في نفس الموضوع
بعد ستة أسابيع من ذلك، تمت المصادقة بشكل رسمي على المهمة المناطة بعهدة أحمد حشاني من خلال الأمر عدد 591 الصادر بالرائد الرسمي، والذي ينص على إجراء "تدقيق شامل لمختلف الانتدابات وعمليات الإدماج التي تمّت منذ 14 جانفي 2011 إلى غاية 25 جويلية 2021" داخل مختلف هياكل الدولة ومنها البنك المركزي التونسي... أين شغل أحمد الحشاني منصب مدير الموارد البشرية والتكوين إلى حدود سنة 2018.
كمال كمون كان هو الآخر يعمل في البنك المركزي في نفس تلك الفترة. هذا المهندس المتقاعد اليوم والناشط النقابي منذ زمن، أمضى جزءا كبيرا من مسيرته المهنية في التنديد والإبلاغ عن حالات الفساد التي شهدها في البنك المركزي التونسي. غير أن التزامه ذاك كلّفه غالياً مثلما حدث خلال 2014، عندما هزت قضية داخلية أركان البنك.
يعود أصل الحكاية إلى مناظرة نظمها البنك المركزي لانتداب أعوان جدد في الإعلامية. وُجهت آنذاك أصابع الاتهام إلى إطار في البنك يشتبه في كونه قد أدخل زوجته في المناظرة وأخفى صلته الزوجية بها بكل ما قد يعنيه ذلك من تضارب مصالح محتمل. لم تتأخر البيانات النقابية في الصدور، ففتحت الرقابة العامة للبنك تحقيقا وضع الإصبع على خروقات عديدة، وتم استجواب عدد من مسؤولي·ـات البنك، بمن فيهم السيد أحمد الحشاني.
غير أن الملفّ طُمر ولم يُعثر على تقرير مهمة التدقيق لفترة طويلة بعد ذلك، بينما أُزيح المبلّغون·ـات جانباً، بمن فيهم كمال كمون. تحقيق.
مرشّحة مشكوك في أمرها
السنة: 2013 والمكان: البنك المركزي التونسي. تجري الاستعدادات حثيثةً لتنظيم مناظرة لانتداب أعوان في الإعلامية، أكثر من ألف شخص تقدم بترشحه... وكل شيء يبدو - في الظاهر - جاهزاً لضمان حسن سير الاختبارات.
صدرت قائمة الناجحين·ـات في المناظرة يوم 12 جوان 2014 تتقدمها السيدة منال م. في المرتبة الثانية.
منال م. هي إحدى المترشحات للمناظرة وهي أيضا زوجة السيد حمدي الطويل. وهذا الأخير ليس إلا رئيس مصلحة الانتدابات والحركة صلب مؤسسة البنك المركزي. تقتضي القواعد المعمول بها أن يتم الكشف عن صلة القرابة هذه لتفادي أي تضارب في المصالح، غير أن منال م. تقدّمت للمناظرة بلقب أبيها دون أن تصرّح بتلك المعلومة.
سرعان ما خاضت النقابات في المسألة وطلبت عقد اجتماع طارئ مع نائب محافظ البنك في نفس يوم صدور النتائج للتنديد بما أسمته "التجاوزات الخطيرة" التي شهدتها المناظرة بالإشارة إلى مشاركة قرينة حمدي الطويل فيها.
لم يلبث نائب المحافظ آنذاك محمد الرقيق - والذي غادر البنك منذ 2018 وصار يعمل حاليا في القطاع الخاص - أن فتح تحقيقا "بمجرد أن علمت الإدارة بالموضوع".
في حواره مع إنكفاضة، يقول نقابي آخر عن اتحاد الشغل كان حاضرا في ذلك الوقت أنه "في حال إجراء تحقيق داخلي بطلب من نائب المحافظ فإن المدير العام للموارد البشرية هو الذي يجيب على طلبه". ويواصل النقابي: "المدير العام للموارد البشرية في ذلك الوقت كان أحمد الحشاني وكان حاضرا بطبيعة الحال كما هو الشأن في جميع اجتماعات النقابة مع إدارة البنك المركزي".
