محسن بوجبل وحكاية الـ73 مليار
محسن بوجبل، رجل أعمال تونسي يمتهن التجارة الدولية، ويشتهر أساسا بتعبئة وتصدير التمور والمنتجات الغذائية. بمعدّل 13 ألف طنّ سنويّا، تمكّن بوجبل ومن ورائه شركة "بوجبل SA VACPA" من التربّع على عرش تصدير "دقلة النور" الى زوايا العالم الأربع.
ولئن تُصنّف الشركة، على موقعها الالكتروني، نفسها "شركة مُواطنيّة في خدمة التنمية المستدامة" فانّ النجاح الذي حصدته فتح شهيّة بوجبل لما أبعد من "المُواطنَة" و "خدمة التنمية" : الإبقاءُ، خارج تونس، على جزء من العائدات المالية من العُملة الصعبة (نحو 10 مليون دينار) المتأتّية من التصدير سنة 2004. ردُّ السلطات الجمركية (الديوانة) لم يتأخّر حيث تمّت معاينة جريمة الصّرف وتحرير محضر ديواني في الغرض بتاريخ 2 أوت 2007.
بعد ثلاث سنوات من التقاضي، قضت الدائرة 15 بمحكمة الاستئناف بالعاصمة غيابيا نهائيا، في 9 جوان 2010، على رجل الأعمال محسن بوجبل بخطيّة مالية تقدّر بـ 73.259.605 دينار أي ما يفوق الـ73 مليار من ملّيماتنا. وبعد ستّ سنوات من الصّمت "المريب" تمّ الإفراج عن مضمون الحكم بالخطيّة ليغادر أروقة محكمة الاستئناف بالعاصمة بتاريخ غرّة نوفمبر 2016، ليتمّ الإذن بتنفيذ الحكم والشروع في استخلاص الخطيّة.
سنتان مرّتا، بعد الإذن بالتنفيذ، ولكنّ دار لقمان ما تزال دائما على حالها دون أيّ جديد يذكر باستثناء "مفاوضات" عمرُها عشر سنوات بين المحكوم عليه رجلُ الأعمال محسن بوجبل وبين الدّيوانة. مفاوضات تهدف في ظاهرها الى عقد صلح ديواني وفي باطنها -وفق مصادر خاصّة من داخل الإدارة العامة للديوانة- إهدارُ أكثر ما يمكن من الوقت وتأخير تنفيذ الحكم.
هذه "المفاوضات" تكتّمَ بوجبل، خلال مكافحة صحفية جمعته بموقع انكيفادا بتاريخ 4 أفريل 2018، على تفاصيلها محبّذا الاجابة بنبرة حادّة ومتشنّجة قائلا "نحن بصدد التفاوض مع الديوانة، ونحن على الطريق الصحيحة لإيجاد حلّ". مضيفا "هذا ملفٌ بيني وبين الديوانة لماذا يُنشر في الصحافة ؟ أنا بصفتي رجل أعمال سيتمّ تلطيخ سمعتي".
”غدًا ستعلمُ الناس أنّ محسن بوجبل مَدين الى الدولة بـ73 مليارا.. سيقولون انّني فاسد. أنتم ستدمّرونني“.
بوجبل لم يمتنع فقط عن الحديث عن فحوى القضية وأطوارها المريبة، بل امتنع كذلك عن اعادة نسخة من وثيقة رئيسية في الملف كنّا قد أتحنا له الاطّلاع عليها خلال اللقاء!
وعلى نفس منوال المحكوم عليه محسن بوجبل سارَت الادارة العامّة للديوانة، حيث رفضت في مناسبتين الاستجابة لمطلبيْ النفاذ الى المعلومة أو تمكين انكيفادا من محاورة مسؤولين من ادارتيْ النزاعات والاستخلاص بدعوى أنّ "المطالب تمّت احالتها الى مصالح رئاسة الحكومة لطلب الإذن ولكنّها لم تأذن بذلك !".
إطار ديواني رفيع المستوى، ومسؤول في نقابة الديوانة (حبّذ عدم كشف هويّته)، وصف ادارة الاستخلاص التابعة للادارة العامة للديوانة ب"العقوبة التي يتمّ تسليطها على الديوانيين المغضوب عليهم، لذلك فانّهم -حسب قوله- لا يشتغلون وليست لديهم أيّة رغبة في متابعة الملفّات وبذل مجهود لاستخلاص الخطايا والدّيون".
مصدرنا صرّح، في السياق ذاته، بوجود "تلاعب" في إدارة النزاعات صلب الديوانة، متّهما بعض الموظّفين بـ"السمسرة" بالملفّات و "جني مكاسب شخصية" على حساب المصلحة الوطنية وفق ما جاء على لسانه.
