الأقليات الجنسية في تونس .. أي دور للواب؟

قبل النزول إلى الشارع ،لجأ نشطاء و أعضاء المجتمع المثلي الى النات لكونه فضاء آمنا مكنهم من التعارف و النقاش و وفر لهم امكانية التواصل مع الناس وايصال أصواتهم الى شريحة واسعة من الناس.
بقلم | 10 أكتوبر 2015 | reading-duration 10 دقائق

متوفر باللغة الفرنسية
منذ سنوات مثّل الواب بالنسبة الى المجتمع المثلي فضاء للتلاقي وتبادل الدعم و المساعدة والتحادث. سنة 2012 سجّلت جدلا كبيرا بسبب اشاعة ظهور مجلة “Gay Day Magasine” في الأكشاك التونسية. هذه الواقعة التي نفى وزير حقوق الانسان -آنذاك- حدوثها كانت بمثابة فرصة للجمهور الواسع للتعرف على هذا الواقع اذ أثبتت مواقع الجمعيات وحسابات المواقع الإجتماعية أن التخفي لا يزال ضروريا لغايات حمائية.

سنة 2012 مثّلت المدوَّنة التونسية “Gay Day Magasine” المحسوبة على المجتمع المثلي الحدث وكانت بصدد الاعداد للخروج للعموم وهو ما لم يحدث قط. لكن هذه الإشاعة المصحوبة بتصريحات وزير حقوق الانسان في تلك الفترة الذي عبر عن معارضته لحرية التعبير بالنسبة لهذه المجموعة البشرية مكن الجمهور الواسع من إكتشاف وجودها وهي التي تعودت التخفي.

في تلك الفترة، وفي حوار مع فادي مؤسس المدوّنة التي رأت النور سنة 2011، قال انه يفترض بهذا الفضاء أن يعبّر عن الأقليات الجنسية و المثليين و الرهاب المجتمعي تجاههم.محمد أحد المساهمين في المدوّنة يتذكر:

«هذه التجربة الافتراضية الاولى كانت على درجة من الأهمية. في البدء اعتقدت أنه من المهم مشاركة هذه المقالات مع اكثر ما يمكن من الجمهور، بعد ذلك إنخرطت في الفعل. »
صورة من مدونة “غاي داي مغازين”

هذه المبادرة لم تكن الوحيدة من نوعها في الفضاء الافتراضي. حسام طالب و موئسس “كلمتي” كان في بداية الأمر عضوا في جمعية مناهضة الأمراض المنقولة جنسيا و التي تهتم بالصحة الانجابية وكانت هذه المنظمة بمثابة المظلة بالنسبة للشباب الراغب في العمل في مجال حقوق الأقليات الجنسية لكن التحرك تحت غطاء الصحة العامة لم يكن من الممكن أن يدوم طويلا.

الثورة كانت القادح “فقد كان المجتمع المثلي نشيطا بشكل ظاهر للعيان. اليوم المنشود حيث يمكن أن يحدث تغيير ما “. يظيف مبتسما.

في شهر مارس 2011 كانا مشرفين فقط على إنشاء صفحة “كلمتي” على فيسبوك. اليوم تعزز الفريق و تطورت العلاقة مع باقي المجتمع المدني ومع الخارج كما هو الحال بالنسبة الى صفحة “Gay Day Magazine”. تعد صفحة كلمتي قرابة 2700 معجب.

الافتراضي وسيلة لتعويض غياب النشاط الفعلي

على صفحة موقع التواصل الاجتماعي تُوَزّع المهام بالشكل الاتي: تحديد التوجهات الجنسية كي يكون من الممكن المحاججة، متابعة الأحداث خاصة منها الاعتداءات التي تُرتكب على خلفيات جنسية والتنديد بها، مناهضة القوانين الجائرة و إيجاد حلول وتقديم النصح لأعضاء هذا المجتمع وينتهي النص بهذا الشكل:

«في آخر المطاف نهدف إلى أن يتم قبولنا في المجتمع دون إقصاء ودون أحكام مسبقة مضرة بادماجنا بشكل طبيعي في أماكن العمل و المدارس. أن يتَحابَ راشدان متراضيان أمرٌ لا يعني سواهما ما لم يتعارض ذلك مع الأخلاق الانسانية لا الدينية.»

