ميليسا أصيلة ساحل العاج. ومنذ إصدار البيان الرئاسي يوم 21 فيفري الماضي صارت هي وزوجها يعيشان في حالة من الرعب منعتهما من مغادرة منزليهما منذ يوم الأربعاء. يقضي الزوجان يومهما في غرفة المعيشة والستائر مسدلة. طفلهما صبي صغير لا يكاد يبلغ من العمر ثلاث سنوات توقف عن الذهاب إلى الحضانة. تقول ميليسا أنه "عادة ما تتصل بي معلمته إذا تغيّب للتثبت مما إذا كان مريضا أو أصابه مكروه. والآن قد مرت ثلاثة أيام منذ تغيبه ولم تتصل بي بعد".
"إنها تعرف جيدا ماذا يجري"، ترجّح ميليسا ببساطة.
معظم أقاربهما وجيرانهما في نفس الوضع، ذلك أن الحملة العنصرية ضد مواطني ومواطنات بلدان جنوب الصحراء المقيمين في تونس أخذت تكتسب زخما كبيرا منذ عدة أشهر. الرئيس التونسي نفسه أيد هذه النظريات العنصرية والمؤامراتية ووجّه أصابع الاتهام إلى المهاجرين·ـات الأفارقة من جنوب الصحراء ناعتا إياهم بـ"الجحافل"، كما ذكر أن الهجرة من جنوب الصحراء هي "ترتيب إجرامي" يهدف إلى "تغيير التركيبة الديموغرافية لتونس". منذ إصدار البيان انفجرت حالات الاعتداءات والاعتقالات والترحيل، وبات الآلاف من الأفارقة من جنوب الصحراء يخشون على حياتهم ومستقبلهم في تونس.
عمليات طرد جماعي
آنا هي شابة من ساحل العاج أيضا استقبلت صديقيها عيسى و بيير بمنزلها الواقع في نفس الحي الذي تقطن به ميليسا، حيث أُجبر بيير على مغادرة مسكنه بعجالة بناء على طلب المالك. في زاوية من غرفة المعيشة، تتراكم بعض الحقائب والأكياس بما فيها من أغراضه.
البعض الآخر لم يحالفه الحظ ليكون لديه أقارب يعتمد عليهم كشأن مريم وزوجها اللّذين تقطعت بهما السبل فوجدا نفسيهما ينامان تحت جسر منذ يومين، بينما يتكدّس القليل مما يملكونه من أمتعة في أكياس بلاستيكية سميكة قبالة سفارة ساحل العاج: "هذا كل ما نملك" تقول مريم.
طُرد الزوجان من قبل صاحب المحل الذي كان يخشى أن يطاله هو أيضا الاعتداء لاستضافته مواطنين·ـات من جنوب الصحراء، "فالخوف تمكّن من الجميع" على حد تعبير باتريسيا غناهوري، الصحفية العاملة بالإذاعة الحرة الفرنكوفونية RLF في تونس منذ أربع سنوات. انطلقت عمليات الطرد وفقا لها حوالي يوم 9 فيفري عندما أخذت رسائل مشحونة تنتشر على الشبكات الإجتماعية مفادها أن من يأوي متساكنين·ـات غير موثقين من بلدان جنوب الصحراء سيكون عرضة للخطايا والأحكام السجنية. "ومن ثمة بدأ كل المالكين في طرد الناس في غضون أسبوعين، هكذا بكل بساطة !" تواصل باتريسيا.
"كل الذين كنا نتحادث معهم ونتعامل معهم بشكل طبيعي أمرونا بين عشية وضحاها بمغادرة منازلهم، بلا شفقة".
أمام المدّ المفاجئ من عمليات الطرد، تلقت باتريسيا على مدى الأسبوعين الماضيين سيلا لا ينقطع من نداءات النجدة من ذوي جنسيات بلدان جنوب الصحراء: "يفتح صاحب المسكن الباب ويلقي بالأمتعة على قارعة الطريق. أما الأكثر تسامحا فيأتون ويعلمونك بضرورة إخلاء المكان». صارت الصحفية ترحب بالمُطردين·ـات في منزلها وتحاول قدر المستطاع التفاوض مع المالكين لتأخير الإجلاء "إلى حدود موفّى الشهر حتى نتمكن من التنظم والعثور على مسكن آخر".
