مَــامَــادُو، لاعب كرة قدم بهويّة مزيّفة في تونس

يستحوذ لاعب وسط الميدان الأيسر ياسين بن محمّد* على الكرة ويسجّل هدفا مشعلا المدارج التّي يتعالى منها هتاف مشجّعي الفريق مردّدين اسمه "بن محمّد! بن محمّد!" إثناءً على براعته. غير أنّ هذا اللاعب وهميّ في الحقيقية، حيث يختفي وراء هويّة ياسين بن محمّد، مامادو *، إفواري مقيم في تونس بطريقة غير شرعيّة.
بقلم | 22 أكتوبر 2020 | reading-duration 15 دقيقة

متوفر باللغة الفرنسية
حسبما يتذكّر، لعب مامادو كرة القدم طوال حياته. ومنذ نعومة أظافره، في ساحل العاج، كان يتدرّب بانتظام مع إخوته أو أترابه. في السّابعة من عمره، التحق بمركز تدريب في بلدة مجاورة. ويقول بكلّ فخر: " إنّها إحدى أفضل الأكاديميات على الإطلاق في إفريقيا". وكان مامادو يتّبع البرنامج التدريبي على أمل أن يصبح لاعباََ محترفاََ مع مواصلة دراسته في نفس الوقت.

كانت الأيّام مرهقة ولا تترك له إلا فسحة قليلة من الرّاحة. يروي مامادو متذكّرا: " لم أكن أخرج سوى مرّة واحدة كلّ أسبوعين لزيارة عائلتي". وكان يحظى بدعم أمّه و أبيه الذين لم يدّخرا جهدا لضمان نجاحه الدّراسي وبدء مسيرته الكرويّة. في سنّ السّادسة عشر، انضمّ إلى فريق الأصاغر للأكاديمية حيث قضّى ضمنه سنتين ونصف " كجناح أيمن تارة وجناح أيسر تارة أخرى". وسرعان ما بدأ ينتقل إلى الخارج مع مدرسته على أمل أن يتمّ اكتشافه وربّما التّعاقد مع فريق بمجرّد إتمام تدريبه.

الحلم : قطر 2022

في عطلة نهاية أسبوع من سنة 2012 قضّاها مع أسرته، ذهب مامادو للعب كرة القدم مع أبناء حيّه. وكان هناك رجل يراقبهم من بعيد. اقترب الغريب من الشّاب في نهاية المباراة مقدّما نفسه كوكيل لاعبي كرة قدم تونسيّ وعبّر له عن استعداده لمساعدته على تحقيق مسيرة مهنيّة واعدة، مؤكّدا " أنت لاعب ممتاز للغاية". غير أنّه وفقا للوكيل، كان على مامادو عدم إهدار الوقت والسّفر إلى الخارج في أقرب فرصة لضمان نجاحه.

ولهذا الغرض، كان على لاعب كرة القدم الشّاب مدّه بـ5000 يورو  بالإضافة إلى اقتناء تذكرة طائرة. شكّ مامادو في إمكانيّة تحيّل هذا الرّجل خاصّة وأنه لم يدفع يوما شيئًا منذ أن بدأ اللّعب على أرض الميدان. كان الشّاب يرغب في إتمام تدريبه وبدء مسيرته الكرويّة في ساحل العاج قبل الانتقال إلى الخارج لإثبات قدراته.

" منذ نعومة أظافري، لم أدفع شيئاً قطّ، حيث كانت الأكاديمية هي التي تتبنّى المواهب الواعدة. كان يتمّ تحمّل كلّ المصاريف، إمّا من قبل الأكاديمية أو الوكلاء الذين كانوا يدعونني أو رؤساء النّوادي. يتمّ التّعهّد بتكاليف لاعب كرة القدم وليس العكس ".

رفض مامادو العرض وعاد إلى الأكاديمية. وبعد مضيّ بضعة أيام، اتّصلت به والدته طالبة منه العودة إلى المنزل في أسرع وقت ممكن. هرع الشّاب عائدا إلى منزل ذويه متوجّسا حدوث أمر خطير. وبمجرّد وصوله، سلّمته والدته تذكرة طائرة نحو تونس. كما أخبرته أنّ الوكيل التونسي قد زارها وأقنعها بأنّه عليه السّفر إلى الخارج لاجتياز اختبارات انتقاء اللاعبين حتّى لو اضطرّت إلى التّداين. وعدها الوكيل بأنّ ابنها سيعود لزيارتها قريبًا وحثّها على اقتناء تذكرة ذهاب وإيّاب إلى تونس.

بذل الشّاب قصارى جهده ليشرح لوالدته أنّ هذه القصة تبدو مريبة، لكن دون جدوى. واعترض قائلا: " أمّي، أنت تعلمين أنّني أطمح إلى تحقيق مسيرة مهنيّة ناجحة هنا في ساحل العاج قبل المغادرة نحو أيّ بلد آخر". فردّت والدته أنّ الأمر قضي وأنّه لا مجال للنّقاش. حدّثها الوكيل عن كأس العالم 2022 وأحاطها علما بأنّ القطريّين بحاجة إلى لاعبين شبّان لتدريبهم وتشكيل فرقهم.

استسلم مامادو وعاد إلى الأكاديمية وبحوزته تذاكر الطّائرة. ولم يكن قادرا على إخبار مدربّيه بالاتّفاق الذي رتّبته والدته. يقول لاعب كرة القدم الذي كان قد تعهّد بالبقاء في المركز  حتّى نهاية تدريبه : " لم يكونوا ليسمحوا لي أبدًا بمغادرة الأكاديمية، لم يكن ذلك من حقّي. لذا لم أقل شيئًا وغادرت سرّا". في ذات اليوم، غادر الشّاب النّادي خفية قاصدا المطار بمفرده.

