الطريقُ السالكة نحو الخسائر الجمّة
سنة 2008 شارفت مدّخرات المجمّع الكيميائي التونسي من مادة الكبريت على النّفاد، ما اضطرّه الى البحث عن حاجته في السوق العالمية وطَرق أبواب مزوّدين جدد بعد أن أعرب المزوّدون التقليديون (روس، سعوديون، اماراتيون، كويتيون بالأساس) عن عدم قدرتهم على ضمان الكمية التي يحتاجها الحريف التونسي وفق ما أكّده مسؤولو الشركة.
ويحتاج المجمّع الكيميائي، سنويا، الى ما لا يقلّ عن مليون و 700 ألف طن من مادة الكبريت (البخّارة) من أجل ضمان انتاج مادّة الفسفاط التي تعدّ بلادنا أحد المنتجين/ المصدّرين الخمسة الأوائل على الصعيد العالمي.
يقول ابراهيم الخرشاني مدير عام شراءات المواد الأوّلية في المجمّع الكيميائي حاليا، والذي كان مكلّفا آنذاك بمتابعة الشراءات، متذكّرا ملابسات تلك الظرفية:
“كانت السوق العالمية تشهد في تلك الفترة بالذات نقصا حادا في مادة الكبريت، ما جعل سعر الطن الواحد يقفز الى نحو 895 دولار بعد أن كان في حدود 100 الى 200 دولار على أقصى تقدير. كنّا مضطرّين للشراء مهما كان السعر باهظا حتى لا تتوقّف الشركة عن انتاج الفسفاط. وقد كانت شركة الوساطة ميدغولف بمثابة طوق النجاة بالنسبة الينا في ذلك الوقت”.
تلقّى المجمّع، بتاريخ 25 جوان 2008، عرضا من شركة ميدغولف القبرصية لتزويده بدفعة اولى بمقدار 23 ألف طن من مادة الكبريت بقيمة 793 دولار للطن الواحد، عندها تمّ عرض الملف على اللجنة العليا للصفقات ومرّ بكل المراحل القانونية وفق شهادة الخرشاني.
وقد قبِل المجمّع الكيميائي التونسي العرض بعد موافقة اللجنة العليا للصفقات. وأرسل الوسيط ميدغولف، بعد يومين، مشروع عقد إلى المجمّع الكيميائي التونسي يحتوي على العديد من البنود منها التحكيم في لندن وتطبيق القانون الانقليزي واعتماد تحليل البضاعة عند الشحن.
وبتاريخ 2 جويلية 2008، وبالتوازي مع العقد الأول، عرض الوسيط خمس شحنات بكمية جملية تقدر بـ150 ألف طن من مادة الكبريت يتمّ ارسالها الى تونس خلال الفترة الممتدة بين مطلع جويلية و5 سبتمبر 2008. قبِل المجمّع العرض ودخل الطرفان في مفاوضات آلت، بعد نحو أسبوع، إلى قبول عرض ميدغولف علما أن السعر ارتفع هذه المرة بنسبة 13٪ ليصبح 895 دولار للطن.
وبعد قيامنا بتحليل جدول المؤشّر العالمي لأسعار الكبريت خلال فترة الشراء (أنظر الرسم البياني اعلاه)، ومقارنةِ النتائج بالدراسة التي قام بها الخبير المكلّف من قبل المحكمة اللندنية، تبيّن لنا أنّ السعر العالمي الأقصى الذي كان معتمدا خلال الفترة المتراوحة بين غرة جوان و20 جويلية 2008 (فترة الشراء) كان يناهز 800 دولار/طن (خبير المحكمة أقرّ 840 دولار/طن على أقصى تقدير باحتساب مصاريف الشحن)، غير أنّ المجمّع قبِل عرضا ب895 دولار/طن أيْ بفارق يناهز أو يفوق ال55 دولار/طن، وهو أمر غير مبرّر ويفتح باب التأويل على مصراعيه بخصوص مآل فارق السعر في الصفقة حيث يُرجّح بعض المختصّين والخبراء ممّن عرضنا عليهم الملف لفحصه (محامي أعمال، خبير في التجارة العالمية، مختصّون في مجال مكافحة الفساد) فرضيةَ وجود عمولة تتخفّى وراء الترفيع غير المبرر في سعر الاقتناء في هذه الصفقة المشبوهة وهو ما لم يتسنّ لنا اثباته.
