من النجاح إلى الإقصاء: كيف يهدد النظام المعلوماتي والإجراءات الإدارية مستقبل الطلبة في تونس؟

مع انطلاق السنة الجامعية 2025-2026، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة جدل حول نتائج مناظرة إعادة التوجيه الجامعي لدورة مارس بجامعة جندوبة. فقد تحوّل قبول عدد من الطلبة·ـات إلى رفض مفاجئ، بالتزامن مع تصاعد الإحتقان في صفوف آخرين·يات اجتازوا المناظرة التابعة لجامعة قفصة. ليتوجّه عدد منهم·ن إلى الإحتجاج أمام مقر الجامعة.
بقلم | 10 أكتوبر 2025
12 دقيقة
"لا أدري حقًا ما هو مصيري اليوم وإلى أين أتوجه … لقد اجتزت اختبار إعادة التوجيه الجامعي لدورة مارس بنجاح للالتحاق بالمعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بالكاف، وتلقيت إشعار قبولي النهائي على موقع جامعة جندوبة، إلا أنّي فوجئت بعد أيام بتغيير نتيجة مناظرة من مقبول إلى مرفوض، دون أي توضيح لأسباب هذا التغيير. فأصبح مستقبلي الدراسي اليوم رهينة تساؤلات مستمرة حول مسار تعليمي الجامعي·"

يروي سيف الدين خليفة، طالب السنة الأولى تخصص إدارة الأعمال بالمعهد العالي للدراسات التكنولوجية بالكاف، لـإنكفاضة تفاصيل الحادثة التي عاشها رفقة 20 طالبًا·ـة، بعد أن فوجئوا بقرار إقصائهم·ن وتغيير نتائج مناظرة إعادة التوجيه، من 'قبول نهائي' إلى 'رفض' مفاجئ ، دون أي إعلام مسبق أو بلاغ رسمي عن جامعة جندوبة. يذكر أن هؤلاء الطلبة كان من المقرر أن يلتحقوا بالمعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بالكاف بعد اجتيازهم مناظرة اعادة التوجيه دورة مارس 2025.

قام سيف الدين بمراسلة جامعة جندوبة للاستفسار عن أسباب تغيير نتيجة إعادة التوجيه وتزويدها بالوثائق المطلوبة، لكن رغم استكمال جميع الإجراءات لم يتلق أي رد، ما دفعه للتوجّه شخصيًا إلى مقر الجامعة للتقصّي بعد عدة محاولات باءت بالفشل.

أخيرا، أبلغته الإدارة أن قبوله الأول كان نتيجة "خطأ في النظام المعلوماتي"، قبل أن يتم تأكيد رفضه للالتحاق بالمعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بالكاف.

"تمّ حذف اسمي من سجلات معهد الدراسات التكنولوجية بالكاف بعد سحب شهادة المغادرة التي قدّمتها بناءً على إشعار قبولي الأوّل في مناظرة اعادة التوجيه و بطلب من جامعة جندوبة، لأجد نفسي اليوم دون أي انتماء جامعي".

في هذا الصدد، تؤكد عدة شهادات حصلت عليها إنكفاضة أن سيف الدين خليفة ليس الحالة الوحيدة، إذ تجاوز عدد الطلبة المتضررين·ـات 20 حالة.

تقول آمنة (اسم مستعار) وهي إحدى المتضررات من نتائج إعادة التوجيه: "اتصلت بجامعة جندوبة للاستفسار عن بقية إجراءات الترسيم بعد نجاحي في اختبار إعادة التوجيه، فأكد لي أحد الإداريين عبر الهاتف أن الإشعار الذي تلقيته على موقع الجامعة بـ'مقبول' يُمثّل النتيجة النهائية. غير أنّه، وبعد أن توصلت مع زميلته لاستكمال الإجراءات وأخذ بياناتي الشخصية، فوجئت بالموظفة تخبرني بأنني 'مرفوضة' وأن ما حصل ناجم عن خطأ في النظام المعلوماتي للجامعة، قبل أن تُنهي المكالمة بشكل مفاجئ. ورغم محاولاتي المتكرّرة لإعادة الاتصال، لم أتمكّن من الوصول إلى أي مسؤول".

ورغم محاولات آمنة المتكرّرة لتقديم مطلب اعتراض رسمي، كانت تُواجَه في كل مرة بردّ من المسؤولين مفاده أنّ "لا جدوى من هذا المطلب"، مبرّرين ذلك بانعدام أي حلّ متاح.

