تم إيقافهما يوم 19 نوفمبر بصحبة صديقهما فخري الغزال بعد مداهمة أمنية لشبهة ارهابية وحُكم عليهم بسنة سجنا مع النفاذ بتهة حيازة مادة مخدرة “الزطلة”، لكن بعد دعوات لمساندتهما تم إطلاق سراحهما أخيرا والحكم بعدم سماع الدعوى يوم 21 ديسمبر 2015 وقد كانت فترة شهر و ثلاثة أيام كافية لتغيير حياتهما.
قوم يا ولد العاهرة .. بالنسبة لعاطف ذاك ما كان يرافق إستفاقة الصباح منذ أن دخل مركز الإيقاف بمرناق. يتذكر النجمات الثلاث في كتف الحارس ذاك الذي كان يصرخ في وجهه كل صباح كي يستفيق .بعد ذلك يأتي وقت التعداد (الحساب) ولا شيء بعد ذلك إلى أن يأتي موعد التعداد الثاني. تمر الأيام في مساحة لا تتجاوز الثمانين مترا بصحبة 104 نزيلا. علاء الدين و فخري كانا في غرف أخرى .وقد كان علاء الدين يقيم مع 110 سجينا في نفس المساحة.
يبلغ عدد المساجين في تونس 25000 موزعين على 28 سجنا من بينهم 19 مركز إيقاف تحفظي و 8 سجون تنفيذ. تستخلص التخقيقات التي اجراها مختصون في القانون كالتحقبق الذي قامت به السيدة هالة عمار و تقرير الأمم المتحدة اأن هناك إشكاليات متعلقة بالإكتظاظ و الإحاطة الصحية و عدم الفصل بين أصناف المساجين.
ليست هذه المرة الأولى التي يتمّ فيها التنديد بالظروف السجنية بتونس. فسفارة الإتحاد الأوروبي اعلنت عن مشروع توأمة مع تونس لتطوير الإدارة السجنية و قد وعد رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي بإصلاح الفصل 52 في خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة للثورة.
هذه التصريحات تنضاف إلى الوعود حول مشروع إصلاح القانون الجزائي لكن في الواقع تتواصل الإيقافات التعسفية لتكبح شبابا مازال ثائرا حيث انّ غالبية السجناء لم تقع ادانتهم بعدُ كما أن أغلبهم من الشباب و يكفي مرورهم ولو لمرة بتجربة السجن كي تتغير حياتهم رأسا على عقب.
حسب تقرير الأُمم المتحدة ” أصبح السجن فضاء عقابيا بشكل مطلق عوض أن يكون مخصصا لإعادة التاهيل و التربية”.
العديد من الشبان على غرار علاء الدين و عاطف و فخري جربوا ولو مرة السجن. تحتل قضايا الاغتصاب و السطو المرتبة الأولى بنسبة 31%. حسب تقرير الأمم المتحدة يحتل مساجين قضايا المخدرات المرتبة الثانية بنسبة 26% ( 55% من المساجين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 سنة ) قبل قضايا الفتل العمد و العنف و حيازة الأسلحة.
خلال سنة 2015 سُجن العديد من الشبان بموجب القانون عدد 52 الذي يجرم إستهلاك و إستعمال المخدرات كما يُلاحق آخرون من أجل ميولاتهم الجنسية و آخرون من أجل الإعتداء على الأخلاق الحميدة أو الأمن العام (تهمة السُكر). أراد علاء و عاطف أن يقدموا شهادة من الداخل ووقع السجن على الشباب التونسي.
الخطوات الأُولى
بالنسبة الى عاطف لم يكن الأمر يتطلب أكثر من ربع ساعة للتفاوض مع الحارس بفضل علب السجائر “السجائر هي التي تفتح ابواب السجن وتتيح لك أن تستخدم شخصا ليغسل أدباشك و أوانيك و بطبيعة الحال يجب أن تدفع للمراقبين”.
لكل سجين الحق في 100 دينار اسبوعيا يتلقاها من عائلته يتم تحويلها إلى كوبونات كالصكوك المالية ، بعد ذلك يجب أن يتصرف في مدخراته ليتحصل على ما يريد.
