حدث هذا الإيقاف بعد يومين من مداهمة رجال مقنعين نفس المكان وإيقاف المحامية والمعلقة الصحفية سنيا دهماني.
قالت وزارة الداخلية في
بيان لها إن مهدي زقروبة متهم بهضم جانب موظف عمومي خلال أدائه لمهامه، فضلا عن الاعتداء بالعنف اللفظي والمادي ضد اثنين من أعوان الأمن بقصر العدالة بتونس يوم 13 ماي، وفق ما أظهره مقطع فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي. ويقول فاكر بوزغاية، الناطق الرسمي باسم الوزارة إن الأخيرة
بحوزتها أدلة تثبت تورط المحامي.
إيقاف "باستعمال القوة المفرطة"
يوم الأربعاء 15 ماي أي بعد مرور يومين من إيقافه، مثُل مهدي زقروبة أمام حاكم التحقيق رفقة لجنة دفاعه. أثناء الجلسة انهار المحامي فاقدا الوعي مما دفع محاميه إلى طلب عرضه على الطبيب الشرعي، الأمر الذي رفضه قاضي التحقيق متعللا بأسباب أمنية. في نهاية المطاف تم جلب سيارة إسعاف لنقل المحامي إلى أقرب مستشفى وبذلك أُنهي
الاستنطاق.
"بينما هو فاقد للوعي ونحن نطلب تعليق الاستنطاق أصدر حاكم التحقيق بطاقة إيداع السيد زقروبة" تروي سعاد بوكر، عضو هيئة الدفاع. وتقول المحامية إن زميلها "تعرض للتعذيب الشديد أثناء إيقافه والاحتفاظ به في بوشوشة، وهو ما عاينته الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب وأيضا قاضي التحقيق".
تفاعلت هيئة المحامين في ذات المساء من خلال بيان قالت فيه إن مهدي زقروبة يحمل "آثار عنف مادي بأجزاء مختلفة بجسده عاينها قاضي التحقيق المتعهد" مضيفةً أنه قد "تعرض للتعذيب أثناء فترة الإيقاف".
وتواصل الهيئة في بيانها قائلة إن "ما تعرض له [...] يُعد جريمة تعذيب تستوجب المتابعة والمؤاخذة الجزائية" وحمّلت أعوان وزارة الداخلية "كامل المسؤولية بخصوص ما تعرض له من اعتداءات وتعذيب".
تنديدات بالتعذيب
أثار إيقاف مهدي زقروبة وما تبعه من شبهات تعذيب عدة ردود فعل بما في ذلك لدى منظمات حقوق الإنسان. في
بيان رسمي صادر في 17 ماي أشارت منظمة العفو الدولية إلى "علامات عنف واضحة" داعية الدولة التونسية إلى فتح تحقيق مستقل في ادعاءات التعذيب، كما دعت المنظمة إلى الكشف على الوضع الصحي للمحامي المحتجز وتوثيقه وإحالة المشتبه فيهم إلى العدالة.
في نفس اليوم ورد في
بيان صادر عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن محامِي·ـات الدفاع وبعضهم أعضاءٌ في الرابطة،
قد عاينوا آثار كدمات وزرقة وخدوش وجروح بادية وظاهرة على جسد مهدي زقروبة.
من جانبه يؤكد بسام الطريفي، رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، أنه "قد عاين شخصيا آثارا التعنيف والتعذيب بادية على جسده".
شارك مئات المحامين·ـات إلى جانب العديد من النشطاء والمدافعين·ـات عن حقوق الإنسان يوم 16 ماي في مسيرة جابت شوارع العاصمة احتجاجا على إيقاف سنيا الدهماني ومهدي زقروبة والتعنيف الذي عان منه الأخير. هتف المتظاهرون·ـات بشعارات تدعو إلى الحرية والكرامة.
يقول الباحث والمحلل القانوني مهدي العش أنه "إذا لم نقاوم فسوف نخسر كل مكاسب الثورة وبسرعة أكبر" مضيفا "لقد فقدنا بالفعل الكثير".
في نفس الموضوع
وعلى الرغم من
وجود محضر معاينة، بحسب رئيس الجمعية التونسية للمحامين الشبان، طارق الحركاتي، إلا أن وزارة الداخلية من جهتها قد نفت بشدة اتهامات التعذيب على لسان فاكر بوزغاية الناطق الرسمي باسمها والذي
وصف الادعاءات بأنها "مغالطات". وبحسب بوزغاية فإن ذلك يعكس "رغبة في التفصي من العدالة" مؤكدا أن العملية موثقة ومسجلة وبإمكان القضاء الاطلاع عليها.
من جهته
يقول رئيس الجمعية التونسية للمحامين الشبان أن منظمته تولت تقديم شكاية في التعذيب لدى النيابة العمومية.