علما أنّ مسؤولي الشركة كانوا قد دحضوا ما وصفوها ب”الادعاءات الباطلة”، مؤكدين أنّ مؤشر الأسعار العالمي هو نسبي حيث وصل السعر في بعض الأحيان الى أكثر من ذلك بكثير على غرار الصفقة التي عرضها الاماراتيون والتي ناهزت 1000 دولار/طن والتي تمّ رفضها من قبل المجمّع وفق ما جاء على لسان الخرشاني.
في السياق ذاته، فانّ لهفة مسؤولي المجمّع على قبول العرض الثاني المقدّم من الوسيط ميدغولف بغرض اقتناء كمية جملية تقدّر ب150 الف طن بسعر مرتفع جدّا يناهز 895 دولار/طن أي بزيادة 13% عن السعر المرجعي للعقد الأوّل، رغم درايتهم العميقة بواقع السوق العالمية ومعرفتهم الدقيقة بالتغيرات التي تطرأ على المؤشر العالمي للأسعار وتجربتهم الكبيرة في مجال اقتناء الكميات الضخمة، يجعلنا نتسائل عن الغرض من هذا التسرّع غير المبرّر خاصّة أنّ السعر قد شرع في التقهقر بالفعل بعد أسابيع قليلة ليصل الى النصف بعد حوالي شهرين قبل أن ينحدر الى الى مستوى 40 دولار فقط للطن بعد نحو خمسة أشهر فقط.
ولكي نُبسِّط الحكاية، يمكن القول انّ المجمّع أخطأ مرّتين على الأقلّ خلال مرحلة عقد الصفقة :
-مرّة أولى، عندما قبِل عقد صفقة على قاعدة سعر مشطّ يفوق السعر المرجعي الأقصى المتداول في السوق العالمية (بفارق لا يقلّ عن 55 دولار للطن الواحد)، في حين أنّه كان بالامكان التفاوض مع مزوّدين آخرين بمن فيهم المزوّدون التقليديون للمجمّع.
-مرّة ثانية، عندما لم يكتف باقتتناء كميّة متوسّطة الحجم قادرة على ضمان سير دواليب المجمّع الى حين تراجع الأسعار، مع قبول عرض ثان من الوسيط ذاته بسعر مجحف، رغم أنّ الأسعار تراجعت بنسبة خمسين بالمائة بعد نحو شهرين ونزلت بعد نحو 5 أشهر من 840 دولار الى 40 دولار فقط للطن الواحد.
هذان الخطئان يمكن تصنيفهما، بشكل موضوعي، ضمن خانة سوء التصرف في المال العام جرّاء الافتقار الى الكفاءة المهنية اللازمة، ولكن مع اصرار مسؤولي المجمّع -خلال لقاء جمعنا بهم- على كفاءة الطاقم وخبرته الواسعة في المجال، فانّه من البديهي التساؤل عمّا كان يمكن أن يحدث في حال لم يكن الطاقم “ذا كفاءة عالية” خاصّة بعد تتالي الاخلالات المريبة على غرار عدم ارسال خبراء المجمّع لمعاينة جودة البضاعة قبل شحنها وصولا الى عدم الطّعن في الآجال القانونية في الحكم الصادر عن هيئة التحكيم الحر بلندن مرورا بعدم اختيار مُحكّم يراعي مصالح المجمّع ما جعله ينحاز للخصم، ألا وهو شركة ميدغولف، وبالتالي خسارة القضية بطمّ طميمها.
هذا الحكم الملزم تحوّل الى ما يشبه الكابوس اليومي الذي يؤرق، ليس مسؤولي المجمّع الكيميائي فقط، بل الحكومة التونسية بشكل عام على اعتبار ضخامة المبلغ.
من أزمة فقدان الكبريت الى أزمة الكبريت المغشوش
بدأت بوادر التأزّم تلُوح مع تسلّم الشحنة الأولى من العقد الأوّل حيث تبيّن أثناء تفريغ البضاعة في ميناء صفاقس بتاريخ 18 جويلية 2008 أنها غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها، علما أنّ المجمّع كان قد وقع في خطأ مهني قاتل تمثّل في عدم ارسال خبرائه -مثلما ينص عليه العقد- لمعاينة بضاعته وتحليلها والتدقيق في جودتها قبل شحنها نحو تونس. هذا الخطأ سوف تكون له عواقب وخيمة على الشركة لاحقا.
