بالأرقام: السجون التونسية تختنق.. فهل الحلّ في العقوبات البديلة؟

في تونس، يوجد 30 سجنا و "أكثر من 32 ألف سجين وسجينة" وراء القضبان، في وضعيات مهينة وغرف خانقة، تتجاوز طاقتها الاستيعابية بأضعاف. معظمهم من الشباب بلا سوابق ينتظرون أحكامهم، لا هم مدانون·ـات ولا هم أحرار، في ظل منظومة جزائية تستسهل العقوبات السجنية على الاجتهاد في العقوبات البديلة. في هذا المقال المستند على مجموعة واسعة من المصادر، تعود إنكفاضة بالأرقام والبيانات على الواقع السجني التونسي المكتظّ والعالق في دائرة "إعادة إنتاج الإجرام".
بقلم | 19 جوان 2025
9 دقائق

صرّح فتحي جرّاي، رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في شهر فيفري بأن " عدد السجناء بلغ أكثر من 32.000 سجين·ـة " في السنة الجارية، أي "بزيادة قدرها 10 آلاف سجين·ـة" مقارنة بفترة 2018 - 2021 وهي الفترة التي غطاها تقرير للهيئة عاد على الملامح القاتمة للوضعية السجنية التونسيّة. وذكّر جرّاي بأن طاقة استيعاب السجون التونسية "في حدود 18.000 سجين وبالتالي هناك 12 ألف سجين دون فراش".

وبالاستناد إلى عدد المساجين الذي يأمل جرّاي أن تنشره الهيئة العامة للسجون والإصلاح في وقتٍ ما، وهو الأحدث من بين المعطيات المتوفرة التي جمعتها إنكفاضة من مصادر متعددة لهذا المقال، فإن تونس تشهد في الوقت الحاضر إشغالاً سجنيا كبيراً، حيث يبلغ معدّل الاعتقال* (عدد السجناء لكل 100 ألف نسمة) في السنة الجارية 267 سجين·ـة، وهو رقم قياسي لم نحاذيه منذ 2004 وفق ما تظهره المعطيات المتوفرة. وللمقارنة يبلغ معدل الاعتقال في  مصر 116، وفي  الجزائر 217، وفي الأردن 185.

يوضح الرسم البياني التالي كيف تطوّر حجم ساكنة السجون في العقود الثلاثة الماضية، بحيث شهد موجتين من الارتفاع حوالي سنوات 2009 و 2013، ولحظتيْ انخفاض ملحوظ عند 2011 و 2017، ثم استقرارٍ عند 23 ألف سجين·ـة تقريبا لمدة خمس سنوات قبل أن يصعد عند أكثر من 32 ألف سجين·ـة خلال هذه  السنة، أي بزيادة 37% عن السنة الفارطة.

سجون تغصّ بالمساجين

تعدّ تونس 30 مؤسّسة سجنية موزّعة على اثنين وعشرين ولاية، منها 9 سجون تضمّ وحدات منفصلة مخصصة للنساء وسجن وحيد مخصص بالكامل للنساء (سجن منوبة)، بالإضافة إلى 7 مراكز إصلاح للأطفال الجانحين الذين واللواتي تتراوح أعمارهم بين 13 و 18 سنة. وتدير الهيئة العامة للسجون والإصلاح هذه الوحدات، وهي راجعة بالنظر إلى وزارة العدل.

وتمثّل الفئة العمرية الشابّة من 18 إلى 29 سنة الفئة الأكثر حضورا في السجون منذ 2013 على أقل تقدير لمّا كانت تبلغ آنذاك 50%*، قبل أن تشهد انخفاضا طفيفا انطلاقا من 2018 لتستقر عند حوالي 41% منذ ذلك الحين وإلى حدود 2024. ويبقى الذكور الأغلبية المهيمنة على ساكنة السجون في حين لا تتجاوز نسبة النساء 3,13% من المجموع.

لطالما عانت السجون التونسية من اكتظاظ* شديد، تترواح نِسبته داخل الوحدات السجنية التونسية بين 110% حتى 251% في بعضٍ منها مثلما هو الحال في سجن القيروان خلال آخر زيارة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في نوفمبر 2024، وفق تقريرها عن رصد السجون التونسية 2022-2025 الصادر مؤخرا والذي ضمّنته نتائج عدة زيارات ميدانية لعدد من السجون. كما تذكر تقارير أخرى أن هذه النسبة قد يحدث أن تبلغ 300% في بعض الغرف أو الوحدات السجنية، غير أن تغيّرات تدفّق الإيداع في السجون يجعل منها غير قارّة.

