كانت صوفي مرحة خلال اللقائين الأولين. جلسنا سويّة في شرفة المقهى لساعات. كانت كثيرة التردد، تتكلم في كل شيء وفي اللا شيء، حتى أنها تتردد بين طلب الشاي أو عصير للغلال. كانت تضحك وتتكلم بشكل سريع ساخرة من تجربتها ماسكة حقيبتها و كأنها كل ما تملك.
انطلاقا من لقائنا الثالث، بدأت تروي معاناتها دون إبتسام كمعينة منزلية “مستعبدة” لدى إحدى “العائلات التونسية الراقية”. في ذلك اليوم طلبت منّي صوفي مرافقتها الى مكان سكناها. هناك في شقّة مرتّبة بشكل غير جيد حيث تقيم رفقة عدد من أبناء جلدتها الأفارقة الذين استقبلوها منذ أسابيع لتجد لديهم ملاذا يقيها شرّ التشرّد.
لم أجد الجرأة الكافية كي أسألها، ففي قرارة نفسي كنت أقول انّها ستروي كل ما لديها من تلقاء نفسها، فقد سمعت عن حكايات شابات افريقيات تحوّلن إلى ما يشبه العبيد في تونس. بعض تلك الحكايات كان صادما أكثر من الآخر غير أنّ القاسم المشترك بينها جميعا يحوم في فلك العنف اللفظي والمعنوي والاستعباد والحرمان من الحريات.
الصمت الاجباري
يطغى قانون الصمت أو ما يسمّى ب”أومارتا” على هذا الموضوع في تونس، فضحايا الاتجار بالاشخاص يمتنعون عن تقديم شهادتهم خيفة أن يتعرضن إلى الانتقام أو نظرا لكونهن مازلن تحت تأثير الصدمة. في ذات الوقت، تتحفظ الجمعيات عن الحديث علنا في هذا الموضوع كي لا تخسر علاقة الثقة الهشة مع الضحايا، علما أنّ السلطات التونسية لم تستجب لطلباتنا المتكررة للحديث في هذا الشأن.
الحديث في موضوع يعدّ من المحرمات حول أشخاص مجهولين، رغم أن الممارسة شائعة، يعد أمرا غير هين. كنت جالسة قبالة هذه الفتاة ولا أعرف من أين أبدأ لكنها قاطعت ترددي وصمتي وانطلقت في رواية قصتها.
صوفي لم تمكث كثيرا في تونس فسرعان ما انطفأت الأضواء حول أحلامها فقد كانت منذ البداية ضحية الخداع.
«لقد وعدوني بعمل جيد و براتب محترم في ظل ظروف إجتماعية طيبة اضافة إلى انني استطيع أن أعود إلى بلدي متى شئت. »
يتوجّب على الفتاة أن تأتي للعمل كمعينة منزلية لدى عائلة ميسورة. حالما تطأ قدماها المطار بعد رحلة من الكوديفوار يأتي شخص ما ليصطحبها و يأخذ جواز سفرها.
منذ تلك اللحظة ينطلق الاستعباد.
الوكالات
عندما كانت في وطنها، تم الاتصال بها بشكل شفوي لترتيب موعد السفر وضوابط العمل. وتقول صوفي في هذا الصدد ” اتصلت بي وكالة تدّعي أنها تستطيع أن تسهل قدومي إلى تونس و تشغلني في ظروف جيدة”.
“الوكالة” التي تتحدث عنها صوفي غير موجودة أصلا فليس لها هيكل قانوني و لا أثر لها عند السلطات. في واقع الأمر تتعلق المسألة بواساطات تنسق هذا النوع من النشاط بين البلدين. في غالب الأحيان، تكون في شكل مقرات لها سماسرة في تونس أو في حالات أخرى يتعلق الأمر بأفراد اشتغلوا بدورهم في هذا المجال و اكتشفوا أن الأمر مربح بالاضافة إلىعدد من التونسيين المغتربين الذين يمارسون هذا النشاط.
«لقد دفعت حوالي 800 دينار تونسي نصفها بشكل مسبق لاعداد الوثائق و القسط الثاني يوم المغادرة قبل أن استقل الطائرة ».
