبعض المطارات ومواقع تتبع الرحلات الجوية.
15 رحلة على خطوط آيرو إيطاليا
آيرو إيطاليا ليست الشركة الوحيدة التي قامت بتشغيل رحلات شارتر لطرد المهاجرين·ـات إلى تونس في سنة 2023. ومن خلال مقارنة بيانات الرحلات الجوية التي نشرتها وزارة الداخلية الإيطالية وتلك المتاحة على مواقع مراقبة الحركة الجوية وعلى موقع مطار باليرمو، تمكنّا من تأريخ 70 رحلة شارتر قصدت تونس.
أمكن تحديد السماسرة في 63 حالة - 36 رحلة لشركة PAS و 27 رحلة لشركة Air Partner - كما أمكن تحديد شركات الطيران المشغّلة في 56 حالة:
- 25 رحلة تشغلها شركة Albastar العاملة مع كل من PAS و Air Partner ؛
- 15 رحلة تشغلها آيرو إيطاليا لحساب PAS فقط ؛
- 9 رحلات تديرها شركة Carpatair الرومانية (التي يبدو أنها تعمل حصريا مع Air Partner)
- 4 رحلات تشغلها مالطا ميد Malta Med
- 2 رحلتان على متن الخطوط الجوية الكرواتية تريد اير Trade Air
- 1 رحلة واحدة من قبل الشركة البلغارية إلكترا إيرويز Electra Airways
مع العلم أن البحث واجه صعوبات بسبب حقيقة أن شركات الطيران قد تخصص أرقام رحلات مختلفة لنفس الخط.
بالعودة إلى صائفة 2023، وخلف شعار «الدفء الإنساني» الذي ترفعه آيرو إيطاليا، نفذت شركة الطيران 13 عملية ترحيل قسري إلى تونس بين يوميْ 20 جويلية و 3 أكتوبر 2023 انطلقت إما من ترييستي رونكي دي ليجيوناري أو من روما. ولو افترضنا عمولة قصوى قدرها 5٪ لشركة السمسرة PAS فإن آيرو إيطاليا تكون قد جنت حوالي 1 مليون و 380 ألف أورو من هذه الرحلات الثلاثة عشر. رقم مبهرٌ بالنظر إلى أن الرحلات التي تديرها آيرو إيطاليا أغلى بكثير مقارنة بشركات الطيران الأخرى على نفس الخطوط وخلال نفس الفترة (112,000 أورو في المتوسط مقارنة بـ 82,000 أورو).
يعود تاريخ رحلتي آيرو إيطاليا الأخريين في سنة 2023 إلى 17 و 31 جانفي عبر التعاون مع شركة الوساطة PAS التي تلقت 71,490 أورو و 69,990 أورو على التوالي. ووفقا للمعلومات التي تم جمعها عبر الإنترنت، اتضح أيضا أن آيرو إيطاليا بدأت في تشغيل رحلات الترحيل القسري منذ 2022 : بتواريخ 13 و 18 أكتوبر و 8 و 15 نوفمبر و 29 ديسمبر (الرحلات التي سجلها موقع FlightRadar)، وربما حتى في شهر جويلية من نفس السنة وفق شهادة أحد ركاب آيرو إيطاليا أي بعد وقت قصير من إنشاء الشركة.
في مارس 2023، أدلى مستخدم على المنتدى الالكتروني الإيطالي Aviazionecivile.it بالتعليق التالي حول آيرو إيطاليا: «… إذاً فإن كل هذه الرحلات شارتر إلى طبرقة من باليرمو وروما التي تم تشغيلها بشكل متكرر في الأشهر القليلة الماضية لم تكن سوى رحلات ترحيل قسري».
جدير بالذكر هنا أن شركتا PAS وآيرو إيطاليا لم تستجيبا لدعوتنا للتعليق على مخرجات هذا التحقيق.