ومن جانبها، تقول الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في تقريرها أن "ظروف الاحتجاز تصبح أكثر قساوة وأقلّ إنسانية كلما زاد الاكتظاظ، فتنذر بتدهور أوضاع المحتجزين الصحية والمعيشية، وتجعل الإقامة الجماعية محفوفة بالمخاطر.. علاوة على تأثيره على ظروف عمل أعوان السجون" .

ليست ظاهرة الاكتظاظ في السجون التونسية أمرا جديدا، إذ يذكر تقرير صدر عن مفوضية حقوق الإنسان في السنوات الموالية للثورة عادت فيه على وضعية السجون، أن "مراكز (الوحدات السجنية) تعاني بشكل عام من الاكتظاظ الشديد، بحيث يوجد في بعض المراكز تناوب نزيلين أو أكثر على نفس الفرش. كما يوجد من يفترش الأرض لعدم توفر سرير له ما يثير إشكالات بين السجناء ويسهّل انتشار الأمراض الجلدية كالجرب". ويواصل التقرير إن "نسبة الاكتظاظ قرابة ضعفين ونصف (من طاقة الاستيعاب)، وفي بعض الغرف تصل لعشرة أضعاف".

ورأت المفوضية الأممية آنذاك أن "ظاهرة الاكتظاظ وغياب الفصل بين فئات النزلاء هي الأخطر في السجون التونسية [إذ] تؤدي إلى رفع نسبة العود، وانتشار الأمراض.. وتجعل البيئة السجنية خطرة، متسمة بالتوتر والاحتقان، وتنتج مجرمين جدد".

"إنتاج المجرمين الجدد" يبدأ بما اصطلح على تسميته بـ " صدمة الإيداع" حيث يمر السجين بعمليات التفتيش الشخصي، ثم يُجبر على الإقامة في غرف جماعية خانقة تسمّى "شنابر" تتراوح مساحتها بين 100 و 200م²، وتحتوي على ما بين 20 و 50 سريرا بطابقين أو ثلاث وقد لا يغادرها السجين·ـة معظم اليوم. 

كما أنه نمط يبرز من خلال الأرقام، إذ يتبين أن نسبة العَوْد (العودة للسجن) بعدما كانت في حدود 45% في سنة 2013، انخفضت إلى 36.4% بحلول سنة 2021، لتعاود الارتفاع مجددا إلى 40% في سنة 2024، ما يعني أنه على كل 10 أشخاص يدخلون السجن، 4 منهم يعودون إليه مجدّدا.

في وقت غير بعيد، ذكر تقرير الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، نقلا عن بيانات الإدارة العامة للسجون والإصلاح أن "تدفق الإيداع بالسجون التونسية سنة 2018 لوحدها بلغ ما جملته 44.494 إيداعا. " وتضيف الهيئة أن السجون التونسية "لا تعتمد مبادئ التصنيف* وتستقبل بلا تمييز الموقوفين والمحكومين دون فصل، بنفس الأجنحة وحتى بذات الغرف أحيانا".

ويمكن تفسير هذا الاكتظاظ الشديد بما نقلته المفوضيّة الأممية عن إدارات السجون في وقت إعداد تقريرها في السنوات الموالية للثورة، بأن "سبب ظاهرة الاكتظاظ يرجع إلى النسبة العالية في أوامر الإيداع الصادرة عن الجهات الُمخولة بذلك قانونًا كوكلاء الجمهورية، وقضاة التحقيق، وبطء إجراءات التقاضي".

إلى جانب كل ذلك، يعود سبب اكتظاظ السجون التونسية أيضا إلى الارتفاع الحادّ في عدد الموقوفين·ـات تحفّظيا والذين ينتظرون صدور أحكام في حقّهم. وتضرب المفوضية مثالاً على ذلك "من هو موقوف لمدة ثلاث سنوات في انتظار المحاكمة ومن بينهم من تعلقت به عدد من القضايا وصدرت بشأنه بطاقات إيداع متعددة دون مراعاة مدة الأربعة عشر شهرًا (و9 أشهر بالنسبة للجنح) كمدة قصوى للبقاء رهن الاحتجاز التحفظي"، وهي حالات تشهد تكرارا في الوقت الحاضر.