في تلك الفترة أيضا انطلق من جهته كمال كمون بمعية زميلته نجوى ثابت الكاتبة العامة للمنظمة التونسية للشغل في التحقيق في القضية.
يروي كمون: "لقد أجرينا استقصاءاتنا الأولية واكتشفنا أن السيدة الطويل دخلت المناظرة باستعمال لقبها قبل الزواج والاستظهار بمضمون ولادة لا يذكر زواجها، في حين نص مضمون زوجها على قرانهما الذي يعود إلى سنة 2010". "مما يثبت أن هذا الإغفال أمر متعمد".
يواصل كمال كمون "لنكن على وضوح تام، هذه السيدة لها الحق في الترشح للمناظرة، لكن القواعد الداخلية للمناظرات الوطنية والتشاريع المنظمة لها تفرض على المسؤول أن يصرّح بصلة القرابة ويطلب إعفاءه من مسؤولياته في إقامة المناظرة وتنظيمها".
استطاعت إنكفاضة التواصل مع الشخص الرئيسي المعني بالأمر، حمدي الطويل، الذي قدم من جهته رواية مختلفة. حيث اعترف بأن زوجته شاركت بالفعل مستخدمةً لقبها قبل الزواج "وهذا ليس ممنوعا" على حد قوله. أما فيما يتعلق بمضامين الولادة يوضح الطويل أن زوجته مولودة في فرنسا وأن إدراجها المتأخر في سجلات الحالة المدنية التونسية هو الذي أدى إلى تأخير تدوين عقد قرانهما في تونس.
من جهتها، أصدرت المنظمة التونسية للشغل التي ينتمي إليها كمال كمون ونجوى ثابت بيانا تتهم فيه إدارة البنك بالتكتّم على الملفّ. كما أشارت النقابة إلى أن حمدي الطويل قد هدّد "بكشف العديد من التجاوزات من قبل رؤسائه في محاولة منه للمقايضة وغلق الملف". الأمر الذي ينفيه حمدي الطويل نفيا قاطعا.
بعد بضعة أيام من ذلك جاء تقرير التحقيق الداخلي لينكر هذه التهم ويؤكد على لسان الإدارة التي أجرته أن "شروط الحياد كانت متوفرة بحكم أن المعني بالأمر [أي حمدي الطويل] لم يتدخل مباشرة في أي مرحلة من مراحل المناظرة بشكل يؤثر على النتائج"، وفق ما أورده بيان نشرته النقابة الأساسية لأعوان البنك المركزي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل بتاريخ 16 جوان 2014. لكن المسؤولين أقروا في ذات الوقت بأن الطويل "كان عليه عدم إخفاء المعلومة عن الإدارة".
بسؤاله عن ذلك يشير الطويل إلى أنه قد انسحب بالفعل من دوره في الإشراف على المناظرة، ويؤكد أنه قد أخطر رؤساءه في العمل بنيّة قرينته في الترشّح.
"صرّحت منذ البداية بأن زوجتي سوف تشارك [...] لكن خطئي كان أنني لم أفعل ذلك بشكل رسمي".
بالنسبة للطويل فإن الوضعية كانت بمثابة "المظلمة". يقول مستغرباً "أنا لم أفهم لمَ كل هذه الملاحقة [...] في حين أن عددا من أبناء وأقارب الموظفين في البنك قد شاركوا في المناظرات"، دون أن يرغب في ذكر أسماء بعينها.
بدأت الأجواء في الداخل تتوتّر بين النقابات ومسؤولي البنك الذين نشروا بحسب كمال كمون مذكّرة داخليةً تصف التصريحات لدى وسائل الإعلام بأنها "غير مسؤولة". ويرى كمون أنه كان مستهدفا شخصيا من قبل المؤسسة كونه كشف قبيْل ذلك عن قضية فساد أخرى داخل ودادية أعوان البنك المركزي.
