من خلف باب مخرج النجدة، في الطابق الثامن من العمارة حيث مكتب الجزيرة ودون أن يكشف عن وجهه، يؤكد صاحب الصوت لإنكفاضة أنه شرطي تابع لوزارة الداخلية ينفذ تعليمات بغلق مكتب القناة. رفض الشرطي الذي قال أنه برتبة رئيس مركز إعطاء أية إيضاحات عن أسباب الغلق أو الجهة التي أصدرت التعليمات. واكتفى بأن الجهة الوحيدة المخوّلة للتصريح هي مكتب إعلام وزارة الداخلية.
للوصول الى مكاتب الجزيرة كان لا بدّ من صعود السلالم ذلك أن للطابق الثامن مصعد كهربائي حصري وقد تم إغلاقه ومنع استعماله لإحكام إجراءات عدم وصول أي شخص. كل من يحاول الولوج إلى أحد الطوابق يُستجوب من قبل حارس العمارة. "أخبرنا رجال الشرطة بأن نمنع الصعود إلى الطابق الثامن، مكتب الجزيرة تحت سيطرة رجلي أمن يحرسانه على مدار 24 ساعة" وفق الحارس.
لا توحي العمارة المنتصبة بالمركز العمراني الشمالي، لا من الخارج ولا الداخل بوجود مكتب الجزيرة ولا تُرى القوات الأمنية من الخارج. حتى الحارس لا يعرف أسباب إغلاق مكتب القناة وإجابته لا تختلف عن رجل الأمن الذي قال من خلف الباب إنهم أعوان تنفيذ يطبقون فقط تعليمات وزارة الداخلية.
من يتحمّل المسؤولية؟
رغم انتظار قرابة نصف ساعة أمام مدخل وزارة الداخلية، مُنعت إنكفاضة من الدخول للتواصل مع مكتب الإعلام. الحجة في البداية كانت عدم وجود موعد مسبق. وبالإتصال بالمكلف بالإعلام بوزارة الداخلية خالد الحيوني أكد أنه في إجازة مرضية منذ أسبوع ونصف وغير مهيأ للتصريح.
لاحقا تواصلت انكفاضة مع مسؤولين آخرين من مكتب الإعلام بالوزارة، ولكنّهما على غرار الحيوني أكّدا أنهما في اجازة من العمل أيضا وغير مؤهلين للتصريح نيابة عنه. طلب أحدهما في اتصال آخر مهاتفة موظف الاستقبال بمكتب الإعلام وبعد انتظار لم يدم طويلا أكد هذا الأخير أن الشخص الوحيد المؤهل للتصريح هو خالد الحيوني. لنعود من حيث بدأنا.
"لا وجود لوزارة داخلية حاليا على مستوى الاتصال، لا وجود لأي مرجع نظر بخصوص أية معلومة" يقول نقيب الصحافيين مهدي الجلاصي، في حديثه لإنكفاضة. يؤكد الجلاصي أن النقابة تتابع ملف غلق مقر الجزيرة ولكن لا جديد في الموضوع لغياب جهة يمكن تباحث الموضوع معها. ويواصل:"حاولنا التواصل مع وزارة الداخلية لكن ذلك لم يكن ممكنا ولم نجد أي جهة للتفاوض معها والتراجع عن هذا القرار".
في نفس الموضوع
"نفت رئاسة الجمهورية مسؤوليتها عن عملية اقتحام مكتب القناة يوم 26 جويلية"، يقول مهدي الجلاصي، الذي كان حاضرا في الإجتماع الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيد بمنظمات مدنية وحقوقية يوم 27 جويلية. قبل لقاء سعيّد كانت النقابة قد أصدرت بيانا دعت فيه رئيس الجمهورية إلى"التدخل العاجل والفوري لضمان حرية العمل الصحفي والتصدي لكل الإجراءات غير القانونية وفقا لما ينص عليه الدستور." كما عبّرت في ذات البيان عن "خشيتها من أعمال انتقامية في حق المؤسسات الإعلامية من قبل أنصار الأطراف المؤيدة والمعادية للقرارات الأخيرة لرئيس الجمهورية قيس سعيد على خلفية خط المؤسسات الإعلامية التحريري".
