قضية إكسيلو: غرق سفينة في خليج قابس يعرّي تقصير السلطات البحرية

قضية إكسيلو: غرق سفينة في خليج قابس يعرّي تهاون السلطات البحرية

  كان خبر إعلان عدم وجود غازوال بـناقلة الوقود الغارقة بخليج قابس منتصف أفريل الماضي، كافيا لصرف النظر عن الحادثة برمتها. ولكن هذا الخبر أخفى تفاصيل أخرى طُمست مع "إكسيلو" الغارقة إلى اليوم تحت عمق زُهاء 18 مترا. لماذا سمحت لها سلطات ميناء صفاقس بالمغادرة؟ ولماذا غرقت السفينة قبالة ميناء قابس حينما كانت راسية هناك منذ 24 ساعة؟ ثم لماذا يتواصل جدل وجود الغازوال من عدمه إلى اليوم؟ 
بقلم | 09 جوان 2022 | reading-duration 15 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسية

غداة غرق السفينة، أعلن جيش البحر أخذه بزمام القضية  لبدء التحقيقات والتعامل مع تسرب محتمل للغازوال. قرار كان كافيا حسب تقدير إدارة ميناء قابس التي رفضت الإدلاء بأي تصريح. فرغم استقبالنا من قبل رئيس دائرة الاستغلال المينائي، فيصل جماعي، إلا أنه اعتذر عن إعطاء أي تصريح في علاقة بالسفينة مهما كان نوعه، أو مدنا بتفاصيل الاتصالات التي جرت بين قبطان السفينة وبرج المراقبة، بتعلة أن الجيش آخذ بزمام القضية وأن ذلك يحتّم عليهم التحفظ. 

من جهته تخلى المجتمع المدني عن متابعة الموضوع، لعدم ظهور بقايا محروقات على الشاطىء. تخلٍّ ترجمه حديث والي قابس بالنيابة. إذ استقبلنا الوالي صابر البنبلي وعضو خلية الأزمة التي تشكلت عقب غرق "اكسيلو"، استقبالا اعتبره في سياق مجاملتنا كصحفيين فيما ليس لديه الجديد ليفيدنا به. شدّد البنبلي على أن موضوع السفينة قد خرج من اهتمامهم مباشرة، بعد ثبوت عدم احتوائها على غازوال.

يقول الوالي: "اشتغل الفريق الإيطالي والتونسي كلّ بمفرده ولكنهما توصلا إلى نتيجة واحدة، وهي اليقين التام من عدم وجود غازوال." 

رغم أن السفينة جاثمة في قاع البحر على بعد 7 أميال فقط من البرّ، ولأكثر من شهر إلا أن التحقيقات مازالت لم تحسم في السجال المتواصل بين طاقم السفينة، الذي يتشبث بوجود غازوال مقابل السلطات التونسية التي تستند على فيديو رديء الجودة للبحرية الإيطالية، يظهر خروج فقاقيع بنيّة أثناء فتح صنابير قيل أنها لخزانات الغازوال. يظهر الفيديو فتح الصنبور بشكل كامل بل اندفاع الفقاقيع حال تنفيسها ما دفع الغواص إلى إعادة غلقها.

دفع عمر المركب وحالته الرثة، السلطات التونسية إلى اعتبار حادثة  الغرق متعمدة. يقول الوالي صابر البنبلي: "إن ما حدث جريمة حقيقية، ويواجه الطاقم اليوم تهمة تكوين وفاق لإغراق السفينة والإستفادة من التأمين."

تواصلنا مع وكيل الشحن الخاص بإكسيلو في ميناء صفاقس "وكالات قرطاج للملاحة"، لمعرفة شركة التأمين المتعاقدة مع إكسيلو. يؤكد رئيس الوكالات، زهير حلواس، إن مالكي إكسيلو وأحدهم هو تركي الجنسية ويدعى، إلباك نويان، متعاقدون مع "مجموعة فيينا للتأمينات". 

راسلنا مجموعة فيينا عبر المدير ، فيكتور بوروفي، الممضي على العقد مع إكسيلو الذي أمدنا به حلواس، للاستفسار عما إذا تواصل معهم المالك بعد غرق السفينة، وللاطلاع على تفاصيل عقد التأمين والتكاليف والمخاطر المغطاة وفيما إذا سيتم التعويض عن حادثة الغرق. 

رغم فتحه الرسائل الإلكترونية أكثر من مرة، وتذكيرنا له بموعد النشر تحاشى مسؤول التأمين الإجابة عن الأسئلة لأكثر من أسبوعين. من جهة أخرى تواصلنا مع رقم الهاتف الظاهر على موقع الإنترنت لشركة "ستار إنرجي" المالكة لإكسيلو. أجابنا صوت رجالي اعترف أن الرقم يعود فعلا للشركة، ولكنه اعتذر عن الإدلاء بتصريحات لنا متعللا بأن محامي الطاقم في تونس يمتلك كافة الأجوبة.

