الاعتداءات الجنسية في أفريقيا الوسطى : بصمات الجنود الفرنسيين

بعد أن تمّت الإشادة ب"نجاحها" من قبل وزارة الدفاع الفرنسية، غادرت العملية العسكرية التي تحمل اسم"سانغاريس" افريقيا الوسطى مخلّفة وراءها جملة من الدعاوى القضائية المُثارة ضد جنود فرنسيين بتُهم تتعلق بالاغتصاب والاعتداءات الجنسية ضدّ مواطنين من بينهم أطفال قُصّر. هذه العملية خلّفت وراءها أيضا طفلا يرجّح أنّه نتاج لعملية اعتداء جنسي. وفي الوقت الذي تسير فيه التحقيقات القضائية الفرنسية بخطى السلحفاة، من الوارد أن ترتفع حصيلة ضحايا الاعتداءات التي لم يتمّ كشفها بعدُ.
بقلم | 13 مارس 2017 | reading-duration 3 دقائق

متوفر باللغة الفرنسية

جوستين برابان و ليلى مينانو | رسوم : داميان رودو | رامي عبد المولى من فريق السفير العربي
2017/03/13
بعد ثلاثة أسابيع فقط عن النهاية الرسمية لعملية سانغاريس، 31 أكتوبر من سنة 2016، يجد الجيش الفرنسي نفسه في مأزق بسبب تسريب مذكرة داخلية لهيئة الأمم المتحدة للصحافة. تحوي هذه المذكرة اتهامات بالاغتصاب تجاه قوات عسكرية على أراضي أفريقيا الوسطى كما تلمح أيضا إلى أن الضحايا “ربما حصلوا على مقابل مالي من أجل تقديم شهاداتهم”.

بغض النظر عن أن الوثيقة تركز على التجاوزات التي ترتكبها القوات الغابونية والبوروندية، دون أن تقوض الاتهامات حول عمليات اغتصاب القُصَّر، التي كان المتهم فيها جنود فرنسيون على حدود مخيم للاجئين بـ مبوكو، في بانغي، عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى. وبغض النظر عن أن المذكرة حاولت تأكيد أن “الحوافز المالية” تتعلق على الأرجح بالمساعدات المقدمة من المنظمات الإنسانية. إلا أن كل هذا قد غذى مزيدا من الشك داخلنا عوض أن يقضي عليه، فوزارة الدفاع الفرنسية لم تكف عن تسليط الضوء على “تسرع” اليونيسيف كما وصفتها، التي جمعت شهادات تتهم جنودا فرنسيين.

الساحة المركزية في “بودا لابال”

شكوك كبيرة تحوم حول هذه القضية، ومع ذلك، هناك عدد قليل من الذين أخذوا على عاتقهم عناء الذهاب بالتحقيق حتى بودا، 190 كيلومترا عن بانغي، مدينة المعادن الصغيرة. وعلى عكس ما قد يتخيله كثيرون، فالطريق إلى بودا معبدة وفي حالة جيدة : نحن في مسقط رأس الرئيس المؤسس لـ “جمهورية أفريقيا الوسطى” بارتيليمي بوغاندا وجان بيدل بوكاسا الذي كان قد نصب نفسه إمبراطورا.

النقطة الأكثر نشاطا في المدينة هي الشارع الرئيسي المؤدي إلى موقف دراجات الأجرة النارية. هناك، حيث تم تحويل محطة الوقود طوطال إلى حانة. مع حلول الليل الأفريقي الطويل، يهجر العمال مناجم الماس ويلتحقون بهذه الحانة لتبادل أنخاب الجعة. هناك، من داخل الغابة الاستوائية، يصلنا دليل محتمل على جريمة اغتصاب جنسي لقاصر ارتكبها جندي فرنسي.

الأسرة “بازوكو” تعيش في منزل من الطوب، على مسافة 200 متر عن محطة طوطال المذكورة. مدخل البيت عبارة عن باب من دون قفل. الصغير “إيليا” يضيئ المكان بمشاكساته المحبّبة. بالكاد بلغ من العمر سنة وخمسة أشهر، وقد أصبح من عاداته الغريبة رمي عصيدة الفطور التي تقدم إليه كل صباح.

بشرته فاتحة اللون على عكس الشائع هناك، ويسمى في الجوار بـ “الفرنسي”.

