قانون عدد 88 – 95 لسنة 1988 مؤرخ في 2 أوت 1988 يتعلق بالأرشيف
في أعماق الأرشيف الوطني و وسط العدد اللامتناهي من إشارات الفرز للوثائق التي تبعث بها الادارات و الوزارات التي تضاف إلى ال20 ألف كيلومتر من الأرشيف يقبع شابّان، ولد وبنت، في صمت. لم يكونا بصدد الإعداد لامتحان أو ما شابه ذلك بل كانا في اواخر شهر جويلية بصدد الاطلاع على أرشيف التجمع الدستوري الديمقراطي حزب بن علي.
همس إلينا السيد هادي جلاب مدير الأرشيف الوطني قائلا “يتطلب التحدث إلى هذين الشابين المرور عبر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات و كما تلاحظون انهما يقومان بعمل شاق”.
في غرفة أخرى تم جلب علب أخرى تحتوي على ملفات و أغلفة فتحها شبان بحذر شديد. على أحد الحزم المفتوحة يمكن أن نقرأ بالبنط العريض “الوكالة التونسية للاتصال الخارجي” و هي الوكالة التي كانت مسؤولة عن الدعاية الاعلامية لفائدة بن علي. لا وقت لمزيد مراقبة ما يجري فقد أغلق الباب فنتيجة هذه الأبحاث سيتم استعمالها لاثبات واتمام ال16500 ملف المودعة لدى الهيئة بعد التثبت (تحيين 2 أكتوبر 2015 ).
هذه البحوث ستمكن الهيئة من الحكم على بعض الحالات التي لا ترجع بالنظر بالضرورة إلى القضاء كلجنة التحكيم مثلا فالعمل مازال في بدايته و سيكون صعبا و طويلا.
اليوم يجب الاطلاع على كل شيء فالمسألة بمثابة البحث عن إبرة في كوم من القش لفهم لغز الدكتاتورية فالهيئة تعمل على الاستعانة بموظفي الأرشيف الوطني لكن بعد ذلك تقوم بدمج المعلومات لأن الأرشيف في حد ذاته ليس دليلا على وقوع الجريمة أو الفساد ” حسب السيد هادي جلاب.
بالنسبة الى نرجس دباش المسؤولة عن الأرشيف في الهيئة، يبقى الأصعب في الوقت الحاضر، مدى قدرة الهيئة على تغطية أكثر من نصف قرن في فترة نيابة تمتد على أربع سنوات.
“يمثل الأرشيف الذي تم الاحتفاظ به طيلة أكثر من 58 سنة كيلومترات من الوثائق لكن ما يجب الاشارة اليه هو الفوضى التي تحيط به. وهي فوضى مقصودة الهدف منها التمويه على الحقائق و هو معطى يجعل المهمة أصعب”.
قضية أرشيف البوليس السياسي
بالرغم من كل ما تم ذكره من مصاعب تعترض انجازه بشكل مثالي فإن هذا العمل الدقيق يمثل أحد أعمدة الذاكرة والعدالة في تونس. ولفهم قضية أرشيف الدكتاتورية في تونس كان لابد من أن نرجع إلى الوراء و تحديدا قبل أربع سنوات في مسرح “التياترو” أين نظمت فرح حشاد رئيسة جمعية “المخبر الديمقراطي” ندوة غير مسبوقة حول قضية الأرشيف و خصوصا أرشيف البوليس السياسي.
في تلك الفترة وفي ذلك الفضاء السينمائي المريح كان الحديث عن البوليس السياسي و كأنه أحد ألغاز الدكتاتورية التي لم يتم حلها. وقد كان من بين الضيوف عسكريون و نشطاء من المجتمع المدني مثل مختار الطريفي. كما حضر وزراء في الحكومة الحالية مثل لزهر العكرمي (المستقيل) و الطيب البكوش.
بدأ الحاضرون في الحديث بشكل حر لاول مرة دون أن يعرف (أو لا يريد أن يقول) أيّ كان مكان الأرشيف فلا أحد يعرف حجمه، فهو يمثل أحد أعمدة نظام بن علي وخاصة النظام الموازي الذي تم وضعه للتجسس و هرسلة المعارضين.
قمنا بانتاج فيلم وثائقي لافتتاح النقاش و لم يكن لدينا في تلك الحقبة أي قاعدة مرجعية للحديث عن هذا الموضوع فكان من الضروري أن يتدخل الحاضرون من نشاطاء سياسيين و جمعياتيين ماهية البوليس السياسي حسب الصحفي ثامر المكي الذي شارك في إنتاج فيلم الذاكرة في خطر الذي انتجه المخبر الديمقراطي للحوار.