حاولنا التواصل معه عبر الواتساب مجددا ولكنه لم يجيب، راسلناه هذه المرة عبر الإيميل لمعرفة عملائه الذين اشترى منهم الغازوال وعن إمكانيات حصوله عن تعويض لغرق الناقلة ولكننا لم نتلق أي إجابة أيضا. وللإشارة أيضا فإن ستار إنرجي لا تملك سفنا أخرى عدى إكسيلو.

هل تبخرت الأدلّة؟ 

تواصلت إنكفاضة مع محامي الطاقم في تونس، مبروك المدوري، الذي استهل حديثه بالتأكيد على أنه يدافع في القضية عن الأشخاص لا عن مصالح الشركة الاقتصادية.  يقول المدوري: "إن لا مصلحة للقبطان وفريقه في مغالطة السلطات التونسية بخصوص وجود مادة الغازوال". بل يعتبر أن عدم وجود الغازوال يجعل الحادثة أقل تعقيدا. 

يقول المحامي مبروك المدوري، إن الطاقم يتمسك بأنه اشترى الغازوال من ناقلة أخرى في عرض البحر وهو ما تقوم به "اكسيلو" منذ سنوات باعتبارها سفينة تزويد (Bunkering tanker). في المقابل فإن الطاقم لا يريد كشف عملائه الذين اشترى من عندهم الغازوال.  

في اليوم الثاني لغرق إكسيلو ظهرت بقع من الغازوال حول الموقع، قيل حينها أن مصدرها وقود محركات السفينة. وقد تبددت البقع في وقت قصير دون أن تظهر لها في ذلك الوقت أثار بيئية واضحة.

بعد يوم من غرق السفينة كتبت الأستاذة بالمعهد الوطني لعلوم البحار بتونس، علا العمروني، تعليقا على الخبر:" الأمر السار أن السفينة كانت تحمل الديزل بدلاً من النفط الخام الأكثر كثافة،  خفة جزئيات الوقود ووزنه تجعله يطفو أسهل على سطح البحر."

هذا التكتم عن العملاء وجهات التواصل، إضافة إلى غلق نظام تحديد المواقع خلال الـ5 أيام التي أعقبت خروجها من ميناء صفاقس، يعزز من شكوك ضلوع إكسيلو في تهريب النفط في المتوسط بعد أن تنامت هذا الظاهرة بسبب اضطراب الأوضاع الأمنية في ليبيا. إذ يعمد المهربون إلى تهريب الغازوال من مصافي النفط في الغرب الليبي إلى ناقلات كبرى، عبر ناقلات أصغر في حجم إكسيلو تسمى بالسفينات الشبح لأنها تظهر وتختفي على الخرائط.

تعرض منصة "Public Eye" في تحقيق مطول التكتيكات المعتمدة في تهريب الغازوال الليبي من خلال رصد 3 ناقلات نفط على مدار سنة كاملة، هُرّب فيها الغازوال من بوكماش الواقعة في زوارة الليبية إلى الاتحاد الأوروبي عبر مالطا.

يطالب المحامي اليوم بالإفراج عن أفراد الطاقم، ويعتبر أن المسؤولية الجزائية لا تقع على عامل يشتغل في المطبخ أو آخر يعمل في تشحيم المعدات، وأن من بين الطاقم من التحق بالسفينة منذ بضعة أيام فقط. 

من هم أفراد طاقم "إكسيلو"؟

في الوقت الحالي، تمتلك السلطات التونسية سفينة غارقة تحت عمق 18 مترا و7 أشخاص محتجزين في السجن المدني بقابس، ينتظرون أحكاما قضائية قد تصل إلى 15 سنة سجنا إذا ما أدينوا بالتهم الموجهة لهم، وفق ما قاله محاميهم مبروك المدوري.  

تتوزع جنسيات الطاقم بين أذربيجانية وتركية وجورجية، أكبرهم رئيس المهندسين بعمر 58 سنة وأصغرهم مساعد القبطان بعمر 25. يؤكد وكيل الشحن زهير حلواس، أن هذا الأخير حديث التخرج وأن عقده مع "اكسيلو" هو الأول في مسيرته المهنية. حلواس يقول أيضا لإنكفاضة أن أقدم شخص في الطاقم التحق بالناقلة منذ 4 أشهر، في حين تم تغيير 2 من الطاقم في صفاقس أحدهما المسؤول عن تشحيم المعدات.

