قضية التآمر على أمن الدولة: سنة مرّت على إثارتها فكيف كانت الحصيلة ؟

منذ سنة بالضبط، انطلقت في فيفري 2023 سلسلة من الاعتقالات شملت شخصيات من المعارضة اتُّهم جميعهم بالتآمر على أمن الدولة. لم تغير المعركة القانونية التي تتواصل منذ سنة كذلك من وضعيتهم حيث لا يزال معظمهم إلى حد اليوم رهن الإيقاف في انتظار محاكماتهم. لكنهم وبالرغم من العقوبات الثقيلة التي تترصّدهم، لا يزالون مصممين على خوض هذه "المعركة السياسية".
بقلم | 11 فيفري 2024 | reading-duration 15 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسية
بدأ كل شيء ذات يوم سبت 11 فيفري 2023 عند ساعات الفجر الأولى . في قلب منطقة سيدي بوسعيد بالضاحية الشمالية لتونس العاصمة، وحدةٌ من أعوان الأمن تتأهب لمداهمة منزل الناشط السياسي خيام التركي العضو السابق في حزب التكتل المنحلّ من أجل إلقاء القبض عليه.

خلال نفس اليوم، أُوقف رجل الأعمال كمال لطيّف وكذلك المدير التنفيذي السابق لحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي على خلفية نفس التهم. ثم بعد يومين وقع الدور على نور الدين بوطار، مدير إذاعة موزاييك إف إم، ولزهر العكرمي، العضو المؤسس في حزب نداء تونس ووزير سابق.

سلسلة الاعتقالات هذه، والتي وصفها الاتحاد العام التونسي للشغل آنذاك بأنها "تعسفية" وقالت عنها هيومن رايتس ووتش أنها "مثيرة للقلق"، بلغت نهايتها في موفى الشهر من خلال احتجاز الناشطيْن السياسييْن شيماء عيسى وعصام الشابي يوم 22 فيفري وزعيم جبهة الخلاص الوطني جوهر بن مبارك في 24 فيفري، ثم الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي والمدير التنفيذي لنداء تونس رضا بلحاج يوم 25 فيفري.

"ندعو السلطات التونسية إلى [...] الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين تعسفياً، بمن فيهم أي شخص محتجز بسبب ممارسته لحقوقه في حرية الرأي أو التعبير." كما جاء في كلمة المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان جيريمي لورنس في 14 فيفري 2023.

في مساء يوم 14 فيفري، خطب رئيس الدولة من مقرّ وزارة الداخلية ناعتا إياهم بالـ "إرهابيين". وقد أُوقف المشتبه فيهم بتهم على معنى فصول من المجلة الجزائية ولكن أيضا وقبل كل شيء بموجب قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2015. أما الأسباب فهي تستند إلى مزاعم حول قيام بعض المتهمين·ـات بالتواصل مع عدد من الدبلوماسيين الغربيين وتشكيل وفاق من أجل تبديل هيئة الدولة.

عام من التحقيق والملفّ ما يزال منقوصا 

مع نهاية شهر فيفري 2023 كان مجموع الموقوفين·ـات قد بلغ عشرة أشخاص بالإضافة إلى سبعة آخرين مشمولين بالتهم. "وكلهم لم يمثلوا أمام القاضي إلا مرة واحدة في 25 فيفري" تروي المحامية دليلة بن مبارك مصدق شقيقة جوهر بن مبارك وعضو هيئة الدفاع عن الموقوفين التي تأسست في نفس اليوم.

تقول المحامية: "بعد الجلسة التي صدرت خلالها بطاقات الإيداع، التقينا بقرابة العشرة محامين وتعاهدنا فيما بيننا على تنسيق الدفاع".

وفي حين أن الغرض الأساسي من هذه الهيئة كان تنظيم الاستجابة القانونية، فإن المحامين·ـات باتوا يعملون أيضا على تقديم الدعم الإنساني للموقوفين الذين لا يزال معظمهم في السجن حتى يومنا هذا. تقول دليلة: "على مدار العام الماضي كنا نزورهم كل يوم ونقدم لهم أيضا الدعم النفسي والمعنوي بل وحتى السياسي".

من ضمن قائمة الموقوفين، لم يتم الإفراج سوى عن ثلاثة أشخاص وهم: نور الدين بوطار في ماي لأنه كان محتجزا في قضية تتعلق بغسيل أموال بُرئت ساحته منها، ثم شيماء عيسى ولزهر العكرمي في 13 جويلية. بينما لا يزال الموقوفون الثمانية الآخرون الذين أُلقي القبض عليهم في فيفري 2023 وراء القضبان على الرغم من المطالب المتعددة لهيئة الدفاع للإفراج عنهم.

إضافة إلى ذلك، فقد فُتحت تحقيقات جديدة ضد عشرات الأشخاص الآخرين في شهر ماي، مما رفع عدد الأفراد الواردة أسماؤهم في قضية التآمر إلى 51 شخصا. ومن بين هؤلاء شخصياتٌ من المجتمع المدني ومحامون·ـات علما أن بعضهم متواجدون في الخارج وبالتالي يعتبرون في حالة فرار.

