حضر الجلسة العامة إيمانويل مورال، النائب عن التيار اليساري والذي كان من المقرّر أن يؤدي زيارة رسمية إلى العاصمة التونسية رفقة أربعة نواب آخرين* في اليوم الموالي. ويشكل جميعهم وفدًا عن لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي (AFET).
نزل الخبر نزول الصاعقة مع حوالي السابعة مساءً. حيث أصدرت السلطات التونسية بيانا مقتضبا تبلغ فيه الوفد بـ"منعه من دخول أراضيها". في حوار مع إنكفاضة، عبّر إيمانويل مورال عن مدى صدمته وأسفه حال تلقيه الخبر مشددا على أنه سبق وأن أُثيرت هذه الاحتمالية وإن لم يكن يُتوقع حدوثها بالفعل.
برنامج زيارة محرج
بحسب البيان الذي نشرته على الانترنت، أرجعت السلطات سبب رفضها لدخول الوفد التراب التونسي إلى وجود "عدة تحفظات" حول طبيعة هذه الزيارة لكن دون الإدلاء بأية تفاصيل حول ماهية "التحفظات".
يعتقد إيمانويل مورال من جانبه: "أن هذه التحفظات واضحة وضوح الشمس". إذ يرى النائب أن "حكومة السيد سعيد لم تكن راغبة في أن يلتقي الوفد بممثلين عن المعارضة". ومن جهتها، توضح سليمة ينبو النائبة عن مجموعة تجديد أوروبا صلب البرلمان الأوروبي وأحد أعضاء الوفد، أن برنامج الزيارة كان سيتضمن لقاءات مع "أعضاء من الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات النقابية".
تؤكد سليمة ينبو: "لقد سعينا إلى مقابلة جهات فاعلة من شتى الأطياف من أجل تجميع أكبر عدد ممكن من وجهات النظر المختلفة. وقد استجاب الجميع بشكل إيجابي إلى طلباتنا".
من ضمن أفراد المجتمع المدني هؤلاء، كان من المقرر أن يلتقي البرلمانيون·ـات بأحد الحقوقيين المنتمين إلى هيئة الدفاع عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة. وباتصالنا به، أكد لنا هذا الأخير أنه كان "على يقين من أن السلطات ستحول دون دخول البرلمانيين الأوروبيين إلى الأراضي التونسية".
في نفس الموضوع
وفقا له، فإن الغاية من اللقاء المبرمَج مع النواب والنائبات كان يتمثل في "دفع الأوروبيين إلى تحمل مسؤوليتهم كاملة"، باعتبار أن بعض البعثات الدبلوماسية الأوروبية متورطة في ما يُعرف بقضية التآمر على أمن الدولة*. وإن يقر الحقوقي بنبل الهدف النضالي وراء هذا اللقاء، فإنه يؤكد أن البرلمانيين لم يكونوا ينوون لقاء عناصر المجتمع المدني فحسب بل كذلك “عقد اجتماعات مع مسؤولين حكوميين”.
من جانبها، أوضحت وزارة الشؤون الخارجية التونسية في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أن النواب كانوا "يعتزمون القيام بهذه الزيارة دون التنسيق المسبق مع السلطات الرسمية" كما أنهم لم يطلبوا مقابلة وزير الشؤون الخارجية. وباتصالنا بها، لم تستجب وزارة الشؤون الخارجية لطلباتنا لإجراء مقابلة.
وفقاً لإيمانويل مورال فإن الوفد بذل قصارى جهده لتنظيم مقابلة مع السلطات: "حاولنا جاهدين وإلى آخر لحظة مقابلة المسؤولين الحكوميين التونسيين أو على الأقل، بعض أعضاء مجلس النواب".
يوضح البرلماني الأوروبي: "أعلمتنا مصالح مجلس النواب أنها بانتظار تلقي الدعوة بصفة رسمية من وزارة الشؤون الخارجية التونسية، وهو ما لم يحدث أبدا".