في غالب الأوقات تهتم الوكالة باعادة جواز السفر. في الواقع لا يوجد وثائق للاستظهار بها نظرا لكون الافواريين لا يحتاجون إلى تأشيرة للقدوم إلى تونس حيث يستطيعون المكوث في تونس لمدة 90 يوما دون ترخيص بالاقامة.
نادرا ما يكون هناك عقود عمل كما أنه لا يترتب عنها رسوم لدى الوكالة كما أنها عقود مدلسة في غالب الأحيان.
حال وصولها إلى المطار، تم اقتياد صوفي إلى شقة صحبة افريقيات أخريات قمن بالرحلة نفسها.
تروي الفتاة أنها سافرت مع العشرات من الفتيات و أنها لم تجد صعوبة في تخطي شرطة الحدود فقد كان يكفيها أن تستظهر بما قيمته 150 دينارا لتغطية مصاريفها طيلة 15 يوما و أن تدّعي أنها قدمت لحضور قران أحدى صديقاتها.
عند الوصول إلى الشقة يأتي مشغلو الفتيات و يصادرون جوازات سفرهن خوفا من امكانية هروبهنّ في حال اكتشفوا أنّ ظروف العمل شاقة إلى درجة أنّ الحل الوحيد المتبقي للمعينة يكمن في الهروب.
معاملة العبودية
بمجرّد الوصول إلى المشغّل تنطلق عملية التضييق على المعينات القادمات من أعماق افريقيا وجنوبها.
«بمجرد أن تصل إلى البيت لم يعد لديك الحق في الخروج ففي بعض الحالات تكون في غرفة طيلة أيام تقوم بالاعمال المنزلية حتى أنك تفقد الاحساس بالوقت فلا تعرف حتى كم الساعة. »
في سفارة السنغال بتونس صرح السيد عصمان فال، الذي يعمل كمستشار سياسي ثاني منذ 3 سنوات، أن بعض الفتيات “لا يخرجن أبدا و لا يعرفن أصلا أين هن”.
حسب تقديرات محدثنا فانّ الفتيات السنغاليات يعشن وضعا صعبا في تونس و أنه لا يمر شهر دون أن تتقدم إلى السفارة السنغالية “معينة منزلية شابة”. وعموما فانّ السفارة السينيغالية استقبلت على مدى السنوات الثلاث المنقضية ما يناهز الخمسين فتاة وفق تقديرات المسؤول ذاته.
«في البداية من الصعب الاستماع لذلك، خاصة الشهادات الاولى، لكن بعد ذلك نكتشف عالما أخر».
سفارة الكودفوار المعنية بشاهدتنا الحالية (صوفي) لم تستجب لمطلب مقابلة صحفية، رغم أنّ أرقام المنظمة الدولية للهجرة في تونس لا تحتاج إلى تعليق: 23 من جملة 38 من حالات سوء المعاملة المنزلية المسجلة في مكتب المنظمة منذ 2012 هنّ من الايفواريات.
لاسترجاع جواز السفر يجب ان تعمل لمدة 3 سنوات
“قبل أن تغادر الكودفوار لا ينبهونك إلى أنه سيتم حجز جواز سفرك، خاصة أنه إذا لم ترُق لك ظروف العمل فلا حيلة لديك سوى العودة إلى البلاد. عند وصولك يعلمك مشغلك أنه يتوجّب عليك أن تعمل لمدة ثلاث سنوات كي تُغطي المصاريف المدفوعة مسبقا ” تضيف صوفي.
وحيدات ودون أدنى دراية بما يحيط بهنّ، لا تعرف الفتيات إلى من يتوجهن للحديث عن وضعيتهن بحكم أنهن منقطعات عن العالم الخارجي فيكتفين بما يقوله مشغلوهن الذيين لا يترددون في الضغط عليهن.
يفسر عصمان فال أن السفارة السنغالية تحاول أن تدخل في مفاوضات مع المشغلين لاسترجاع جوازات السفر لكنها نادرا ما تنجح في ذلك.
«بعض المشغلين ينفون معرفتهم بالفتاة، أخرون يغيرون أرقام هواتفهم، البعض الأخر لا يتردّد في توجيه كيل من الشتائم لك.»
في الواقع لا تعيش كل الفتيات هذه الظروف غير أنّ ضحايا سوء المعاملة وجدن أحلامهن تتحوّل إلى كابوس.