بعد مساع حثيثة مع ادارة الاتصال صلب الادارة العامة للديوانة تمكّن موقع "انكيفادا" من التحدّث إلى مصدر مسؤول في إدارة النزاعات و التتبعات حيث أفاد بـ"الانطلاق منذ سنة 2014 باجراءات التنفيذ الجبري، حيث قام القاضي باعتراض إداري في إطار التنفيذ الجبري وأجرى حجزا على الحسابات البنكية لمحسن بوجبل وحجز ما يعادل 475 ألف دينار (جزء من المبلغ تقدّم به بوجبل طوعا) في انتظار المرور إلى إجراء العُقَل".
وأضاف المصدر المسؤول انّ "بوجبل سارع بعد الحجز على حساباته بالتقدّم بمطلب صلح ديواني زاعما قيامه بإرجاع جزء (حوالي 4.8 مليون دينار) من أصل المبلغ محور الخطيّة (10 مليون دينار) الذي عمد سابقا الى الابقاء عليه خارج تونس". مضيفا انّ الادارة "راسلت البنك المركزي للتثبّت من مدى صحّة الوثيقة التي تقدّم بها بوجبل بعد سنوات من تخطئته قبل البتّ في قرار الصّلح".
مسؤول إدارة النزاعات و التتبعات تحدّث عن وجود "مشاكل وعراقيل" تتيح سقوط الخطايا والعقوبات المالية أو عدم القدرة على استخلاصها، وفي مقدمتها ورود مضامين الأحكام من المحاكم بشكل متأخّر و/أو قيام المحكوم عليهم بـ"حيَل وخزعبلات" للافلات من العُقل عبر التغيير الدوري لعناوين إقامتهم وتصفية أملاكهم للإفلات من التنفيذ.
وفي سياق تعليقه على شبهة تعمّد عناصر في الديوانة "التلاعب بالملفات" اجاب المسؤول بالقول "انّ التفقدية وأجهزة الرقابة في الديوانة لا تتسامح مع ذلك .. في مجالنا نتعرّض يوميا لمحاولات (الارشاء) وكلّ من يخطئ يعاقب إداريا وقضائيا".
دائرة المحاسبات تُسقط ورقة التوت عن الديوانة
محاولة اختراق حصون "مملكة" الديوانة وكشف أسرارها الدّفينة يلُوح أمرا على غاية من التعقيد في تونس، نظرا لتشابك المصالح داخل هذه المنشأة العمومية وتعقيدات عملها من جهة، وانغلاقها على نفسها من جهة أخرى .. "انّها دولة داخل دولة -يقول مسؤول سام في وزارة المالية- حتّى الوزير لا يمكنه النفاذ الى قاعدة بيانات الديوانة الّا بعد المرور بالمدير العام".
تاريخيا، كانت الديوانة جهازا خاضعا لسلطة وزير المالية نظريا فقط، ولكنّها في الواقع كانت ذراعا مالية تحت إشراف قصر قرطاج، يتمّ عبرها إنجاز أغلب العمليات التجارية والمالية المجدية وغير القانونية برعاية من عائلة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وأصهاره. وقد انتفع عدد من المهرّبين وكذلك كبار رجال الأعمال والنافذين المقرّبين من القصر، بامتيازات ومنافع لعلّ أقلّها التفصّي من الخطايا والعقوبات المالية وعدم الخضوع للأداءات الجمركية أو لجزء منها.
”بعد الثورة، تغيّر الأمر بالنسبة الى الديوانة التي صارت خاضعة لرقابة مستمرّة، غير أنّ تشابك مصالح اللوبيات الفاسدة بداخلها جعلنا عاجزين عن السيطرة عليها وتطهيرها“.
أجرت دائرة المحاسبات مهمّة رقابية لدى مختلف مصالح الإدارة العامة للديوانة غطّت الفترة الممتدّة بين سنتيْ 2010 وموفّى جوان 2014، أفضت الى جملة من الاستنتاجات والنقائص المتعلّقة خاصّة بالتصرّف في النزاعات والاستخلاص.
ففي موفى سنة 2013، ورغم اهمية المستحقّات المثقّلة والبالغة 4041 مليون دينار، اقتصر الاستخلاص بكل قباضات الديوانة على مبلغ 168,3 ألف دينار أي بنسبة لم تتعدّ 0.01 % من جملة هذه الديون. وبلغ معدّل الآجال الفاصلة بين تاريخ تحرير المحاضر وتاريخ تثقيل الخطايا والعقوبات الديوانية والصرفية ستّ سنوات. وبالنظر إلى عدم القيام بالتتبّعات الجبرية لاستخلاص هذه المستحقات يؤدي هذا الوضع حتما إلى سقوط البعض منها بالتقادم وفق ما أتى على ذكره التقرير التاسع والعشرون لدائرة المحاسبات.