نوالا بازوكز وابنها

عاشرها ثمّ أعطاها 15 ألف فرنك

عند وصول الجنود الفرنسيين التابعين لقوات سانغاريس إلى بودا في شهر فيفري-فبراير 2014 أقاموا قاعدة لهم وسط المدينة. مهمتهم الأساسية هي التدخل بين جبهتين متناحرتين : “الأُنتي-بالاكا” الذين نصبوا أنفسهم مدافعين عن مسيحيي المدينة. و”جماعات المقاومة” المسلمين. المواجهات كانت آنذاك قد خلفت مئات من الضحايا.

شرعت نوالا بازوكو، إحدى بنات العائلة، في بيع الطماطم ل”سانغاريس” قبالة قاعدتهم. وكان شعرها المتسربل الى الخلف يكشف وجها طفوليا لا يخلو من ملامح المراهقة. وفي أحد أيام صائفة 2014، تفطّن جندي فرنسي اليها، فعمد الى مغازلتها ببعض الكلمات الحلوة ضاربا لها موعدا في أحد المساءات مع تماما الساعة السادسة بالاستعانة بوسيط من أبناء الجهة يدعى ألبان. وقد وافقت الطفلة المراهقة على المقترح.

“قام بادخالي الى بيت صغير يوجد في معسكرهم. ماسنا الجنس معا وقد كانت المرّة الأولى بالنسبة اليّ. وبعد الانتهاء منحني 15 ألف فرنك بالعملة افريقيا الوسطى (23 أورو)، الّا أنّ دورية تابعة لمجموعات “أنتي-بالاكا” اعترضت سبيلي وانتزعت المبلغ مني” . هكذا تحدث نوالا بلغتها الأم صونغو في نبرة لا تخلو من تردّد.

لم تكن هذه الفتاة تتكلم الفرنسية فقد انقطعت عن الدراسة منذ المرحلة الابتدائية. وقد خلّف لها التهاب في السحايا في السن السابعة عديد الآثار التي تعاني تبعاتها الى اليوم : فقدان القدرة على الكلام لفترة طويلة ومشاكل متواصلة في السمع. التقيناها يومي 13 و 14 أكتوبر 2016، فقدّمت لنا بعض شظايا قصتها. كانت تتحدث جيئة وذهابا تحت المظلّة التي يتمّ استخدامها مطبخا :

“عدنا الى المكان ذاته في مناسبة أخرى لنمارس الجنس مجددا، الى أن رحل ذات يوم رفقة كامل أفراد طاقمه، ولم أره منذ ذلك الحين”.

القبعات الزرق في اطار “المهمّة متعددة الأبعاد المندمجة لحفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في افريقيا الوسطى” (مينوسكا)

على الأرجح كانت قاصرا في وقت الحادث

بداية أكتوبر 2014، رحل الجنود الفرنسيون الذين كانوا متمركزين في بودا مخلفين المسؤولية كاملة للقبعات الزرق “المينوسكا”، بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة المهام الهادفة لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى.

بعد رحيلهم إلى فرنسا، بقيت نويلّا، وحيدة، وسط الحرب. تَحتّم عليها أن تغادر البيت رفقة والدتها وسبعة من الإخوة والأخوات:

“بسبب المجازر التي تعيشها المدينة، هربنا إلى الأدغال، كنت حاملا حينها، في طريقنا إلى البيت قبل ذلك كنت قد قلت لأمي : إنني لست في حالة جيدة.”

هذه الأخيرة، أمّ نويلّا، السيدة المترمّلة بسبب الحرب، تحاول أن تعيل أسرتها الكبيرة ببيع أوراق الكوكو واليرقات المحمصة. عندما كانت تحاول ابنتها أن تخبرها أنها حبلى من جندي فرنسي، كان يصعب على “صولونج” بازوكو تصديق ذلك. لكن الأمر تغير يوم ولادة الطفل ذي السحنة المختلفة، والبشرة الفاتحة.

أربعة أشهر بعد الولادة، بالضبط في أوت-أغسطس 2015، رفعت صولونج بازوكو شكوى إلى سلطات جمهورية أفريقيا الوسطى، بعد “أن سمعت في الراديو برنامجا يتحدث عن الاعتداءات الجنسية” . منذ الرابع من سبتمبر 2015 أصبح ملفها يشكل موضوع تحقيق في “اغتصاب من طرف شخص استغل السلطة التي تمنحها له مهنته” ، هذا ما تأكد لنا من النيابة العامة في باريس.