في كل مرة الرواية نفسها
يمكن أن تظهر شهادة صوفي على أنها غير حقيقية لأنّ الظاهرة غير مرئية و هو ما يجعل إمكانية تعدادها عسيرا، لكن شهادات الجمعيات و المنظمات الدولية كشهادة السيد عصمان فال في السفارة السنغالية تثبت أن سوء المعاملة المنزلية موجودة في تونس بالنسبة الى المهاجرات كما بالنسبة الى الشابات التونسيات.
الرواية ذاتها تتكرر في كل مرة ، فالامر يتعلق دائما بإستمالة الفتيات من السنغال، فغالبا ما يتم التكفل بتذاكر الطائرة ومصاريف جواز السفر و يتم استقبالهن في المطار وايصالهن إلى المنزل. حسب شهادة السيد فال.
«تسكن هنا و لا يحقّ لك نيل نصيب من الراحة الّا عندما يحين ترتاح إلى إذا ما خلدت إلى النوم .لا يوجد توقيت للعمل .ما داموا يحتاجونك, فلا بد أن تكون على ذمتهم.صباحا, يجب أن تستفيق قبل الجميع لتعد كل شيء كاعداد الفطور و التأكد من نظافة المنزل».
“عندما تغادر صاحبة المنزل يتوجب عليّ أن اهتم بابنتها التي لا تعمل وتشكو من حالة إكتئاب و التي تمضي وقتها داخل غرفتها تطلب القهوة تلو الاخرى و هي تدخّن سجائرها و عندما تخرج هذه الأخيرة تعود الام حيث يجب أن أكون جاهزة للخدمة لو احتاجتني احداهن”.
تتلقى منظمات المجتمع المدني الكثير من الشهادات من طرف معينات منزليات تم ايقاعهن في الفخ و اللواتي يروين أنهن كنّ ضحايا العنف اللفظي و الجسدي وسوء المعاملة اضافة إلى ندرة أيام الاجازة فيوم الاحد بصفته يوم القدّاس غالبا ما يستيقظن قبل العائلة و لا تنمن إلا بعدها و هن مجبرات على أكل الفواضل و لا يتلقين العلاج إذا ما المّ بهنّ المرض.
منقطعة عن العالم
تتذكر صوفي أنه بعد انتدابها بأربعة أشهر، ألمّ المرض بمشغلّها فكان الأئمة يزورونه في البيت. وصادف “أن أفتى أحدهم بأنه من الحرام أن يجعلوني أعمل كل يوم دون أن يسمح لي بالخروج، بهذه الطريقة صرت أتمتع من وقت إلى آخر بيوم إجازة “.
احتجزت صوفي طيلة أربعة أشهر فلم تتمكن من رؤية أيا من أفراد المجتمع اضافة إلى أنها منعت من التواصل مع أصدقائها و عائلتها: “كنت اختبأ كي اتمكن من مهاتفة عائلتي أو الفتيات اللواتي تعرفت عليهن في الطائرة”.
عندما قررت أن تقطع مع هذا العمل تعكرت وضعيتها أكثر فاكثر.
«إذا ما قررت أن تغادري سوف نتصل بالشرطة و نعلمها أنك سرقت شيئا ما فأنت لا تملكين وثائقك و لا تستطيعين الذهاب إلى أي مكان فأنت خائفة».
بعد أسبوع من وصولها إلى تونس طالبت صوفي بجواز سفرها بعد أن احبطتها ظروف العمل لكنّ ربة البيت قالت لها انها مجبرة في البداية على العمل لمدة ستة أشهر كي تسدد المصاريف المقدمة سلفا من طرف مشغلها ثم يمكن لها أن تتقاضى أجرا لمدة ثلاث سنوات ساعتها فقط يمكنها أن تسترجع جواز سفرها.
“عندما استكملت سداد ديوني طيلة ستة أشهر عبرت عن رغبتي في المغادرة عندها قالت لي انني لا أملك مالا كافيا كي ادفع غرامة، حينها لم أكن أعي ما يعنيه ذلك”.
نادرا ما تكون الفتيات القادمات من الخارج ملمات بالشروط القانونية للاقامة في الأراضي التونسية وبحكم أن المشغلين لا يعلمون السلطات فهنّ لا يتحصلن على أي ترخيص بالاقامة ما يعني أنه بعد ثلاثة أشهر يصبحن في وضع غير قانوني و هو ما يترتب عنه خطايا مالية تقدر بحوالي 100 دينار شهريا.