آنا من جهتها لا يزال بوسعها البقاء في بيتها واستقبال أصدقائها الذين يواجهون صعوبات. "لم يسبب لنا المالك أية مشاكل لكن سيتعين علينا حتما دفع الإيجار والفواتير" تقول الشابة بنبرة يشوبها قلق. وفعلا، لم تكد تمضي سويعات على لقائنا بها حتى اتصلت بها صاحبة المحل طالبة منها دفع فاتورة الكهرباء في غضون ثلاثة أيام تحت طائلة الطرد. لكن بفضل شبكة الأصدقاء والجمعيات المتضامنة حولها ستتمكن آنا من تسوية هذه الفواتير، لكن لا يسعها إلا أن تتساءل "عما سيحدث لأولئك الذين لم يسعفهم الحظ بالحصول على مساعدة؟".
في نفس الموضوع
جميع الذين قابلتهم إنكفاضة أفادوا بأنهم فقدوا وظائفهم. عادةً ما تعمل آنا في تنظيف المنازل، لكنها لم تعد تجرؤ على مغادرة منزلها لما يبلغها من أصداء عن الاعتداءات والاعتقالات. شريكها في السكن، ديلان، طُرد من المطعم الذي يعمل فيه "إلى حين إشعار آخر".
من بين جميع أصدقائه كان ديلان الوحيد الذي خيّر الخروج في ذلك اليوم قاصدا مشغّله السابق على أمل الحصول على راتبه. تروي آنا أن "الشرطة داهمت مكان عمله [مطابخ المطعم المذكور] واعتقلت زملاءه". ولحسن حظه لم يكن ديلان وقتها على عين المكان لكن صاحب العمل اتصل به ونهاه عن القدوم "في انتظار أن تهدأ الأمور".
سامية امرأة إيفوارية أخرى تعيش في تونس منذ عشر سنوات رأت زميلها يُعتقل أمام عينيها. "قدمت الشرطة واصطحبته بعيدا، هكذا بكل بساطة". وبأعجوبة، لم يتفطن الأعوان لسامية التي ظلت مجمدة في زاوية بعد أن انتابتها الصدمة من هول المشهد. عادت الشابة إلى منزلها مباشرة إثر ذلك وأوصدت الأبواب على نفسها وابنتها التي لم تطأ قدمها المدرسة منذ ذلك الحين. تقول سامية عن الطفلة أنها "وُلدت هنا وتتحدث التونسية".
"سنطاردكم جميعا"
لئن كانت ميليسا وعيسى وسامية وآلاف الآخرين والأخريات يخشون الخروج فإن ذلك يعود لما تناهى لمسامعهم في الأيام الأخيرة من اعتقالات واعتداءات ارتُكبت ضد المنتمين لجنسيات بلدان جنوب الصحراء. ميليسا نفسها تعرّضت للاعتداء اللفظي في الشارع: "كنت في الشارع قاصدة منزلي، فتوجهت امرأة إليّ وطلبت مني خلع سماعاتي. اعتقدت أنها ستستعلم عن شيء ما» تروي ميليسا. سألتها المرأة أولا عما إذا كانت تتحدث الفرنسية قبل الشروع في إهانتها.
"قالت لي سنطردكم جميعا من هنا أنت وغيرك! لا نريدكم هنا بعد الآن، إنها الحرب" تقول ميليسا وقد أثّر فيها الهجوم أيما تأثير.
تعلّق باتريسيا الصحفية في إذاعة RLF: "نحن نعاني من الميز على أساس يومي لكن الارتفاع الحاد والصاعق في هذه الظاهرة هو الذي يفاجئني حقا". من جهتها أوردت عدة جمعيات أن الاعتداءات ذهبت إلى أقصى من ذلك وتعدّت عتبة العنف الجسدي بعدما تم تداول شهاداتٍ على مدار الأيام الماضية لأشخاص تعرضوا للمطاردة أو الهجوم أو حتى الإصابة بالسكاكين. كما تعرضت مجموعة من مواطني·ـات بلدان جنوب الصحراء في ضواحي تونس العاصمة لهجوم من قبل شباب تونسيين هشّموا الأبواب وأشعلوا النار في المبنى ونهبوا المنازل: "بدأوا في تطويق المساكن وإضرام النار حيث يقطن متساكنون سود، بعضهم دُكّت أبوابهم دكّا وكانت هناك نساء خائفات جدا» تصف لنا باتريسيا المشهد*.
وفقا للشهادات فإن تدخّل الشرطة لم يمكّن من وقف هذا العنف. إذ أفادت صفحة جمعية الطلبة الأفارقة بتونس كيف أن "الشرطة كانت تأتي ولكن بمجرد مغادرتها يعود الشبان لمهاجمة المبنى الذي يقيم فيه طلابنا وإضرام النار فيه".