وعلى صعيد آخر، تنصّ المذكّرة عدد 2792707 المؤرخة في غرة مارس 2010 على أنّه يتعيّن على رؤساء المكاتب احالة كل ملفات النزاعات المسجلة لديهم والتي لم تتمّ تسويتها بالصلح في أجل أقصاه ثلاثة أشهر بداية من تاريخ رفع المخالفة الى الادارة الجهوية لتقديم الطلبات الى المحاكم. غير أنّ ما حصل على أرض الواقع كان مغايرا لذلك، اذ يتبيّن من خلال الاطلاع على عيّنة واسعة من الملفّات أنّ جُلّ الهياكل المكلفة بالنزاعات -باستثناء الملفات التي يكون أصحابها المخالفون في حالة ايقاف- لا تتولّى احالة طلبات الادارة الا بعد فترة ناهزت ثلاث سنوات من تاريخ رفع المخالفة. وفي ما يلي بعض الأمثلة على ذلك :
- لم تقدّم الإدارة الجهوية للديوانة ببن عروس حتّى موفى شهر أفريل 2014 طلبات الادارة المتعلقة بمحاضر سنتيْ 2012 و2013 والبالغ عددها 424 محضرا ما تسبّب في سقوط الدعوى العمومية بالتقادم بخصوص 8 محاضر تعود الى سنة 2010.
- لم تتولّ ادارة الأبحاث الديوانية تقديم طلبات الادارة الى المحكمة الا في شهر جوان 2014 بالنسبة الى المحضر عدد 282 لسنة 2011 والذي بلغت جملة الخطايا المدرجة بعنوانه ضمن طلبات الادارة ما قيمته 11,3 مليون دينار رغم ختم الابحاث منذ شهر سبتمبر 2011.
- لم يختلف الشأن بالنسبة الى المحضر عدد 635 لسنة 2012 والمحضر عدد 644 لسنة 2012 واللذيْن تضمّنت طلبات الادارة المتعلقة بكل منهما خطايا بحوالي 19 مليون دينار وذلك رغم ختم الأبحاث بشأنهما على التوالي منذ 3 أكتوبر 2013 وغرّة نوفمبر 2012.
و للاشارة فانّ الاسراع بتقديم الطلبات الى المحاكم بعد ختم التحقيق يساهم في الحفاظ على مستحقات الخزينة ويدفع المخالفين للسّعي الى التصالح مع ادارة الديوانة و يَحُول دون افلاتهم من العقاب.
معضلة تثقيل الخطايا الديوانية والصرفية واستخلاصها
لا يمكن فهمُ مشكلة عدم تثقيل الخطايا الديوانية والصرفية والعجز عن استخلاصها عبر النظر إليها من زاوية الديوانة فحسب، بل وجب تنزيلها ضمن العلاقة الثنائية بين مصالح الديوانة (النزاعات والتتبّعات) من جهة، وبين المحاكم من جهة أخرى.
فبالرغم من أهمية عملية تثقيل المبالغ المحكوم بها فانّ مصلحة التثقيل بإدارة النزاعات والتتبعات لا تحرص على تثقيلها في الابان فور استلامها بل تتولى تثقيلها بشكل متأخّر. و يوثّق تقرير المهمّة الرقابية المذكورة سابقا، بقاء 179 مضمون حكم بمبلغ جملي يفوق 362 مليون دينار تمّ استلامها خلال الفترة من 2012 الى 2014 دون تثقيل إلى غاية 14 ماي 2014.
التقرير كشف، في السياق ذاته، أنّ مصلحة التثقيل لا تتولّى ضبط قائمة القضايا الصادرة بشأنها أحكام قضائية والتي لم تتلقّ مضامين أحكامها ولا تقوم بمطالبة كتابات المحاكم باحالتها إليها لإنجاز عمليات التثقيل.
هذه الوضعية ترتّب عنها -بشكل متعمّد أو غير متعمّد- احالة مضامين الاحكام الى مصالح الديوانة للتثقيل بعد مرور آجال طويلة من صدور الأحكام. وبدراسة عيّنة تضمّ 127 مضمون حكم صادر خلال سنة 2008 وقفنا على حقيقة مفادها أنّه لم يتمّ ارسال مضامين الأحكام المتعلّقة بها الاّ خلال سنة 2013 ، علما أنّ هذه القضايا تعلّق جلّها بمحاضر تمّ رفعها منذ سنتي 2004 و 2005.
وتبيّن بالنسبة الى 347 مضمون حكم تمّ تثقيله من قبل ادارة النزاعات والتتبّعات خلال سنتيْ 2012 و 2013 أنّ معدّل الآجال الفاصلة بين تاريخ تحرير المحاضر وتاريخ تثقيل الخطايا والعقوبات الديوانية والصرفية قد بلغ 6 سنوات. وتعتبر هذه الآجال طويلة ولا تمكّن من المساهمة في ردع المخالفين خاصّة أنّ قبّاض الديوانة لا يتولّون القيام بأعمال تتبّع جبرية وهو ما يؤدي احيانا الى سقوط الخطايا بالتقادم وفق دائرة المحاسبات.