من جانبها حاولت إنكفاضة الحصول على إجابات من طرف رئاسة الجمهورية. وعلى مدى 4 أيام راسلت الرئاسة عبر المستشار الإعلامي وليد الحجام والبريد الإلكتروني الرسمي للرئاسة قبل أن يؤكد الملحق الصحفي بمكتب الإتصال إحسان صبابطي صعوبة الحصول على جميع المعطيات في هذا التوقيت، موضّحا أنه بإمكاننا نشر المقال في إنتظار الحصول على الإجابات.
" إلى حد الآن فإن المسؤولية محمولة على الأمنيين الذين اقتحموا المقر باعتبار أنه لم يكن بحوزتهم إذن قضائي بغلق المقر، كما لا توجد أية قضية مثارة في علاقة بالجزيرة أو بحث تحقيقي مفتوح ما يجعل الأمر برمته لا يخرج عن إطار خرق القانون وتعسف استعمال السلطة". تقول خولة شبّح، المكلفة برصد الانتهاكات والسلامة المهنية بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في حوار لإنكفاضة.
وتواصل شبّح: "ملف الجزيرة القانوني لا مشاكل فيه بدءا بالتراخيص وصولا إلى الأداءات فالمسألة غير مرتبطة بالوضعية القانونية بل بالخط التحريري للقناة". وتؤكد: "تواصلنا مع وزارة الداخلية ولم تقدم لنا أية تفسيرات".
كيف أُقتحم المكتب؟
في بث مباشر على قناة الجزيرة الإخبارية في حدود الساعة العاشرة صباحا يوم 26 جويلية، لتغطية الاحتجاجات التي دارت في محيط مجلس النواب، أكد لطفي الحاجي مدير مكتب القناة بتونس، تعرض المكتب إلى الاقتحام من قبل قوات الأمن. لم يستكمل حينها الحاجي مداخلته واضطر إلى غلق الهاتف لحاجته وفق ما قاله حينها إلى التوجّه إلى المكتب للاستعلام عن سبب الاقتحام.
"دخل عبر السلالم وأبواب النجدة بين 25 أو 30 عونا أمن بينهم من هم في لباس مدني وآخرون في لباس الداخلية، و وتوزعوا عبر المكاتب. وطلبوا من الجميع الخروج فورا ومنعوهم من تصوير ما يحدث". يقول لطفي الحاجي في حوار لإنكفاضة.
ويواصل: "طلبت من المسؤول على العملية الاستظهار بإذن قضائي فرد بأنه يطبق تعليمات الداخلية وأنهم تابعون لإقليم أمن تونس. ويوضح: "واجهته بأن ما يقوم به مخالف للقانون ولكنه تمسّك بتطبيق التعليمات" ويبين: "صادر رجال الأمن جميع مفاتيح المكتب واحتفظوا بها. ومُنعنا إلى اليوم من دخول المكتب أو حتى العمل على الميدان في انتظار قرار جديد بالتنسيق مع النقابة"، يقول لطفي الحاجي.
أثناء الإقتحام أجبرت قوات الأمن الصحافيين على غلق الهواتف حتى لا يتمكنوا من تصويرهم، وفق الحاجي الذي يطالب رئيس الجمهورية بـ"الإلتزام بتصريحاته التي اكد فيها حمايته لحرية الإعلام حقوق الصحفيين بإعادة فتح المكتب والسماح لهم بإستئناف العمل"
بخصوص الرواية التي انتشرت يوم 27 جويلية عن أن قرار غلق المكتب جاء بناء على معلومات تفيد اعتزام الجزيرة تغطية اجتماع رئيس الحكومة المقال هشام المشيشي، سيعلن فيه معارضة قرارات قيس سعيد وإصدار أوامر إلى الشرطة بالتصدي لها. يعتبرها الحاجي، "مجرّد رواية سخيفة ".
في نفس الموضوع
ويضيف: "المشيشي لا يحتاج إلى فريق الجزيرة لنقل الإجتماع مباشرة فهو قادر على ذلك بأبسط الطرق التي يمتلكها فريقه الاتصالي أو حتى بهاتفه الشخصي". كما نفى الحاجي أي علاقة له بالمشيشي أو أن يكون تواصل معه ولو في السابق طيلة رئاسته للحكومة، مشدّدا على أنه يمكن التثبت من ذلك من خلال هاتفه الشخصي.