هذا بالضبط ما قاله فرحات الراجحي وزير الداخلية السابق الذي إفتتح الوثائقي معرفّا البوليس السياسي :
«ما نسميه البوليس السياسي هو رجال الأمن المكلفين بالتحقيق في قضايا ذات طابع سياسي فهناك من يقومون بجرائم حق عام و يتم محاكمتهم حسب القانون الجزائي و اولئك الذين يتهمون بالمس من أمن الدولة أو النظام القائم و هو ما يعطي لهذا الجهاز صفة السياسي و لهذا نسمي القائمين عليه بالبوليس السياسي».
في تلك الحقبة كانت الأولوية لا تتعلق بمضمون ذلك الأرشيف بل الحفاظ عليه في إطار منظومة قانونية.
«ما يجب أن نفهمها فهو أنه لا يوجد أرشيف واحد كما لا توجد شبكة معلومات واحدة في عهد بن علي فقد كان يوجد شبكة مرتبطة بالحزب و أخرى لها علاقة بالدولة و التي يمثل الرئيس أعلى هرم فيها، فهنك تصور كامل مبني على دمج الدولة بالحزب في حين أنه من المفترض أن يكون الاثنان منفصلين. فقد كان بن علي ينزع إلى أن يمركز في قبضته كل شيء خوفا من هيمنة الحزب كما أن الأمر يتعلق بشبكة عنكبوتية».
إضافة إلى عمل هيئة الحقيقة و الكرامة تعمل جمعية فرح حشاد منذ ثالث سنوات على تحسيس المواطنين حول قضية الذاكرة.
في هذا الاطار قام المخبر الديمقراطي بنشر ثلاث إصدارات متكونة في شكل ثلاثة مجلدات تحت عنوان “الثورة التونسية و الرهانات الأمنية ” كان الهدف منها تبسيط مفهوم البوليس السياسي وكيف يعمل الجهاز الأمني في ظل الدكتاتورية.
«نحن نعلم أن الأرشيف موجود و لكننا لم نطلب أن نطلع عليه فنحن ضد هذه الفكرة فهذه المسألة يجب أن تكون مؤطرة».
في المجلد الأول المخصص للارشيف قام المؤلفون باعطاء تعريف إضافة إلى تقسيم له. تحدث المجلد الأول عن:
«أرشيف الرئاسة و أرشيف وزارة الداخلية و التجمع الدستوري الديمقراطي و الادارة أو الهيئة غير الرسمية و من بينها أرشيف الدكتاتورية التي تم تعريفها على أنها جملة الوثائق التي تم استخدامها لتقوية الدكتاتورية و الحفاظ على ديمومتها فالارشيف الأمني يخدم في الدول الديمقراطية الأمن البشري و لكنه يأخذ طابعا أخر في ظل الدكتاتورية و يتم إستعماله من اجل الإبتزاز أو القمع كما هو الحال بالنسبة للتنصت على الهواتف و التجسس …ألخ».
تعرضت الكتب كذلك إلى جملة من التوصيات مع محاور للاصلاح بالتعاون مع وزارة الداخلية ومؤسسات أخرى عندما كان القاضي لطفي بن جدو يباشر مهامه. و قد قام بتكليف لجنة تتكون من اثني عشر عنصرا ينتمون إلى جميع مصالح الوزارة على غرار المصالح المختصة.
تضيف فرح حشاد أنه “لم يكن هناك تردد في الحديث معنا لكننا لم نتحدث عن القضايا المتعلقة بأسرر الأمن القومي”.
نظرا لعدم التمكن من دراسة مضمون الأرشيف تم وضع إطار قانوني كي يتزامن ذلك مع بداية الانتقال الديمقراطي، غير أنّ النقاش تفجّر من جديد حول الأرشيف خصوصا في الفضاء السياسي العام.
قضية الأرشيف “الحساس”
بعد 14 جانفي 2011 تمت سرقة أرشيف الرئاسة إلى جانب مقر التجمع الدستوري الديمقراطي ب”بوتزريس” دون إعتبار مختلف مقرات هذا الحزب التي تم حرقها أو اللافتات التي تم سرقتها من بعض المحاكم ليلا.
“تم حرق ثلاث عشرة محكمة ومقرات للقباضات المالية كما هو الحال بالنسبة ل 300 مقر بلدية لكن في خضم ذلك لم يكن هناك خسائر تذكر فيما يتعلق بالارشيف بحكم أن كل شيء كان ممركزا في الوزارات “.