صورة لأفراد طاقم إكسيلو قبل مغادرتهم ميناء صفاقس يوم 8 أفريل 2022. 

تتطلب لوائح النقل البحري أن يكون للسفن وكيل معين في الميناء الذي تزوره السفينة. يعيّن هذا الوكيل من قبل مالك السفينة أو مستأجرها لتمثيله في الميناء حيث تتوقف.

يعمل وكيل الشحن على التحضير لمحطة توقف السفينة، من خلال معرفته بالدولة والميناء والمتدخلين المختلفين المتاحين في الموقع، كما يقوم بإبلاغ السلط والجهات الرسمية المعنية. قبل وصول السفينة أو الناقلة، يحذر الوكيل القبطان من القوانين والإجراءات المحلية التي يجب أن ينتبه إليها. كما يتولى العمل كوسيط لطلب خدمات ورشة إصلاح أو مزود للمعدات أو الإمدادات.

بشكل عام يتمثل الدور الأول للوكيل في تمثيل مالك السفينة في الميناء، وبالتالي يتصرف وفقًا للتعليمات التي يتلقاها. لاستكمال هذه المهمة يعتبر مطالبا بإعداد الفاتورة وجمع إيصالات الشحن من العملاء الذين يقومون بتحميل البضائع على السفينة.   

يقول زهير حلواس: بحكم أن إكسيلو لا يمتلك مسارا ثابتا أو وجهات محددة بل يشتغل في إطار التأجير والنقل غير المنتظم، لم يربطنا مع مالكيْه عقد دائم بل تواصل معي صاحب السفينة التركي إلباك نويان لتمثيله في ميناء صفاقس أثناء دخوله." 

ويستدرك: "دخول السفينة إلى صفاقس لم يكن إراديا تماما لأنها واجهت مشاكل، وتوجب عليها الدخول إلى الميناء للتزود بالماء الحلو لتبريد المحرك واستعمال الطاقم، إضافة إلى إصلاح مولد الكهرباء المعطوب."  

صورة تظهر عمليات اللحام التي أجريت على إكسيلو أثناء توقفها في ميناء صفاقس بين 4 و 8 أفريل 2022.

وفقا للوثائق التي عرضها علينا الوكيل، ووثيقة أخرى حصلنا عليها صادرة عن سلطة ميناء صفاقس فإن سبب دخول إكسيلو المعلن هو التموين. كما عرض علينا حلواس فاتورة تزود السفينة والتي شملت 35 طنا من الماء، إضافة إلى مواد أخرى وعمليات لحام وصيانة لم نستطع الإلمام بها كلها إذ رفض مدنا بنسخة من الفاتورة متعلّلا بأن لدى فرقة الحرس الوطني نسخة منها. 

إكسيلو على قائمة السفن "المشبوهة" 

تظهر البيانات الرسمية التي حصلنا عليها عبر أحد مصادرنا من ميناء صفاقس، أن اكسيلو رُبطت إلى الرصيف يوم 4 أفريل 2022 على الساعة 13 بهدف التزود. فيما غادرته وفق موقع "مارين ترافيك" يوم 8 أفريل على الساعة 17:39. 

دخلت اكسيلو وغادرت دون أية مشاكل، كان سبب دخولها المعلن عنه وفق ما أسلف وكيل الشحن، في إطار التزود وإصلاح بعض المعدات. ويستشهد بفيديو أكد أنه التقطه للناقلة إثر دخولها إلى الميناء على أنها كانت فارغة.

لم تحترز السلطات التونسية من جهتها على دخول الناقلة، رغم اعتراف العميد بالبحرية للجنوب ورئيس خلية الأزمة بقابس المازري لطيف، لإذاعة موزاييك يوم الجمعة 22 أفريل  2022 أنّه تمّ وضع السفينة ''اكسيلو'' منذ سنتين على قائمة السفن "المشبوهة" لأنها كانت تغير علمها واسمها بشكل متكرر. ولم يخفِ العميد أن تكون الناقلة متورطة في تهريب النفط الليبي.

تظهر لنا البيانات التي حصلنا عليها من موقع "إكوازيس" المتخصص في معلومات السفن وشركات الملاحة، أن إكسيلو قد غيرت لواءها في غرة جويلية 2021 من اللواء الروسي إلى الكاميروني، ثم بعد 7 أشهر فقط  وتحديدا في غرة فيفري 2022 غيرته مرة أخرى إلى لواء غينيا الاستوائية. 

تتعاقد كل سفينة تجارية مع جمعية تصنيف. تساعد جمعية تصنيف السفن على التأكد من أن السفينة ومعدّاتها تتوافق مع نظام التصنيف من خلال إجراء التقييمات المناسبة وتأهيلها للحصول على علم دولة ما. 