في غضون ذلك، ظهرت بعض المقالات في الصحافة حول الموضوع، وصرّح كمال كمون ونجوى الثابت لدى موقع الصدى في يوم 26 جوان بعزمهما "مواصلة العمل لحماية البنك المركزي التونسي".
يقول كمون "لقد تعرضنا أيضا لانتقادات بشأن تصريحاتنا لدى الصحافة [...] لكن الجانب الإيجابي هو أننا علمنا لاحقا أن المحافظ قد قرر أخيرا فتح مهمة تدقيق وتكليف المراقبة العامة بها".
تدقيق دامغ
تولت المراقبة العامة الملف وأنشأت وحدة تدقيق لتقفي مجريات المناظرة والإختلالات التي شهدتها. وحررت الوحدة تقريرا يزيد طوله عن 60 صفحة تحلّل فيه جميع مراحل المناظرة من مدى احترام إخفاء هوية المترشحين والمترشحات إلى عملية الإصلاح المزدوج.
جاءت الخلاصة صريحةً وميّزت أربعة خروقات على الأقل في سياق هذه المناظرة. فعلى سبيل الذكر نص تقرير التدقيق على عدم الحياد في التعامل مع المترشحين·ـات "إذ بالرغم من توفر الشروط لدى البعض من المترشحين فإن مطالبهم رُفضت دون وجه والعكس بالعكس"، كما أن عدداً من نسخ الاختبارات، إن لم تكن "أغلبها"، لم يتم إخفاء هويات أصحابها على النحو المطلوب.
ووفقا للتقرير، فقد بادرت الجهة المسؤولة عن التنظيم بإخفاء معطيات المترشحين·ـات وبالتالي إخفاء هوياتهم بنفسها بعد أن اكتشفت أن "90٪ من النسخ" لم تمتثل لهذه القاعدة.
وينص التقرير كذلك على أن "رفع سرية الهوية من قبل كل من المترشحين والمنظمين للمناظرة يشكل مخالفة تؤدي إلى إلغاء الاختبارات".
من بين المخالفات الكبرى الأخرى "صلة القرابة المتينة بين أحد أعضاء فريق تنظيم المناظرة" وإحدى المترشحات، أي حمدي الطويل وقرينته منال م. ويشدد التحقيق على أن هذا الوضع "قد شوه [حيادية المناظرة] في حق المترشحين، بغض النظر عن التدابير والإعدادات اللوجستية لها". وهو ما يتناقض في ذات الوقت مع استنتاجات التحقيق الداخلي الذي قامت به الإدارة في البداية والذي قللت فيه من دور حمدي الطويل في الإشراف على تنظيم الاختبارات. علما وأن الأخير يؤكد على انسحابه من مهمة التصليح "لتفادي أي تضارب مصالح".
يخلص مؤلفو تقرير التدقيق إلى أن"هذه المخالفة لوحدها تفسح المجال لإلغاء مداولات اللجنة لأنها تمس من حظوظ كل المترشحين، كون موضوع السياق مناظرةً وليس امتحاناً".
ومن خلال التركيز على ملف منال م. بشكل خاص، كشفت مهمة التدقيق أن المترشحة لم تعدّ حتى مطلب ترشحها بنفسها. "حيث إن المطلب [...] المحرر باللغة الفرنسية مكتوب بخط يد مختلف عن الخط الموجود على نسخة اختبار المعارف العامة".
لدى سؤاله عن ذلك من قبل المراقبين، اعترف زوجها حمدي الطويل بأنه قد "قام بتحرير وتوقيع طلب ترشح زوجته" غير أنه رفض "إدراج ذلك في محضر الجلسة". يقول حمدي الطويل في حواره مع إنكفاضة أنه "ساعدها [أي زوجته] على تحرير رسالة ترشحها" بكل بساطة .
لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، إذ يُشتبه في كون حمدي الطويل قد عمد إلى "تقليد" توقيع زوجته مستعملا لقبها قبل الزواج. وبمقارنة ذلك مع الإمضاء الموجود على نسخة الاختبار يظهر أن منال م. تمضي باستعمال اسمها الأول وليس بلقب ابيها.
مناظرة يجب أن تُلغى وعقوبات جزائية محتملة
يشير تقرير التدقيق إلى أن هذه الوضعية تسفر عن "شبهات تزوير أوراق الاختبارات" وهو ما يمثّل مسألة تقع تحت طائلة القانون الجزائي.
اقترح المراقب العام في تقريره "أن تدرس حكومة البنك إمكانية التتبعات القضائية الإضافية التي تراها الأكثر ملاءمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه وفي حالة اتضاح وجود مرتكبي عمليات التزوير بين صفوف موظفي البنك، واعتبارهم من أعوان الوظيفة العمومية، فإنهم سيكونون عرضة لعقوبات جزائية".
وفي ختام تقريرها تقترح مهمة التدقيق "إلغاء المناظرة باختصاصاتها الخمس" بالنظر إلى "تراكم الاختلالات" فيها. ويذكر محررو·ات التقرير أن هذه المخالفات تؤثر في نفس الآن على كل "حقوق المترشحين ولكن أيضا على حقوق البنك الذي لم يعد متأكدا من مدى حماية مصالحه في وجه هذه المخالفات".
جاء في توصيات المراقبين·ـات كذلك أن يُعاد إجراء مع إعادة ترتيب المصالح المسؤولة عن تنظيمها. لكن لا يبدو أن ذلك قد حدث فعلا إذ أن العديد من الأسماء الواردة بقائمة الناجحين يزاولون أعمالهم في البنك المركزي اليوم، وفقا للمعلومات المتاحة على الإنترنت. علما أن إنكفاضة اتصلت بالعديد من هؤلاء لكنها لم تتمكن من الحصول على أي رد.
أما في ما يتعلق بمنال م. فقد توقفت حياتها المهنية في البنك المركزي التونسي قبل أن تبدأ أصلا. يقول زوجها، حمدي الطويل، لموقع إنكفاضة إنها أُبلغت "شفهيا" من قبل المسؤولين "بأنها لن تكون قادرة على تولي مهامها" على الأرجح بسبب الجدل.
"حتى أنها شرعت في القيام بإجراءات لدى المحكمة الإدارية للطعن في هذا القرار، لكنها لم تتابع القضية لأنها وجدت في نهاية المطاف فرصة أخرى في فرنسا".
أما بالنسبة لحمدي الطويل نفسه فقد واصل مسيرته "بشكل طبيعي" على حد تعبيره. وبعد أن أخذ إجازة غير مدفوعة الأجر لمدة سنتين في أعقاب اندلاع الملف، عاد ليعمل في مصلحة رديفة للبنك المركزي وهو يزاول شغله فيها إلى يوم الناس هذا.
ماذا عن المسؤوليات؟
في ظل هذه القضية التي تتعارض حولها الروايات، حاولت الرقابة العامة في البنك جاهدةً إبراز مسؤوليات كل طرف. إذ أبرزت المهمة ضلوع خمسة أشخاص بشكل مباشر أو غير مباشر في الإشراف على المناظرة: المدير العام للموارد البشرية، مدير تطوير المسار الوظيفي، كاهية مدير تطوير الكفاءات، مدير مصلحة الانتدابات والحركة، ورئيس مصلحة التخطيط الاستراتيجي للكفاءات.
اجتمع كلهم بالمراقبين·ـات وأُدرجت أقوالهم في محاضر. كما يجدر بالذكر أن التقرير يورد أن "المعلومات المجمّعة من المسؤولين الخمسة الأوائل [...] غير متسقة".
جاء في إفادات المسؤولين الخمسة أنهم لم يحاطوا علماً بمشاركة منال م. في المناظرة في نفس الوقت، وذكر رؤساء المصالح وكاهية المدير أنهم قد أبلغوا من جانبهم مدير الموارد البشرية ومدير التطوير الوظيفي بهذه المخالفة.