إلى هذه اللحظة لم تبد الجزيرة موقفا رسميا إزاء ما وقع حيث لم تصدر عنها مثلا مطالب رسمية بل اكتفت بتغطية الحدث بطريقة عابرة تعرضت فيها إلى مواقف بعض المنظمات الحقوقية والصحافية المنددة باقتحام المكتب على غرار منظمة مراسلون بلا حدود. راسلت انكفاضة عبر الإيميل شبكة الجزيرة للإعلام في قطر بخصوص موقفها ممّا وقع ونوعية الجهود التي ستتخذها في سبيل استرجاع مكتبها ولكنها لم تتلق أيّ ردّ.
إيقافات بـ"تهمة" العمل للجزيرة
"لقد بتنا محل شبهات وقاموا بالبحث عنا في محيط البرلمان" يقول أحد الصحفيين·ات العاملين·ات بمكتب الجزيرة في تونس لإنكفاضة، خيّر·ت عدم ذكر إسمه·ا. ففي الوقت الذي اقتحمت قوات الأمن مقر المكتب يبدو أن أعوانا آخرين توجهوا إلى محيط البرلمان يوم 26 جويلية لإيقاف صحفيي·ات الجزيرة الميدانيين عن العمل. وهو ما كان سببا وراء افتكاك هواتف عدد من الصحافيين من قبل الشرطة لاحقا وفق ما جاء في ذات البيان الذي نشرته نقابة الصحافيين التونسيين على خلفية اقتحام مقر مكتب الجزيرة.
"لست الوحيدة التي أفتك هاتفها لقد كنّا أربعة صحافيين·ات أنا وزميلي من تونس الرقمية، وصحافية أخرة من وكالة الأناضول وصحفي من موقع تونس كوب" تقول مريم الخماسي، في حوار لإنكفاضة. تواصل مريم الخماسي سرد ما وقع: "حينما وصلنا إلى سيارة الشرطة قاموا بأخذ هوياتنا ومعطيات الهواتف المحجوزة. قالو لنا أنهم سيعيدون لنا هواتفنا لاحقا بعد ساعة او ساعة ونصف"
وفق مريم، بعد حوالي ساعة من الانتظار قرب سيارة الشرطة عاد نفس العون الذي افتك الهواتف ليخبرها وزميليها أن يتوجها برفقته إلى مركز الأمن بباردو. تقول: "في مركز الأمن فتحوا لنا محضرا أمنيا وقاموا باستجوابنا بـ"تهمة" البثّ مباشرة لصالح قناة الجزيرة" وتوضّح: " تواصل الإستجواب لحوالي ساعة ونصف بحضور المحامي الذي أرسلته مؤسّستنا الصحافية ولم يقع تسريحنا إلا بعد التأكد أننا لا نعمل لصالح القناة"
وتوضح مريم: "بنوا نظرتهم على أننا نعمل للجزيرة لانها كانت تبث مباشرة على شاشتها من نفس المكان والتوقيت الذي نحن فيه ". ثم تختم كلامها: "المحضر أغلق حاليا ولكننا سنواصل التتبع مع نقابة الصحفيين.التعامل من الأعوان الذي اوقفونا كان سيئا وفظّا على عكس المعاملة في المركز التي يمكن أن يقال أنها كانت في إطار القانون".
في ظل عدم استجابة وزارة الداخلية أو رئاسة الجمهورية توجهت إنكفاضة كذلك إلى منطقة الأمن الوطني بباردو. نفى مدير المنطقة الإيقافات من الأساس وإعتبر أن ما وقع مجرد إجراء روتيني للثبت من حيازة أربعة صحافيين·ات للتراخيص التي تؤهلهم للتصوير.
بمواجهة المدير برواية الصحفيين عن افتكاك هواتفهم نفى أن تكون الهواتف قد أُفتكت. وتشبّث بأن كل صحفي أو صحفية يمكنه اليوم العمل بأريحية بمنطقته. "لا علاقة لنا بقضية مكتب الجزيرة ولا غيرها نحن نتعامل مع الأمور من جانب أمني فقط، نطالب بالبطاقات المهنية وتراخيص العمل فقط. والصحفيون الذي قالوا إنهم تعرضوا للإيقاف لم تكن لنا أية تعليمات بخصوصهم ولا عن علاقتهم بالجزيرة" يقول مدير الإقليم.
بعد مرور أكثر من 10 أيام على غلق مكتب الجزيرة بتونس وتعيين مكلّف بتسيير وزارة الداخلية من طرف رئاسة الجمهورية التي أكّدت في أكثر من مناسبة حمايتها للحريات الصحفية يبقى قرار الغلق مجهول الأسباب والمآلات.