ومع ذلك، يوحي بيان وزارة الشؤون الخارجية بأن النواب "تمسكوا" بتأدية زيارتهم إلى تونس "رغم عديد التحفظات" التي أبدتها السلطات. وفي مقابل ذلك يفيد إيمانويل مورال بأنه لم يصدر عن الجانب التونسي ما يوحي بمنع الزيارة قائلا: "صحيح أنهم أعلمونا بعدم رغبتهم في مقابلتنا، ما اضطرنا إلى تغيير جدول أعمال الوفد، لكننا لم نتلق أي رسالة تنذر بصد الأبواب في وجوهنا".
تصعيد اللهجة بين تونس وستراسبورغ بشأن حقوق الإنسان
إلى جانب برنامج الزيارة المقررة إلى تونس، قدم البرلمانيون.ات جملة من الفرضيات الأخرى لتفسير قرار السلطات. إذ ترى سليمة ينبو: "يجوز لنا أن نخمن أن تونس لم تستسغ الانتقادات الموجّهة إليها من قبل البرلمان الأوروبي".
وتضيف النائبة: “إذا كان هذا هو السبب، فإنه من المؤسف، مرة أخرى، عدم إعطاء فرصة للحوار الذي يُعتبر النقد جزءا لا يتجزأ منه”.
وبالفعل أسهب النواب خلال الأشهر الأخيرة في انتقاد الحكومة التونسية. وقد أدان البرلمان الأوروبي في قرار اعتمده في منتصف شهر مارس الماضي ما وصفه "بالانجراف الاستبدادي للرئيس قيس سعيد وتوظيفه للوضع الاجتماعي والاقتصادي الكارثي في تونس".
ليس غريبا إذا أن خطاب البرلمان الأوروبي الناقد لوضعية دولة القانون قد أثار استياء السلطات، مثلما يتجلى من خلال تصريحات الدبلوماسية التونسية لوكالة تونس إفريقيا للأنباء والتي شدّدت فيها على أن الحوار مع الجانب الأوروبي "يجب أن يتم في كنف الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد".
كما يمكن اعتبار قرار إلغاء السلطات لهذه الزيارة رغبةً منها في إيصال رد حازم على الاتهامات الموجّهة من قبل النواب والنائبات الأوروبيين.ات. إذ يجدر بالذكر أنه قد تم تبني الخطاب ذاته لتبرير طرد إستر لينش، الأمينة العامة للاتحاد الأوروبي للنقابات*، في شهر فيفري الماضي، على إثر اتهامها من قبل رئيس الدولة بـ" التدخل السافر في الشأن التونسي".
يصرح إيمانويل مورال: "شخصيًا، لا أرى في ذلك سوى عملية اتصالية ترمي إلى إلهاء الرأي العام وتحويل أنظاره عن فشل الحكومة التونسية في إدارة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية مع تسترها بذريعة التصدي للتدخل الغربي".
اعترفت وزارة الشؤون الخارجية في ذات التصريح بأنها طلبت من الجانب الأوروبي تغيير التركيبة المقترَحة للوفد حتى تضم أعضاء "أكثر موضوعية"، خاصة وأن معظم أعضاء الوفد كانوا قد أدلوا بتصريحات مناوئة لنظام قيس سعيد خلال الأشهر الأخيرة السابقة للزيارة.
ومن ذلك عندما طالبت سليمة ينبو الاتحاد الأوروبي في مارس 2023، بـ" تبني موقف أكثر صرامة تجاه الانجراف الاستبدادي" للنظام، وحينما نادى إيمانويل مورال ومانويل غاهلر، في شهر أفريل الماضي، بإطلاق سراح المعتقَلين السياسيين على الفور. أو كذلك عندما شدد منير الساتوري من ناحيته، في جويلية 2023، على تمسكه بـ" وضع قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في صميم أي اتفاقية تُبرم مع تونس".
تواصل الاتفاقيات رغم المأزق الدبلوماسي
ومع ذلك، فإن أبواب قصر قرطاج لم تكن موصدة في وجه كل البرلمانيين.ات الأوروبيين.ات، حيث يشهد على ذلك اللقاء الذي جمع قبل أسبوعين من هذه الحادثة بين قيس سعيد ومانفريد فيبر، رئيس حزب الشعب الأوروبي (يمين الوسط) الذي يمثل أكبر كتلة برلمانية وتناول اللقاء مسألة "تحديات الهجرة".