يضيف تقرير التدقيق منددا : "حتى ولو لم يتم إطلاع المسؤولين الوظيفيين في نفس الوقت على احتمالية عدم احترام مبدأ الحياد [...]، فإنه لم يتم اتخاذ التدابير المناسبة قبل اختتام المناظرة".
يشير التقرير كذلك إلى أن المعنيين لم يرجعوا المحاضر تحمل إمضاءاتهم، باستثناء آمال لعورين التي كانت كاهية مدير تطوير الكفاءات في ذلك الوقت. اتصلت إنكفاضة بآمال لعورين لكنها لم ترغب في الإدلاء بتصريح، متعلّلة بحقها في التحفظ وإحالة صحفيينا إلى مصلحة الاتصال في البنك المركزي. كما اتصل فريق إنكفاضة بالبنك المركزي التونسي الذي لم يتجاوب مع طلباتنا للحصول على معلومات أو إجراء مقابلات على الرغم من تذكيراتنا ومرور آجال الاستجابة.
بالنسبة إلى السيد أحمد الحشاني، فقد تقدمت إنكفاضة أيضا بعدة مطالب لإجراء مقابلة مع رئاسة الحكومة حتى أن فريقنا انتقل إلى مقرّها في عدة مناسبات دون الحصول على رد.
المبلّغون عن الخروقات موضوعون جانباً
لم يحرك المسؤولون ساكنا بالرغم من تعدد الخروقات المذكورة في تقرير التدقيق، ولا المناظرة أُلغيت ولا المعنيون بالأمر عُوقبوا. في يوم 27 جوان، أُعلم كمال كمون ونجوى ثابت بإيقافهما عن العمل "قبل اتخاذ أي إجراء تأديبي" وفق تعبير كمون.
تدخل أعضاء من مجلس النواب في ذلك الوقت بمن فيهم عبد الرؤوف العيادي لصالح كمال ونجوى لدى محافظ البنك المركزي آنذاك الراحل الشاذلي العياري. يستحضر العيادي في حوار له مع إنكفاضة: "لقد ذهبت أنا وزملائي النواب لرؤية المحافظ… وقد أقرّ بالتجاوز قائلا إن المناظرة ستلغى". كما طلب العيادي من كمال كمون "أن يهدئ الوضع طالما أن الإدارة اتخذت الإجراءات اللازمة".
"بعد تلك المكالمة ذهب ظني إلى أن الأمور ستعود إلى مجراها" يقول المهندس المتقاعد بنبرة الإحباط. لكن على العكس من ذلك، مثُل الموظفان أمام المجلس التأديبي في بداية شهر أوت "بناء على قرار مدير الموارد البشرية، السيد الحشاني". وكانت المؤاخذات تشبه ما حدث بعد نشر البيانات النقابية ألا وهي الثلب ونشر معلومات مغلوطة.
يستنكر كمال كمون كذلك كيف أن "إدارة الموارد البشرية سمحت بحضور محام واحد فقط" من أصل ثلاثة محامين كلفهم بنيابته. ويشير كمون إلى تركيبة اللجان المتناصفة المكلّفة بالبت في القضية والتي يرى أنها كانت متحيزة: "بالنسبة للمجلس التأديبي لزميلتي فقد تم تعيين الأعضاء الستة من قبل الإدارة، في حين أن النظام الداخلي يقتضي أن تضم [اللجنة] ثلاثة ممثلين عن الإدارة وثلاثة موظفين يتم انتخابهم". ورداً على ذلك رفض عضوا النقابة حضور اجتماع المجلس وبادرا بمعاينة الخروقات من قبل عدل إشهاد.
ومع ذلك نزلت العقوبة كالصاعقة: خفض الرتبة إلى ما قبل الرفت بدرجة واحدة.