بعض هذه الديون سقط في منتصف شهر جوان 2014، حيث سجّلت قباضة تونس الميناء ضياع 879 مليون دينار. في حين خسرت قباضة المكتب الجهوي ببنعروس 3.2 مليون دينار سقطت بالتقادم.
ويمثّل استخلاص الخطايا الديوانية والصرفية المثقّلة، المرحلةَ الاخيرة في النزاع الديواني. ويكتسي أهمّية كبرى بالنظر الى عدم تبرئة ذمّة المخالف المَدين الّا بعد دفع ما عليه. وبالتالي فانّ الاستخلاص يمثّل احدى الآليات الناجعة لردع المخالفين. كما يساهم في توفير موارد لفائدة خزينة الدولة، على عكس ما حصل مع ملفّ محسن بوجبل الذي ما تزال مصالح الديوانة "تتفادى" المرور إلى إجراء عُقل على أملاكه وعقاراته بدعوى "الخوف من إلحاق الضرر بشركة مصدّرة تجلب العملة الصعبة لتونس" (تصريح مسؤول رسمي في الديوانة) رغم أنّ المخالفة المصرفية التي ارتكبها صاحب هذه الشركة تدور في فلك الامتناع عن إرجاع عائدات التصدير من العملة الصعبة الى تونس !
وبالتوازي مع المشاكل المتّصلة بالتثقيل فانّ ضعف الاندماج بين التطبيقات المعلوماتية المتوفرة لدى الادارة العامة للديوانة (على سبيل المثال منظومة "سندة" المتعلّقة بالتصاريح الديوانية غير مرتبطة بتطبيقة الديون المثقّلة "صادق")، لا يتيح التثبّت من وجود ديون مثقّلة على كاهل المؤسسة المورّدة أو المصدّرة ما يُعيق استخلاص هذه الديون. كما أنّ عدم ربط منظومة الدّيون المثقّلة بمنظومة "رفيق" المتعلّقة بالجباية يحول دون تثبّت قابض الديوانة من الوضعية الجبائية للمُطالَب بالدّيْن ومن قائمة ممتلكاته قبل اللجوء إلى الإجراءات الجبرية.
على سبيل المثال، استفاد رجل الأعمال محسن بوجبل من هذه الثغرات ونفّذ منذ سنة 2011، أي بعد صدور الحكم في قضيّته الديوانية و تخطئته بـ73 مليون دينار، عمليات تجارية كبيرة (بيع وشراء وتأسيس شركات والترفيع في رأسمال شركات الخ) دون أن تطاله يد المحاسبة والاستخلاص. وفي ما يلي عيّنة من العمليات التي مرّت أمام أعين أجهزة الدولة التونسية ولكنّها أشاحت بوجهها عنها :
- 29 / 11 / 2013 : عقد بيع أرض في العوينة بمقدار 398 ألف دينار.
- 13 / 01 / 2016 : عقد بيع أرض في العوينة بمقدار 933 ألف دينار.
- من 06 / 04 الى 09 / 09 / 2016 عقود بيع أراضي في جربة بمقدار 553 ألف دينار
- 06 / 01 / 2017 : عقد بيع أرض في بني خلاد بمقدار 30 ألف دينار.
في السنوات الاولى التي تلت صدور الحكم ضدّه، ركّز بوجبل على خلق شركات جديدة أو ضخّ مبالغ متفاوتة في شركات موجودة للترفيع في رأسمالها، نذكر منها على سبيل الذّكر لا الحصر :
- 20 / 07 / 2011 : الترفيع في رأسمال شركة بمقدار 600 ألف دينار.
- 09 / 11 / 2012 : تأسيس شركة "بوجبل تراد" بمقدار 135 ألف دينار.
كتبة المحاكم .. الوجه الآخر الخفيّ
ما حصل في قضيّة بوجبل او مع غيرها من القضايا الأخرى التي سقطت بالتقادم أو ضاعت في أروقة المكاتب أو رقدت في رفوفها، كشف السّتار عن إمساك "لوبي" أخطبوطي معقّد بخيوط "اللعبة". لعبةُ تبليغ مضامين الأحكام وتثقيل الخطايا والعقوبات المالية واستخلاصها. هذا اللّوبي، لئن تكَشّفَت ملامحُه في إدارات مختلفة في الديوانة مثلما أشرنا إليه أعلاه، فانّ الجزء الخفيّ منه والأخطر يمتدّ الى أروقة المحكمة، وبصورة أدقّ، سلك كتبة المحاكم الذّين تُوكَل إليهم مهمّة متابعة الأحكام بعد صدورها وحفظ الملفّات وتبليغ الجهات المعنية بالأحكام الصادرة.