تهديدات الشرطة
يبدو أن الشرطة هي الأخرى تشكل تهديدا نظرا لتعاظم نسق الاعتقالات في الوقت الذي تنتشر فيه على الشبكات الاجتماعية صور العديد من الأشخاص "المختفين". إحدى هؤلاء اختفت وهي في البنك وآخر كان في طريقه إلى مركز الشرطة لتجديد أوراقه ولم يعد منذ ذلك الحين... بيير من جهته انقطعت عنه أخبار أخته التي أُلقي القبض عليها في مكان عملها.
حسب ما أوردته الشهادات والمعلومات التي جمعتها الجمعيات فقد ألقي القبض على عدة مئات* من الأشخاص في غضون أسبوعين فقط، قبل حتى صدور البيان الرئاسي.
يفيد مارك بأنه تم القبض عليه في وقت مبكر من ديسمبر 2022 ناحية ساحة برشلونة في العاصمة لمّا استوقفه أعوان الشرطة يوم 18 ديسمبر طالبين منه إظهار أوراقه. مارك متحصّل على بطاقة إقامة، لكن لم تكن بحوزته في ذلك اليوم سوى بطاقته القنصلية. "إنها البطاقة التي تمنحنا إياها السفارة. حاولت عرضها على الأعوان لكنهم أخبروني أنهم لا علم لهم بها". أُلقي القبض على مارك على الفور واقتيد إلى مركز أمن.
هناك، لم يكن الشاب بمفرده: "كنا 56 شخصا بيننا نساء وأطفال" جميعهم من أصول جنوب صحراوية. جُمع الموقوفون والموقوفات في إحدى عربات الشرطة وحالة من الارتباك تحوم بينهم: "تجد نفسك وسط الظلام الداحس داخل عربة تحملك إلى مكان مجهول". أخذتهم الشاحنة إلى مركز شرطة آخر أين سجل أعوانٌ بصماتهم. ورغم أن العملية استغرقت ساعاتٍ إلا أن مارك حافظ على هدوءه أمام إذلال الشرطة له.
"أعطونا طعاماً، وبينما كنا نأكل شرعوا في تصويرنا ساخرين منا. قضيت يوما دون تناول الطعام بسبب ذلك. قلت لنفسي خير لي أن أتضور جوعا على أن يتم تصويري وأنا آكل. لا أستطيع قبول ذلك".
أخيرا أُحضر مارك والآخرون إلى بوشوشة أين قضّى الشاب في المجمل ثلاثة أيام بلا أدنى معرفة بما سيحدث له. يتذكر مارك أن هذا الاعتقال جدّ خلال فترة كأس العالم: "فاتتني مشاهدة النهائي لأنني كنت محتجزا وقتها" يقول الشاب ضاحكا.
في نهاية اليوم الثالث وجد مارك أخيرا محاميا يتحدث الفرنسية للمثول أمام القاضي. تحصّل على إطلاق سراح مؤقت إلى حين العودة إلى منزله وجلب الوثائق اللازمة لإثبات وجوده القانوني في تونس. انتهت المحنة، لكن التجربة تركت أثرها المرير في نفسه، فطوال السنوات الأربع التي قضاها في تونس كانت هذه المرة الأولى التي يواجه فيها معاملة من هذا القبيل.
"عمليات مراقبة؟ حسنا. لكن أن يتم القبض عليك حتى ولو بحوزتك أوراق؟ لم أر مثل ذلك هنا من قبل".
يعتبر مارك أنه في ظل الهجمات الحالية فإن المكان الوحيد الذي يشعر فيه "بالأمان" حقا هو سفارة بلده حتى وإن كان وضعه قانونيا ويقول أنه منذ تحدث عن تجربته على وسائل التواصل الاجتماعي بات يتلقى تهديدات. كما لم يعد يجرؤ على الخروج من الحي الذي يقطن به إلا لشراء الطعام تجنبا لموجات الاعتقالات الجماعية والعنف التعسفي المنتشرة.
مارك مقتنع بأنه إذا ما حدث له شيء فإن السلطات لن تكترث لأجله.
" كان الأمر في السابق [بالفعل] كذلك، لكننا شعرنا ببعض الأمان لأن الدولة كانت موجودة، والشرطة موجودة. الآن أضحت الدولة هي التي تريد التخلص منا. نحن تحت رحمة الجميع".
حجة عدم الشرعية المغلوطة
أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين نبيل عمار يوم 25 فيفري وبعد ثلاثة أيام من صدور البيان الرئاسي أن تونس تتصدى قبل كل شيء "للهجرة غير النظامية التي تمثل مشكلة في جميع البلدان".