لقد وقعنَ في الفخ
عبّرت صوفي عن رغبتها في العودة إلى بلدها ظنا منها أن مشغلتها ستتكفل بثمن تذكرة السفر لكنها سرعان ما اكتشفت أنها مازلت مجبرة على العمل كي تغطي الغرامات المالية و التذكرة. بحسب راتبها القادم سوف يتطلب الأمر أشهرا عدة لتجميع المبلغ. حتى وهي لا تملك المال أضحت صوفي مستعدة للمغادرة حتى لو تطلب الامر أن تهيم في الشارع.
«بدأنا نتشاجر فاقفلت علي باب غرفة في الطابق الأرضي».
تم تحريرها بعد يومين و استأنفت العمل لكنها ضاقت ذرعا فطلبت المغادرة ذات مساء:
“خرجتُ في لباس صيفي ارتدي بنطلون جينز و حذاء صيفي .عندما كنت في حديقة المنزل، كانت تأمل أن أعود إلى المنزل. عندما رفضت، هددتني أنه إذا ما الححت على الذهاب لن تمكنني من اغراضي و جواز سفري فوجدت نفسي في حديقة البلفيدير بحلول الليل.”
تلقت مكالمة من الكودفوار حيث تكفلت بها مجموعة من الأفارقة القاطنين بتونس.
في احدى المرات، حاولت أن تتقدم بشكوى ضد مشغلها لكن أصدقائها اقنعوها “أنه لا جدوى من ذلك، فما الفائدة من أن تتوجه مهاجرة بدون وثائق ثبوتية إلى الشرطة؟”. حينذاك توجهت إلى سفارتها لكنها لم تجد العون من لدنها. موقع “إنكيفادا” اتصل بدوره بالسفارة المعنية لكنه لم يتلقّ إجابة من طرفها.
في الوقت الذي تستطيع فيه بعض الافواريات أن تتصل بالعالم الخارجي أو بسفارتهن يوم الراحة أو خلال القداس ليس الأمر متاحا للشابات السنغاليات المسلمات اللواتي لا يملكن أي ذريعة لمغادرة المنزل.
حسب السيد فال “بعضهن يدخلن البيت و لا يخرجن منه أبدا، فهنّ لا يعرفن أنّ هناك إمكانية للاتصال بالسفارة إلا إذا ما اتصلن ببلدهن أو عبر أحد معارفهن”.
من الصعب بالنسبة الى هؤلاء الفتايات التوجّه إلى السلطات التونسية خصوصا أنه يتم اتهامهن بالسرقة عندما يعبّرن عن رغبتهن في المغادرة. ففي آخر المطاف، هنّ مجرد أجنبيات في وضعية غير قانونية لا ضحايا يتوّجب حمايتهن.
حسب السيد فال “حملات التضامن تنظم حسب الوضعيات المطروحة فالسفارة لا تملك موارد مالية مرصودة لغايات إجتماعية فنحن نقوم بارسال طلب إلى داكار ونُعوّل على تضامن الجمعيات السنغالية في تونس أو الاخويات لتوفير المسكن لتلك الفتيات. بعد ذلك تأتي مشقة إيجاد الأموال لدفع الغرامات العملية للاقامة غير القانونية للواتي يرغبن في العودة إلى موطنهن.
في خضم ذلك، تقع الفتيات فريسة الشبكات غير القانونية بحكم أن جميع المسالك الشرعية اقفلت في وجوههن.
كي تستطيع إسترجاع جواز سفرها، كانت صوفي مجبرة على العمل لدى أخت مشغلها الأوّل دون إن تتقاضى أجرا لقاء ذلك .بعد ذلك، ألم بها المرض. “قمت بعديد الاتصالات كي أطلب العون فلم أكن أملك مصاريف العلاج فاقترحت علي مشغّلتي أن أعمل مجانا مقابل أن تتكفل بهذه المصاريف “.
انها حلقة لا متناهية من الإبتزاز تدور حول فتيات تحولن إلى رهائن .
عندما انهت علاجها غادرت مجددا ذلك المنزل لتجد عملا في اريانة.