ويحثّ القانون الدولي لحقوق الإنسان على ضرورة  "اللجوء إلى الإجراءات السالبة للحرية كإجراء أخير" ويشدّد على أن "الاحتجاز لا يكون ضروريا إلا 'لمنع الهروب أو التدخل في الأدلة أو تجدد حدوث الجريمة' أو حين يشكل الشخص تهديدا واضحا وجديا للمجتمع لا يمكن احتواؤه بأي طريقة أخرى".

أمام هذا الوضع السائد منذ سنوات، دعت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب السلط التونسية إلى "تقليص الاكتظاظ في السجون بدرجة كبيرة عن طريق زيادة اللجوء إلى البدائل عن السجن، مثل الأحكام مع وقف التنفيذ لغير أصحاب السوابق أو لبعض المخالفات البسيطة، وكذلك إلى التدابير البديلة عن الاحتجاز الاحتياطي" .

ومن جانبها ترى الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب مشكلة الاكتظاظ "حارقةً لا تحميل تأجيل البحث عن حل" وتُرجع أسبابها العميقة إلى "طبيعة المنظومة الجزائية القائمة، وفي نمط المقاضاة السائد والذي يتجه إلى الأحكام السالبة للحرية أكثر مما يجتهد في اعتماد العقوبات البديلة" .

آلية العقوبات البديلة: حلّ نادر التطبيق

تذكر ورقة بحثية صادرة عن جمعية "معاك"، استنادا إلى بيانات تلقتها من وزارة العدل، أن "المعدّل السنوي للأحكام غير السالبة للحرية من كل 10.000 قضية جزائية هو 4 أحكام فقط" في السنوات الممتدة من 2017 إلى 2020.

وتُطبّق العقوبات البديلة أساسا على الجرائم البسيطة أو ما يعرف بالجنح والمخالفات التي لا ضرر كبير لها على الأفراد والمجموعة: مثل الجنح غير القصدية كحوادث المرور، واقتحام الملاعب الرياضية، والاعتداء على الأخلاق الحميدة مثل السّب والشتم، والإضرار بأملاك الغير وأعمال العنف البسيطة. وغير ذلك… 

"للمحكمة إذا قضت بالسجن النافذ لمدّة أقصاها عام واحد أن تستبدل… تلك العقوبة بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة وذلك دون أجر ولمدة لا تتجاوز ستمائة ساعة بحساب ساعتين عن كل يوم سجن "

–  القانون عدد 68 لسنة 2009 مؤرخ في 12 أوت 2009،  والفصل 15 مكرر للمجلة الجزائية.    

**

العقوبات البديلة 3 أنواع: العمل المجاني لفائدة المصلحة العامة، والتعويض الجزائي (دفع مبلغ مالي للمتضرر·ة)، وعقوبة السوار الإلكتروني. وتخضع العقوبات البديلة لشروط عديدة منها:

- تأكد القاضي من عدم وجود سوابق قضائية للمتهم من خلال الاطلاع على البطاقة عدد 2؛
- أن يكون المتهم·ـة حاضرا·ة بالجلسة؛
- أن يثبت للمحكمة جدوى هذه العقوبة؛
- أن يوافق المحكوم· على هذه العقوبة (الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس تحظُر الأعمال القسرية)؛
- أن يخضع المحكوم لفحص طبي يؤكد قدرته على العمل؛
- وألا تتجاوز عقوبة السّجن المُستبدَلة سنة واحدة أي ما يعادل 600 ساعة بحساب ساعتين عن كل يوم سجن، دون أجر؛

انطلقت في سنة 2013، التجربة النموذجية الأولى لمكتب المصاحبة بمحكمة الاستئناف بسوسة وسجلت "نجاحا لافتا بخفض نسبة العود من 40% إلى 2%" إلى حدود سنة 2021، وفق مخرجات ورشة نظمها الإتحاد الوطني للمرأة التونسية بالتعاون مع جمعية المحامين والقضاة الأمريكية، وهو رقم لم تستطع إنكفاضة التثبت منه بشكل مستقلّ.

