وقع الهجوم بين 2 و9 أكتوبر 1915 مستهدفا قاعدة عسكرية فرنسية في "أم صويغ" بالجنوب التونسي على مقربة من الذهيبة أين نظم المتمردون حصارا بقيادة الزعيم خليفة بن عسكر قوضوا به القوات الفرنسية لمدة ثمانية أيام.
ينحدر خليفة بن عسكر من مدينة نالوت الأمازيغية في منطقة جبل نفوسة بإقليم تريبوليتانيا، وهو الذي نظّم في عام 1914 الكفاح المسلح ضد الاستعمار الإيطالي لليبيا وانضم إليه مناضلون تونسيون*.
غادر خليفة بن عسكر أسرته اللاجئة في المخيم لاستئناف المقاومة ضد الاستعمار، وشرع في مفاوضات مع الجيش الفرنسي في جويلية من عام 1915 لتحرير عائلته المحتجزة في قبلي ورفع الحظر الذي فرضته إيطاليا على دخول الطرابلسيين إلى الأسواق التونسية. غير أن المفاوضات كُتب لها الفشل واشتد التوتر على الحدود التونسية الليبية في سياق الحرب العالمية الأولى.
وفي يوم 2 أكتوبر، قاد خليفة بن عسكر 3000 رجلا مسلحا وفارسا بعد أن انضمت إليه عائلات طرابلسية وتونسية أخرى، وطوّقوا موقعا عسكريا فرنسيا في أم صويغ.
قاوم الجيش الاستعماري الحصار لمدة ثمانية أيام إلى أن قدمت لنجدته تعزيزات عسكرية فرنسية من تطاوين، وسرعان ما هُزم المقاتلون الطرابلسيون وقبضت السلطات الإيطالية أخيرا على خليفة بن عسكر في ماي 1922 وسُجن حتى إعدامه شنقا في جويلية من نفس السنة.
في نفس الموضوع
يشير تقرير صادر عن قسم الدولة في 12 أكتوبر 1915 إلى تصريحات أدلى بها جنود تونسيون [أو "قوميّة" بالقاف المغلظة] وهم جنود بُدلاء تابعون للجيش الفرنسي ممن شهدوا الهجوم إلى جانب الجنود الفرنسيين. وروى هؤلاء وقائع صراع شرس وحصار حقيقي حُرموا خلاله من الغذاء والماء*.
هجوم ذو تبعات عائلية
في أعقاب ذلك، أُبعدت أسر طرابلسية عن مخيم اللاجئين في قبلي بقصد إزاحة الخطر جغرافيا والانتقام ممن شن الهجمة. ويورد جدول صدر عن دائرة شؤون السكان التونسيين تفاصيل أسماء مختلف الأشخاص المُبعدين وأسباب ترحيلهم قسراً:
ومن بين هؤلاء، نرى أن زوجتيْ خليفة بن عسكر وأطفالهما نُقلوا لأنه "منظّم كمين أم صويغ"، كما يبرز اسم امرأة أخرى تدعى سعيدة بنت الحاج سعيد تفوشيت وطفليها، أم السعد و ساسي، إلى جانب قائمة بالرجال الذين أُبعدوا بسبب "تأثيرهم السيئ على مخيم اللاجئين".
والسبب وراء نقل سعيدة تفوشيت إلى سجن تونس العاصمة يكمن في علاقتها الزوجية بيحيى التبسكي "لاجئ طرابلسي فار لُمح في هجوم أم صويغ" وهو بصدد "تحريض" المقاتلين الطرابلسيين وفقا لشهادة بعض القوميّة [التونسيين التابعين للجيش الفرنسي].
وهكذا، طلبت برقية بتاريخ 14 أكتوبر، وجّهها المقيم العام آلابيتيت إلى إدارة شؤون السكان التونسيين بقبلّي، نقل زوجة يحيى التبسكي وأطفاله إلى سجن تونس العاصمة عن طريق السكك الحديدية في توزر. غير أن ملاحظة أُضيفت إلى الجدول أعلاه تذكر أن الطفلين توفيّا على الطريق في صفاقس ودُفنا فيها من دون ذكر سبب الوفاة.
وصلت سعيدة تفوشيت بمفردها دون أطفالها إلى تونس العاصمة "لتسليمها إلى قسم الدولة وإيداعها بالسجن المدني" كما جاء في رسالة وجهها المقيم العام في 16 نوفمبر 1915 إلى القائد العام لقسم الاستعمار، ذلك أن المؤسسة العسكرية من المفترض أن تتولى حالة سعيدة تفوشيت، مثلما ورد في مذكرة مؤرخة في 20 نوفمبر: "لابد أن تظل تحت تصرف القائد العام لقسم الاستعمار".
إطلاق سراح مشروط
لم تغادر سعيدة تفوشيت - المسجونة لمجرد أنها متزوجة من مقاتل مناهض للاستعمار - السجن المدني في تونس العاصمة إلا بعد حوالي ثلاث سنوات في أوت 1918 أي قبل بضعة أشهر من نهاية الحرب العالمية الأولى. وأطلق سراحها صحبة العائلات الطرابلسية المسجونة معها عقب هجوم أم صويغ بما فيها زوجات خليفة بن عسكر وأطفاله و "الأسر الطرابلسية التي هجرها اللاجئون الهاربون من قبلي".
إلا أن الإفراج جاء جزئيا: "يطلق سراح هذه المرأة بكفالة عمر بن عسكر" وفق رسالة صادرة عن قسم الدولة مؤرخة في 26 أوت 1918، فعادت سعيدة تفوشيت إلى مخيم اللاجئين بقبلي لتخضع للمراقبة فيه.
وُضعت حريتها وحرية غيرها من السجناء والسجينات تحت تصرف عمر بن عسكر، الذي كان على الأرجح أحد أفراد عائلة خليفة بن عسكر والذي "تعهد بإعادتهم إلى قبلي حيث سيظلون تحت إشراف السلطات المحلية كشأن بقية أفراد قبائل نالوت المتواجدين في هذه المنطقة".
انجرّت تبعات مدوية عن السياق المزدوج للاستعمار، والحرب على الأراضي الواقعة تحت سيطرة مختلف الإمبراطوريات المتنازعة. فبالإضافة إلى جعل الحدود التونسية الليبية رقعة لعب بين القوى الأوروبية، وإلى جانب القمع الذي شهدته حركات الاحتجاج أو المقاومة، تغلغلت الهيمنة الاستعمارية حتى داخل الكتل الأسرية، وسمحت الذريعة الأمنية للسلطات بتقرير مصير أطفال ونساء ورجال انتُزعت منهم حياتهم وحياتهن ووجدوا أنفسهم ضحايا لنظام يتجاوزهم.