لا تُعطَى شيئا لذلك يجب أن تشتري كل شيء. يعاني هذا الفنان الشاب البالغ من العمر 34 سنة من داء الكرون و هو مرض هضمي يؤدي إلى آلام في المعدة و هو مجبر كذلك على تناول” الفنتولين” بسبب الربو كما انه مجبر على الإنتظار لزيارة الطبيب.
حسب شهادة عاطف طلب منه الممرض ان ينتظر الطبيب لأنه لا يعرف مرض “كرون” و يخبرك الحراس ان الطبيب غير موجود، وفي كل الأحوال هم يتشابهون حتي الممرض كاد أن يتحول إلى شرطي فهو يلبس نفس الجمازة الجلدية و له نفس مشيتهم”.
خلال اليوم تمثل القفاف التي تجلبها العائلات بديلا عن الحساء الذي يقدمه السجن مرتين في اليوم: “قِدر كبير يحتوي على القليل من الطماطم و المقرونة و الحمص و الحصى في بعض الأحيان.”
مسجونون من أجل سيجارة
بعد أسبوع من الإيقاف في نابل تمت إحالة الشبان إلى مدينة مرناق بعد محاكمة لم تدم سوى 10 دقائق إنتهى بإدانتهم بسنة سجنا و خطية ب 1000 دينار من أجل مسك مادة مخدرة بموجب القانون عدد 52 .
ينص الفصل 2 على أنه يمنع منعا باتا “المسك بنية الاستهلاك ومسك وحيازة وملكية وعرض ونقل والشراء والاحالة والتوسط والتسليم والتوزيع بنية الاتجار لمادة مخدرة مدرجة بالجدول «ب» وتهريب وتوريد مادة مخدرة بنية الترويج والاتجار وتخصيص واستعمال وتهيئة مكان لاستغلاله في تعاطي المخدرات وخزنها واخفائها بصفة غير قانونية على معنى الفصل واحد من هذا القانون “.
تبدأ برسم تخطيط اولي عندما تقضي الأيام الأُولى مع المساجين الذين ينتظرون حكمهم .كنا في غرفة تتوسطها بيت الراحة في نابل دون أي صلة مع عائلاتنا لكنك و بمجرد وصولك الى مرناق تكتشف أن الوضع أسوأ مما تخيلت”
في نابل تم تكبيل كل إثنين مع بعضهما البعض في مجموعة تعد قرابة 15 شخصا في مساحة لا تتجاوز 30 مترا مربع ثم تم نقلهم في عربة إلى مرناق جنوب شرقي العاصمة. قبل ذلك بأيام كان علاء يحتسي البيرة مع علاء و كان يحدثه عن فلمه الجديد الذي سينطلق في تصويره في الأشهر القادمة.
كما هو الحال بالنسبة لشباب في نفس أعمارهما إختار الشابان أن يلتحيا لدواعي جمالية استيتيقية وهو ما جعل “تنقلاتهما المشبوهة” إلى بيت في نابل بحقائب كبيرة تحتوي معدات للتصوير تتسبب في مداهمة البوليس.
وعندما لم يجدوا شيئا يدين الشبان بالإرهاب يبرر خطأهم تفطنت الشرطة لشيء “أكثر أهمية” فقد عثروا على أعقاب سجائر في البيت بموجبها حُوكم الشبان و أُدينوا.علاء الدين عضو مؤسس في شركة إنتاج و عاطف مصور، وجدا نفسيهما داخل جدران مرناق يختلطان بالجناة و المجرمين.
التعذيب النفسي
كانوا عرضة للإهانة من طرف أعوان الحراسة بحكم صفتهما و الحملات الإعلامية التي حضيا بها لكنهما رأيا ما هو أكثر هوْلا.
« ما فاجأني هو مدى براعة الإنسان في إجتراح طرق التحطيم النفسي لا الجسدي فالإنارة و الأوساخ و الروائح كلها جُعلت لتعذيب طويل الأمد. »
علاء وُضع في الغرفة رقم 6 وكان في عهدة “الكبران” و هو سجين عُين على رأس الغرفة لأقدميته و عُرف “بحسن سلوكه من طرف الادارة السجنية” كما تُعرّفه الفنانة و المختصة في القانون في كتابها “كوريدوس” الذي يصف الظروف السجنية للمساجين التونسيين .