ترى هيئة الدفاع عن المعتقلين أن ملف القضية لا أساس له من الصحة. كما تندّد دليلة بن مبارك بتحامل قاضي التحقيق المكلّف بجمع الإثباتات "والذي ينهك نفسه باحثاً عن قرائن الإدانة" في حين أنه "لا يبذل أي جهد لفحص قرائن البراءة، وهذا ما يسمى إنكار العدالة".

تزعم دليلة بن مبارك مصدق على سبيل المثال أنه تم إجراء فحصيْن فنّييْن على الأجهزة الإلكترونية لشقيقها ومحتجزين آخرين غير أن الشرطة والقاضي "لم يجدوا أي شيء يدينهم" على حد تأكيدها. ووفقا للمحامية فقد ركّز التحقيق بعد ذلك على إثبات وجود تفاهم مسبق بين المتهمين·ـات "لإثبات وقوع تواطؤ" بهدف قلب نظام الحكم. ذلك أنه في ربيع وخريف سنة 2023، ورد أن قاضي التحقيق تلقى إفادات شهود، بعضهم مجهول الهوية، ذكروا أن جميع المتهمين·ـات كانوا على تواصل قبل بدء القضية - وهو ما ينفيه الموقوفون·ـات.

ومع ذلك، فإن هذه الإفادات، وفقا لدليلة، بعيدة كل البعد عن أن تكون قرائن يعتدّ بها وهي تحتوي على معلومات مغلوطة. تقول المحامية: "إنهم يحاولون سد الثغرات في ملفٍ لم تثبت فيه الأدلة المادية وجود روابط بين مختلف المتهمين".

في موفى شهر سبتمبر 2023 دخل الموقوفون إضرابا عن الطعام احتجاجا على إيقافهم الذي يعتبرونه تعسفيا. واستمرت الحركة - التي بدأها آنذاك جوهر بن مبارك - لمدة أسبوعين وشهدت مشاركة العديد من السياسيين·ـات المعارضين·ـات.

ووفقا لهيئة الدفاع فإن التحقيق لا يزال جاريا ولكن لا أثر لأي تحقيق فعلي. كما جاءت الإجابة على آخر مطلب إفراج تم إيداعه في شهر جانفي 2024 بالرفض في يوم 8 فيفري، أي بعد مرور عام تقريبا على فتح القضية.

عام في السجن، معاناة للمتهمين·ـات وأسرهم

يقبع الأشخاص المتهمون في قضية التآمر الذين ما يزالون قيد الإيقاف في السجن المدني بالمرناقية في ضواحي العاصمة. ووفقا لدليلة بن مبارك مصدق، فإنهم موقوفون هناك "في ظروف عادية" أي كغيرهم من المساجين. ويتقاسم كل واحد من المتهمين زنزانة تبلغ مساحتها 12 مترا مربعا مع ثلاثة نزلاء آخرين.

تروي دليلة "أخبرني أخي أن ذائقته قد 'نسيت الطعام الساخن" ... لذا عندما أذهب إلى رؤيته أحاول دائما أن أحضر له قهوة ساخنة جدا".

لا شك أن الإيقاف يمثل محنة صعبة لعائلات الموقوفين. فإلياس مثلا، وهو ابن غازي الشواشي، مقيم في فرنسا ويقول إنه رأى والده آخر مرة في 20 أوت 2022 عندما كان يحتفل بزفافه في تونس. يروي الإبن: "كنا نعلم أن ذلك سيحدث لا محالة" ويواصل قائلا : "خلال استعداداتي لحفل زفافي قال لي والدي: 'ربما لن أكون حاضرا...لا تلغ أي شيء، لكنهم يقولون إن قيس سعيد يريد اعتقالي' ".

في شهر ماي 2023 وبعد انتقاده علنا لظروف إيقاف والده، ورد أن وحدة من الحرس الوطني حاولت اعتقاله في منزله: "وصلوا إلى منزلي في أقل من 24 ساعة". لكن إلياس الشواشي كان في الخارج وقتها وهو يعيش في المنفى منذ ذلك الحين لأن عودته إلى تونس قد تؤدي إلى اعتقاله.

يقول ابن الشواشي متحسرا: "أصاب عائلتنا الشتات: أمي متضايقة في عملها لأنها قاضية، وأبي سجين وأنا في المنفى"

كان للإيقاف والأعمال الاحتجاجية تأثير على صحة بعض الموقوفين. في شهر أوت على سبيل الذكر حذرت هيئة الدفاع من تدهور الحالة الصحية لعبد الحميد الجلاصي وشجّبت عدم حصوله على الرعاية الكافية. ثم في شهر أكتوبر اضطر جوهر بن مبارك إلى إنهاء إضرابه عن الطعام بعد وعكات صحية متتالية.

في شهر ديسمبر، قرّر غازي الشواشي، الذي يعاني هو أيضا من مرض مزمن، التوقف عن تناول أدويته بمحض إرادته لمدة خمسة أسابيع علاوةً على قطع أي اتصال اجتماعي مع الحراس والسجناء وكل من حوله. يقول ابنه: "لقد كان عملا نضاليا متطرّفا للغاية أضر بصحته الجسدية والمعنوية".

