عن أي فصل من القانون الجزائي نتحدّث ؟
يتعلق الأمر بالفصل 230 من القانون الجزائي الذي تختلف نسخته العربية عن الفرنسية. فأمّا بالنسبة الى اللغة العربية فقد جاءت صياغتها كالاتي:
الفصل 230
و أما بالنسبة الى اللغة الفرنسية فقد وردت كما يلي:
Article 230
« La sodomie, si elle ne rentre dans aucun des cas prévus aux articles précédents, est punie de l’emprisonnement pendant trois ans. »
نلاحظ على ضوء ما تقدّم من مقارنة وجود اختلاف في الصياغة بين النسختين العربية والفرنسية من الفصل ذاته. ففي حين تتحدث الاولى عن اللواط و المساحقة تشير الثانية إلى اللواط فقط لكن يجري العمل بالنسخة العربية حيث تجرم كلا نوعي المثلية في القانون التونسي.
لكن ما المقصود بالمثلية؟ هل هو “فعل غير معني بالفصول الاخرى” ؟ للاجابة عن هذه الاسئلة توجَّب مقارنة الفصل 230 مع الفصول الاخرى للحصول على تعريف واض . يتعلق الأمر إذا بكل فعل تم بين شخصين بالغيْن برضاهما في حدود مجالهما الشخصي بما معناه أن نفس الفعل إذا ما تم في المجال العام أو أن أحد البالغين لم يكن موافقا أو أنهما لم يكونا بالغيْن فإن الفصل 230 لا يُطبّق.
«يتعلق الأمر إذن بتجريم فعل بين شخصين بالغين بالتوافق في مكان خاص وهنا تكمن خطورة هذا الفصل حيث يفتح الأبواب على عديد الانتهاكات المتعلقة بحقوق الانسان».
بأيّ معنى يمكن إعتبار هذا القانون منافيا للحريات ؟
كيف يمكن أن نؤكد حدوث فعل جنسي بين شخصين خاصة إذا ما تعلق الأمر بفعل توافقي بين شخصين بالغين في مكان خاص؟ لاثبات ذلك تكمن خطورة وُلُوج المجال الشخصي من طرف السلطات القضائية للقيام بعملها وهو ما يحيل إلى النفاذ إلى أماكن خاصة لاثبات الفعل و هنا يكمن الإنتهاك الاول لحقوق الانسان.
إضافة إلى النفاذ إلى مكان خاص فإن العنصر المتعلق باجراء فحص جسدي للاشخاص المعنيين يعد إنتهاكا للحرمة الجسدية و الكرامة الانسانية في حين أنّ لا شيء يمكنه أن يبرر ذلك .
هل يمكن إعتبار هذا الفصل لا دستوريا ؟
يضمن الدستور التونسي بصريح العبارة عدم إنتهاك الحياة الخاصة بمعنى أنّ الدولة مجبرة على حماية الفضاء الخاص للمواطنين بما في ذلك حياتهم الجنسية فلا يمكن إعتبار أيّا من الحريات أكثر خصوصية منها.
يعتبر الفصل 23 من الدستور التونسي واضحا حول قضية الحرمة الجسدية و الكرامة الانسانية لذلك فإن إجراء إختبار طبي يصبح تعديا على الحرمة الجسدية للافراد، كما أن اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب صلب الامم المتحدة كانت صارمة فيما يتعلق بمثل هذه الممارسات حيث جرّمت منذ أكتوبر 2014 مثل هذا الإختبار الذي يتَوَجّبُ معاقبة من يقوم به.
في مستوى اخر يحيل الفصل المذكور إلى المسّ من مبدأ المساواة الذي أقره الدستور حيث أن جميع المواطنين و المواطنات سواسية أمام القانون دون تمييز لكن هذا المفهوم لم يتم تعريفه بشكل دقيق .
ومعلوم أنّ جميع المنظمات التابعة للأمم المتحدة والمحاكم الافريقية لحقوق الانسان تتّفق على أنّ التصنيف على أساس جنسي يعد شكلا من أشكال التمييز.
أخيرا وبالارتكاز على الدستور ينص الفصل 49 على أنه يمكن أن يكون هناك حد من الحقوق و الحريات بشرط إحترام عنصرين اثنين هما التناسب و الضرورة . من جهة أخرى لا يمكن أن نتحدث عن حد من الحريات إلا بتوفر أربع شروط أولها المس من حرية الأخر و هو ما لا يتعارض مع فعل يقوم به بالغان في مكان خاص حيث لا يمس ذلك من حرية الأخر. وثانيها ألمس من الأمن و السلامة الوطنين أو الصحة العمومية . أخيرا و هذا هو المهم إذا كان هناك تعد على الأخلاق العامة
فيما يتعلق بالفصل 230 يتعلق الأمر بفعل يقوم بها فردان في فضاء خاص يصبح إذا التعلل بالمثلية أمرا غير منطقي إذا ما تعلق الأمر بالاخلاق العامة لكون الفعل وقع في مكان خاص.
من المهم بمكان اثارة نقطة أخيرة تتمثّل في أنّ الفصل 230 من القانون الجزائي يعود إلى سنة 1913 أي أنّ تجريم المثلية يعود إلى فقه القضاء الفرنسي، إذا فإنه عكس ما يروّجه بعض السياسيين و المواطنين بأن ظاهرة المثلية هي ظاهرة مستوردة فإنه من المهم أن نبين أن العقاب هو الذي تم استيراده.