يعلق الخبير القانوني في النقل البحري لدى المحاكم وشركات التأمين والربان السابق، محمود بن سعد** أن هذه العملية تظهر المشاكل التي يواجهها إكسيلو في الحصول على علم دولة ما والترسيم بأسطولها. فالتغيير الذي وقع في ظرف ستة أشهر، يبرز أن الناقلة لم تكن تستجيب من الناحية القانونية والتقنية لشروط العلم الروسي ولا حتى الكاميروني الذي سحب منها لواءه بعد 6 أشهر فقط. 

اعتذر الخبير القانوني عن التصريح تحت هويته الرسمية، وفي الحقيقة كثيرون غيره تجنبوا الخوض أصلا في الموضوع. فهمنا لاحقا ومما سيقودنا إليه البحث أن الموضوع يدور حول تقصير رسمي لا يمكن إنكاره.

في حالة إكسيلو فهي متعاقدة مع جمعية "VEGA REGISTER Inc". في الحقيقة لا تتوفر المعلومات الكثيرة عن هذه الجمعية وهي ليست ذائعة الصيت. حيث أن موقعها على الإنترنت غير مؤمن ولا يعرض معلومات محينة.  ما يوحي بالقيمة المتواضعة لهذه الجمعية بين مثيلاتها. إذ تسيطر 11 جمعية تصنيف على 90% من السفن التي تبحر في جميع أرجاء العالم، في الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات إلى وجود حوالي 50 جمعية تصنيف في العالم.

من جهتها، كانت غينيا الإستوائية قد أعلنت عقب حادثة غرق اكسيلو في خليج قابس أنها قررت حظر إبحار 350 باخرة تحمل علمها. وقالت تقارير صحفية إن وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، استقبل سفيرة جمهورية غينيا الاستوائية بتونس، والتي أطلعته على الإجراءات التي اتخذتها بلادها لتتبّع البواخر المخالفة التي تحمل علم وتسجيل غينيا الاستوائية.

المثير في الموضوع هو اعتراف عميد الجيش التونسي، المازري لطيف، في ذات الحوار السابق، بأن جيش البحر بمنطقة الجرف القاري اعترض طريق السفينة  في 3 مناسبات، خلال محاولتها الاقتراب من المياه التونسية، مبينا أن أحد هذه المحاولات كانت بداية هذه السنة قبالة سواحل جزيرة قرقنة.

الرحلة المشبوهة

بالعودة إلى تحركات السفينة خلال السنة الماضية، عدا أن اكسيلو غالبا ما تغلق جهاز تحديد المواقع خاصتها، إلا أننا اكتشفنا رحلة غريبة لها بين 27 و30 سبتمبر 2021 بين منطقة أبوكماش غرب ليبيا وسواحل مدينة سوسة. لم ترسو اكسيلو هناك في ميناء أو مكان معروف بل توقفت لمدة  10 ساعات  بعيدة عن الميناء حوالي 12 كيلومترا. تظهر صور الأقمار الاصطناعية منطقة تضم ما يشبه خزانات ومخازن.

تواصلنا مع أحد الناشطين الليبيين من سكان أبو كماش. وقد أكد لنا فعلا أن المنطقة معروفة بتهريب الوقود وأنشطة أخرى غير قانونية، ولكننا لم نستطع أن نصل إلى معلومات أكثر بخصوص نوعية الأنشطة الأخرى المحتملة ونوعية المواد التي يمكن تهريبها غير الغازوال.

لقطة شاشة من موقع "Marine Traffic"  تظهر توقف إكسيلو قبالة سواحل منطقة أبو كماش في الغرب الليبي في الليلة الفاصلة بين 28 و 29 سبتمبر 2021.

بتتبع مسار إكسيلو بعد أبو كماش، نرى أنها أبحرت بمحاذاة المياه الاقليمية التونسية حيث تعمدت إغلاق نظام تحديد المواقع الخاص بها، قرب جرجيس بعد منتصف ليلة 29 سبتمبر. غابت إثرها عن الخريطة لحوالي 8 ساعات  لتعاود الظهور قبالة قرقنة. 

من بوكماش إلى سواحل قرقنة، اتجهت اكسيلو إلى سواحل مدينة سوسة، حيث توقفت وسط البحر حوالي 4 ساعات بين 7 و 11 صباحا أين قامت بغلق جهاز تحديد المواقع مرة أخرى وهي ما تزال في المياه الإقليمية التونسية، ولم تُعد فتحه إلا على الساعة 19:30 متى ظهرت متوجهة إلى المياه الإقليمية المالطية. 