حتى وإن كان الإكراه البدني والعنف غير مثبتين في هذه الحالة، فإن الاعتداء الجنسي على قاصر تجاوزت الخامسة عشرة بالكاد، يظل حاضرا، خصوصا حين يستغل المتهم سلطة يستمدها من مهامه من أجل التغرير بقاصر، مخالفا بذلك المادة “227-27 من القانون الجنائي” ومنتهكا التعليمات. فنويلاّ كانت على الأرجح قاصرا في وقت الحادث. كان عمرها سبع عشرة سنة حسب النتائج الأولية للتحقيقات الفرنسية. بينما كان عمرها ست عشرة سنة فقط، حسب تصريحات أمها ونائب بودا، أوليفييه مبومبو موسيتو.

المدعي العام في بودا أوليفييه مبومبو موسيتو

خمسة أشهر للحضور إلى بودا

الأسرة بازوكو لا تملك أي حظ لتفعيل الشكوى بمحكمة بلادها، فبموجب اتفاق بين الحكومة الفرنسية و”حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى” في 18 ديسمبر من سنة 2013 الذي عقد بعد أيام قليلة فقط عن انطلاق عملية سانغاريس؛ لا يمكن متابعة الجنود الفرنسيين في حالة اتهامهم بارتكاب جرائم خلال فترة مهمتهم إلا من طرف المحاكم والعدالة الفرنسية، إنها مهمة منوطة أساسا بالدرك العسكري الفرنسي ذي الاختصاص المكلف بالتحقيقات في قضايا الجنود الفرنسيين ذوي مهام في الخارج.

بدأ النظر في القضية منذ سبتمبر من سنة 2015، وقد استغرق المدعي العام الباريسي ثمانية أشهر من أجل إرسال طلب تعاون جنائي دولي إلى سلطات أفريقيا الوسطى، الذي استطعنا الاطلاع عليه : “كي تشرع المحكمة في الاستماع إلى كل شاهد يملك معلومات تتعلق بالحدث أو حيثياته” ، يجب انتظار خمسة أشهر حتى يستطيع الدرك الفرنسي السفر إلى عين المكان بـ بودا ليقدم لنويلاّ صورا لجنود كي تتعرف على الأب.

هذه المماطلة في الوقت لا تصب أبدا في مصلحة أسرة بازوكو، فالشاهد المركزي في الحادثة، ألبان، الذي لعب دور الوسيط بين نويلاّ والجندي الفرنسي، ترك بودا نحو بانجاي. أما بالنسبة لنويلاّ وبسبب حالتها النفسية والاجتماعية الصعبة، فسيكون أمر تعرفها على صورة شخص -بين صور عشرات من الأشخاص- لم تره إلا مرتين قبل سنتين، أمرا تعجيزيا.

جدة ليلي، ابن نوالّا : “يجب عليه الاعتراف بابنه والاهتمام به”

مشكل لوجيستيكي

مذكرة الأمم المتحدة التي تشير إلى أن ضحايا أفريقيا الوسطى قد حصلوا على مقابل مادي للإدلاء بشهادات تدين القوات الدولية، ركزت انتباه الإعلام والسياسيين في اتجاه مصداقية شهادات القصّر.

“القضية الوحيدة، بالتالي، التي نملك فيها دليلا ماديا يثبت اعتداء، وهي قضية نويلاّ، لا تحظى بأي اهتمام إعلامي ولا بأي اهتمام بين صفوف المحققين المكلفين بالملف”.

فرغم أن المحققين قد التقوا الطفل، إلا أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء تحليل الحمض النووي الخاص به. بل اكتفوا فقط بطلب فصيلة دمه من أهله، وهي معلومة تجهلها الأسرة. كما أن الصور التي أرسلها المحققون إلى نويلاّ ضمت صورا لجنود بشعور مسترسلة، في حين كان كل الجنود في بودا إبّان الحادث حليقي الرؤوس.

