تواصل إبرام عقود نقل الفسفاط عبر الشاحنات منذ 2011 وعلى نطاق أوسع وبكميات ومبالغ أكبر في طلبات العروض لسنوات 2013 و 2017 و 2019. بلغ إجمالي الكمية المطلوب نقلها حوالي 20 مليون طن بقيمة جملية قصوى حسب العقود ناهزت 315 مليون دينار.
من هم المتهمون؟
تعرضت عقود نقل الفسفاط عبر الشاحنات إلى الانتقادات منذ 2014 بعد أن ظهر خصوصا اسم النائب عن حركة نداء تونس (انتقل لاحقا إلى حزب تحيا تونس) لطفي علي حينها في الواجهة كمالك أحد أهم شركات المناولة المتعاقدة. وتضم العقود في الحقيقة أكثر من 20 شركة بمبالغ تعاقدية مختلفة، فيما لم يتم التحقيق سوى مع أربع شركات فقط هم شركة مقاولات لطفي علي التي تحولت لاحقا إلى شركة الأشغال العامة بقفصة وشركة يحي وشركة الإخوة رضواني وشركة قوادرية لنقل البضائع.
في المقابل شملت التحقيقات وزير الصناعة والطاقة والمناجم في حكومة يوسف الشاهد سليم الفرياني، في أعلى الهرم، والذي لا يزال في حالة فرار. أما من شركة فسفاط قفصة فقد أوقف على ذمة التحقيق 8 أشخاص شغلوا مناصب سامية في الشركة أو لا يزالون. يمكنكم النقر على صور المسؤولين لمعرفة تفاصيل العقود التي شاركوا فيها (المناولون) أو شاركوا في تقييمها (مسؤولو شركة فسفاط قفصة).
ماهي مراحل إمضاء عقود نقل الفسفاط عبر الشاحنات؟
يخضع إبرام عقود نقل الفسفاط عبر الشاحنات إلى الأمر عدد 3158 لسنة 2002 المنظم للصفقات العمومية وبناء على فتح طلبات عروض للعموم. قبل إسناد الصفقات تخضع العروض المقدمة من قبل الشركات الخاصة إلى مسار يضم 10 مراحل تنطلق من لجنة فتح العروض وتنتهي بقرار مجلس الإدارة. تمر الموافقة بدراسة العروض من طرف حوالي 50 عضوا إطارا ساميا في الشركة. يتولى مجلس إدارة الشركة فسفاط قفصة النظر في طلبات العروض الواردة من قبل الشركات الخاصة واختيار الفائزين بناء على احترام الشروط القانونية والفنية وتفاضلية الأسعار المقدمة.
بعد قبول أفضل العروض بناء على العروض المالية المقدمة والتثبت من الأهلية القانونية للشركات المتنافسة، تشرف إدارة الشراءات بصفة حصرية على إعداد مشاريع العقود والتثبت في العرض الفني للآليات (الشاحنات وغيرها) المقدمة من قبل المناولين ومدى قدرتها على الإيفاء بتعهداتها في إنجاز الصفقات. تتم المراقبة والتثبت عبر 6 مراحل أساسية قبل الإمضاء النهائي من طرف الرئيس المدير العام لشركة فسفاط قفصة يتم فيها تدارس الجوانب الفنية وإبداء الملاحظات لوكلاء الشركات وتبادل المراسلات.
تطور نسبة العجز في نقل الفسفاط إلى مصانع التحويل بالمجمع الكيميائي التونسي بين سنتي 2019 و 2020
وفق بيانات نشرتها شركة فسفاط قفصة عبر صفحتها الرسمية فإن حاجيات قطاع الفسفاط والأسمدة في تونس تبلغ 6.5 مليون طن سنويا. يتوجب طبقا للالتزامات التعاقدية للشركة نقل هذه الكمية إلى مصانع التحويل الكيميائي بكل من قابس والصخيرة وصفاقس. في المقابل لم تعد سكك الحديد قادرة على نقل أكثر من 2.1 مليون طن سنويا.
تقرّ شركة فسفاط قفصة أن الكميات المستوجب نقلها عبر الشاحنات لسد العجز السنوي في حدود 4.4 مليون طن سنويا. ولكن رغم وجود عقود مناولة لا تلتزم الشركات الخاصة بذلك وعلى الرغم من توفر مخزونات كافية من الفسفاط وفق تأكيد الشركة. حيث لم تتمكن هذه الشاحنات خلال السنوات الـ10 الأخيرة من نقل أكثر من 1 مليون طن سنويا، فقد شهدت مثلا تراجعا من 1.07 مليون طن سنة 2019 إلى 958 ألف طن في 2020 وبنسبة عجز فاقت 78% سنة 2020 مقارنة بـ 75% سنة 2019. أدى هذا العجز إلى تراجع مبيعات الشركة وتفاقم خسائرها بين 2011 و 2019 بما يناهز 603 مليون دينار إجماليا وفق شركة الفسفاط.