مسار الناقلة اكسيلو عام قبل غرقها

يرى الخبير في النقل البحري محمود بن سعد من أن تحركات إكسيلو تثير شكوكا كثيرة، ويستغرب من إغلاقها المتكرر لنظام تحديد المواقع في المياه الإقليمية التونسية التي يعتبرها تغطية على أعمال غير قانونية. 

لماذا تُركت إكسيلو تغادر ميناء صفاقس؟ 

يتعين على السفن التجارية أن تحوز عددا من الشهادات والوثائق، حتى يتسنى لها العمل بشكل قانوني وممارسة التجارة بحريّة وطنيا ودوليا. من الناحية الفنية، تمثل الشهادات  دليلا على صحة معلومة ما مُدرجة أو توفّر حجّة على استيفاء أحد المعايير. 

قد تحتاج السفن التي تقوم بالتجارة الدولية إلى حمل أكثر من 50 وثيقة على متنها. ويجب أن تفي الشهادات التي يجب أن تحملها السفينة بمتطلبات دولة علم السفينة، وكذلك جميع اللوائح والمعاهدات الدولية وفقًا للمنظمة البحرية الدولية (IMO) علاوة على المستندات اللازمة لتلبية متطلبات التشغيل والسلامة لسلطات الموانئ المحلية ودولة العَلم.

يقول المازري لطيف: " طلبنا معاينة السفينة ولكن طاقمها استظهر بما يفيد معاينتها من قبل ميناء نيابوليس اليوناني قبل شهرين". وهو ما رأوه سببا وجيها لتركها تغادر الميناء، دون إعادة فحص وثائقها ومدى صلوحيتها للإبحار.

 في هذا الصدد يقول خبير الشحن والموانئ والخدمات اللوجستية الدولية والأستاذ الفخري بجامعة بريتش كولومبيا، تريفور هيفر لإنكفاضة: "يمكن فحص السفن الأجنبية من قبل سلطات الدولة التي يخضع لها الميناء وينبغي فحصها إذا كان هناك شك بشأن حالتها وصلاحيتها للإبحار". 

في المقابل بالبحث على موقع "أكوازيس"، نكتشف أن في الفترة التي رست فيها إكسيلو بصفاقس بين 4 و 8 أفريل 2022، من جملة 15 شهادة متاحة، 11 منها منتهية الصلاحية منذ 27 مارس 2022. من أهم هذه الشهادات نجد:

الشهادة الدولية لمعدات سلامة السفن
تتحقق هذه الشهادة من الجاهزية التشغيلية لجميع معدات سلامة السفينة بموجب الفصل الثالث من اتفاقية سولاس (سلامة الحياة في البحر) التي صادقت عليها تونس في 6 أوت 1980.
شهادة بناء السفن الدولية
وفقًا لمتطلبات الفصل الثاني من اتفاقية سولاس أيضا، تتحقق هذه الشهادة من سلامة وأمان بناء السفينة. ويجب أن ترافق هذه الشهادة أيضًا وثائق مختلفة ، بما في ذلك رسومات البناء وخطط التحكم في الأضرار وملف الطلاء الفني.
شهادة راديو سلامة السفن الدولية
يتطلب الفصل الرابع من اتفاقية سولاس أن تحمل سفن الشحن وسفن الركاب معدات لاسلكية مناسبة في الرحلات الدولية. تؤكد هذه الشهادة أن السفينة بها المعدات اللازمة وأنها في حالة عمل جيدة.
شهادة خط التحميل الدولي
تضع الاتفاقية الدولية لخطوط التحميل لوائح لتحديد خطوط تحميل السفن،فضلاً عن عوامل بناء السفن، مثل جودة الأبواب المانعة لتسرب الماء وسدادات التصريف في المقصورات المانعة لتسرب الماء.
الشهادة الدولية لكفاءة الطاقة (IEEC)
تتحقق هذه الشهادة، التي صارت الزامية بعد اتفاقية ماربول وهي اتفاقية دولية لمنع التلوث من السفن أمضت في 2011، من أن السفينة تلبي متطلبات كفاءة الطاقة.
شهادة نظام مكافحة النفايات:
هي الشهادة البحرية الدولية الأخرى التي تهدف إلى حماية البيئة وهي إحدى عناصر الاتفاقية الدولية لمراقبة الأنظمة الضارة المضادة للنفايات على السفن. تتحقق هذه الشهادة من أن نظام مكافحة القاذورات في السفينة لا يحتوي على مركبات قصدير ضارة.