وفي حين تغيب إحصاءات رسمية شاملة بشأن المنتفعين·ـات، إلا أن الأرقام المتوفرة تتحدث عن "أكثر من 5000 شخص صادرة في حقهم أحكام قضائية انتفعوا بالعقوبة البديلة المتمثّلة في العمل لفائدة المصلحة العامّة"، وفق سنان الزبيدي، قاضي تنفيذ العقوبات بالمحكمة الابتدائية بمنوبة وعضو لجنة السّوار الإلكتروني بوزارة العدل في تصريح لوسائل إعلامية في فيفري 2023، كما يذكر المرافق العدلي بمكتب المصاحبة الخاص بولايتي تطاوين ومدنين، محمد بخوش "انتفاع 824 سجينا ببرنامج العقوبات البديلة والعمل لفائدة المصلحة العامة بالولايتين" في الفترة الممتدة من فيفري 2021 وإلى غاية ماي 2024.  

ويشهد تطبيق العقوبات البديلة بطءاً كبيرا في التنفيذ منذ إقرارها لأول مرة سنة 1999 فبالرغم من وجود "العديد من المحاكم التي تطبق هذه الآلية" إلا أن ذلك لا ينفي "وجود العديد من العراقيل" وفق تأكيد فريد بن جحا، الناطق الرسمي باسم محاكم المنستير والمهدية. ومن بين العراقيل أن تطبيق العقوبات البديلة يستوجب أن يراقب القاضي نقاوة السوابق العدلية للمتهم "بالاطلاع على البطاقة عدد 2 التي تمسكها وزارة الداخلية وهي للأسف لا تكون في الغالب متوفرة في ملف الشخص المعني"، ولا تصدر إلا بطلب من السلطة القضائية.

وعلاوة على ضعف الثقافة المجتمعية بوجود العقوبات البديلة من حيث قلة مطالبة المحامين·ـات والقضاة بتطبيقها، وجهل المحكومين·ـات بوجودها، يُضاف عنصر آخر يتمثل في تخوّف المؤسسات من الانخراط في آلية العقوبات البديلة.

يقول بن جحا: "مشكلتنا تتمثل في إيجاد مؤسسات تقبل تشغيل محكومين. وهذا يعود إلى النظرة الكلاسيكية التي ترى أن المجرم لا يجب أن يشتغل مع المجموعة".

وفي الحالات النادرة التي يُحكم فيها بعقوبة بديلة، تتولى مكاتب المصاحبة المتكوّنة من إطارات من أعوان السجون "والتي تم إرسائها في أكثر من 10 محاكم" وفق بن جحا، مساعدة قاضي تنفيذ العقوبات على إدماج المحكومين·ـات، وتتواصل مع المؤسسات وتبرم عقوداً مع دور الشباب والبلديات ودور المسنين وغيرها تحت إشراف القضاء.

من جانبه يقول أمين غالي، رئيس مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية، في تصريح لإنكفاضة أن  "من يعرفون هذه الآلية يستصعبون تطبيقها لضرورة معرفة مؤهلات المحكوم وتوفر قاضي متابعة ومكتب مصاحبة يتم تركيزه في المحاكم، لكن أغلب الأطراف المتداخلة في تطبيقها غير مُلِمّة بها بصفة كافية" .

ويضيف غالي أن ذلك لا يمنع من كون "مقترحات العقوبات البديلة والفرص والمطالب لدى مكاتب المصاحبة أكثر من عدد المحكومين نفسهم وذلك بسبب غياب الأحكام وطول أجل التقاضي".

ومن بين العقوبات البديلة كذلك السوار الإلكتروني الذي كان من المفترض أن ينطلق تفعيله في تجربة نموذجية في أفريل 2023 داخل أسوار السجن. ثم في سنة 2025 كان "من المقرر الانطلاق في تجربة 2000 سوار إلكتروني، في انتظار التقييم والترفيع في العدد" وفق ما  ذكرت وزيرة العدل ليلى جفّال، خلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025 داخل مجلس النواب. غير أن اِنكفاضة لم تستطع التوصل إلى ما يفيد الشروع في القيام بذلك بالفعل في ظل غياب إحصاءات مفتوحة بشأنها، وغياب مرسوم رئاسي ينظّم استخدامها، وانعدام أمر حكومي مخصوص ينظّم عمل مكاتب المصاحبة.

تقدّر هيئة الوقاية من التعذيب أن تجربة مكاتب المصاحبة وعقوبات العمل لفائدة المصلحة العامة، على قلّتها، أثبتت وجاهتها حينما طُبّقت "فاستفادت منها الدولة والسجناء على حد سواء". وتصديقاً لذلك، تذكر رابطة حقوق الإنسان أن "العقوبات البديلة لـ200 سجين توفر للدولة مليون دينار".