الاجتهاد الأوّل لمسؤولي المجمّع، آنذاك، قادهُم الى تسجيل احتراز لدى الوسيط ميدغولف فلم يقبله هذا الأخير، ما جعل المجمّع يقرّر تعليق التعامل معه قبل وصول الكميات المتبقية من الشحنة، متّهمين ايّاه بشكل صريح بالغشّ، مع قبول الكمية الأولى من الشحنة، حوالي 23 ألف طن، والشروع في استعمالها بالرغم من تدنّي جودتها ومحاولة اصلاح ما يمكن اصلاحه من خلال خلطها بكمية أخرى من الكبريت المطابق للمعايير “حتّى لا تتوقّف معامل المجمّع عن انتاج الفسفاط” وفق تبرير مسؤولي المجمّع خلال حوار جمعنا بهم بتاريخ 29 جانفي 2016 في اطار انجاز التحقيق.
في المقابل، أحال الوسيط ميدغولف بتاريخ 25 أوت مذكرة يدعو فيها المجمّع الكيميائي التونسي إلى تعيين مُحكّم للشروع في الإجراءات التحكيمية بلندن وتطبيق القانون الانقليزي لتعويض الضرر المتعلق بالفسخ التعسفي لعقد شراء 150 ألف طن من الكبريت.
رفض المجمّع الكيميائي التونسي عرض ميدغولف متمسكا باختصاص المحاكم التونسية في هذه القضية وتطبيق القانون التونسي. واتّخذ بعض الإجراءات التحفظية يوم 9 سبتمبر 2008 حيث استصدر إذنين على عريضة عدد 26764 بالنسبة للعقد الأول وعدد 36764 بالنسبة للشحنة الأولى من العقد الثاني، وتم تعيين خبيرين قاما بتحليل العينات بمخبر محايد بفرنسا.
وقد أثبتت التحاليل عدم مطابقة البضاعة المستلمة من قِبل المجمع الكيميائي التونسي للمواصفات المتفق عليها وتقدير الأضرار التي لحقت بالمنشأة، علما أنّ صفقة الكبريت كانت قد انبنت على تقرير صادر عن مخبر فرنسي يحمل اسم SGS بطلب من الوسيط ميدغولف ما يجعل وجود فرضية التلاعب والغش والتدليس “أمرا واردا جدّا” وفق ما بيّنته اللجنة القانونية للمجمع الكيميائي التونسي ورجّحه السيد ابراهيم الخرشاني مدير عام شراءات المواد الأوّلية في المجمّع الكيميائي خلال حديثه الينا ابّان اجراء التحقيق. وللاشارة فانّنا حاولنا مرارا وتكرارا الاتصال بادارة المخبر بفرنسا لأخذ موقفها الّا أنّه تعذّر علينا النفاذ الى أيّ مسؤول.
وفي خطوة ثانية رفع المجمّع الكيميائي التونسي أمام المحكمة الابتدائية بتونس قضية بهدف إبطال الشرط التحكيمي وتطبيق القانون الانقليزي مُردفا اياها بقضية أخرى موضوعها غرمُ الضرر عن البضاعة المَعيبَة (غير المطابقة للمعايير) المتعلقة بالشحنة الأولى من العقد الثاني. وقد أصدرت المحكمة حكما ابتدائيا بتاريخ 27 أفريل 2010 يقضي بإلزام شركة ميدغولف بتسديد مبلغ 4،16 مليون دينار لنظيرتها التونسية.
استأنفت شركة ميدغولف الحكم، آنذاك، وقضت محكمة الاستئناف بنقض الحكم الابتدائي ورفض دعوى المجمّع الكيميائي التونسي. في الأثناء كان مسؤولو المجمّع قد أوفدوا خبيرا للقيام ببحث حول ما وصفوه بعملية الغش. وبالاتصال بشركة “آرامكو” السعودية التي زوّدت الوسيط ميدغولف بشحنة الكبريت، وبعد الاطلاع على العقد الممضى بين الشركتين (آرامكو و ميدغولف)، تبيّن للخبير التونسي أنّ الوسيط ميدغولف كان قد “كذب” حول طبيعة الشحنة وقدّم معطيات خاطئة للتونسيين مُوهمًا ايّاهم باأنّ البضاعة مطابقة للمعايير المتفق عليها في حين أنّ عقده مع المزوّد السعودي يؤكّد عكس ذلك، وفق ما أكّده الخرشاني.