«تعرضت للتحرش من طرف شابين في ذلك المنزل و عندما أخبرت الام طردتني فوجدت نفسي مرة أخرى دون عمل».
بعد أن تعبتْ من العمل دون أجر وضاقت بها السبل أملا في تحصيل ثمن تذكرة السفر فكرت صوفي في إعلان للبغاء على الانترنت لكنها وجدت الحل قبل ذلك.
الاتّجار بالبشر في تونس
صوفي كانت موضوعا للاستعباد المنزلي و الاتجار بالبشر. لورينا لاندو، رئيسة بعثة المنظمة العالمية للمهاجرين، تعتقد “أن نظام العمل هذا يندرج ضمن استراتجية كاملة و تمشّ منظم حيث أن العديدات يصلن إلى تونس دون حاجة إلى تأشيرة طيلة 90 يوما و أخريات يتمتعن بعقود عمل”.
حسب إيمان نايجا، مساعدة مدير ضمن مشروع مناهضة الاتجار بالبشر في المنظمة العالمية للمهاجرين فإن :
«بعض الفتيات يأتين في إطار عقود مدلسة ويتم استقبالهن في المطار و يحرمن من وثائقهن ويكتشفن أنّ لديهن دين متخلد بالذمة فيكتشفن كذلك أن للواقع وجها أخر ، ما يعني أننا بصدد تمش للاتجار بالبشر مع وجود اشخاص يشكون من سوء المعاملة الجسدية و المعنوية ، خصوصا مع ساعات العمل التي لا تنتهي ودون أن يستطيعوا أن يتلقّوا العلاج إذا ما مرضوا».
كما عرفته المادة الثالثة من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للدول (2000) فإن الاتجار بالبشر يقصد به:
“يُقصد بعبارة (الاتجار بالأشخاص) تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو التسخير أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء”.
بعد أن وقعت على هذه المعاهدة، تعمل تونس منذ سنة 2009 على صياغة قانون وطني بعد أن تم تبنّيه في إجتماع وزاري في ماي 2015 و ينتظر أن يصادق عليه مجلس نواب الشعب.
حسب ألان لقوف، منسقة الدراسة الاستكشافية حول الاتجار بالبشر التي نشرت سنة 2013، تزامن حديث المنظمة العالمية للمهاجرين عن قضية الاتجار بالبشر في تونس مع صياغتها لدراسة حول هذه الظاهرة ، الشيء الذي أثار إستغراب السلطات التونسية و المتدخلين في هذا الشأن .لا يتعلق الأمر بالانكار بل بجهل لمفهوم “الاتجار “.
رغم أن ظاهرة الاتجار بالاشخاص مثلت موضوعا للرصد في تونس إلا أن مكتب مراقبة و مناهضة الاتجار بالاشخاص التابع للولايات المتحدة الأمريكية يقوم كل عام بتصنيف الدول كما هو الحال بنسبة لتونس منذ 2009.
حسب هذه الدراسة، فإن تونس تمثل بلدا تغادر منه ضحايا الاتجار كما أنها تشكل منطقة عبور ووجهة بالنسبة للرجال و النساء و ضحايا الأشغال الشاقة و البغاء.
ظاهرة توجب وجود أسس قانونية
حسب لورينا لندو، تعتبر هذه الظاهرة مستجدة في المقاربة المؤسساتية في تونس.
فبالنسبة اليها، يمكن للقانون أن يعطي اسما لظاهرة ما و أساسا قانونيا لجريمة بما يعنيه ذلك من وضع مسار يُخوّل مساعدة الضحايا. فظاهرة المعينات المنزليات المهاجرات لم تكن لها اجابة قضائية فعندما حاولت احداهن أن تتوجه إلا القضاء لم تفض شكايتها إلى شيء يذكر، لذلك تفضل جل الضحايا المغادرة و “نسيان الاوقات العصيبة التي مررن بها”،حسب ما افادة ألان لقوف.
صوفي لم ترد أن تتقدم بشكاية فقد فضّلت أن ترجع إلى الكوديفوار و ترتاح قليلا قبل أن تستأنف حياتها. لم تستطع هذه الأخيرة أن تستوعب ما حصل لها وهي تهم بالمغادرة. توجهت إليّ متسائلة بشكل ساذج “لمَ الناس قساة إلى هذا الحد “؟