تتوقف جميع رحلات الترحيل القسري في باليرمو حيث يتعين على السلطات القنصلية التونسية أن تتأكد شكليا من هوية الأشخاص الصادر بحقهم أمر الطرد، ويلتقي جميع هؤلاء بالقنصل واحدا تلو الآخر. تمكنت إنكفاضة من التحدث مع لؤي ووائل وهما مواطنان تونسيان طُردا من إيطاليا في فيفري 2021 وجويلية 2023 على التوالي. قصّتاهما تتشابهان إلى حد كبير وتؤكدان على صلابة منظومة الترحيل هذه. التقى كلاهما كما هو معمول به بالقنصل التونسي بمناسبة ترحيلهما القسري واستمر اللقاء معه بضع دقائق فقط.
«دقيقة واحدة على أقصى تقدير!» يقول لؤي مواصلا «أخبرته أنني تقدمت بطلب لجوء وأنني لا أريد العودة إلى تونس... فأجابني 'أوك'».
يروي وائل من جانبه: «سألني فقط من أين أتيت ولماذا أنا متواجد في إيطاليا...ثم أخبرني أننا سنُرحّل جميعنا».
ليست كل الرحلات شارتر متشابهة
تأسست آيرو إيطاليا في سنة 2022 على يد المصرفي الفرنسي مارك بورغاد ورجل الأعمال البوليفي جيرمان إيفروموفيتش، ويقودها غايتانو فرانشيسكو إنتريري خبير الطيران والمستشار السابق لوزير النقل آنذاك دانيلو تونينيلي. وفي حين أن الرجل الأول غير معروف لدى عامة الناس، وجد إيفروموفيتش و إنتريري في الماضي نفسيهما في قلب العديد من الفضائح المتعلقة بالفساد والإفلاس*.
كان هدف آيرو إيطاليا منذ نشأتها التركيز على سوق الطيران الشارتر، مثلما يوضح مديرها إنترييري في مقابلة معه في شهر أفريل 2022. ومن جانبه، صرّح مارك بورغاد لصحيفة "إير فاينانشيال جورنال" إن شركة الطيران الجديدة ستعطي الأولوية لرحلات الطيران المؤجر «لأنها تضمن تدفق الإيرادات منذ اليوم الذي نتحصل فيه على شهادة مشغل جوي».
وقد أولت الشركة عناية مخصوصة بنقل الفرق الرياضية* وهي شراكات تفتخر بها مثلما يظهر موقعها على الإنترنت... على عكس عمليات الترحيل الجماعي القسري التي تقوم بها.
في دراسة نشرت سنة 2022، كشف مركز حقوق الإنسان بجامعة واشنطن كيف سافرت عدة فرق رياضية وفنانون من الولايات المتحدة الأمريكية دون علمهم على متن طائرات شارتر استُخدمت في أوقات أخرى لإجراء عمليات ترحيل قسري عنيفة. ولئن كان الركاب لا يدركون ذلك فإن مشغلي هذه الرحلات في الولايات المتحدة وإيطاليا وغيرها يعلمون علم اليقين السياق الذي يقدمون فيه خدماتهم. فعمليات الترحيل القسري ليست رحلات عادية كغيرها من الرحلات وإنما هي عمليات أمنية تنتمي إلى إطار من الممارسات والسياسات العنصرية.
آلة الطرد
هنا أيضا، يعتبر مثال تونس أنموذجا فأرقام عمليات الترحيل تعطي فكرة عن « التسلسل» الذي تنبني عليه هذه المنظومة وفق ملاحظة المحامي ماوريتسيو فيليو، عضو جمعية الدراسات القانونية حول الهجرة (ASGI). إذ يجب حشد عدد كبير من الأشخاص المقرّر ترحيلهم من أجل ملء رحلتين شارتر في الأسبوع. علما أن الأشخاص الأسهل ترحيلاً هم من تُعتبر فرصهم في الحصول على حماية أو حتى التقدم بطلب فيها محدودةً للغاية.
عندما حل وائل بجزيرة بانتيليريا في جويلية 2023، نُقل مباشرة إلى مركز احتجاز أين أُتيحت له إمكانية إجراء مكالمة هاتفية لمدة دقيقة واحدة. اتصل بصديق له فنصحه بتقديم طلب لجوء، غير أن الرجل المسؤول عن الاتصالات والذي كان تونسيا أيضا، قال له بمجرد أن سمع موضوع المهاتفة أنهم: «لم يعودوا يقبلون اللجوء الآن».