من القضاء الانجليزي الى هيئة التحكيم الحر بلندن
وبعد استنفاد جميع الاجراءات أمام المحاكم الانقليزية، إثر قرار القضاء الانقليزي بإخضاع قضية ميدغولف لهيئة تحكيمية بلندن وتطبيق القانون الانقليزي، أحالت شركة ميدغولف بتاريخ غرة سبتمبر 2010 لنظيرتها التونسية عريضة الدعوى التحكيمية المتعلقة بالعقد الثاني لكمية جملية مقدارها 150 ألف طن من الكبريت مطالِبة بمبلغ يناهز 39،9 مليون دولار أمريكي بعنوان غرم الضرر عن القطع التعسفي للعقد وفارق السعر عند إعادة بيع الشحنات وضياع وقت أثناء تفريغ الشحنة الأولى من العقد الثاني بميناء قابس مثلما ورد في نص العريضة.
وردّا على هذه العريضة تولّى المجمّع الكيميائي التونسي الطعن في ادعاءات ميدغولف على أساس عدم مطابقة الكبريت المسلّم للمواصفات التعاقدية بالاضافة الى تحديد قيمة الضرر الذي لحق المجمّع الكيميائي التونسي جراء ذلك وتقديم مطلب معارضة في الغرض.
وقد تولت شركة ميدغولف بتاريخ 7 أفريل 2011 الإجابة على ردّ المجمع الكيميائي التونسي ومطلب المعارضة المشار إليهما أعلاه متمسكة بطلباتها.
لجنة فنية للخروج من المأزق
انتهت التحضيرات والترتيبات وحان وقت الحسم أمام القانون الانقليزي. اختار محامي المجمّع بلندن محاميين مرافعين. من جهتها، حددت الهيئة التحكيمية جلسات سماع الشهود وتبادل التقارير النهائية بين المحامين بداية من 9 الى 20 أوت 2013.
وفي منتصف سبتمبر من العام ذاته أفاد محامي المجمّع الكيميائي التونسي بلندن انّ الهيئة التحكيمية أصدرت قرارا تحضيريا وذلك بطلب من شركة ميدغولف معتبرة “أن البند عدد 12 من العقد المتعلق بالعقد الأول يظل ملزما للطرفين بالنسبة للعقد الثاني (…) وانّ شهادة التحليل في مرفأ الشحن هي التي يقع اعتمادها”، بمعنى أنه سيتمّ اعتماد شهائد التحليل المقدمة من طرف SGS على اعتبار أنّ الطرف التونسي لم يقم آنذاك بارسال خبرائه لمعاينة البضاعة وتحليلها في مرفأ الشحن قبل تحميلها الى تونس واكتفى بالشهادة المقدمة من المخبر المذكور بطلب من الوسيط ميدغولف.
وفق بعض الأخصائيين في النزاعات في التجارة العالمية، ممّن عرضنا عليهم ورقات الملف لشرح ملابساته، فانّ هذه النقطة هي مربط الفرس والسبب الأساسي في خسارة الطرف التونسي للقضية رغم وضوح الضرر الذي طاله من جراء الصفقة المغشوشة.
الاستشارة القانونية التي مهّدت لتبنّي خيار التفاوض
يوم 27 أكتوبر 2014 أصدرت هيئة التحكيم بلندن قرارها بخصوص قضية ميدغولف والقاضي بتعويض الوسيط ميدغولف مبلغ 42،963 مليون دولار أمريكي إضافة إلى مصاريف التقاضي وخطايا التأخير والتي تناهز نحو 20 مليون دولار أي ما يعادل اجمالا 120 مليون دينار تونسي.
هذا الحكم التحكيمي اعتُبر نافذا بعد مرور 28 يوما عن اعلانه وانتهاء المهلة القانونية للطعن فيه دون أن يقوم الطرف التونسي باجراءات الطعن. ومع مرور الأيام أصبحت مصالح المجمّع الكيميائي مهدَدَة وتنامت المخاوف من فرضية مرور الوسيط القبرصي الى طلب إكساء القرار التحكيمي بالصبغة التنفيذية داخل تونس وخارجها.
هذه المخاوف دفعت بالمجمّع الى الاستنجاد بمختصّين في القانون قصد طلب استشارة قانونية في الغرض. وقد أفضت الاستشارة الى تشجيع المجمّع على المضيّ في طريق التفاوض مع الغريم لغرم الضرر بشكل ودي وايقاف التتبع القضائي في حق المجمّع.