يسهم خلق الرسوم التوضيحية و الفيديوهات وبثها على النات في جعل هذه المحتويات أكثر مرئية. “بامكانياتنا الخاصة نريد أن نؤثث الصفحة وحاولنا خاصة أن نؤسس لعلاقات مع الأخرين…نعتقد أنه عمل مهم”.

عند انطلاقها تعرضت المبادرة إلى هجوم:“يقول البعض أننا بصدد الإستيلاء على الثورة وتم شتمنا و تهديدنا. نتلقى أيضا رسائل من طرف من يدّعون أنهم صحفيين يدعوننا ليلا إلى مواعيد في أماكن غريبة للايقاع بنا و الاعتداء علينا”.

صفحة الاستقبال لموقع “كلمتي”

علي بوسالم، طالب ورئيس جمعية “موجودين”، يناضل من أجل حقوق الانسان. بالنسبة اليه أيضا اتاحت الثورة مجالا أوسع للنشاط .”قبل الثورة كنت مهتما بحقوق الانسان لكنني لم أجد إطارا لذلك .“اقتربت من منظمة العفو الدولية لكن لم يكن هناك كثير من الشباب، لكنني عاودت الكرّة بعد الثورة وتقلدت عدة مهام في لجانها و في المواقع الإجتماعية”.

كان علي ينتقل من مهمة إلى أخرى: تنظيم التظاهرات والتقاط الصور وإدارة الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي. كان يعرف تأثير هذه المواقع على الاتصال بشكل عام، فقد إستفاد من هذه التجربة في جمعية “موجودين” التي تأسست سنة 2014 وتحصلت على حق النشاط القانوني في شهر جانفي 2015. تدافع المنظمة عن حقوق الأقليات المثلية في تونس.

بطء الادارة والخوف من إمكانية رفض التأشيرة من طرفها دفع علي وأصدقائه إلى العمل الافتراضي رغبة في عدم خسارة الوقت.“في البداية اطلقنا الفكرة على النات من أجل تعزيز الفكرة فقد استغرقنا وقتا لا بأس به من أجل تأسيس الجمعية .كان الهدف أن نكون منفتحين كي يتمكن كل من يرغب في الاطلاع من الحصول عليها ويفهم عقلية الجمعية ودورها”.

يؤكد حسام كذلك على أهمية الوجود الافتراضي في سبيل تحسيس المجتمع المثلي ودفعه إلى المطالبة بحقوقه في إطار جدلية التأثير والبقاء في مأمن.

الفعل و الضرورة الحمائية

مع أنه من بين أهداف الوجود الافتراضي هو تقييم الجمهور المستهدف و السعي الى حشد أعضاء هذا المجتمع إلا أن ذلك يبقى مشروطا بالبقاء مجهول الهوية. ففي الفضاء الافتراضي لا تكون السلامة الجسدية للاعضاء معرضة للخطر حيث يستطيع “الناس الحديث بحرية و أن يتسائلوا ويطلبوا النصح دون أن يكونوا في خطر”. كما يمكن في هذا الاطار تقديم النصح للمراهقين الذين يبحثون عن إجابات دون أن يجدوا من يتوجهون. وفق ما أكّده علي في شهادته.

حسام يكر هو الآخر في سياق شهادته أنّ الساحة كانت تحتوي كذلك على اذاعة متخصصة في قضايا المثليين التونسيين على شاكلة بودكاست يبث مرة في الاسبوع ويحوي حوارات تهتم بالمواضيع التي تهم المثليين.البودكاست هو موعد أسبوعي ينشر على فيسبوك.