وفقا للإحصائيات المتاحة، تم رفض 76.6٪ من طلبات اللجوء التي قدمها تونسيون·ـات في إيطاليا في سنة 2022. وهو ثالث أعلى معدل رفض لطلبات اللجوء بعد مصر (90.3٪) وبنغلاديش (76.8٪).
يروي وائل: «بعد عدة أسابيع قضيتها في مراكز الاحتجاز، تمكنت من رؤية الجنسيات التي يتم ترحيلها أكثر من غيرها. في ظل الاتفاقيات الممضاة، دائما ما يتم طرد التونسيين والمصريين (...). بالنسبة إلينا يكون ذلك يوميْ الثلاثاء والخميس، وبالنسبة إليهم يوم الأربعاء!»
في سنة 2019، قامت إيطاليا بإدراج تونس في قائمة ما يسمى بـ بلدان المنشأ الآمنة، وهي أداة ينص عليها توجيه الإجراءات لسنة 2013، إلا أنها وفق قول المحامي ماوريتسيو فيلو «تتعارض جوهريا مع إجراءات الحماية الدولية أي مع وجوب تقييم حق الفرد في الحماية». هذه القوائم، التي اعتمدتها أيضا بلدان أخرى وكذلك الاتحاد الأوروبي نفسه، هي «أداة خاضعة تماما لرغبة الإدارات في رفض الطلبات قدر الإمكان».
«إنها محاولة أخرى لجعل عملية دراسة طلب الحماية الدولية مجرد حدث بيروقراطي ينفذ في أقصر الآجال بهدف إغلاق الملفّ والشروع سريعا في عملية الترحيل».
ويقول فيلو إن إدراج تونس في قائمة بلدان المنشأ الآمنة «يحبط الرغبة في تقديم طلبات الحماية التي تصبح نتائجها مقررة جزئيا بناء على جنسية المتقدم بالطلب». ويضيف أن «الأشخاص من الجنسية التونسية الذين لا يلتمسون الحماية (...)، يخاطرون بترحيلهم في فترة زمنية وجيزة للغاية. وهذه الآلية على غاية من السرعة لدرجة أنها تبطل إمكانية حق دفاعٍ فعال».
ليس من العجب إذاً أن طلب وائل للحصول على حق اللجوء قد رُفض على الرغم من الطعون التي تقدم بها. يروي الشاب: «بعد شهر ونصف رُفضت طلبات جميع الذين كانوا معي في المراكز وتم ترحيلهم». ووفقا له، فإن الترحيل يكاد يكون آليا في بعض المراكز بما فيها تلك الموجودة في تراباني وكاتانيا: «هناك يمكنك أن تكون متيقنا بنسبة 90٪ أن مصيرك سوف يكون الطرد إلى تونس».
إحباط وتمرد
الحياة اليومية لهؤلاء الأشخاص العالقين في مراكز الاحتجاز تسير على وقع عدم اليقين والانتظار : «كنا ستة في غرفة واحدة.، لا شيء واضح، قيل لنا مرة إننا سنُعرض على الطبيب وأخرى على الطبيب النفسي وفي النهاية لم يأت أحد [...] لم نعد نثق بأحد».
يجد بعض الناس ظروف العزلة هذه عسيرة للغاية. يروي لؤي: «كان معنا تونسي مصاب باكتئاب حاد ولم يعد بإمكانه تحمل المزيد إلى درجة أنه حاول الانتحار من خلال إضرام النار في جسده فوضعوا عليه بعض الضمادات ثم أعادوه إلى غرفته».
في نفس الموضوع
في تلك الفترة من سنة 2021 وفي خضم أزمة كوفيد-19، كانت السلطات مجبرة على التحقق من عدم إصابة أيّ كان بالفيروس حتى تتمكن من شحنه على متن طائرة وترحيله، فكان لؤي وغيره يرفضون مرارا وتكرارا الخضوع للفحص.