جلسة الاستماع إلى المشتكية أيضا تأخرت عدة أشهر، والتبرير المقدم حسب مصدرين مقربين من الملف هو غياب وسيلة نقل. حيث أن رجال الدرك انتظروا بالفعل كل تلك الشهور قبل أن تضع قاعدة سنغاريس طائرة هليكوبتر في خدمتهم لنقلهم إلى بودا. حينما سُئل وزير الدفاع الفرنسي عن هذا التأخير أجاب مؤكدا أن “وزارته تساعد السلطات القضائية بكل إمكانياتها .”

تماطل يثير تساؤلات حول موقع واستقلالية الدرك العسكري الفرنسي المُشكّل من عسكريين مكلفين بالتحقيق في قضايا عسكريين آخرين بالاعتماد على وسائل عسكرية. علما أن هذا الدرك يعتمد في أداء مهامه على القوة العسكرية المرتبطة ببعثته. فرغم توفره على وسائل الدرك المعروفة (أسلحة الدرك الخاصة ووسائله التقنية الخ..) إلا أنه يعتمد حقا في إتمام مهامه وتحقيقاته على دعم القوات العسكرية. تؤكد نائبة المدعي العام المسؤول عن القضايا الجنائية العسكرية في محكمة النقض بباريس، ساندرين غيّون : “إذ احتاجت البعثة لقواتها من أجل إكمال مهامها فمن البديهي أن مهام البعثة لها السبق والأولوية أمام تحقيقات الدرك.”

أما وفقا للقاضية، فقد كان الانسحاب التدريجي لقوات سانغاريس هو السبب في تأخر عمل المحققين. أمر يدفعنا للتساؤل : هل تستطيع طائرات الهليكوبتر مواصلة إقلاعها إلى بودا بالمحققين بعد أن انتهت الآن عملية سنغاريس بشكل كامل؟

على الطريق الرابطة بين بانغي وبودا

موجة اتهامات عارمة

في نهاية شهر أكتوبر من سنة 2016، انضمت الشكوى التي وضعتها فتاة بودا فوق مكتب المدعي العام في باريس إلى عشرات الاتهامات بالاغتصاب والاعتداءات الجنسية الموجهة سابقا إلى جنود سانغاريس. فمنذ أن كشفت يومية الغارديان البريطانية ، في أبريل من سنة 2015، عن تقرير داخلي للأمم المتحدة يدين جنودا فرنسيين باغتصاب أربعة أطفال (جنس فموي مقابل المال والطعام، حسب تصريحات الضحايا)، و لائحة التهم الموجهة إلى الجنود الفرنسيين تتضاعف. رسميا، المدعي العام بباريس، المسؤول عن التحقيقات، لا يود “الكشف” عن أي رقم، مفضلا “الاستدلال بعدد القضايا المغلقة، وليس بالتكهنات” .

وبعد هذه الموجة من الاتهامات التي صرخت بها حناجر أطفال مخيمات النازحين في مبوكو في بانغي. كانت المحكمة قد توصلت سنة 2016 بتقرير تم إعداده من طرف اليونيسيف يحكي حالات الاعتداء الجنسي المرتكبة في منطقة ديكوا وسط البلاد. أشار التقرير بشكل أساسي إلى جنود الوحدات البولندية والغابونية، ملمحا بإشارة هامشية إلى القوات الفرنسية. دون أن نغفل الشهادات التي جمعها المحققون المحليون في أفريقيا الوسطى حيث قاموا بالتعرف والحصول على إفادات حوالي اثنتي عشرة ضحية بخصوص حادثة مبوكو ( دون إشارة واضحة إلى الجنود الفرنسيين)، كما أشار إلى ذلك الملازم كوسي المكلف حينها بتسيير خلية أبحاث وتحقيقات الدرك في أفريقيا الوسطى الذي تم لقاؤه يوم 18 أكتوبر في بانغي. وإلى وقت قريب وضعت جمعية في أفريقيا الوسطى شكاية حول اغتصاب جماعي ارتكبته مجموعة من جنود عملية سانغاريس بالقرب من قنطرة جاكسون دائما في بانغي.

مخيّم النازحين من مبوكو/ بانغي

آثار التكبيل و القيود

في استجواب لمنظمة أطباء بلا حدود، أكدت هذه الأخيرة من جهتها، مدعمة تصريحاتها بشهادات طبية، أنها أبلغت عن ثلاث حالات اغتصاب جديدة ضد قاصرين (أخ وأخت يبلغان 7 و9 سنوات، إضافة إلى فتاة عمرها 13 سنة). السجلات والشهادات المقدمة من طرف المنظمة تؤكد آثار العنف الجنسي، زيادة على آثار التكبيل على إحدى الضحايا.