"سوء المعاملة متواصلة"
كثيرا ما استخدم نظام بن علي التعذيب كأداة للقمع السياسي وانتزاع الاعترافات. واستخدمت أجهزة الأمن آنذاك أساليب وحشية أدت في بعض الأحيان إلى موت المعنيين·ـات وحالات اختفاء قسري.
في نفس الموضوع
اتُّخذت بعد الثورة خطوات مهمة في سبيل تفادي حدوث ذلك مجددا مثل إنشاء الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في سنة 2016 وإنشاء آلية وطنية للوقاية من التعذيب. غير أن هذه المبادرات لم تنجح في القضاء تماما على هذه الممارسات.
يقول مسؤول جمعياتي تونسي منذ 2015 أن "السجون باتت تشهد حالات تعذيب أقل ولكن سوء المعاملة لا تزال متواصلة"، ذلك أن "معظم الأعوان ظلوا هم نفسهم ويعملون في ظل نفس الظروف. إنها العقليات هي التي يجب تغييرها".
قامت المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب بين سنتي 2013 و 2017 كجزء من برنامجها "سند" بمساعدة 171 شخصًا ضحية سوء معاملة أو تعذيب.
في الآونة الأخيرة، أحصى
تقرير نشرته المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب 144 ضحية سوء المعاملة بين سنتي 2020 و 2021. ومن بين هؤلاء تعرض 99 شخصا لاعتداءات من قبل أعوان الشرطة و 19 من قبل الحرس الوطني و 16 من قبل أعوان السجون.
ووفقًا للمنظمة فإن التعنيف غالبا ما يكون في شكل "لكمات أو ركلات أو ضرب بالهراوات (ماتراك) أو العصي على جميع أنحاء الجسد، إضافة إلى الاعتداءات الجنسية والإهانة والتهديد بالاغتصاب والموت والملاحقة".
ووفقًا لتقرير نشرته منظمة العفو الدولية سنة 2017 "لا يزال تعريف التعذيب في القانون التونسي غير متسق مع المعايير الدولية". ويواصل التقرير قائلا أن هذا التعريف "لا يورد العقاب باعتباره من الأغراض المحظورة للتعذيب". حيث يقتصر الفصل 101 مكرر جديد من المجلة الجزائية على تعريف للتعذيب مبني على نوعين من الأغراض وهما "الحصول على اعتراف" أو "التمييز العنصري".
تعرض 78 ضحية من مجموع 144 ضحية تكفلت بهم المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب للتعذيب لأغراض عقابية. ومن بينهم فؤاد الذي تم إيقافه في فيفري 2020 في الحبس الانفرادي بعد مشادّة مع أحد حراس السجن. وخلال هذه الفترة، أخضعته مجموعة من الأعوان للإهانة والتعنيف الجنسي بهدف معاقبته. وبعد عدة أشهر، طلب عيادة الطبيب لفحص ألم في البطن غير أن طلبه رُفض وتعرض للاعتداء مرة أخرى مما ترك آثاراً مرئية عاينها محاميه.
في بعض الحالات أيضا يؤدي التعذيب إلى موت الضحية كما كان الحال بالنسبة لأحمد بن عمارة الذي توفي نتيجة العنف الذي مارسته عليه وحدات الشرطة في سيدي حسين، وفقاً لشهود عيان.
قالت أخته كوثر آنذاك أنها "رأت في المشرحة جروحاً في رأسه ودماً بالقرب من أنفه ورضوضاً كثيرة على جسده، ما يشير إلى أنه ربما تعرَّض للتعذيب". في حين نفى الناطق باسم وزارة الداخلية آنذاك أن تكون وفاة الشاب قد وقعت في مركز الشرطة.
تسببت وفاة أحمد المشبوهة في اندلاع احتجاجات ومشاحنات دامت عدة ليال في منطقة سيدي حسين. وبحسب آمنة قلالي، نائبة مدير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، فإن مقتله أثار موجة من الغضب في البلاد "لأن التونسيين لا يرون أن المسؤولين ستطالهم يد المحاسبة".
في نفس الموضوع
يقول
تقرير صادر في 2019 عن منظمة العفو الدولية إن "االأغلبية الساحقة من التحقيقات مع أفراد قوات الأمن يندر أن تتخطى مرحلة التحقيق، كما أنها لم تؤدِّ إلى محاكمات ناجحة للجناة على الإطلاق".
في سنة 2022، وجد ربيع الشيحاوي، الموقوف في سجن المرناقية منذ خمسة أيام، نفسه ضحية أزمة وُصفت بأنها "عصبية" لم يلبث أن توفي بعدها إثر نقله إلى مستشفى الرابطة عن عمر 22 ربيعا. وبحسب شقيقته مريم فإن جثمان ربيع كانت تظهر عليه علامات "تعذيب" بما في ذلك كدمات على معصميه ووجهه وقدميه وعلى الجانب الأيسر من صدره. في تصريح لإنكفاضة، تقول مريم شقيقة الضحية إنه ل توجدا أخبار حتى الآن عن أي تقدم للقضية.