«لقد تعرضت للتهديد عديد المرات باستخدام القوة (...). ذات مرة طلبت التحدث إلى محامي فقيل لي: 'دعنا نفحصك وسنسمح لك بالاتصال به' [...] وكان ذات الشيء ينطبق على الحديث مع عائلتي».
وعلى الرغم من رفضه ومحاولته التقدم بطلب للحصول على اللجوء ومناشداته المتعددة، انتهى المطاف بلؤي أن رُحّل شأنه شأن وائل. كانت رحلتهما متطابقة بالرغم من أن سنتين تفصلان بينهما. «في وقت مبكر من صباح أحد الأيام حوالي الساعة الثانية صباحا، وضعونا في حافلة لنقلنا إلى جهة مجهولة» يتابع لؤي «وكنا 20 نفرا كلنا تونسيون».
انتظر الشابان في المطار لبضع ساعات. وبعد محادثة قصيرة مع القنصل صعد جميعهم على متن الطائرة يرافق كلاً منهم شرطيان. كانت وجهة لؤي مطار النفيضة الحمامات ومطار طبرقة بالنسبة لوائل.
تؤكد هذه الشهادات ما لاحظته مؤسسة الضامن الوطني لحقوق الأشخاص المحرومين من حريتهم الإيطالية طيلة سنوات عند رصدها لعمليات الترحيل. ووفقا لرئيسها السابق، ماورو بالما، فإن «أكثر المراحل إشكاليةً هي تلك التي تسبق الركوب على الطائرة» أي مرحلة النقل من مركز الاحتجاز إلى المطار والتي غالبا ما تكون دون سابق إنذار وتحدث بعد إيقاظ فظّ في منتصف الليل أو عند الفجر ؛ ثم الانتظار في المطار دون إجراء فحوصات كافية على الصحة البدنية والعقلية للمعنيين·ـات واستخدام القيود مثل أحزمة الفيلكرو المطبقة على الرسغين.
بالنسبة إلى الباحث ويليام والترز الذي يضع ظاهرة الترحيل الجوي ضمن إطارها الأوسع لـ «جغرافية السجون»، فإن الرحلات الجوية الشارتر هي حلقات في «سلسلة احتجاز» يتم من خلالها «نقل الناس من بيئة إلى أخرى ومن يد سلطة إلى يد أخرى». كما يستعمل باحثون آخرون مصطلح «ممرات الترحيل» للحديث عن مختلف مراحل وأبعاد الظاهرة.
وغالبا ما يشار إلى مرحلة الصعود على متن الطائرة باسم مرحلة «الاستسلام» لأسباب ليس أقلها عدم وجود آلية للشكوى في حالة التعرض للهرسلة أو سوء المعاملة. «كان الجميع هادئا على متن الطائرة» يتذكر وائل بإحباط «بما في ذلك المضيفون والركاب. نحن نعلم أنه لم يعد هناك شيء آخر يمكن القيام به ولا حلّ يلوح في الأفق».
وعلى عكس الرحلات الجوية التي تنسقها وكالة فرونتكس الأوروبية التي أدخلت آلية جديدة في سنة 2019 منخفضة النجاعة بحسب ما لاحظه خبراء ، لا تتيح رحلات الطيران شارتر التي تنظمها السلطات الإيطالية «إمكانية التشكي» وفق ما يؤكد ماورو بالما. وكما هو الحال في مراكز الاحتجاز والترحيل، قد يحدث أن يقوم الضامن بجمع الشكاوى ثم إحالتها إلى وزارة الداخلية، ولكن هذا «الحوار» يبقى داخليا، دون نتيجةٍ تذكر لفائدة الشخص المبلغ عن سوء المعاملة، ولذا لا يدخل ذلك في الإحصائيات الرسمية حول هذه الشكاوى. وبطبيعة الحال، في غياب معطيات لا توجد مشكلة أساساً !