ويبدو أن وزارة الدفاع نفسها تقر بأن الاغتصابات والاعتداءات الجنسية قد ارتكبت فعلا من طرف أفراد القوات الفرنسية بأفريقيا الوسطى.

إجابة على بريد إلكتروني بتاريخ 20 ديسمبر من سنة 2016، قالت الوزارة إنه في مثل هاته الحالات، “في كل مرة تتأكد الأفعال ويحدد الجناة” ، يتم “إبعاد عناصر الجيش المتورطين من الساحة” ، وتؤخذ في حقهم “عقوبات تأديبية قد تصل إلى الفصل أو إنهاء العقدة” . وعند مطالبتها بتحديد عدد الحالات المؤكدة، لم تعط الوزارة أية إجابة.

هل الحالات التي وصلت إلى مكتب المدعي العام في باريس، تبقى فقط الجزء الظاهر من جبل الجليد؟. وفقا للوثائق والروايات التي تم جمعها من جمهورية أفريقيا الوسطى وكذا فرنسا من قدماء عملية سانغاريس، فاوض أعضاء من الجيش الفرنسي فعلا حول خدمات جنسية، سواء مع راشدين أو قاصرين. وقائع يمكن للقضاة الفرنسيين اعتبارها دلائل وشهادات على اغتصاب قاصرين أو اعتداءات جنسية مؤكدة أقدم عليها أشخاص أساؤوا استخدام السلطات الممنوحة لهم. هذه “الدعارة من أجل البقاء” يبدو أنها كانت تجد تسامحا من طرف القيادة العسكرية في بانغي، حتى بعد وصول أول موجة من التبليغات (أطفال مبوكو) إلى مكتب وزارة الدفاع، في يوليوز من سنة 2014. وقد تم بالفعل تنبيه كبار الضباط إلى السلوك الخطر لمرؤوسيهم.

مؤسسة صوت القلب التي تهتم بأطفال الشوارع. أحد هؤلاء الأطفال يؤكد تعرضه للاغتصاب من قبل أحد جنود “سانغاريس” في بانغي.

تقارير مكتوبة في الادارة العامة للقوات المسلحة

بعد ثمانية أشهر عن بداية العملية، بالضبط في الثالث من غشت سنة 2014، عدة مسؤولين كبار في بانغي أشاروا كتابة للجنرال “L” ، من المفتشية العامة للقوات المسلحة، إلى أعطاب تتعلق بمخيم سانغاريس الواقع قرب مخيم النازحين بمبوكو. في هذه الوثائق الداخلية للجيش، المعنونة بـ ‘التقارير المتعلقة بحماية القوة” ، التي استطعنا الاطلاع عليها، بعض ضباط الصف، وضابط برتبة -عقيد-، ينبهون رئيسهم في الجيش.

يتحدثون عن المخيم الفرنسي وكأنه غير محصن، يصعب فيه تفادي “السرقة والاقتحام” . كما طلب عريف رئيسي تعزيز مدخل المطار بأسلاك شائكة لأن “الأشخاص يمكنهم الدخول دون مراقبة في نقاط التفتيش، ما يجعل عمل القوات المسلحة دون جدوى” . وأضاف : “يجب أن يكون مخيم اللاجئين، المجاور للمخيم العسكري، مقفلا بإحكام، لأنه سبب عددا من المشاكل مثل طلب الإعاشة من الجنود من طرف هؤلاء اللاجئين. كما أنه يتيح إمكانية تسلل مجموعة من بائعات الهوى، تبدأ أنشطتها في آخر الليل” .

يضيف عقيد : “هذا التقارب بين المخيمين يشجع استهلاك الكحول والمخدرات والدعارة”. وقد طلب أحد الرقباء بشكل عاجل : “ضرورة رفع مستوى الوقاية من الدعارة التي يمكن استغلالها لتشويه صورة الجيش” .