رغم انتهاء صلاحية الشهادات الخمس السابقة، إضافة إلى 6 أخرى إلا أن إكسيلو تُركت لتغادرميناء صفاقس دون أي احتراز، بتعلة عدم مرور ستة أشهر عن آخر عملية فحص. في حين يؤكد الخبير، محمود بن سعد، أن خروج السفينة من صفاقس كان غير قانوني، وكان من المفترض أن يقع حجزها إلى حين توفير كافة الشهادات اللازمة، وإجراء فحوصات شاملة لتحديد النقائص الأخرى.

من جهته يقول العميد مازري لطيف حينما واجهناه بإنتهاء صلوحية وثائق إكسيلو: يبدو أن سلطات الميناء سمحت له بالمغادرة لأنه كان فارغا،  وقدرت أن هذه الشهادات تتعلق بوجود غازوال على السفينة وهو ما لم يكن موجودا". 

بالعودة إلى سجل فحص السفينة، يظهر أنها قد تعرضت بين  30 جويلية 2003 و14 جوان 2004 إلى الفحص 5 مرات في موانئ أوروبا الغربية. أي قبل حوالي 20 سنة كاملة حينما كانت قطعا أفضل حالا من الآن.

في ذلك الوقت تم حجزها 7 أيام في ميناء ثاوته في إسبانيا أين تم اكتشاف 24 إخلالا يتعلق بشروط السلامة وقابلية الإبحار الآمن. بعد خروجها من ثاوته تم عرضها على الفحص الأولي بعد أقل من شهرين في ميناء برانسباتل في ألمانيا، ثم  في 3 موانئ دنماركية أين تم حجزها في إحداها مدة يومين فقط.

خارطة تفاعلية الموانئ التي أخضعت إكسيلو للفحص بين 2003 و2022

close

البلد: ألمانيا

الميناء: برانسبيتل

تاريخ الفحص: 15/12/2003

الحجز: لا

نوع الفحص: أولي

مدة الحجز: 0

عدد الإخلالات: 6

 بعد هذه السلسلة من الفحوصات خرجت اكسيلو التي تحمل اسم "مولتي كارير" حينها وتبحر تحت لواء روسيا من موانئ أوروبا الغربية نهائيا. إذ يبدو أن إبحارها فيها لم يعد سهلا لتتحول منذ ذلك الحين إلى التسكع بالبحر الأبيض المتوسط جهة البلطيق والبحر الأسود.

 رغم عدم تجديدها لوثائقها الأساسية منذ 2008 لم تتم مضايقة الناقلة العجوز، وقد حظيت بذلك بما كانت تبحث عنه، حيث لم يتم فحصها إلا في عام 2020 أي بعد أكثر من 16 سنة رغم تجاوز عمرها 40 سنة. 

يعلق الخبير محمود بن سعد عن ذلك: "إما أن إكسيلو كانت متوقفة عن العمل في هذه الفترة أو أنها حظيت بعلاقات في الموانئ التي دخلتها أين كان مستوى تطبيق القانون منخفضا، واستطاعت أن تتجنب مضايقات المراقبين الملاحيين."

في 2020 فُحصت إكسيلو-اسمها ليمان حينها- وتحمل لواء الكاميرون، من قبل سلطات ميناء روستوف/دون الروسي في البحر الأسود دون أن يتم احتجازها، رغم تم تحديد 6 إخلالات تتعلق بتقديمها وثائق إما غير مطابقة أو منقوصة أو مفقودة بخصوص سلامة الإبحار، نظافة غرفة المحرك، ومعدات السلامة إضافة إلى علامات ومؤشرات السفينة وغيرها.

بعد سنة وأربعة أشهر احتجزت هذه المرة اكسيلو في ميناء نيابوليس لمدة 15 يوما. الإخلالات كانت كثيرة إذ بلغت 15 إخلالا. من أهم ما شملته غياب وثائق الفحص والصيانة، غياب المصادقة من دولة العلم الذي تحمله، غياب سجل تصحيح البوصلة، إضافة إلى أن أجهزة تثبيت السفينة غير مناسبة، علاوة على أن وثائق إدارة السلامة الدولية لم تكن بالشكل المطلوب كذلك.

لم نستطع أن نتوصل  فيما إذا كانت اكسيلو قد تداركت المشاكل التي حجزت من أجلها في نيابوليس، والتي يبدو تداركها صعبا مقارنة بعمر السفينة وتكرر ذات المشاكل منذ حوالي 20 سنة، وفق تأكيد محمود بن سعد. إضافة إلى أن دخولها إلى ميناء صفاقس كان أول مرفأ تدخله بعد نيابوليس  كما أنه كان اضطراريا وفق وكيلها في الميناء وعمليات الصيانة التي أجرتها.

