في غرّة جوان 1955، عاد الحبيب بورقيبة إلى تونس بعد ثلاث سنوات من النفي، ليستقبله حشد ضخم في ميناء حلق الوادي. هذا الاستقبال لم يكن وليد تفاعل شعبي عفوي فحسب، بل كان ثمرة تنظيم محكم من الحزب القومي. وُجّهت دعوات إلى وفود من مختلف الجهات التونسية. شاركت في هذا الحدث الرمزي مختلف الفئات الاجتماعية والدينية، من الكشافة والأساتذة الزيتونيين، إلى ممثلين عن الباي والفلاّقة، ما أضفى على المناسبة بعدًا جامعًا وغير مسبوق.
أظهر بورقيبة في ذلك اليوم قدرة بارعة على التماهي مع رموز الوطن وتمثيلها في جسده ومظهره. بذلك، بدا وكأنه يتقمص الوطن بكل رموزه، ليجسّده أمام أنظار الجماهير. هذا المشهد المصمم بدقة، والذي وثّقته صور ونصوص المرحلة، ساهم في خلق السردية الوطنية التي تمحورت حول بورقيبة كبطل ومحرّر وقائد أوحد للاستقلال.
عقب الاستقلال، تحوّل غرّة جوان إلى عيد رسمي سُمّي "عيد النصر"، في تأكيد على مركزية ذلك الحدث في سردية الدولة الناشئة. وحتى الأصوات التي عارضت اتفاقيات الاستقلال الداخلي لم يكن بمقدورها منافسة هذا الزخم الرمزي، إذ تلاشت تحت ضغط المشهد الوطني الموحد. لقد جسّد بورقيبة لحظة العودة كفعل مؤسس للوطن، وأسس من خلالها لمعادلة تجعل من شخصه مرادفًا لتونس الحديثة. وبينما سُحبت هذه الرمزية لاحقًا من الذاكرة الرسمية في عهد بن علي، ظل ذلك اليوم نقطة تحول حاسمة في بناء سردية وطنية تدور حول بطل واحد، وشعب موحد، ووطن يُعاد تشكيله رمزيًا من لحظة العودة.
رابط المقال :
inkyfada.com/ar/2021/06/01/خفايا-التاريخ-1-جوان-1955-بورقيبة/
إنكفاضة بودكاست هي أول منصة رقمية من نوعها مخصصة كليا للإنتاجات الأصلية للبودكاست في تونس. أطلقها موقع إنكفاضة بالتعاون مع إنكيلاب مخبر البحث الرقمي والتطوير التابع له. في خضم العدد الهائل والمتزايد لإنتاجات البودكاست في العالم (وهي إنتاجات صوتية أصلية متوفرة عند الطلب)، انضمت إنكفاضة للمغامرة سنة 2017 حين انكبّ الفريق على إنتاج أول وثائقي سمعي تونسي يتمثل في غوص غير مسبوق في الكامور : اعتصام في قلب الصحراء. منذ ذلك الحين، ضاعفت إنكفاضة بودكاست إنتاجاتها من وثائقيات وبرامج و مقالات مسموعة مُدمجة على خلفية موسيقية، وقصص أخرى تتناول مواضيع شتى متعلقة بالإشكاليات الراهنة والحالية، في سبيل توفير انغماس أعمق وتجربة بديلة. بالإضافة إلى خصوصية الإنتاجات الأصلية القائمة حصراً على وسائط سمعية، تتبنّى إنكفاضة بودكاست مبادئ وقيم الموقع الأم inkyfada.com المتمثلة في إصدارات ملتزمة ودقيقة وذات جمالية وجودة عاليتيْن. إلى جانب الفريق الدائم، تتعاون إنكفاضة بودكاست عن كثب مع صحفيين وصحفيات وفنانين وفنانات ومصممين ومصممات وموسيقيين وموسيقيات ومختلف صانعي وصانعات المحتوى، قصد تقديم إصدارات متنوعة وفي سبيل دعم الوسط الفني. يكمن الفرق بين البودكاست وبين المحتويات المُذاعة على قنوات الراديو التقليدية خاصة في ما تتخلله من عمل جسيم على الإخراج والمونتاج الأشبه بالتقنيات السينماتوغرافية. هذا بالإضافة لكونها موجهة للاستعمال على شبكة الإنترنت ومتوفرة للتحميل المجاني والاستماع عند الطلب. إنتاجات إنكفاضة بودكاست تقدم للمرة الأولى كذلك ترجمات تحتيّة متوفرة باللغات الثلاث العربية والفرنسية والإنجليزية لكل المحتويات السمعية المحكيّة أغلبها باللهجة التونسية، أو باللغة التي تـ·يخيرها المتدخلة أو المتدخّل.