من جهة أخرى عرفت سنة 2019 ارتفاع كمية الفسفاط المنقول عبر القطارات مقارنة بالكميات المنقولة عبر الشاحنات بفارق فاق 300 ألف طن. ولكن كمية الفسفاط المنقول عبر القطارات تراجعت على نحو مفاجئ في 2020 بما يقارب 500 ألف طن لترجح الكفة هذه المرة للشاحنات وبفارق بحوالي 150 ألف طن. يتضح من ذلك تراجع حصة نقل القطارات خلال ذات السنة بنسبة عجز بلغت أكثر من 61% مقابل 33% سنة 2019.
يُلخّص المنحنى البياني التقارير الشهرية لكميات الفسفاط التي تلقاها المجمّع من شركة فسفاط قفصة. ويوضح كيف أن نقل الفسفاط بين سنتي 2019 و 2020 لم يكن منتظما بالشاحنات كما بالقطارات. تصل الكميات في بعض الأشهر إلى الصفر أو تكاد تلامسه فيما ترتفع في الشهر الموالي إلى أضعاف الرقم المسجل. يظهر كذلك أن على مدى 24 شهرا بين سنتي 2019 و2020 نُقلت كميات من الفسفاط عبر القطارات أكثر من الشاحنات خلال 8 أشهر فقط أي 1/3 الفترة. يذكر أن سنة 2019 شهدت إمضاء عقود جديدة لنقل الفسفاط عبر الشاحنات بقيمة جملية تتجاوز 230 مليون دينار بهدف نقل كمية قصوى سنوية من الفسفاط تساوي 4.85 مليون طن.
تحصلت إنكفاضة على التقارير الشهرية بناء على طلب نفاذ إلى المعلومة لدى المجمع الكيميائي التونسي بخصوص "التقارير الشهرية لكميات الفسفاط التي تلقاها المجمّع من شركة فسفاط قفصة خلال سنتي 2019 و 2020 عبر الشاحنات من جهة والقطارات من جهة أخرى".
تطور سعر نقل طن الفسفاط وشبهة التواطئ بين المناولين ومسؤولي شركة فسفاط قفصة
يتبين من خلال الأسعار الفردية للطن المنقول عبر الشاحنات لمختلف العقود أن الأثمان عرفت انخفاضا بين سنتي 2013 من 20.997 دت إلى 14.9 سنة 2017 و18.260 على أطول مسلك. يأتي انخفاض الأسعار في الوقت الذي يفترض فيه أن ترتفع الأسعار كما تجري العادة بسبب التضخم المتواصل وانخفاض سعر صرف الدينار مقارنة بالعملات الأجنبية، إضافة إلى إرتفاع أسعار الوقود وأجور اليد العاملة وأسعار قطع الغيار والإطارات المطاطية للشاحنات وغيرها بين 2013 و2017.
نجد في مذكرة الجدوى الخاصّة بإمضاء ملاحق طلب العروض لسنة 2013، أن شركة فسفاط قفصة قد أقرّت أنّ الأسعار تم الاتفاق عليها عبر التفاوض المباشر مع المناولين وعدم اللجوء إلى نشر طلبات عروض جديدة.
"إنّ عدم إعداد طلبات عروض وصفقات جديدة هو بمثابة قطع الطريق أمام مشاركة متعهدين آخرين قد يقترحون أسعارا أقل بكثير من تلك المقترحة. كما يفتح المجال للمناولين المتعاقدين بالتواطؤ في ما بينهم والاتفاق المسبق مع مسؤولي الشركة الفاعلين في مجال الصفقات." يقول أحد المراقبين العموميين خيّر عدم ذكر اسمه في حوار لإنكفاضة.
ويضيف: "ما يدعم هذا الاستنتاج هو تقديم 4 متعهدين نفس السعر تقريبا في طلب عروض 2013 بفارق 2 مليم فقط لثمن الطن الفردي وهي بين 20.997 و 20.999، حيث إن هذا الأخير تمّ احتسابه في جميع عقود 2013".
في المقابل نجد أن سعر طن الفسفاط المنقول عبر القطارات لا يتجاوز 9.5 دينار وفق آخر بيانات الشركة المنشورة على الموقع الرسمي للشركة الوطنية للسكك الحديدية بخصوص نقل الفسفاط سنة 2017.
شملت التحقيقات إلى الآن 16 شخصا، بينهم 9 مسؤولين من شركة فسفاط قفصة ووكلاء أربع شركات مناولة فقط فيما تظهر عقود وتقارير نقل الفسفاط أن عشرات الشركات شاركت في نقل الفسفاط عبر الشاحنات. وفي الوقت الذي يظهر فيه أن التحقيقات تركّز على ظروف إسناد الصفقات عبر جدلية ارتفاع أسعار نقل الشاحنات مقارنة بسكك الحديد واستفادة شخصيات نافذة في الظفر بالعقود، يغيب البحث في مراقبة أداء المناولين والحال أن عجزهم عن نقل الكميات المضمنة في العقود قارب 80% سنة 2020 مثلا.