ويكشف في السياق ذاته عن : “استعمال الأطفال الذي يربك عمل الحراس والدوريات” . وأخيرا ضابط صف آخر يثير مشاكل “الدعارة في آخر الليل بمداخل نقاط التفتيش ونقاط الوصول الجوية” . ما هي الإجراءات التي تم القيام بها بخصوص هذه التقارير؟. تمتنع وزارة الدفاع عن الجواب لكنها تؤكد في تصريحها أن “الدولة الفرنسية تمارس سياسة مشددة ‘لا تتسامح’ مع الاستغلال والاعتداء الجنسي” .

معطى إضافي في منحى أطروحة أحد المعسكرات عن الممرات غير محكمة المراقبة : حسب مصدر قريب من الملف، “من بين الوثائق التي رفعت عنها السرية في إطار التحقيق القضائي، تقرير مرقون يصف نفس المشاكل” .

جول*، ضابط عمل أحد عشر شهرا بأفريقيا الوسطى بين (سنة 2013 وسنة 2014)، وقف في أكثر من مناسبة على هذه الدعارة البئيسة الملونة بسوء استعمال السلطة.

في المرة الأولى – يقول متذكرا- ضُبط أحد جنود الحراسة، الذي لم يكن ينتمي إلى وحدته، من طرف رئيسه في موقف “يتم فيه مص عضوه الذكري من خلف سياج” المعسكر الفرنسي، بمدينة بانغي -لم يحدد هل يتعلق الأمر بقاصر أم لا؟

في مرة أخرى، أحد رفاقه، الذي استفاد من خدمات إحدى العاهرات، تم إرجاعه إلى فرنسا لأسباب طبية (غالبا لتطبيق مضادات الفيروسات القهقرية). السبب : تمزق الواقي الذكري.

في مناسبة أخرى، تم تبليغ الضابط أن أمّا قد باعت خدمات ابنتها الجنسية لعدد من الجنود. “كانوا مجموعة محاربة، شباب، سنهم بين 18 سنة و25 سنة، في أقصى الحالات” . جول طلب تأكيدا من رئيسهم :

“كان في حالة عصبية. أجابني : اللعنة ! إنهم يثيرون جنوني ! لا أعرف أين تم ذلك، لكن مبدئيا، نعم، ذلك ما حصل بالفعل” .

بعد التأكد، هذه القضية لم تصل أبدا إلى النيابة العامة بباريس.

تمّ ارسال بعثة العملية العسكرية الفرنسية “سانغاريس” أواخر 2013 الى افريقيا الوسطى لمعاضدة القوات الافريقية ل”تفادي كارثة انسانية” وحماية الجالية الفرنسية.

سانغاريس ترفض الرد على خبراء منتدبين من طرف الأمم المتحدة

في الفترة الممتدة ما بين أبريل ونونبر من سنة 2014، تم انتداب هيئة تحقيق دولية من طرف مجلس الأمن قصد التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في جمهورية أفريقيا الوسطى. هذه الأخيرة توصلت بمجموعة من التظلمات بخصوص حوادث اغتصاب وانتهاكات جنسية، من ضحايا وجمعيات المجتمع المدني تشير بأصابع الاتهام إلى القبعات الزرق التابعين للمينوسكا، وأيضا القبعات الزرق لميسكا، وكذلك جنود الـ سانغاريس. وكما ذكرت المحامية الموريتانية فاتيماتا مباي عضوة هيئة التحقيق المكونة من ثلاثة أعضاء، والتي قبلت الإجابة عن تساؤلنا. “لقد قلنا بصريح العبارة إن بعض جنود سانغاريس ربطوا علاقات مع قاصرين، مع فتيات قاصرات بالتحديد” .

المحققون الذين التحقوا مرات عديدة بالحي العام لـ سانغاريس من أجل الحديث إلى قيادة العملية مطالبين أيضا بضرورة تحديد هوية الفرقة التي كانت متواجدة بالمكان المشار إليه سلفا، قوبل سؤالهم بالتجاهل. سؤال جد حساس ظل بلا جواب. “فهمنا حينها أنها لم تكن المرة الأولى التي أشير إليهم فيها بأصابع الاتهام بشأن هذا الموضوع”.