كلفة سجين·ـة بتسعة تلاميذ ؟

وفقا لدراسة جمعية "معاك" وتصريحات مسؤولين·ـات، تُقدّر كلفة السجين·ـة الواحد على خزينة الدولة حوالي 50د في اليوم أو 18.250د في السنة، أي ما يعادل تكلفة 9 تلاميذ وتلميذات في المدارس الابتدائية والتي "بلغت 2014,7 ديناراً للتلميذ الواحد سنة 2023"، وفق وزير التربية السابق محمد علي البوغديري.

وتظهر تقديرات الميزانيّة المخصّصة لمهمّة وزارة العدل لسنة 2025 أن مجموع اعتمادات الدفع بالنسبة لبرنامج السجون والإصلاح تبلغ قرابة 539 مليون دينار، وهو الأكبر من بين برامج الوزارة (برنامج العدل، برنامج السجون والإصلاح، برنامج القيادة والإسناد)، وفق  قانون المالية 2025، كما أنه رقم مرشّح للارتفاع إلى حوالي 562 م.د بحلول 2026، وفق تقديرات وزارة المالية.

يقول أمين غالي: "من خلال العقوبة البديلة، يوفّر المحكوم الموارد على الدولة عوض أن تنفق هي عليه".

غير أن الموارد ذاهبة إلى أنحاء أخرى، إذ لا يبدو أنها تتجه كلّيا نحو إصلاح المنظومة القضائية المُسرفة في العقوبات السالبة للحريّة، وتقليص آجال التقاضي* وإنقاص عدد المساجين، بقدر ما هي متّجهة نحو التوسيع في الطاقة الاستيعابية للسجون. حيث تذكر بيانات الهيئة العامة للسجون عدة مشاريع توسعة وتهيئة لسجون قائمة (باجة، برج الرومي، سوسة المسعدين، قابس، قبلّي، مرناق...) انطلقت واكتمل بعضها منذ سنوات، علاوة على فتح سجن جديد هو  سجن بلّي بولاية نابل الذي انطلق بناؤه في 2017 وتأخّر تسليمه طويلاً وكبّد الدولة 57.4 م.د، من أجل طاقةٍ استيعابية بـ1000 سجين·ـة مع "مطابقة للمواصفات والمعايير الدولية" كما رُوّج له. ودخل سجن بلّي حيّز التشغيل –دون تدشين رسمي يُذكر– وقد التصقت به سمعة سيئة منذ بداياته باندلاع  فضيحة مالية انجرّ عنها إصدار "بطاقة إيداع بالسجن في حق المدير المالي والإداري للسجن على خلفية شبهات فساد"، وكذلك بنقل عدد من المعارضين·ـات السياسيين المعتقلين إليه  من أبرزهم جوهر بن مبارك وعبير موسي.

وبينما تعمل منظمات المجتمع المدني على غرار هيئة الوقاية من التعذيب ورابطة حقوق الإنسان على رصد الوضعية السجنية التونسية، والتوعية بالعقوبات البديلة من أجل  "تحقيق العدالة الإصلاحية"وفق تعبير بسام الطريفي رئيس الرابطة، إلا أن واقع السياسة الجزائية في تونس قانوناً وممارسةً، يتّسم بالتشفّي والعقاب دون إدراك جدّي لضرورة التّأهيل ومنافعه على المحكوم·ـة والمجتمع. ويتجلى هذا تطبيقاً في مقاربةٍ "بوليسو-سجنية" تسرف في سلب حرية عدد هائل من الشباب بلا سوابق، على خلفية مجموعة واسعة من الأفعال الصغيرة، بما في ذلك المتعلقة باستهلاك المخدرات والجرائم التجارية البسيطة. وعوض معالجة أسبابه الكمينة، تعيد هذه المقاربة إنتاج الإجرام وملء السجون حدّ الإشباع.

Inkyfada Landing Image

منصة إعلامية مستقلة في طليعة الابتكار التحريري

أنشئ حسابك الآن وتمتع بميزات النفاذ الحصري ومختلف الخاصيات المتقدمة التي توفرها لك. تحصّل على عضويتك وساهم في تدعيم استقلاليتنا.

منصة إعلامية مستقلة في طليعة الابتكار التحريري. تسجيل الدخول