بالنسبة الى الهادي جلاب المهمة الأصعب تتمثل في تعريفأرشيف البوليس السياسي: “الأرشيف هو ما تم إنتاجه من طرف موظف ما خلال ممارسته لمهامه و في أغلب الأحيان ما هو متعلق بالمراقبة أو الفساد أو التجاوزات البوليسية المسجلة كتلك المكتوبة “.
في هذا المستوى تختلف وجهات النظر وقد قدم العديدُ شهادات فيما يتعلق بممارسات جلاديهم كمثال راشد جيدان. فعندما يمضي طبيب ما شهادةَ موتك يمكن إعتبار ذلك شكلا من أشكال الضغط فما هو مصير هذا النوع من الوثائق ؟
هل هناك جرد لهذه الملفات و لجملة الوثائق الأخرى التي تثبت التعذيب في تونس؟ من الصعب معرفة ذلك اليوم.
مثال آخر يدل على وجود أرشيف للبوليس السياسي وهو الفيديو المسرب لوزير الداخلية السابق علي لعريض سنة 2012 عندما كان بصدد ممارسة اللواط في سجنه مع أحد السجناء. هذا الفيدو انتجه النظام ثم أرسله إلى عديد الأشخاص للحط من قيمة المعارضين السياسيين. بعد ذلك تم بشكل مقصود نشره في عديد الصحف الدعائية لاثارة الفضيحة.
عدسة أمين بوفايد/ صورة مستوحاة من الوثائقي “7 حيوات”
حسب أحمد مناعي أحد معارضي بن علي، يتعلق الأمر بصحافة الاباحة الدعائية.
فقد أثبتت اعادة نشر الفيديو بعد 20 عاما، بالتوازي مع دخول علي العريض في صارع مع كوادر أمنية قصد ازاحتهم، وجود قاعدة لارشيف البوليس السياسي الذي يتمّ الاحتفاظ به بشكل قصدي للتهديد أو للضغط.
يجب كذلك العودة الى تصريحات سمير فرياني وهو موظف سام سابق في وزارة الداخلية تم إيقافه في ماي 2011 بعد أن صرح للصحافة حول سلوكات بعض كوادر وزارة الداخلية في الاشهر الاولى من الثورة. في هذه القضية وُجهت له أكثر من 29 تهمة ولينال 5 أشهر سجنا بالنسبة لأوّل شخص تحدى قانون الصمت حول وزارة الداخلية. هذا و قد صرح كذلك أن “بعضا من الأرشيف قد تم حرقه” وأن كوادر من وزارة الداخلية تعمدت حرق أرشيف منظمة التحرير الفلسطينية.
في جويلية 2011 صرحت محامية بالاضافة الى ناشط يقطن في باريس أنه بحوزتهما وثائق تثبت أن بعض المعارضين السياسيين و الصحفيين كانوا تحت المراقبة في عهد بن علي حيث ادعيا أنهما يمتلكان وثائق من أرشيف مقر التجمع الدستوري الديمقراطي في بوتزاريس دون الحديث عن فحواها. فماهو مصير هذه الوثائق التي تبخرت في الطبيعة كما هو الحال بالنسبة الى اللمحامية و الناشط.
في شهر ديسمبر 2013 نشر المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية انذاك الكتاب الأسود حيث ادلى بعدة أسماء متورطة في الدعاية للدكتاتورية إنطلاقا من أرشيف الرئاسة.
هذا التمشي يعطي إنطباعا أن هذا الملف يمثل محورا لقضية العدالة الانتقالية فاليوم ورغم أنه تم سن قانون في هذا الصدد و تم إنشاء هيئة متخصصة لهذه الغاية مازال ملف الأرشيف ينتظر الحسم فيه.
في ظل هذا الوضع من الصعب ضمان الحفاظ على الأرشيف لكن النقاش يتمحور استعجاليا حول ضرورة فتح ما تبقى من الارشيف لتسليط الضوء على الماضي و إعادة الاعتبار للحقيقة.
فقانون العدالة الانتقالية الذي تم سنه سنة 2013 يخوّل لهيئة الحقيقة و الكرامة أن تتكفل بهذا الملف الحارق لكن نستطيع أن نلتمس إلى حد اللحظة تلكأ الوزارات والرئاسة التي تمتلك أكثر من 15 ألف وثيقة من الأرشيف.
نفاذ محدود بالنسبة الى المواطن
هذا الرفض السياسي لطرح قضية الأرشيف السياسي راجع في جانب منه إلى جهل أهميّته في صفوف النخبة السياسية لكن كذلك عند المواطنين.