ماذا حدث بعد مغادرة صفاقس؟

 يخلي الوكيل زهير حلواس ذمته من "اكسيلو" حال مغادرتها ميناء صفاقس، ومن أية أعمال تقوم بها في المياه. ورغم أن مهامه كوكيل تستوجب منه الإعلان عن وجهة السفينة حال خروجها، فإنه في حالة اكسيلو أخبره الربان أن ليس له وجهة محددة وهو مغادر في انتظار أمر بالذهاب إلى وجهة أخرى. 

في ذات الوقت تظهر البيانات على مواقع تتبع السفن، أن اكسيلو قد أعلنت أن ميناء دمياط في مصر وجهتها القادمة بعد صفاقس. هذا الأخير أعلنت سلطاته في بلاغ رسمي عدم استقبالها اكسيلو مطلقا.

خرجت إكسيلو من ميناء صفاقس في الثامن من أفريل 2022 على حوالي الساعة السادسة مساء، يظهر على الخريطة أنها  توجهت شمالا قبل أن يدير القبطان الدفة ويعود إلى الجنوب. بضعة أميال قبل أن يغلق جهاز تحديد المواقع. لتغيب بذلك اكسيلو عن الخريطة لـ 5 ايام متتالية ثم تعاود الظهور في خليج قابس.

بخصوص غلقه لنظام تحديد المواقع يشير الوكيل إلى أن ذلك من مهام البحرية التونسية، التي يتوجب عليها اعتراض أي سفينة تدخل المياه الإقليمية دون تصريح. أما بخصوص وثائق السفينة وشهادات الصلوحية المنتهية، يرى زهير حلواس أن ذلك يقع أيضا تحت مسؤولية سلطة الميناء.

بالعودة على تفاصيل غرق إكسيلو يقول العميد المازري لطيف، إن العملية انطلقت بناء على تصريح ربان السفينة الذي أكد يوم 15 أفريل وجود 4 خزانات تحوي 750 طنا من القازوال و25 طنا إضافية في خزان خامس بقاعة المحركات، وقد تحركت وحدات الإنقاذ في ميناء قابس لإنقاذ أفراد الطاقم وسط تعذر إنقاذ السفينة.

 ويواصل: " دخلت السفينة المياه الإقليمية التونسية ورست قبالة قابس في 14 أفريل بسبب سوء الأحوال الجوية. في ذات الوقت يقول المازري لطيف في حوار لإنكفاضة  إن جيش البحر رصد دخول إكسيلو من جهة ليبيا قبالة راس جدير وحاول الإتصال به حينها لكنه لم يتجاوب حتى وصل قبالة جربة. ويؤكد إن سوء الطقس حينها جعلهم يتردّدون في إرسال قوارب صغيرة لإعتراضه فيما أبقوه تحت المراقبة.

ويواصل: " طلب ربان السفينة يوم 14 أفريل تصريحا للرسو قبال جربة ولكن تم رفض طلبه وتوجيهه إلى ميناء قابس  التجاري أو صفاقس. وصل إلى قابس حوالي الساعة 18 وقد سمحت له سلطات الميناء هناك بالرسو." ورغم اعترافه برسو إكسيلو يوما كاملا قبالة الميناء اعتذر عن التصريح بمحتوى الاتصالات التي وقعت بين السفينة وسلطات الميناء.

يمثل محتوى الاتصال بين ربان السفينة وبرج المراقبة بميناء قابس الحلقة المفقودة في القضية، كما أسلفنا، حيث اتصالاتنا بسلطة الميناء جوبهت برفض التصريح كما أن الجيش يستند إلى المعلومات التي أمده بها مدير الميناء. في حين أسرّ لنا أحد المصادر المطلعة على سير الأبحاث أن سلطات الميناء قالت إنّ معداتها التقنية لم تسجل محتوى الاتصال بين برج المراقبة وطاقم إكسيلو في حين يؤكد هؤلاء أن اتصالاتهم مرت بسفينتين أجنبيتين كانتا راسيتين بالميناء حينها.

هل تكاسلت السلطات التونسية في إنجاد إكسيلو؟ 

يطرح سؤال آخر بخصوص زمن أول اتصال مع ميناء قابس. يقول وكيل إكسيلو زهير حلواس، أنه فتح هاتفه على الساعة الخامسة ليجد فيديو من الطاقم يوثق بداية ترنح المركب في البحر، ودخول الماء لقاعة المحركات على الساعة الخامسة مساء.

في ذات الوقت يقول والي قابس لإنكفاضة: "إن أول طلب للنجدة تلقاه الميناء كان على الساعة 17:30 ثم اتصال ثان على الساعة 18:10 دقائق فيما تمت عملية الإنقاذ على الساعة 19:35 وفق مدير الميناء والموثقة في محاضر البحث لدى الشرطة". 