جدير بالذكر أنه بعد قبول الطالبة ونجاحها في اختبار الالتحاق بالمعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بالكاف، تم إصدار شهادة التعيين الخاصة بها، وهي وثيقة تُسلم للطالب·ـة بعد النجاح في اختبار إعادة التوجيه الحصول على شهادة المغادرة من الكلية السابقة. ورغم حصولها على الدرجات المطلوبة في الفصل الدراسي الأول، لم تتمكن من استكمال دراستها في كليتها الأصلية بعد نجاحها في مناظرة إعادة التوجيه، ما أدى إلى رسوبها وحرمانها من متابعة مسارها الجامعي.

أخطاء تقنية أم سوء تسيير؟ وراء كواليس حادثة إعادة التوجيه

أصدرت جامعة جندوبة بلاغًا رسميًا نشر على موقعها بعنوان 'مناظرات إعادة التوجيه الجامعي دورة مارس 2025'، جاء فيه أهم المعلومات عن شروط المناظرة، كما أعلنت عن توفر 82 مقعدًا. وقد اجتاز الاختبارات في النهاية 178 طالبًا وطالبة. وعند صدور القائمة النهائية، تم الإعلان عن قبول 66 طالبًا·ـة فقط، مع إقصاء 20 آخرين رغم أنهم تلقوا إشعار القبول النهائي وذلك من دون أي بلاغ رسمي.

قامت إنكفاضة بالتواصل مع رئيس جامعة جندوبة، هشام السبيعي، بعد عدة محاولات للاستفسار، إلا أنّه أقرّ بعدم اطلاعه على الموضوع وعدم درايته بتفاصيله، قبل أن يُنهي المكالمة ويمتنع عن الإدلاء بأي تصريحات إضافية. ورغم المراسلات الرسمية التي وُجهت إلى الجامعة للمطالبة بتوضيحات بناءً على طلب رئيس الجامعة، لم نتلق أي رد حتى نشر هذا المقال، ما يثير تساؤلات حول مدى شفافية الإجراءات المتبعة.

في المقابل، صرح مصدر مطلع من المعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بالكاف لإنكفاضة، أنه لم يتلقَّ أي شكايات بخصوص هذه الواقعة. وأوضح أنّ هذه السنة كانت استثنائية في تنظيم اختبار إعادة التوجيه لدورة مارس، مؤكدًا أن جميع الإجراءات والتنظيمات كانت تحت إشراف جامعة جندوبة مباشرة، خلافًا للمعتاد، وأن المعهد لم يتولّ إجراء الاختبارات أو الاطلاع على النتائج هذه السنة.

لكن وفقًا لتصريحات الشهادات التي حصلت عليها إنكفاضة، نفى كل من سيف وآمنة ما ورد عن الجهات الرسمية. تقول آمنة أنها تواصلت مع رئيس جامعة جندوبة ومدير معهد العالي للرياضة والتربية البدنية بالكاف، غير أن محاولاتها المتكررة للحصول على إجابة مقنعة لم تُثمر أي نتيجة.

"عندما استعرضت شهادة التعيين التي تحصلت عليها من جامعة جندوبة بعد إشعار القبول النهائي، أكّد لي رئيس جامعة جندوبة آنذاك أن الخطأ وقع في النظام المعلوماتي، وأنني لست الوحيدة المتضررة، إذ شمل الخطأ 20 طالبًا. وأضاف أن النظام كان من المفترض أن يقبل 85 طالبًا، لكنه اقتصر على قبول 63 فقط، مشيرًا إلى أنه لا يمكن تدارك الوضع أو إيجاد حل لهذه المشكلة"، تروي آمنة.

 وفقًا لتصريح أحد المسؤولين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فإن جميع الإجراءات والإشراف على مثل هذه العمليات يقع ضمن مسؤولية جامعة جندوبة مباشرة، مؤكّدًا أنّ الوزارة لا دخل لها بمناظرة إعادة التوجيه.

'تكرار الروايات' و 'أخطاء النظام' ما الذي يحدث في نتائج إعادة التوجيه؟

لم تكن هذه الحادثة المناسبة الأولى لحصول الإشكاليات المتعلقة بالنظام المعلوماتي والإدارة الجامعية التي تواجه الطلبة في تونس. إذ دخل عدد من الطلبة الذين اجتازوا اختبارات إعادة التوجيه لدورة مارس 2025 للالتحاق بالمعهد العالي للعلوم الإجتماعية والتربية بقفصة والمعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بقفصة في اعتصام مستمر منذ أكثر من شهرين أمام مقر الجامعة، على خلفية إلغاء مناظرة إعادة التوجيه. وشمل الاعتصام عددًا من الطلبة والطالبات من مختلف الولايات التونسية رفقة أوليائهم·ن.