أول ما طلبه “الكبران ” هو سبب الإدانة فأجابه بأن الأمر يتعلق بالقنب الهندي “الزطلة”. “هل وشيت بمزوّدك” فأجبت بالسلب فوضعوني إلى جانب أصيلي مدينة سوسة.
السجون تُنظم حسب القبيلة و الحي والجهة لذا تنعكس النعرات القبلية على صفوف المدنيين و المعارك العديدة التي تجدّ هناك في أغلبها بسبب هذه الإشكاليات” وفق المصدر ذاته.
نقص في النوم و الصحة
إقترب علاء الدين من رجل أصيل مدينة سيدي بوزيد نظرا لأنه توجد أماكن شاغرة إلى جانبه و على عكس ما كان يتصوره لم يكن هناك الكثير من العراك فكل شيء ينذر بإنفجار قي أي لحظة فقد كنا محبوسين في نفس المكان و يجب أن نتشارك الخصوصيات و الأغطية. حسب شهادة علاء الدين وُجد الكبران للسهر على فرض النظام. أما بالنسبة للحراس فلم يستمع علاء الدين و عاطف إلا لجملة واحدة:
« لا تنادونا إلا إذا كان هناك دم أو أن أحدهم مريض جدا »
إفترش عاطف أصيل مدينة الفحص من ولاية زغوان غطائين نظرا لعدم وجود حشايا، و أُضطر للنوم في الممرّ الذي يؤدي إلى بيت الراحة لأنه لم يكن هناك سجين من نفس جهته
«كي أخلد إلى النوم خلال الليالي الأولى أعطيت سجينا بعض السجائر كي يمدني ب”التميستا” و هو دواء يفترض أن يساعد على مقاومة نقص المخدر أو إضطرابات القلق فالضجيج الكبير يمنعك من النوم »
عاطف هو الآخر أكد أنه رأاى “الزطلة” و مخدرات من نوع آخر في غرفة السجن دون عقاب. كما كتبت هالة بن عمار فإن تجارة المهدئات و مخدرات أُخرى تنبع من النظام السجني نفسه:
«يلتجأ عدد لا بأس به من المساجين الى المهدئات لتحمل الظروف السجنية حسب قولهم. ويعترف بعض الحراس أنهم يشجعونهم على ذلك كي يشتطيعوا التحكم في التوترات اليومية بذلك تمر الحبوب بكميات كبيرة عبر وصفة طبية يعطيها اللأطباء على قلتهم. »
تمر الأيام و لا يبحث عاطف سوى عن النوم و ملاقاة أصدقائه في حين بدأ علاء الدين في ربط علاقات مع المساجين “فقد أصبحت كاتبهم لأن أغلبهم أميون و قد كتبت رسائل لآبائهم و زوجاتهم و كان مسجون آخر يقوم بتزيينها بالرسوم”.
جنون و سوء معاملة
كان عاطف يشاهد الصراصير على حيطان الغرفة و يحاول أن ينسى مل يراه.”في حين يبحث البعض عن زاوية للصلاة وآخرون عن مكان يمارسون فيه عادتهم السرية. أما أنا فلم أكن أبحث سوى ركن للبقاء نقيا .ليلا يتناب عاطف القلق من الجرذان و الخوف من الجرب. يستمع علاء الدين بعض الأحيان الى الحراس وهم يعذبون سجينا.
«أتذكر ليلة أنني سمعتهم يضربون أحدا على ظهره و كان يبكي وهم يطلبون منه أن ينزع ملابسه و هم يشتمون أمه.»
كان يتذكر شخصا حُكم عليه بعشرين سنة سجنا من أجل القتل غير العمد في حق صديقه”.لقد كان كالمجنون و لا يغتسل و يتكلم وحده و لا يأكل.”
يمر الوقت دون حركة تُذكر، في كتابها كوريدوس، تتحدث هالة عمار عن زيارة موجهة لإحدى القاعات حيث كانت هناك طاولات كرة الطاولة و حواسيب في سجن مرناق كما يؤكد ذلك أحد الحراس و لم يتم إستعمالها بتاتا.بالنسبة للمكتبة، يقول علاء أنه يلزمك عشرة أيام كي تتحصل على كتاب.