يوم 18 سبتمبر 2017، دخل كتبة المحاكم، بدعوة من نقابتهم المنضوية تحت الجامعة العامة التونسية للشغل، في إضراب عن العمل استمرّ ثلاثة أيّام للمطالبة بتحسين وضعيتهم المادية والمهنية.
كانت التحضيرات للإضراب تسير على قدم وساق عندما التقينا حطّاب بن عثمان، كاتب عام النقابة الوطنية لأعوان وموظّفي العدلية. لم يتردّد المسؤول النقابي في الحديث عن مشاكل القطاع وخاصّة "الوضعية الشغلية الهشّة لكتبة المحاكم" ملمّحا منذ البداية الى أنّها قد تشجّع الكتبة على "اهمال عملهم" وعدم الحرص على متابعة الملفات :
”ليس هناك أيّ تحفيز لكتبة المحاكم كي يكونوا حريصين على العمل والتدقيق في الملفات عكس أعوان القباضات و المالية“.
لفهم تقنيات افتعال إسقاط الديون والخطايا والعقوبات المالية في المحاكم، من الضروري التعرّف على المسار الذي يتّبعه الملف بالاستناد الى شهادات متقاطعة استقيناها من عدد من كتبة المحاكم والقضاة : بعد انتهاء الجلسة وإصدار الحكم من قبل القاضي يقوم الكاتب بإيداع الملف لدى النيابة العمومية التي تقوم بدورها بمتابعته من خلال استئناف الحكم أو ابداء أيّ نوع من الملاحظات ومن ثَمّ تبليغ مضمون الحكم واحالته الى الجهات المعنيّة باستخلاص الديون (مصالح الديوانة، القباضات، الادارة الجبائية) ومطالبتها بتثقيل الدّين والسّهر على استخلاصه.
هذا المسار الأوّل قد يأخذ وقتا وجيزا، أسابيعَ او أشهرا، أو وقتا أطول قد يصل الى سنوات. ولكن اذَا تجاوزت فترة الاحتفاظ بالملف في أروقة المحكمة خمس سنوات، بالنسبة إلى الجُنَح، دون تفعيل أيّ اجراء اداري فانّ الأمر حتما يتنزّل في إطار المسار الثاني. وهو مسار في أغلب الأوقات غير عفوي، يُرادُ منه افتعال اسقاط الدّين وتضييع فرصة استخلاصه من قبل الإدارات المعنية.
في التقرير السنوي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لسنة 2016 نجد أثرا لعدد من القضايا المتعلّقة بكتبة ينتمون الى محاكم مختلفة تركوا خلفهم أدلّة فضحت وجود شبهات ارتشاء وفساد خلال ممارستهم لنشاطهم المهني، نذكر من بينها :
- شبهة رشوة وفساد تنسب الى مجموعة من كتبة المحكمة الابتدائية بقرمبالية (العدد الرتبي في التقرير السنوي للهيئة 91/2016).
- شبهة فساد تتمثل في رشوة من طرف كاتب بالمحكمة الابتدائية بتونس (العدد الرتبي في التقرير السنوي للهيئة 38/2016).
ولكن كيف يتمّ افتعال إسقاط الدّين في أروقة المحاكم ؟ ومن هو اللّاعب أو اللاعبون الأساسيون في هذه اللعبة ؟ الإجابة تأتي على لسان كاتب محكمة (نحتفظ بهويّته وبتسجيل صوتي للحوار) اعترف خلال مكافحة جمعته بموقع انكيفادا أنّه كان قد شارك في عمليّة "تذويب" ملفّات في احدى محاكم العاصمة :
”هناك في مكتب النيابة العمومية يتبخّر الملف. تذويب الملف يكون بين شخصين اثنين فامّا الكاتب وامّا مساعد الوكيل العام أو بالتعاون والاتّفاق بينهما“.
يواصل مصدرنا شرح تقنيات تذويب الملفات المتعلقة بالخطايا والعقوبات المالية : "يدخل الملف إلى الدَُرج ولا يخرج منه أبدا وهو ما يعني بشكل صريح تبخّر الدّين للأبد. طبعا هذه المغامرة تستوجب تقديم مبلغ مالي أو هديّة ثمينة لكلّ المشاركين في العملية". وعادة ما يعمد بعض الكتبة -وفق شهادة المصدر ذاته- في إطار اتلاف الملفات، الى سكب موادّ سائلة على الملف الأصلي على غرار القهوة و العصائر والمشروبات الغازية وموادّ التنظيف السائلة، من أجل اتلاف كلّ الوثائق أو جزء منها "عن غير قصد".