إلا أنه وفي حالة تونس، فإن هذا التمييز بين الهجرة الشرعية وغير الشرعية "مصطنع" على حد تعبير كامي كاساريني، الباحث في جامعة جنوة في شؤون الهجرة الإفريقية بتونس. يقول الباحث أن "الدولة التونسية لم تضع أبدا الشروط القانونية والتقنية والإدارية الكفيلة بتوفير تصاريح الإقامة للأشخاص من دول أفريقيا جنوب الصحراء. ولطالما كان هذا حقيقة واقعة، منذ عهد بن علي".
"نحن لسنا إزاء أشخاص يضعون أنفسهم عن قصد في وضع غير نظامي، نحن إزاء دولة تعمد لعدم تقنين وجودهم فيها".
يضيف كاساريني أن هذه الممارسات تستهدف في المقام الأول الأشخاص المنتمين لجنسيات جنوب الصحراء، وأن الأوروبيين·ـات أقل تعرّضا لهكذا صعوبات: "حتى مواطني بلدان جنوب الصحراء الحائزين على جميع الوثائق اللازمة لا يُمنحون أبدا تصريح إقامة دائمة".
هذه المعلومات ليست معروفة لدى عموم الناس مثلما تشهد على ذلك آنا. ذهبت الشابة الإيفوارية قبيْل بضعة أيام إلى البقّال كعادتها لاقتناء بعض الحاجيات. "بعد فترة نظر إلي وسألني عما إذا كانت لدي بطاقة إقامة". أجابت آنا بالنفي. "عليك أن تتقدي للحصول على واحدة إذن!" أجابها البائع بنبرة ازدراء. لكن ما لا يعلمه الأخير هو أن آنا، شأنها شأن الكثيرين·ـات من مواطني بلدان جنوب الصحراء الآخرين، حاولت جاهدة منذ زمن طويل تسوية وضعيتها في البلاد منذ حلولها بها سنة 2016. لكنها سرعان ما تملّكها بالإحباط بسبب استحالة الحصول على الأوراق وما يعنيه ذلك من إمكانية العمل القانوني والسفر. و مع تراكم الخطايا التي يتعين عليها دفعها والتي وصلت إلى الحد الأقصى المحدد بـ 3000 دينار ، بلغت الشابة طريقا مسدودا. لم تر آنا بناتها اللواتي بقين في ساحل العاج منذ ست سنوات قائلة "إنهن لا يعرفن أي شيء عن حياتنا".
في نفس الموضوع
"للحصول على تصريح إقامة أحتاج إلى وظيفة وسكن. وللحصول على وظيفة وسكن أحتاج إلى تصريح إقامة" يلخّص بيير الشاب الإيفواري، ويضيف "فما الحل إذن؟". يشتغل الأخير عدة أيام في الأسبوع في حضيرة بناء كحدّاد. مؤخرا رضخ مشغّله للضغوط وطلب منه إحضار تصريح إقامة إذا أراد مواصلة العمل. يقول بيير ساخرا: "لو كان لدي تصريح إقامة أتراني سأقبل بالعمل في حضيرة بناء؟"، ويضيف صاحبه عيسى: "نحن نعلم علم اليقين أننا نتقاضى أجورا أقل من التونسيين لكن لا خيار لدينا".
حملة عنيفة
في غرفة الانتظار بسفارة ساحل العاج يبدو الجو ثقيلا والصمت يخيم على المكان بالرغم من وجود عشرات الأشخاص. يتواصل دفق الإيفواريين والإيفواريات بلا هوادة للتسجيل في قوائم التعداد التي شرع في إعدادها السفارة، آملين في إعادتهم إلى وطنهم في أقرب الآجال. في الخارج، تنتظر جموع بأكملها دورها أمام المبنى، أو تهرع إلى مكتبات الحي المجاورة لنسخ أوراق الهويات.
بالنسبة إلى جان بيدل غنابلي، رئيس جمعية الإيفواريين النشطين في تونس ASSIVAT، فإن حالة التوجس الحالية هي نتيجة مدبرة لحملة عنصرية يقودها الحزب القومي التونسي: "لقد مضت ثلاثة أو أربعة أشهر منذ شرع نشطاء سيبرانيون تونسيون في نفث خطاب الكراهية والدعاية من أجل طرد مهاجري بلدان جنوب الصحراء من تونس".