يقول المحامي، مبروك المدوري، أن طاقم السفينة تواصل مع الميناء منذ الصباح، بعد أن علموا أنهم باتوا معرضين للغرق. ويؤكد: "طلبوا سحب السفينة عبر جرار بحري إلى الشاطىء، لتفادي الغرق وحصول كارثة ولكن سلطات الميناء تأخرت ولم تتدخل إلا على الساعة السابعة مساء، بعد أن بات مستحيلا سحب السفينة" 

من جهته يقول أيضا زهير حلواس: "إن السلطات التونسية كان بإمكانها أن تتفادى غرق السفينة، عبر سحبها في وقت أبكر وشفط المياه التي تسربت إليها". وإلى هذه اللحظة لا يمكن المعرفة بشكل قطعي تاريخ أول نداء أرسله الطاقم. 

كل الأدلة المادية اليوم تظهر أنها باتت مطموسة، بدءا من وجود غازوال من عدمه وصولا إلى محتوى اتصالات الطاقم بالميناء. إذ لا يزال يشكك محامي الطاقم اليوم في الرواية الرسمية، بخصوص عدم وجود غازوال ويرجح أن الفقاقيع التي ظهرت في فيديو الجيش الوطني هي غازوال بعينه. 

رغم أن جيش البحر التونسي قدّم نفسه كمسيطر على الوضع حول الناقلة الغارقة، وتولي جميع التحقيقات والاستعداد للتعامل مع أية تسربات محتملة. رست بعد 3 أيام من غرق السفينة، الوحدة البحرية الإيطالية "نافي فيغا" مكان غرق الناقلة الصغيرة. تؤكد وزارة الدفاع الإيطالية في بلاغ عبر موقعها الرسمي، أنه بعد اجتماع بين ممثلي البحرية الوطنية والوفد التونسي المسؤول عن العمليات تقوم Nave Vega بإعداد فريق عمليات تحت الماء من أجل القيام بالتفتيش في حطام  السفينة، وتزويد السلطات التونسية بالمعطيات المفيدة لتقييم الوضعية وتحديد الإجراءات اللازم تنفيذها.

راسلنا البحرية الإيطالية طلبا لتوضيحات بخصوص التنسيق الميداني للعملية، والأدوار المختلفة مع السلطات التونسية، إضافة الى الأساليب التي استخدمتها لاستنتاج عدم وجود وقود في خزانات السفينة وأن النتيجة النهائية صحيحة 100%.

رغم إجابتنا في مرحلة أولى بأنهم سيجهزون إجابتهم مع المسؤولين في أقرب وقت، إلا أن 20 يوما مرت دون أن نحصل على إجابة رغم تذكيرنا لهم مرة أخرى، وفي الوقت الذي تم فيه فتح رسالتنا من قبلهم  232 مرة. 

يعتبر وكيل إكسيلو أن 750 طنا من الغازوال تقدر قيمتها بأكثر من مليون دولار، في حين أن قيمة الناقلة  لوحدها لا تتجاوز 250  ألف دولار. ويتسائل عن مآل الغازوال الذي يتحدث عنه الطاقم، ولماذا تتشبث الدولة التونسية بعدم وجود غازوال دون دليل ملموس؟

يضيف حلواس: "لا نفهم سياسة الحكومة التونسية اليوم، فمالك السفينة التركية كان مستعدا لإرسال شركة مالطية لإنتشال السفينة، غير أن تونس تتشبث بأن لها الأولوية في القيام بالعملية واسترجاع تكاليف ذلك.  بدأ المالك يتخلى عن الناقلة حينما أعلنت تونس أن الموجود في السفينة ماء وليس غازوال."

مؤخرا علمت إنكفاضة أن محكمة قابس  قد عيّنت الخبير في النقل البحري والقبطان السابق، حمادي الشماخي، للاستئناس برأيه في القضية في ظل تعقد الملف. والذي يُنتظر أن يقدم رأيه في كافة التفاصيل المتوفرة وبناء على توجيه تهمة أساسية تتمثل في تعمد إغراق السفينة للإستفادة من التأمين.

في ذات الوقت لا يستبعد مصدر من جيش البحر لإنكفاضة،  ضلوع السفينة في أنشطة أخطر من تهريب النفط. كما يؤكد أن الجيش عقد إجتماعا عقب خروجه من صفاقس لفهم سبب مجيئه وقد توصل إلى فرضية أنه قدم في مهمة إستطلاعية لمعرفة مستوى الرقابة الأمنية وتركيبة الميناء. المازري لطيف يقول من جانبه إنّ هناك سعيا لإخراج هيكل السفينة وإعادة تفتيشها، حيث من شبه المستحيل اليوم دخول الغواصين لخزانات السفينة خوفا عليهم من أن يعلقوا داخلها.