رغم أن تونس كانت سباقة في تجميع و تنظيم الوثائق في أفق أرشفتها (1874) إلا أن النظام تفكك إضافة إلى نقص في الطاقات و في أعوان الأرشيف المختصين حسب المؤرخة هدى بن حمودة.
فقط سنة 1998 عندما تم إطلاق سياسة وطنية حول الأرشيف، تم انشاء بناية في شارع 9 أفريل عوضت قاعة ” دار الباي” بالقصبة بتنظيم حقيقي للارشيف في تونس. وقد مثل ذلك موضوعا للدعاية الرسمية لكونه يهتم بالحفاظ على الذاكرة الجماعية.
عادة ما تواجه المؤرخة هدى بن حمودة، بصفتها باحثة و مواطنة، جهلا بالقوانين المعمول بها أو ضبابية في ذلك عند محاولتها النفاذ إلى الأرشيف وفق ما أكدته في شهادتها. “سنة 2011 كانت الاجابة بالاجماع أي أنه بالوضع الحالي لا يمكن الاطلاع على الأرشيف الحديث و هو ما كذبه مدير الأرشيف الوطني بنفسه حيث قال انّ أرشيف ما بعد 1956 يمكن الاطلاع عليه “لكن بمجرد الوصول هناك يعلمني العاملون هناك أنه لا يوجد أرشيف ما بعد الاستقلال”.
هذه المفارقة بين تصريحات المدير و رد فعل العاملين تثبت إلى مدى ضعف التحسيس في صفوف المواطنين فيما يتعلق باستعمال الأرشيف و الاطلاع عليه حيث أن هذا المشكل يتواصل إلى حد اليوم حسب الهادي جلاب.
كما يضيف الهادي جلاب أنه و”في كل الأحوال لن يكون الأرشيف متاحا إلى الأبد بالنسبة للمواطن خصوصا بالنسبة للامن الداخلي أو فيما يتعلق بمواضيع مشابهة. فالامر لا يتعلق بارشيف “الستازيا” كما هو الحال في ألمانيا، فوضعنا يختلف عن ما حدث في ذاك البلد، فالدولة لم تندثر لكن و في كل الحالات فإن المنظومة و القانون الذين ينظمان هذا الموضوع لم يتغيرا، وبالتالي فانّ هيئة الحقيقة والكرامة هي الوحيدة التي يمكن لها النفاذ إلى هذا الأرشيف”.
حسب قانون 2 أوت لسنة 1998 المتعلق بالارشيف فإنّ النفاذ إلى الأرشيف لا يمكن أن يصبح متاحا إلا في أفق 30 أو 60 عاما .وكمثال على ذلك لا نستطيع النفاذ إلى أرشيف الأمن الوطني لفترة الاستقلال كما يذهب إلى ذلك الهادي جلاب.
في المقابل تستطيع الهيئة أن تعمل بكل حرية حسب الفصل 40 من قانون العدالة الانتقالية “بموجب مهامها تتمتع الهيئة بالصلاحيات التالية: النفاذ إلى الأرشيف العمومي و الخاص بغض النظر عن التحاجير الواردة بالتشريع الجاري به العمل”.
لكن الشرعية التي تتمتع بها الهيئة حسب القانون لم تمنع أن يكون هناك صد من طرف البعض.
ففي ملف حول العدالة الإنتقالية صرحت سهام بن سدرين أنه مازالت هناك اشكاليات مع بعض الوزارات “الوزير الجديد غلق الباب تماما متعللا بمقاومة الارهاب لمنع كل نفاذ للمعلومة “.
بالنسبة الى نرجس دباش، يعتبر النفاذ إلى الأرشيف الوطني مرتكزا كافيا لبداية البحث. “فانتهاكات حقوق الانسان لا تشمل فقط التعذيب والإغتصاب بل كذلك حرية التعبير و المعرفة و الملكية. لهذا السبب يمكن أن نعثر على ما نبحث عنه خارج أرشيف وزارة الداخلية “.
كما يؤكد الهادي جلاب أنّ الهيئة لا تتلقّى جميع الأرشيف الوطني “فوزارة العدل مثلا لا تحيل لنا الا السجلات العدلية أو المدنية على عكس تلك المتعلقة بقضايا سياسية، وهو نفس الوضع مع وزارة الداخلية التي لا تمدنا سوى بالارشيف الاداري لا غير”.