الورطة التي لا مفرّ منها
خلاصةُ الاستشارة القانونية حملت نوعا من التشاؤم على اعتبار أنّ اللجنة القانونية التابعة للمجمّع المكلفة بمتابعة الملف قد أضاعت على نفسها فرصة الطعن بالإبطال في الحكم التحكيمي الصادر في لندن نظرا لفوات الآجال القانونية للطعن والمحددة ب 28 يوما من تاريخ صدور الحكم أو إعلانه وبالتالي لم يعد أمام المجمّع سوى فرصة واحدة لانقاذ الموقف وهي اللجوء للتفاوض مع الغريم ميدغولف قصد محاولة ايجاد أرضية تفاهم تسمح بتقسيط مبلغ الغرامة والنزول به الى أدنى حدّ ممكن.
“الاستعانة خلال المفاوضات بذوي الاختصاص في مجال التحكيم والمصالحة بالنظر إلى دقة وأهمية مرحلة ما بعد صدور الحكم التحكيمي والتي تتطلب تقنيات وخبرات خاصة”.
على ضوء نتائج الاستشارة القانونية، تشكّلت لجنة وطنية تضمّ ممثلين عن المجمّع الكيميائي والبنك المركزي ووزارة المالية ووزارة الصناعة والطاقة والمناجم. وانطلقت في سلسة من المفاوضات مع شركة ميدغولف لتنتهي بعقد اتفاق صلح نزل بالمبلغ الى النصف أي ما يناهز ال60 مليون دينار تونسي (27 مليون دولار زائد الأداءات المترتبة عن الدفع) تدفع كالآتي :
15 مليون دولار تُدفع موفى ديسمبر 2015 على أن يتمّ تقسيط البقية (12 مليون دولار) على مدى السنة الجارية بحساب مليون دولار تدفع موفّى كل شهر انطلاقا من جانفي وصولا الى ديسمبر 2016. وينجرّ عن ذلك ايقاف التتبعات القضائية في حق المجمع.
ولئن يَعتبِر مسؤولو المجمّع الكيميائي التونسي اتفاقَ الصلح بمثابة “الفوز الكبير الذي جنّب المجمّع خسارة فادحة” فانّ ضياع مبلغ 60 مليون دينار من المال العام مهما كانت المبرّرات لا يُعتبر أمرا هيّنا في نظر البعض الآخر من مسيّري الشركة ذاتها. وفي كل الأحوال فانّ عدم فتح تحقيق اداري أو قضائي معمّق لمعرفة خلفيات هذه الصفقة الجدلية والاكتفاء ب”لملمة” الموضوع دون أن يتحمّل أيّ مسؤول من الشركة أيَّ مسؤولية تجاه أموال الشركة المهدورة، يعتبر، وفق بعض مسؤولي الشركة -حبّذوا عدم كشف هويّاتهم- أمرا مريبا ومثيرا للشكوك حول ما قد يكون “صفقات تحت الطاولة”.
يذكر أنّنا كنّا قد ربطنا الصلة بالأستاذ محمد كمّون، محامي ميدغولف، للتعليق على القضية، كما راسلنا عبر البريد الالكتروني شركة ميدغولف وراسلنا مديرها السيد محمد الدجاني، الاّ أنّنا لم نظفر بأية اجابة. وقد اختار الأستاذ كمّون التعليق على الموضوع، خلال مكالمة هاتفية جمعتنا به، بالقول “لقد أُغلقَ الملف ولا حاجة للعودة اليه”، مضيفا قوله انّه “اتّصل عدّة مرات بالسيّد الدجاني وعرض عليه التعليق على الموضوع ولكنّه لم يتلقّ اجابة منه في هذا الشأن”.
من جانبه علّق السيد رضا بن مصباح، المستشار الاقتصادي لدى رئيس حكومة الصيد المُقالة برلمانيا، والرئيس المدير العام الاسبق للمجمع الكيميائي التونسي (جوان 2008-2009) خلال محادثة جمعتنا به، على موضوع الصفقة قائلا “لست ملمّا كثيرا بما حصل آنذاك فقد جيء بي على عجل ثمّ غادرت الشركة بعد عام واحد فقط دون ان تكون لدي علاقة مباشرة بالصفقة على اعتبار ان هنالك مسارا اداريا معقدا ليس لي تاثير كبير في مجرياته”.
وفي سياق تعليقه على امكانية وجود شبهة فساد في الصفقة قال الرئيس المدير العام الاسبق للمجمع “على كل حال، من الضروري النبش في الملف فالجو العام داخل هذه الشركة الكبيرة محفوف دائما بالشبهات”.