الإحتفال بالتلفزة
التلفزة تمثل الشيء الوحيد الذي يربطك بالعالم الخارجي .في غرفة عاطف يكون التوقيت و تغيير القناة مضبوطين مسبقا بالنسبة لكل اليوم. في الصباح يستمع السجناء إلى القرآن من الساعة الثامنة إاى الساعة العاشرة بعد ذلك يشاهدون الأغاني التي تبثها القنوات العربية” يقول علاء الدين أن التلفزة مفتوحة بشكل متواصل.
مساء يشاهد السجناء الأغاني أو مقابلات كرة القدم. ليلا يحين وقت نشرة الأخبار، منذ الساعة الثامنة على القناة الوطنية و بعد ذلك يحين وقت المسلسل التركي “وادي الذئاب و الكمين “على قناة حنبعل.
يقول علاء” انه في رمشة عين يخيم الصمت”
بالنسبة الى عاطف يفضل المساجين تفادي الأخبار فهذا يثير الكثير من الفوضى” هناك كره للدولة فبمجرد أن يروا حمة الهمامي أو باجي قايد السبسي ينطلقون في السباب”
في غرفة علاء يحاول الجميع تجنب البرامج السياسية ” فهي لا تعنيهم و الوحيد الذي يروق لهم هو المرزرقي لأنه يعفو كثيرا عن السجناء، الجميع يحلم بالهجرة و لا احد يحب البقاء و يبحثون طول الوقت عن علاقات تمكنهم من ذلك حين يُسرّحون” حسب شهادة علاء الدين.
الخروج من تونس
علاوة على ذلك يوجد من بين المساجين في غرفة علاء الدين مهربو المهاجرين و مهاجرون سريون لكن حسب رأيه ما يفاجئ حقا هو أن أغلبية المساجين ينحدرون من الطبقات الفقيرة و تخلت عنهم عائلاتهم و المجتمع بأسره.
بالنسبة لعاطف أقسى ما فاجئه نظرة السجناء للمرأة “تكتشف نظرة مبتذلة للمرأة فبعضهم مغتصبون و آخرون مجانين و الكثير منهم محبطون جنسيا”. لم يكن علاء يفكر في شيء سوى في ملاقاة زوجته قبل ان تضع مولودها ولقد كانت تزوره كل أسبوع صحبة أمه. أنجبت مولودهما خمس أيام بعد إطلاق سراحه. رد فعل علاء الأولى بعد أن إستمع لحكم براءته كانت أن يبتعد أكثر ما يمكن عن هذا المحيط .
«أستطيع أن أغادر تونس فلدي تأشيرة تخول لي ذلك بحكم أنني فنان و أقوم بعروض في الخارج لكن عندما أفكر في كل هؤلاء الذين لم تكن لهم فرص مثلنا… »
علاء الدين و عاطف هم أبناء الثورة التونسية و يشعرون أن بلدهم قد خانهم رغم أنهم مدركون لعنفه. تابعَا إحتفالية منح جائزة نوبل للسلام لتونس من سجنهما.
يوم 14 جانفي 2014 أُقتيد علاء الدين و زوجته وحوالي أربعين شخصا إلى قبو وزارة الداخلية ، بالنسبة له بقي البوليس التونسي على حاله “عصابة مسلحة تنازع الشعب على ارضه”
كما هو الحال بالنسبة لعاطف علق بذهن علاء الدين أن أولئك المساجين لم تتح لهم الفرصة من بينهم من سينتظر حكمه لعدة شهور أو سنوات.تمكنوا من أخذ ارقام هواتف عائلات بعض المساجين كي ينقلوا لهم أخبارهم بعد أن نسيهم الجميع.
يتذكر عاطف أن أحد المساجين يكاد لا يتذكر وجوه أقاربه. بعد المرور بتجربة السجن لم يبق لهما أمل في الشباب التونسي.
«عندما تقضي شهرا وأنت تراقب قيمة الطماطم أو قطرة زيت زيتون في غذائك لن يعد يهمك القانون عدد 52 و الزطلة فالمعركة الحقيقية متعلقة بظروف السجن فهي تقتل المرء شيئا فشيئا.كلنا في حالة سراح شرطي في هذا البلد. »