لا ريب أن الحوار مع الاتحاد الأوروبي يعدّ أجدى بكثير عندما يتعلق الأمر بالتعاون في مجال مكافحة الهجرة. إذ تُعتبر مذكرة التفاهم المبرَمة بين المفوضية الأوروبية* والحكومة التونسية في منتصف شهر جويلية الماضي والتي تضع "مكافحة تدفقات الهجرة غير النظامية في صدارة أولوياتها" من أبرز ركائز الشراكة بين ضفتي المتوسط.
جدير بالذكر أن هذه المذكرة أثارت الكثير من الجدل حتى بين مختلف الحكومات الأوروبية نفسها. إذ تعترف سليمة ينبو بأن "العديد من الدول الأعضاء أعربت عن عدم رضاها عن الطريقة التي أُبرمت بها الاتفاقية".
في نفس الموضوع
فضلا عن ذلك، يجد القادة الأوروبيون أنفسهم في مواجهة "أصوات مكونات المجتمع المدني التي تتعالى" احتجاجا على السياسة المنتهَجة والتي من شأنها أن تجعل من تونس "مصبّ" الاتحاد الأوروبي لأدفاق الهجرة*. وفي المقابل، أعرب بعض رؤساء الدول الأوروبية عن تأييدهم المطلق لهذه الاتفاقية على الرغم من الأصوات المعارضة سواء من الداخل أو من الخارج. ومن بين أشرس المؤيدين، جيورجيا ميلوني التي وصفت المذكرة المبرَمة في جويلية بالـ" النموذج" الذي يمكن للاتحاد الأوروبي اتّباعه في سياسته الخارجية مع بلدان أخرى.
يندد إيمانويل مورال بحقيقة أن "المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي مهووسان بمسألة الهجرة". و "يبدو أنهما موافقان على كل شيء طالما أن السيد سعيد يلتزم بإغلاق حدوده".
لا ريب في أن هذه الخلافات القائمة بين مختلف المؤسسات الأوروبية من شأنها تعميق غموض موقف الاتحاد إزاء تونس. ولئن عبّر ماركوس كورنارو، سفير الاتحاد الأوروبي بتونس - الراجع بالنظر إلى السلطة التنفيذية الأوروبية- عن " بالغ أسفه" إثر قرار منع الوفد الأوروبي من دخول التراب التونسي، فإنه يعتبر أن الحفاظ على "الشراكة القوية والاستراتيجية" التي تجمع بين الاتحاد الأوروبي وتونس أمر مفروغ منه ولا يجوز المساس به.
ازدواجيةٌ في المواقف لا تفوّت الحكومة التونسية على نفسها فرصة استغلالها، حيث أنها ترحب بالتعاون مع المفوضية الأوروبية في مجال الهجرة، في حين أنها ترفض في الوقت نفسه التحاور مع البرلمان بشأن مسألة حقوق الإنسان. وحول هذه النقطة، تقول البرلمانية الأوروبية سليمة ينبو أن "ازدواجية التعامل مع مختلف المؤسسات الأوروبية أمر مؤسف للغاية".
"لا يقتصر الاتحاد الأوروبي على الأجهزة التنفيذية فحسب، بل يشمل كذلك المجلس والدول الأعضاء والبرلمان. وينبغي أن تنبع جميع قراراته من مختلف الأطراف الفاعلة في الاتحاد الأوروبي".
على الرغم من هذه الحادثة، فإن أعضاء البرلمان الأوروبي عاقدون العزم على مواصلة محاولة التأثير بكل ثقلهم على مجرى العلاقات القائمة بين بروكسل وتونس. تؤكد سليمة ينبو على أن "البرلمان الأوروبي قد التقى بالحكومة التونسية في عديد المناسبات وسيواصل على هذا المنهاج إذ من المبرمَج أن تؤدي بعثة لجنة الحريات المدنية والشؤون الداخلية (LIBE) زيارة إلى تونس في شهر نوفمبر".