المجتمع المثلي يلتحم ويتوسع

بعض الصفحات و المواقع الإجتماعية الاخرى رأت النور بغض النظر عن انخراطها في جمعيات أم لا. على سبيل المثال نذكر جمعية “دمج” و جمعية “شوف”، فقد جمع حساب كل منهما حوالي 600 معجب. وفي بداية 2015 انطلقت صفحة “دون قيود”. “عندما نرى أن مجموع المتابعين بصدد التوسع على النات نستنتج من ذلك أن الحركة تتوسع”. هذا مختصر ما قاله أحد المساهمين السابقين في مجلة“Gay Day Magasine”

مراوغة وسائل الاعلام التقليدية

منشور دعائي من انجاز جمعية “موجودين” بمناسبة يوم 17 ماي 2014 . اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية الجنسية

التوجه للعالم الافتراضي مكّن من تعويض الغياب في وسائل الاعلام التقليدية والتعامل الرهابي العام تجاه هذا الموضوع. حسام وعلي تحدثا عن حوارات مع صحفيين سرعان ما تتحول إلى أسئلة شخصية في غير محلها في حين يتعلق الأمر بالدفاع عن حقوق الانسان دون تطفل أو أحكام مسبقة. حسام“أتمنى أن يكون هناك برنامج تلفزي يناقش المثلية دون أحكام مسبقة أو من زاوية اتيقية”. 

قريبا، مركز إصغاء إفتراضي

«الشباب يتسائل في ظل ضغوطات تمارس عليه.. انّه يعيش تحت وطأة المجتمع والأفكار المسبقة.. نعرف أيضا أنّ هناك حالات إنتحار جرّاء هذه الوضعية».يقول علي.

كل هذه السنوات من الوجود الافتراضي والاصغاء لهذه الفئة من المجتمع التي تتحدّث عن مشاكلها اليومية و صعوبات التصدي للعنف المسلط عليها بالاضافة الى التمييز وثقل الفصل 230 من القانون الجزائي الذي يسلط عقوبة 3 سنوات سجنا في حق مرتكب اللواط، كل ذلك أعطى عمّق رؤية جمعية “موجودين” للوضع :“لقد لاحظنا غياب مساحات للاستماع لاعضاء هذا الجزء من المجتمع. أولائك الشباب الذين يطرحون أسئلة في كنف الحيرة . لهذه الاسباب قررنا أن نقوم بمبادرة افتراضية”وفق تصريح علي.

وتجدر الاشارة الى أنّ فكرة العمل الافتراضي تعود إلى منظمة فلسطينية كانت قد جربت هذا التمشي ونجحت فيه.

المثلية موضوع محرم بحيث من الصعب أن تجد آذانا صاغية دون الخوف من الاستتباعات، فامكانية عدم الكشف عن الهوية التي يوفّرها العالم الافتراضي تلُوحُ الحل الانسب.

أحد أفراد جمعية “موجودين” هو أخصائي نفسي تتمّ الاستفادة من مهاراته حينما يتعلق الأمر بتقديم إجابات لمحتاجيها. وعلاوة على الاجابات الشخصية هناك نافذة أسبوعية للدردشة يؤثثها هذا الأخصائي من أجل خلق مساحات للحديث.

لئن كانت مساحة الاصغاء افتراضية في البداية فانّ الجمعية تسعى وقتما أمكن ذلك إلى فتح مقر لها.“الاشكال يكمن في السلامة. يجب أن نطّلع على تجارب جمعيات أخرى في الخارج أين تعد المثلية اشكالا “. كما يفسر ذلك علي.

من جهته بيّن حسام أن أربع سنوات من الوجود الافتراضي مكّنت من إستشراف الوضعية.“هذه السنوات اتاحت معرفة أعمق للمجتمع الحالي وفهمنا أنه يتوجب علينا في الأثناء أن نناهض شكلا من أشكال الرهاب الموجود في المجتمع ذاته”.

في الختام يمكن القول انّ الوجود الافتراضي مكّن هذه الفئة من المجتمع من التكلم بشكل حر و فك العزلة عن عناصرها كي لا يشعروا بالعزلة في مواجهة الأفكار المسبقة من أجل إثبات وجودهم.