وفي غياب تام لأي جواب ومن أجل تفادي الاتهامات المباشرة، قامت الهيئة بالتركيز على بقية القوات المسلحة المعنية بهذه الاتهامات. وفي الوثيقة الصادرة بتاريخ 6 دجنبر من سنة 2014، خمسة أشهر بعد تحقيق الغارديان، تمت الإشارة ولو بشكل مقتضب إلى الانتهاكات كالآتي : “توصلت هيئة التحقيق بمجموعة من الادعاءات بخصوص انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والحق الإنساني الكوني، تم ارتكابها من طرف قوات الميسكا والمينوسكا والسانغاريس” . لكنها تذرعت بمحدودية المصادر من أجل تبرير غياب التحقيق بخصوص الاتهامات الموجهة ضد الفرنسيين على وجه التحديد.

وفي دعوة منا إلى تأكيد اللقاءات مع خبراء الأمم المتحدة وكذلك شرح دوافع هذا الصد الموصوف من طرف المحامية الموريتانية، لم تكلف وزارة الدفاع نفسها عناء الرد على دعوتنا.

رغم أنّه كان من المقرر أن لا تتجاوز فترة مكوثها الثلاثة أشهر، فانّ عملية “سانغاريس” ظلّت في افريقيا الوسطى ثلاث سنوات.

قليل من الحميمية المتماشية مع أفعال جنسية

هل أرادت قيادة الـ سانغاريس الاحتفاظ بحصرية ما أدلت به لقيادة الأركان؟. في قراءة لمحضر تحقيق الدرك العسكري الفرنسي المؤرخ في 5 ماي من سنة 2015، والذي اطلعنا عليه، أكد شكوكنا. بين 2 و9 من غشت وفي معرض الحديث أعرب ضابطان أحدهما ملحق بالقوات الأوروبية (يوروفورس) والآخر ملحق بالفوج 152 لـ كولمار، عن دهشة واضحة أمام هذه الاتهامات بالاغتصاب. وفي إجابتهما “بغض النظر عن قربهما الكبير من رجالها” فإن مثل هذه الوقائع بهذه الصبغة من الخصوصية يصعب اقترافها بسهولة مع العلم أنها تحتاج إلى تواطؤ عدد من الأشخاص” .

تصريحات أخرى طبعا لا تقل غرابة عن سابقاتها، حين نعلم أنه في نفس التاريخ 3 غشت، أن عددا من المرؤوسين تم استدعاؤهم إلى المفتشية العامة للقوات المسلحة في باريس بسبب التقارير التي نبهت إلى اختراق الثكنات مع حضور قوي للدعارة وكذلك تواجد أطفال بالقرب من مراكز ودوريات المراقبة. الكم الكبير من التقارير التي تم إنجازها من طرف ضباط الصف الذين يعملون تحت إمرتهم، يدفعنا أن نتخيل بشكل سيئ كيف تم إهمال محتواها و وجودها أصلا .

إجابات كبار ضباط الـ سانغاريس في جميع الحالات كان لها الوقع المطلوب. في خلاصة تحقيقاتها استنتجت قيادة الأركان أنه على أرض الواقع لا وجود سوى لبعض الحميمية المتماشية مع أفعال جنسية”.


تم تغيير الأسماء من أجل حفظ الهويات *

تنويه

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipisicing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore magna aliqua. Ut enim ad minim veniam, quis nostrud exercitation ullamco laboris nisi ut aliquip ex ea commodo consequat. Duis aute irure dolor in reprehenderit in voluptate velit esse cillum dolore eu fugiat nulla pariatur.

بمشاركة

موقع انكيفادا هو شريك في مشروع التحقيق الدولي "صفر افلات من العقاب" ZERO IMPUNITY. هذا المشروع المنشور على وسائط متعددة وفق إستراتيجية "ترانسميديا" يوثّق ويكشف سياسة الافلات من العقاب التي توفّر الحماية لمرتكبي العنف الجنسي خلال النزاعات المسلّحة.

بالشراكة مع مُجمّع (كونسورسيوم) يضمّ عددا من المؤسسات الصحفية الدولية، ينشر موقع انكيفادا مجموعة من التحقيقات الكبرى والحصرية التي تكشف آليات الافلات من العقاب صلب المؤسسات العمومية والمنظمات الدولية وكذلك صلب المؤسسات العسكرية. مشروع "صفر إفلات من العقاب" هو في الآن ذاته عمل استقصائي آخذ في التمدد والتوسّع بفضل مبادرات مُواطنية فاعلة. تأسّس المشروع على أيدي نيكولا بلي و ستيفان هوبر-بلي و ماريون غوث. مزيدٌ من التفاصيل حول المشروع في الرابط التالي.