أخيرا، لا ينبغي تناسي أن ميزان القوى في هذه الرحلات الجوية مختلّ (ضابطان أو ثلاثة ضباط لمرافقة كل شخص مرحّل)، أكثر حتى مما هو عليه في مراكز الاحتجاز والترحيل أين لا يندر أن تندلع تمرّدات يمكن أن تؤدي إلى إغلاق جزئي أو كلي للمركز، مثلما يشهد على ذلك ما حدث مؤخرا في مركز الاحتجاز بمدينة ميلو.
شركات متواطئة
حتى عندما لا تكون مسرحا للعنف المادي، لا ينفي ذلك أن عمليات الترحيل هي عمليات عنيفة واستعراض للقوة من قبل الدول «وينتهي بها الأمر بالتأثير على أضعف شرائح السكان الأجانب» على حد تعبير المحامي فيليو. وهي نفسها المجموعات التي تستبعدها منظومة التأشيرات التمييزية وقنوات التنقل القانوني والآمن. بعبارة أخرى، كل هؤلاء الأشخاص ليس مسموحا لهم اليوم بالسفر إلى إيطاليا، ولكن بمجرد أن تطأها أقدامهم يُشحنون قسرا على متن طائرة ويُطردون منها.
وعبر تشغيلها لهذه الرحلات، تصبح الشركات متواطئة ومستفيدة من المنظومة برمّتها : فكلما زاد اهتمام الحكومات وأموالها المخصصة للترحيلات كلما ارتفعت إيرادات الشركات المستفيدة من المقاربة القمعية والتمييزية للهجرة. وكما يشير ياشا ماكانيكو، من المرجح أن يتوسع هوس الحكومات الأوروبية بالترحيلات بفضل مراجعة توجيه الاتحاد الأوروبي بشأن العودة لسنة 2008. انطلق هذا الإجراء في 2018 لكنه لا يزال معلّقا في البرلمان الأوروبي الذي لم يتوصل بعد إلى موقف مشترك حوله. ولكن وفقا لماكانيكو تتمثل المحاولة في تقديم «أي عنصر يتعلق بحالة الشخص الصحية أو عمره أو حقوقه الإنسانية كعقبة أمام العودة»، وعدم اعتبارها عناصر «يجب أن تكون لها الأسبقية على توجيه العودة».
في السنوات الماضية، شُنت حملات في عدة بلدان ضد الشركات الضالعة في عمليات الترحيل القسرية عبر الرحلات شارتر. ووفقا للباحثة صوفي لينوار عن منظمة Corporate Watch * التي تصدر تقريرا سنويا عن عمليات الترحيل القسري من المملكة المتحدة عبر رحلات شارتر، من المرجح أن تؤتي هذه الحملات ثمارها إذا كانت شركة الطيران المستهدفة «تدير أيضا رحلات تجارية وبالتالي تولي اهتماما أكبر بصورة علامتها التجارية».
وتستشهد صوفي لينوار بمثال خطوط توي الجوية Tui Airways (الفرع البريطاني لمجموعة توي الألمانية) التي «تقدم أيضا رحلات تجارية للعائلات الذاهبة في عطلة». في المملكة المتحدة مثلا، وبعد حملة استنكار كبرى، «توقفت توي عن التعاون مع وزارة الداخلية في سياق عمليات الترحيل». لكن هذا الأثر محدود وفق لـ لينوار بسبب أن الشركة عادة ما تعلّق هذا النوع من الرحلات «بشكل مؤقت فقط ريثما يهفت انشغال العموم بالمسألة».
من خلال التحليل الذي تقدمه صوفي لينوار يظهر تشابه بين إيطاليا والمملكة المتحدة: فكما هو الحال في إيطاليا لسنوات أين كان الحاملون للجنسية التونسية الهدف الرئيسي للخطابات الرسمية المناهضة للهجرة غير النظامية، نفس الشيء ينطبق على الألبان في المملكة المتحدة. في سنة 2022، نددت الفيلسوفة البريطانية الألبانية ليا يبي بأن «الألبان هم أحدث ضحايا مشروع أيديولوجي يعرّض الأقليات للقوالب النمطية السلبية وعداء الأجانب والعنصرية من أجل تغطية إخفاقاته السياسية».