صور من محكمتيْ الابتدائية والاستئناف بالعاصمة : ملفّات ملقاة في الدّرج وفي أماكن مكشوفة وفي متناول الجميع. (صور الاستاذ غازي المرابط).
وتجمع قائمة المشاركين في هذه العمليّة الى جانب كتبة المحاكم ومساعدي الوكيل العام، وفق اعترافات المصدر ذاته، بعض المحامين والقضاة الذّين تجمعهم مصلحة بصاحب الملف، حيث تتداخل المصالح فيأخذ كلّ طرف نصيبه من الكعكة إذا كانت كبيرة. ويضيف مصدرنا قوله انّ "أيّ ملفّ يحصل فيه تلاعب يكون كاتب المحكمة على علم بذلك (...) هنالك كتبة "يُسمسرون" مع القضاة ومع المحامين لاخفاء ملفات وعدم القيام بالإجراءات اللازمة مقابل منافع شخصية ورشاوى".
في السياق ذاته، أفادت مصادر متقاطعة في المحكمة بأنّ بعض المحامين عادة ما يعمدون الى اختلاس بعض الوثائق الاصلية من ملفّات القضايا أثناء تصويرها ومن ثمّة اتلافها واخفائها نهائيا، بل انّ البعض يقوم بسرقة أغلب محتوى الملف ولا يترك فيه الّا النزر القليل من الوثائق التي ليس لا أيّ وزن في القضيّة، ما يجعل القضيّة برمّتها تسقط في الماء.
هذه الاعترافات والتصريحات تمّ تأكيد جانب كبير منها على لسان المسؤول النقابي حطّاب بن عثمان، خلال لقاء جمعه بموقع انكيفادا. يرى بن عثمان انّ الهدف الأساسي من اخفاء الملف هو "افتعال سقوطه بالتقادم و/أو تأخير آجال الاستخلاص من أجل اتاحة الفرصة لأصحاب الخطايا والمدينين كي يصفّوا شركاتهم وأملاكهم و ينقلوا ملكيّتها إلى الغير حتّى لا تجد الادارة ما تعقله لاحقا".
”الملفّات في محكمة الاستئناف بالعاصمة ملقاة هنا وهناك ليست محفوظة أصلا، فكيف لا تضيع الملفات ولا يلتهمها السوس ولا تأكلها الفئران ولا تعبث بها أيادي بعض الكتبة والمحامين والقضاة“.
بن عثمان أفشى، هو الآخر، لموقع انكيفادا، بعضا من الأسرار التي ظلّت حبيسة شارع باب بنات مؤكّدا أنّه "عندما تَقرّر نقل المحكمة الابتدائية إلى مقر جديد بحي الخضراء بالعاصمة، قام عدد من الكتبة بإخفاء عدد من الملفّات في انتظار إتلافها عند القيام بالنُّقلة بعد أن كانوا قد أخذوا عربونا (تسبقة) على الرشاوى، غير أنّ العدول عن فكرة النقلة أجهض مخطّطهم. علما أنّ افتعال ضياع الملفات خلال النقلة كان سيُخلي مسؤولية الكتبة عن ذلك".
ويشير المسؤول النقابي إلى ما اعتبره "مَوْطن الدّاء" متحدّثا عن ضعف الأجور وعدم وجود تحفيزات لسلك الكتبة، مستشهدا بوضعية كاتب النيابة العمومية في القطب القضائي المالي الذي وقع انتدابه بموجب آلية الحضائر ليتقاضى نحو 250 د في الشهر فقط بينما هو شريك في اقامة العدالة (أجور كاتب المحكمة في حدود الـ700 د).
وذهب بن عثمان إلى أبعد من ذلك عندما اعترف لـانكيفادا بأنّ التلاعب بالملفات من قبل عدد من الكتبة وصل درجة خطيرة :
”ملفات خطايا الشّيكات تباع وتُشترى انطلاقا من 50 دينار فحسب في أروقة المحكمة من قبل بعض الكتبة في حين تلهف الحيتان الكبرى مئات الملايين !“
أداء النيابة العمومية يعطّل آليات التثقيل والاستخلاص
إذا كانت بعض الملفاّت التي يتمّ التلاعب بها على أيدي كتبة المحاكم تندثر وتختفي تماما كأنّها لم توجد أبدا فانّ الملفّات الأخرى التي يتمّ الإفراج عنها قُبيْلَ سقوطها بالتقادم تضع مصالح الديوانة وكذلك الادارة الجبائية في حرج كبير حيث لا يجد مسؤولو هذه الادارات الوقت الكافي لتثقيلها في أحيان كثيرة.