ويضيف الشواشي الابن: "انتهى به الأمر إلى دخول المستشفى في سيارة إسعاف، وهو ما أردناه وما طالب به هو، بدلا من نقله إلى المستشفى في سيارة التعذيب". مصطلح "سيارة التعذيب" هذا هو الاسم الذي أطلقه الموقوفون على العربة المستخدمة لنقلهم خارج السجن كلما تطلب الأمر ذلك.

وكانت هيئة الدفاع قد استنكرت منذ شهر أفريل الظروف التي نُقل فيها الموقوفون باستخدام هذه العربات إلى قاعات المحاكم أو المستشفيات. وحسب تصريحات ابنه فقد تم نقل غازي الشواشي ثلاث مرات في هذه العربة أين "يوضع السجين في صندوق معدني صغير حيث يتعين عليه الجلوس القرفصاء مقيد اليدين" على حد وصفه.

نفت الهيئة العامة للسجون والإصلاح من جهتها ما ورد وأكدت مطابقة الشاحنات المذكورة "للمعايير الدولية". كما ذكر مصدر من وزارة الداخلية، في اتصال مع إنكفاضة، ما اعتبره "مبالغات"، لكن دون أن ينفي حقيقة وجود هذا النوع من العربات-الزنزانة المخصصة عادة لنقل الموقوفين في قضايا إرهابية.

عام من "الصراع السياسي"، والمعارضة لا تنثني رغم التهديد

منذ الأيام الأولى للقضية،    استندت السلطات بشكل متكرر إلى القانون الأساسي لمكافحة الإرهاب لسنة 2015 لتوصيف أفعال من تتهمهم بالتآمر على أمن الدولة، وهي تهم تصل بموجب هذا القانون إلى حد عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة للمدانين·ـات.

وسواء تعلق الأمر بالسجناء الذين ما زالوا قيد الإيقاف، أو أولئك الذين تم الإفراج عنهم في سنة 2023 أو المتهمين الذين ظلوا في حالة سراح، فإنه "لا يوجد شخص أُسقطت عنه التهم الموجهة إليه" وفق ما تقول دليلة بن مبارك مصدق. وحتى شيماء عيسى ولزهر العكرمي اللّذين غادرا السجن لا يزالان ممنوعيْن من الظهور في الأماكن العامة.

ترى شقيقة جوهر بن مبارك أنه علاوة على ضعف قضية الادعاء فإن كل هذه الضغوط الممارَسة على المعارضة تسلط الضوء على البعد الحقيقي للقضية. تقول المحامية: "إنهم يعرفون حق المعرفة سبب وجودهم في السجن."

"هناك دائما أمل، ولكن واقعياً، هو قرار سياسي. نحن سنواصل النضال لكننا لا ندري ما إذا كان كل ما نقوم به سيأتي بنتيجة".

يلاحظ المتهمون وأقاربهم أن هذه القضية قد تجاوز نطاقها الـ 51 شخصا الواردة أسماؤهم فيها. يقول إلياس الشواشي متهكّما "أعتقد أننا اليوم بلغنا 17 قضية تآمر على أمن الدولة". وبالفعل فقد تضاعفت منذ 11 فيفري 2023 التهم بالتآمر مستهدفةً بشكل أساسي شخصيات سياسية مثل راشد الغنوشي (المسجون منذ شهر أفريل) أو يوسف الشاهد (المتواجد بالخارج).

يدور كل ذلك في سياق عام يتسم بتقويض استقلالية القضاء مما ترك الموقوفين يواجهون مصائرهم بمفردهم. تقول دليلة بن مبارك مصدق : "إنهم يخوضون معركة سياسية كبرى ويعرفون أنهم سيخرجون منها يوما ما منتصرين لأنهم لم يرتكبوا أي خطأ وأن الحقيقة ستظهر وسيستعيدون مكانتهم مجددا". 

لشنّ هذه "المعركة السياسية"، يعرف الموقوفون والمتهمون·ـات أيضا أنه سيتعين عليهم إقناع الرأي العام، وهو ما يبدو صعبا في نظر إلياس الشواشي الذي يعترف بأن القضية تكافح من أجل حشد المناصرة خارج دوائر النشطاء : "المجتمع في حالة اكتئاب والجميع يفكر إما في مغادرة البلاد وإما يكافح كل يوم للبقاء على قيد الحياة وليس الدفاع عن الديمقراطية".

تقول دليلة بن مبارك إن الإضرابات عن الطعام في الخريف الماضي قد نجحت في "توليد موجة كبيرة من التعاطف". ولذلك يعوّل السجناء وهيئة الدفاع على مضاعفة الأعمال النضالية لحشد الناس حول قضيتهم. تختم المحامية: "لا يوجد فعل وحيد يمكن أن يكون له نتيجة مباشرة، إنه تراكم الأفعال الصغيرة الذي سيسمح بمرور الوقت بتوسيع دائرة المتعاطفين وإضعاف الرواية الرسمية".