جاء هذا الإعتصام على خلفية اعتراض الطلبة على نتائج مناظرة إعادة التوجيه لدورة مارس، بعد أن اجتازوا الاختبارات بنجاح، إلا أن جامعة قفصة أعلنت عن وجود خطأ في نسبة قبول المترشحين·ـات.

في البداية، نشر المعهد العالي للعلوم الاجتماعية والتربية بلاغًا يقضي بقبول 141 طالبا·ـة بعد اجتياز الاختبار الكتابي، إلا أنه أعيد النظر في القائمة ليقتصر القبول على 70 طالبا·ـة فقط بسبب محدودية الطاقة الاستيعابية، وفقًا للائحة النهائية للطلبة المقبولين في مناظرة إعادة التوجيه. وقد جاء ذلك في البلاغ الرسمي المنشور في 27 جوان، متعللين بالمرسوم عدد 5 لسنة 2019 الذي يحدد الطاقة الاستيعابية للمعهد في حدود 15%.

وقد وضع هذا القرار عائقًا أمام عدد من الطلبة·ات، حيث أدى إلى سحب شهادة المغادرة من مؤسساتهم الجامعية الأصلية، فيما تخلف آخرون عن اجتياز دورة التدارك، نظرًا لنجاحهم مسبقًا في اختبارات إعادة التوجيه.

وبحسب رئيسة فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بقفصة، عفاف زروڤ، في تصريح إذاعي فإن "هذا العام هو الثاني على التوالي الذي يُحرم فيه الطلبة من حقهم في التعليم. يهدف هذا الاعتصام إلى ضمان حقهم في التعليم وتفعيل حقهم في اجتياز المناظرة الوطنية التي نجحوا فيها على المستوى الوطني. وكان من المفترض أن يلتحق الطلبة بمقاعدهم الدراسية في بداية السنة الجامعية الجديدة، إلا أن غياب الحلول وتكرار الوعود لأكثر من شهرين حال دون ذلك".

وفي هذا الصدد، أكدت زروڤ أنها ستتابع الملف إلى حين صدور أي تطورات على المستوى القانوني والإداري. وفي السياق نفسه، لجأت مجموعة من الطلبة·ات المقصيين·ات في المرة الأولى إلى المحكمة الإدارية، التي أصدرت حكمًا قضائيًا لصالحهم، إلا أن إدارة جامعة قفصة لم تلتزم بتنفيذه. وفي وقت لاحق، تم فض الاعتصام بعد تدخل والي قفصة، مع وعود بتنظيم لقاء مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي.

في المقابل، أفادت مديرة الشؤون الأكاديمية والشراكة العلمية بجامعة قفصة، نجاح علوي، في تصريح إذاعي، بأن "الجامعة تلقت إشعارًا من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي يفيد تجاوز العدد المسموح به بنسبة 15% من طاقة الاستيعاب". وأشارت إلى أن الجامعة تجري حاليًا التشاور مع سلطة الإشراف لتجاوز الإشكال، بما يضمن مصلحة الطلبة والجامعة على حدّ سواء ويفيد نفس المصدر أنه وقع تنزيل توضيح بموقع الجامعة واستدعاء بعض الطلبة·ات الناجحين·ات في مناظرة إعادة التوجيه وإعلامهم.

لا تخفى أوجه الشبه بين هذه الانتهاكات والتعدّي على حق الطلبة في التعليم، المضمون دستورًا وقانونًا، والتي تكشف هشاشة المنظومة الجامعية والإدارية التونسية. ففي دورة التوجيه الجامعي لبكالوريا 2025، تم اختراق المنظومة المعلوماتية لوزارة التعليم العالي وتغيير اختيارات التوجيه الجامعي لما لا يقل عن 12 تلميذًا وتلميذة.

وتُبرز هذه الحوادث ضعف النظام الرقمي والمعلوماتي والإداري، وتقاعس بعض المسؤولين عن تحمل مسؤولياتهم، وحجم الانتهاكات التي تهدد مستقبل الطلبة الأكاديمي وتؤثر بشكل مباشر على حقوقهم المشروعة في التعليم، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة المنظومة الجامعية على حماية مصالح الطلاب وضمان نزاهة العملية التعليمية، ليظل في النهاية مستقبلهم الجامعي مجهولًا بين فقدان فرص التكوين الأكاديمي وصعوبة استعادة مقاعدهم الدراسية.

Inkyfada Landing Image

منصة إعلامية مستقلة في طليعة الابتكار التحريري

أنشئ حسابك الآن وتمتع بميزات النفاذ الحصري ومختلف الخاصيات المتقدمة التي توفرها لك. تحصّل على عضويتك وساهم في تدعيم استقلاليتنا.

منصة إعلامية مستقلة في طليعة الابتكار التحريري. تسجيل الدخول