لم تقف الأمور عند ذلك الحد إذ أوشك الموظفان أن يتعرضا للطرد. كما انعقد مجلس تأديبي ثانٍ على الظاهر بناءً على طلب المحافظ الشاذلي العياري. يروي كمون "علمت لاحقا من زملائي أن محافظ البنك المركزي تحدث مع إطارات مصلحة الموارد البشرية لدراسة إمكانية زيادة العقوبة إلى حد الرفت" ويضيف "كما ورد أن المحافظ قد قال: أنا سوف أغادر، لكن أولئك سوف يضايقونكم حقا".
لكن المجلس التأديبي الثاني لم يذهب إلى أبعد من ذلك وتمسّك بعقوبة خفض الرتبة. ومنذ ذلك القرار، "وُضعنا على الرفوف وحُرمنا من كل ما حققناه". تقدم عضوا النقابة بدعوى غير أن الإجراءات القضائية متواصلة منذ عشر سنوات، أولا أمام المحكمة الإدارية التي أعلنت أن القضية لا تدخل في اختصاصها ثم أخيرا أمام الدوائر الشغلية.
في ديسمبر 2023، أصدرت المحكمة حكمها لصالح نجوى ثابت في حين لا يزال كمال كمون ينتظر الحكم الذي من المتوقع أن يصدر في جانفي 2024. يقول "طلبنا خلال شكوانا استئناف رتبنا والانتفاع من التقدم المحرز في مسيراتنا المهنية مع تعويضات مالية متناسبة".
في غضون ذلك، يبدو وكأن ملف المناظرة قد اختفى من الرادارات. في سنة 2020، طلب مرصد الشفافية والحوكمة الرشيدة الذي ينتمي إليه كمال كمون نسخة من تقرير المهمة. لكن الأخير اندهش لإجابة البنك المركزي بأنه ليس بحوزته نسخة منه. "كما طلبنا قائمة الأشخاص الناجحين في هذه المناظرة في تخصصاتها الخمسة، ولا يزال اسم السيدة م. مدرجا عليها".
حتى بعد مرور عقد من الزمان، يرفض المهندس السابق إفساح المجال لطمر الملف. خصوصا وأن تعيين الحشاني رئيسا للحكومة وتكليفه بمهمة "تطهير الإدارة" قد حيّرا ذكريات قديمة في ذهن كمال كمون. تقدم الأخير بمعيّة نجوى ثابت بدعوى في أوت 2023 لدى المحكمة الابتدائية بتونس ضد حمدي الطويل، ونائب محافظ البنك المركزي السابق محمد الرقيق، وكل من سيكشف عنهم البحث.. والأسباب وفيرة: "تضارب مصالح واستخلاص فائدة لا وجه لها" و "التدليس ومسك واستعمال مدلس" و "إعدام ما ثبتت به الجريمة".
لم يرد على كمون أي جديد منذ ذلك الحين، كما أخبرته الفرقة العدلية أنه لم تتم إحالة أي شكاية تحمل رقم ملفه. في بداية ديسمبر، اتصل محاميه السيد العيادي بمكتب وكيل الجمهورية الذي أكد له أنه "سيتم استدعاؤهما عن قريب".
"اليوم عندما أرى رئيس الجمهورية راغباً في تطهير الوظيفة العمومية، فإن قراره يبدو مقتصراً على الانتدابات والأشخاص الموظفين دون مؤهلات كافية، لكن لا يبدو أنه يذكر مسألة المناظرات العمومية المفبركة".
في الوقت الذي نحن فيه بصدد كتابة هذا التحقيق، بلغنا من مصدر داخل البنك المركزي أن لجنةً قد اتخذت من الطابق الثامن من مقر البنك في شارع محمد الخامس مكتبا لها لمراجعة الانتدابات داخل البنوك العمومية. فهل ستذهب هذه اللجنة المنشأة بعد مهمة المراقبة العامة، إلى حد فتح الملفات الشائكة للمناظرات العمومية، وعلى وجه الخصوص تلك المختمرة في أركان البنك المركزي؟