مصدر مسؤول صلب الادارة العامة للمحاسبة والاستخلاص انتقد أداء النيابة العمومية فيما يتعلّق بالتأخّر في احالة مضامين الأحكام: "عندما يأتينا دين سقط بالتقادم نقوم باعادته الى النيابة العمومية ونعلمها أنّ الدّيْن قد سقط، فتكون الاجابة 'خوذ وسكّر فمّك' (...) ثقّل الدّين وأصمت. ولدينا مكاتيب في ذلك (...) نحن مجبولون على الانضباط لقرارات النيابة العمومية ونخشى تبعات الرفض حتّى و ان كانت مخطئة".
من جهتها كانت ادارة النزاعات والتتبّعات قد رفعت تقريرا سنة 2015 إلى المدير العام للديوانة حول الصعوبات التي تعترض مصلحة التثقيل. وقد تضمّن التقرير اتّهاما مباشرا للعدالة (النيابة العمومية وكتبة المحاكم) بالتسبب في سقوط عدد من الديون بالتقادم. وتعرّض التقرير الى عديد النقاط منها:
- عدم تقيّد المحاكم بأحكام الفصل 40 من قانون المالية لسنة 2012 (الذي منح مدة زمنية وقدرها سنتان تُعلّق فيها أجال سريان مدة التقادم) عند إصدار قرارات بسقوط العقوبة بمرور الزمن1.
- التأخير الحاصل في إرسال مضامين الأحكام إلى الإدارة .
- عدم التثبت من طرف الحكّام من وجود قواطع عند إصدار أحكام بسقوط العقوبة بمرور الزمن.
- التأخير في الردّ على مراسلات الإدارة بخصوص إصلاح مضامين الأحكام الواردة من المحاكم والتي تتضمن أخطاء.
مصالح الديوانة قامت، كذلك، بمراسلة وزيريْ المالية والعدل منتصف أفريل 2015 حول جملة المشاكل السابق ذكرها. وقد أصدر وزير العدل منشورا بتاريخ 4 ماي 2015 إلى مختلف الهياكل القضائية التابعة له (الوكلاء العامون لدى محاكم الإستئناف ووكلاء الجمهورية لدى المحاكم الإدارية ورؤساء وقضاة النواحي) لحثّها على تلافي تلك الصعوبات.
ولئن سرّع ذلك المنشور نسبيا في نسق إحالة مضامين الأحكام من أروقة المحاكم الى مكاتب التثقيل والاستخلاص، فانّ وضعيّة الاستخلاص ما تزال تواجه صعوبات أخرى لا علاقة لها بالمشاكل السابقة.
حوالي 8000 م د حجم الديون العمومية المثقّلة
مسألة تثقيل الديون واستخلاصها ليست حكرا على الادارة العامة للديوانة، بل تشترك معها في ذلك مصالح وزارة المالية تحت إشراف الادارة العامة للمحاسبة العمومية والاستخلاص. هذه الادارة تعاني هي الأخرى من شبه قطيعة مع الادارة العامة للديوانة حيث لكلّ منهما أرقامه وتقنيات عمله، ما يجعل مسألة الاستخلاص مشتّتة وصعبة المنال في أغلب الأحيان.
بالتوازي مع أرقام الديوانة، تمكّن موقع "انكيفادا" من الحصول على أرقام وزارة المالية حول الدّيون العمومية المثقّلة ومدى التقدّم في استخلاصها، حيث تضاعف مستوى الاستخلاص، دون احتساب الخطايا والعقوبات المالية، خلال السنوات السبع الأخيرة عديد المرّات، اذ قفز من 221 مليون دينار خلال سنة 2011 الى 840 مليون دينار موفّى 2017.
هذا التطوّر الايجابي لم يرتق الى مستوى انتظارات الوزارة التي ما تزال تلاحق ما يربو عن 7202 مليون دينار بعنوان الديون المثقلة الراجعة للدولة وهي متعلّقة بأكثر من 236 ألف مَدين.
ولئن تطمح الوزارة الى استخلاص 1000 مليون دينار موفّى العام الجاري (2018) ومن ثمّ الترفيع في سقف الاستخلاص تدريجيا بعد الدخول الجزئي لجهاز "الشرطة الجبائية" حيّز العمل فانّ هذا الطّموح يلُوحُ -وفق المؤشرات الراهنة- متعثّرا نسبيا وصعب التحقّق اذا ما علمنا أنّ حوالي 54 بالمائة من تلك الديون المثقّلة، أي ما يناهز ال4000 مليون دينار، باتت غير قابلة للاستخلاص أو تتطلب إجراءات خاصة واستثنائية من أجل استخلاصها نظرا للوضعية المعقّدة للمدينين.
وبحسب الارقام الرسمية فانّ الديون القابلة للاستخلاص لا يتعدّى حجمها 2320 مليون دينار أي ما يناهز ال32 % فقط من إجمالي الدّيون المثقّلة الى حدود موفّى عام 2016.