خطر التلاعب والتوظيف
هذه الصعوبات تنضاف إلى الواقع التونسي الذي يتأرجح بين ضرورة صياغة مشروع قانون للمصالحة الوطنية بعد فهم الماضي و ضرورة التأسيس للعدالة. فبالنسبة الى ثامر المكي (صحفي وناشط في المجتمع المدني) يكمن المشكل أساسا في منع التلاعب بالأرشيف بالاضافة طبعا إلى التحسيس:
“لقد رأينا مع (الكتاب الأسود) للمرزوقي بالاضافة الى ما ورد على لسان الأشخاص المستجوبين من طرف (ذاكرة في خطر) أن آثار الدكتاتورية كانت في بعض الأحيان ارشيفا تم التلاعب به لتنظيم تسريبات مغلوطة حول هذا الشخص أو ذاك. إذن فالقيام بالتثبت هو أمر مهمّ للغاية على اعتبار أنّ الاعلام التونسي لا يحظى – بالضرورة- بكمّ كبير من المصداقية والوثوقية”.
بعض المؤسسات الاخرى لن تُقْدم أبدا على تقديم أرشيفها السري على غرار الوكالة التونسية للانترنت لأن الرقابة على الأنترنت لم يتم أرشفتها بالمعنى الحرفي للكلمة. كما تعتبر التلفزة الوطنية صاحبة أرشيف ضخم منذ انشائها.
تبقى قضية الأرشيف ذات أهمية في تونس كما هو الحال بالنبسة الى لبولونيا و ألمانيا اللتين اتخذتا اجراءات لاستعمال الأرشيف سواء من أجل إعلام العموم حول نظام عمل البوليس السري (ألمانيا) أو من أجل تسليط الضوء على الماضي بالنسبة لمواطن يريد أن ينخرط في حزب مثلا عبر آلية التطهير (بولونيا).
بعض البلدان الاخرى استطاعت فتح ارشيفها عبر حملات مواطنية قام بها نشطاء كما هو الحال بالنسبة الى جوتيمالا و البارغواي.
ون إعتبار انشاء هيئة الحقيقة و الكرامة، إحدى الخطوات المهمة في تونس هي ألفصل 32 من الدستور والمرسوم 41 المؤرخ في 26 ماي 2011 و المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة.
باستثناء انشاء هيئة الحقيقة و الكرامة، يعتبر الفصل 32 من الدستور والمرسوم 41 المؤرخ في 26 ماي 2011 المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة إحدى أهمّ الخطوات في تونس. غير أنّ هذا المرسوم أصبح بدوره محلّ تجاذب في مشروع القانون الجديد حول النفاذ إلى المعلومة الذي هو بصدد النقاش في المجلس (تمت منقاشته في المجلس بين مارس وجوان 2015 ) خاصة في ما يتعلق بالاستثناءات المنتظرة حيث لا يطبق هذا القانون.
«بغضّ النظر عن قضية تحليل الأرشيف من طرف هيئة الحقيقة و الكرامة، فانّ المشكل الذي يطرح نفسه اليوم هو هل يمكن أن يطلب المواطن التونسي النفاذ إلى ملفه لدى المصالح الخاصة في عهد بن علي إذا ما لم يمس ذلك من الأمن الوطني أم لا ؟ وفي حالة رفض طلبه أو إذا ما لم يتلقّ إجابة هل يستطيع أن يرتكز على المرسوم المتعلق بالنفاذ إلى المعلومة و يتقدّم بشكوى لدى المحكمة الادارية؟ و ماذا سيكون قرار المحكمة ؟ تبقى هذه الأسئلة مفتوحة».
بعد خمس سنوات من الثورة مازال موضوع فتح الأرشيف من المحرّمات. في المقابل مازال البعض يؤمن بمسار العدالة الانتقالية كما هو الحال بالنسبة الى عائلة صالح كركر أحد مؤسسي حركة النهضة الذي عاش في المنفى في فرنسا طيلة 20 عاما.
عائلة صالح كركر الذي توفي سنة 2012 قدمت ملفا لهيئة الحقيقة والكرامة. أمين، ابن كركر، يعتبر النفاذ إلى الأرشيف احدى النقاط المهمة بالنسبة الى الذاكرة :
«لقد قمنا بايداع ملف لدى الهيئة لاعتقادنا في رمزية حالة والدنا لتكريم ذاكرته و ذاكرة آلاف الضحايا الذين لم يستطيعوا أن يتقدموا بملف أو الذين لم يتلقّوا ردا على مطلبهم. هنا تكمن أهمية هذه الاعمال في حفظ الذاكرة الوطنية وفي ضمان عدم تكرار فضاعات الدكتاتورية».