ضد منطق الترحيل
هذه هي العنصرية نفسها التي يندد بها النشطاء التونسيون·ـات وأمهات وأخوات الشباب المفقودين أو المتوفين أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط، في بيان نُشر حول قمع التمرّد الذي اندلع بمركز الاحتجاز بمدينة ميلو والذي نشرته جمعية Mem.Med (ذاكرة البحر الأبيض المتوسط) وجاء فيه «نحن نرى مرة أخرى الظلم في وضعية يُعامل فيها الشباب كمجرمين لا لشيء سوى بسبب هجرتهم».
«لا أحد يركب غمار البحر عالما أنه قد يلاقي حتفه، دون سبب وجيه يدفعه لذلك» يقول لؤي.
في نفس الموضوع
وعلى هذا النحو تتواطؤ شركات الطيران مثل آيرو إيطاليا مع منظومةٍ متزايدة الوحشية تهدف إلى قمع مشروع الهجرة لآلاف الشباب الباحثين عن حياة أفضل في إيطاليا. لكن هؤلاء نفسهم سيحاولون كرة أخرى مغادرة تونس في أول فرصة سانحة. يكتب الباحث ديفيد ليون سوبر في سنة 2019 «إن معاودة الهجرة التي يقوم بها المهاجرون التونسيون تمثل مقياسا لفشل اتفاقيات الترحيل بين إيطاليا وتونس»، مواصلاً أنه «يجب تفسير إعادة الهجرة التي يقوم بها أولئك المُرحّلون سابقا على أنها عمل واعٍ ومتمرّد ضد منطق الطرد والترحيل».
وائل، مثلا، عاد إلى إيطاليا بعد بضعة أشهر فقط من ترحيله: «وعلى أية حال أنا معتاد على المحاولات الفاشلة» يقول الشاب والابتسامة تعلو محياه. «لقد حاولت بالفعل المرور عبر صربيا في 2016-2017 لكنني أقول لنفسي دائما إن الحظ سيسعفني يوما من الأيام».
هذه المرة، غادر قاربه وعلى متنه 42 شخصا من بنزرت إلى سردينيا. استمر العبور 20 ساعة ورافقهم خلال الأميالالأخيرة الجيش الإيطالي. على اليابسة، نُقل وائل إلى مركز احتجاز مع جميع الركاب الآخرين «وحوالي الساعة الرابعة صباحا خرجت من المركز وهربت. مشيت كيلومترات حتى تمكنت من ركوب وسيلة نقل حملتني إلى مدينة أخرى...»
رويدا رويدا، تمكن الشاب من بلوغ فرنسا أين عاش في باريس خلال الأشهر الثلاثة الماضية يعمل كسائق توصيل في انتظار إيجاد طريقة لتحقيق الاستقرار في معيشته. قصصٌ كهذه في نظر الباحث ديفيد ليوم سوبر تدل على أن «فرضية أن تعود حرية حركة الأشخاص بين إيطاليا وتونس في الوقت الحاضر إلى سابق عهدها كما كانت في تسعينيات القرن الماضي هو أمر يصعب تصديقه».
في نفس الموضوع
في يوم 27 مارس، وفي مصادفة كانت أشبه بخاتمة مفتوحة لهذا التحقيق، نشرت وزارة الداخلية طلب عروض آخر للسوق. بعد سبع سنوات من النتيجة المخيبة للآمال لمناقصة كونسيب، تبحث وزارة الداخلية الإيطالية حاليا عن مرشحين لتأمين خدمة نقل جوي للمهاجرين غير النظاميين على فترة تدوم 36 شهرا.
وتذكر الجذاذة الفنية لطلب العروض أن الوجهات الرئيسية ستكون تونس ومصر. وفي حال نجح طلب العروض هذا، سيفوز به لا محالة وسيط من الوسطاء، وسيبقى اسم شركة الطيران المسؤولة عن تأمين هذه الرحلات «التي لا تشبه غيرها» خفيا، وستظل منظومة الطرد محافظةً على نفس درجة الضبابية المحيطة بالمنتفعين منها.