ديون لن تسقط بالتقادم
تؤكد الادارة العامة للمحاسبة العمومية والاستخلاص انّ هذه الدّيون -رغم صعوبة استخلاص ثُلثيْها- تظلّ غير قابلة للسقوط اطلاقا على اعتبار أنّها خاضعة للرقابة الدورية الدقيقة على المستوى الداخلي عبر تقنية الإنذار الآلي الذي تقوم به المنظومة المعلوماتية (رفيق / صادق). هذه المنظومة، وفق ما أفاد به مصدر مسؤول لـانكيفادا، تحتوي على برمجيّة لفرز الدّيون التي اقترب موعد سقوطها (تسقط في غضون 5 سنوات إذا لم يتمّ اتّخاذ إجراءات فيها)، وتقوم باشعار القبّاض والمحاسبين العموميين للقيام بالإجراءات اللازمة لاستخلاصها أو تحيينها عبر اتّخاذ اجراءات ادارية في شأنها لمنع بلوغ أجَل سقوطها.
”انّ المحاسبين العموميين مسؤولون ماليا وشخصيا عن العمليات المكلفين بإنجازها وعن القيام بالمراقبة المنوطة بعهدتهم وكذلك عن صيانة الأموال وحفظها والقيم والمنتوجات والمواد التي تعهد اليهم“.
من جهتها، تقوم دائرة المحاسبات، وفق ما أدلى به مصدر لـ"انكيفادا"، في حال افتعال المحاسبين العموميين اسقاط الدّين بالتقادم سهوا أو عن سوء نيّة، بتثقيل الدّين على القابض/المحاسب العمومي المسؤول عن سقوط الدّين على اعتبار أنّ مجلّة المحاسبة العمومية تقرّ بتحمّل المحاسبين العموميين المسؤولية الشخصية والمالية للديون المثقّلة التي تقع تحت أنظارهم. وتسمّى هذه العمليّة "تعمير ذمّة".
ولتلافي تعطّل عملية الاستخلاص، كان الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) قد انطلق منذ نحو سنتين في الاشتغال على مشروع قانون بعنوان "قانون الطوارئ الجبائية" للتخفيف من إجراءات التقاضي ومعاقبة الإداريين والمسؤولين الذين يحمون المتهربين، مؤكدا على ضرورة تغيير التشريعات الحالية والاعتماد على أخرى ردعية.
وقال الخبير بقسم الدراسات بالاتحاد العام التونسي للشغل، عبد الرحمان اللاحقة، "انّ حجم الديون الجبائية غير المستخلصة يناهز نصف ميزانية الدولة". مضيفا أنّ قانون الطوارئ الجبائية يهدف الى "تسريع إجراءات الاستخلاص وتقديم إجراءات استثنائية وتمكين لجنة، تُبعث للغرض، من صلاحيات وقوانين استثنائية للقيام بعملها على أحسن وجه".
واتّهم خبير المنظّمة النقابية والاستاذ الجامعي، الحكومة التونسية بـ"التقاعس" مشيرا الى ما وصفها بـ"غياب الارادة السياسية للاصلاح".
”نتوقّع أن نستخلص 1500 مليون دينار في العام على الأقل بموجب هذا القانون. وهذا أكثر بكثير من الأموال التي يمكن أن نقترضها من صندوق النقد الدولي“.
وأيّا كانت الأسباب التي تقف وراء عدم القدرة على استخلاص الخطايا والعقوبات المالية و الديّون العمومية المثقّلة، فانّ هنالك حقيقة لا مفرّ منها وهي أنّ الدّولة التونسية كانت على مدى عقود من الزمن مُساهمة عبر تشريعاتها وسلطتها الفاسدة في اضاعة الفرصة على الخزينة العامّة لاستخلاص هذه الدّيون.
وقد عمّق نظام بن علي ظاهرة الإفلات من الاستخلاص من خلال تركيز حكمه على أساس منظومة "الزبونية" التي تتيح لرجال الأعمال وكبار المهربين والفاسدين امكانية اسقاط ديونهم والافلات من الادارة الجبائية مقابل تقديم الولاء والطاعة للنظام وخدمة أجندته السياسية ودعمه ماليا.
اليوم، وبعد نحو ثماني سنوات من سقوط نظام بن علي، ما تزال مظاهر "الزبونية" متفشّية، ومازالت الادارة تترنّح بين ضرورة تطبيق القانون وبين خدمة الأجندات القطاعية وجني المنافع الشخصية، بدليل أنّ مقابيض الجباية المستخلصة كانت قد تقلّصت بـ34 % خلال شهر جانفي 2018 مقارنة بنفس الفترة من العام الذي قبله، جرّاء عزوف الادارة، مؤقتا، عن استخلاص الديون بعد أن تمّ إيقاف مدير عام الأداءات بوزارة المالية سامي الزبيدي في قضية الذهب وفق ما أفادنا به مصدر رسمي من وزارة المالية حبّذ عدم كشف هويّته.