طيلة أشهر، أخذ الحزب القومي التونسي الذي تأسس سنة 2018 ولا يزال تنظيمه الداخلي شديد الغموض، يصب سيلا من التصريحات العنصرية ضد المهاجرين والمهاجريات من جنوب الصحراء المتواجدين في تونس على الشبكات الاجتماعية وبالأخص فايسبوك وتيكتوك. حتى أن المجموعة أطلقت عريضة على الإنترنت لإلغاء القانون عدد 50 الصادر في نفس السنة والمتعلق بمناهضة جميع أشكال العنصرية والتمييز في البلاد. بيان الرئاسة من جهته استعاد بحماس السردية العنصرية للحزب القومي، مما يبدو أنه فاقم موجة العنف في تونس.
«لطالما كانت هناك اعتقالات تعسفية (...). إنه أمر معهود في تونس" يقول الباحث كامي كاساريني.
"لكن هذه المرة بلغ الأمر خطاب الدولة، وصار موضوعا مسيّسا. هذا أمر مستجدّ".
"الخطاب السياسي تحول لذريعة للتونسيين لارتكاب بعض الأعمال الإجرامية وقد رأينا ذلك في دوائرنا بعدما تعرضعدد منا للهجوم" يقول جان بيدل مضيفا "لقد تمت المقاربة بين خطاب الكراهية هذا وبيان الرئاسة".
بالنسبة لجميع الذين تمت محاورتهم، ليس ثمة شك في أن هذه الحملة والخطاب الرسمي للرئيس أدّيا إلى عنصرية لا رادع لها. حتى من لم يطرده صاحب المسكن صار يخشى وشاية الجيران به. تروي ميليسا في هذا الصدد أن "الشرطة جاءت للتحدث إلى صاحبة المنزل على خلفية وشاية الجيران بها لإيوائها متساكنين من جنوب الصحراء. لكن صاحبة المحل كانت لطيفةً وتمسّكت بموقفها بحزم".
تفيد امرأة شابة بأنها آوت أخرى من جنوب الصحراء كانت قد طُردت من منزلها. وبالكاد مرت ساعة على وصول الأخيرة حتى تلقت مكالمة من صاحب المنزل مستفسراً: "أنا متأكدة من أنهم الجيران. اضطررت للتفاوض معه فوافق أخيرا على السماح لي باستضافتها لليلة واحدة".
شمل العنف والاعتقالات التعسفية التونسيين والتونسيات سود البشرة، ما أجبرهم على التزام شديد الحذر. وقد ندد كثيرون بالهجوم الذي تعرضت له ناشطة تونسية سوداء البشرة في قلب وسط العاصمة تونس.
"إنها مشكلة موجودة منذ وقت طويل" يقول شهاب وهو شاب تونسي أسود البشرة مضيفا "تتعرض للإهانة في الشارع في كل الأوقات، وعندما ترد باللهجة التونسية يُقال لك: "أوه أنت تونسي! ظننتك من جنوب الصحراء لأننا ليس لدينا تونسيون سود".
وأمام ازدياد منسوب العنف، يعترف شهاب بأنه خائف ويفعل ما في وسعه كي لا يشتبه فيه كقادم من بلدان جنوب الصحراء. "أتظاهر أحيانا بالاتصال بشخص ما حتى يسمعني الناس وأنا أتحدث بالتونسية. وعندما أكون في مقهى أحاول إعلاء صوتي عن قصد أيضا". "عموما عندما يتم إيقافي من قبل أعوان الأمن وأظهر أوراقي يمر الأمر بلا إشكال".
"المشكلة هي أن المواطنين لن يطلبوا مني أوراقي بل سيهاجمونني مباشرة".
"ينتابنا الخوف من أن ينخرط الشعب التونسي في ذلك" يقول عيسى مؤكدا أن "الأمر قد بدأ بالفعل".
بُثت دعوة للاحتجاج ضد الهجرة يوم الأحد 26 فيفري 2023 عبر الإنترنت. وبالنسبة للبعض ممن يعلقون على منشورات وسائل التواصل الاجتماعي فإن الهدف من الوقفة الاحتجاجية هو "ألا يشعر السود بالأمان مرة أخرى في هذا البلد [أي في تونس]". دعا الحزب القومي يوم الجمعة 24 فيفري إلى إلغاء الوقفة.
لكن بالنسبة لميليسا وسامية وآنا وغيرهن الكثير فإن الضرر قد وقع بالفعل. "ها نحن ننتظر. لا ندري ما يخبئه لنا الوضع. فما عساي أفعل سوى الانتظار؟" تتنهد ميليسا.