خيبة الأمل في تونس

حال خروج مامادو من مطار تونس، استقبله وسيط ليقوده إلى حيّ في منطقة أريانة. وبمجرّد وصولهما، دلّه على شقّة وغرفة للإقامة فيها، دون مزيد من التّوضيحات. ويروي مامادو: " كان ينام فيها عشرة أشخاص تقريبا، كلّهم أفارقة جنوب صحراويّين".

أكّد له الرّجل أنّ هذا الوضع مؤقّت وأنّه سيتمّ إيواؤه في مكان آخر قريبًا، غير أن مامادو لم يقتنع " كان من الواضح أنّها عمليّة تحيّل، فبعض الأشخاص الذين كانوا نائمين في تلك الغرفة وصلوا تونس منذ سنتين أو ثلاث أو حتى أربع سنوات". انتابت مامادو مخاوف وبدأ يتصوّر نفسه محبوسا داخل هذه الجدران الأربعة إلى أجل غير مسمّى.

غير أنّ الوسيط وفى بوعده ونقله أخيرا للعيش في شقّة في منطقة المرسى مع          " خمسة أشخاص آخرين وصلوا لتوّهم للأسباب نفسها". وبدأ الشّاب في استعادة الأمل تدريجيّاً. كانوا يتدرّبون في ملعب المرسى في انتظار مزيد من المعلومات حول مغادرتهم إلى قطر والتي كانت مقرّرة في غضون الأسبوع الموالي. كانت الأيّام تمرّ متشابهة، ففي الصباح، يمضي مامادو ورفاقه للعب كرة القدم ثمّ يعودون إلى الشّقة، في انتظار اليوم الموالي، دون  القيام بأيّ نشاط آخر.

في إحدى الأمسيات، اقترح عليهم مامادو الذّهاب للتّنزّه على الشّاطئ والاستمتاع بمنظر البحر الذي ما فتئوا يسمعون عنه منذ وصولهم. ويروي اللاعب: " لدى وصولنا الشّقة، كانت صاحبتها في انتظارنا عند الباب وقد أخرجت حقائبنا". وأخبرتهم أنّ الوسيط قد سدّد آخر دفعة من الإيجار وأنّه عليهم خلاصه بأنفسهم من الآن فصاعدا إن رغبوا في البقاء. حاول كلّ منهم من جهته الاتّصال بالوسيط بغية الاستفسار ولكن دون جدوى حيث أنّه كان يرفض كل مكالماتهم.

استلموا حقائبهم محبطين ولدى فحص محتوياتها، تبيّن لهم أنّه قد وقع تفتيشها والاستيلاء على مدّخراتهم. لم يعثر مامادو على ظرف كان يحتوي على جواز سفره وتذكرة الإيّاب إلى ساحل العاج بالإضافة إلى مبلغ مالي. ووجدوا أنفسهم أمام الأمر المقضي.

" أنا بدون مأوى، نحن بدون مأوى".

وبسبب استعجاله في مغادرة الأكاديمية في ساحل العاج، نسي مامادو أخذ هاتفه. ولم تكن بحوزته سوى أرقام البعض من أقاربه كان قد سجّلها على ورقة خبّأها داخل الظّرف المسروق … وبذلك فقد اللاعب كلّ وسيلة اتّصال بذويه.

يروي مامادو: " قام بعض زملائي بتغيير تذاكر الطائرة وغادروا في اليوم الموالي". لم يكن أحد منهم إفواريّا فكان من المستحيل إيصال الخبر إلى أسرته هناك. انتظر بعضهم الآخر موعد عودتهم وبقوا رفقة مامادو. كانت المجموعة تقضّي أيّامها في التّسكّع في منطقة المرسى ومع حلول المساء، كانوا يتسوّرون المنازل لقضاء اللّيل فوق الأسطح. " كنّا نلتحف بألوح كرتونيّة".

في بعض الأحيان، كانوا يستعملون الغسيل الذي كان يجفّ على سطوح المنازل كبطانيّات مؤقّتة. وكانوا يستيقظون قبل مطلع الفجر ليعيدوا الغسيل إلى مكانه ثمّ يتوجّهون إلى السّوق على أمل العثور على شيء يقتاتونه. لكن، سرعان ما تمكّن بقيّة زملائه من العودة إلى بلدانهم تاركين مامادو يواجه مصيره بمفرده.

كان على الشّاب تدبّر أمره لوحده إلا أنّه لم يكن يعرف أحداً لا في منطقة المرسى ولا في غيرها. كان يقبل بأعمال مختلفة متدنّية الأجر ، كغسل الأطباق في المقاهي والمطاعم. وكان يجمع بقايا أطباق الحرفاء والحريفات قبل تنظيفها ليقتات. في المساء عند غلق المحلّات، كان دائما يتظاهر بالعودة إلى " المنزل" كبقيّة زملائه ثمّ يعود للنّوم على الشّرفة أو داخل المبنى. لكن سرعان ما تمّ اكتشاف حيلته حيث لاحظ أصحاب المبنى وجوده وهدّدوه بإحضار الشّرطة.

لم يكن مامادو على علم بوجود منظّمات غير حكوميّة أو منظّمات أخرى في إمكانها مساعدته على إعادة استخراج وثائقه الرسمية أو الاتصال بأسرته. ولحسن حظّه، توطّدت علاقته بغريب التقاه في الشارع ينوي السّفر إلى ساحل العاج في غضون الأسابيع الموالية.

طلب منه اللاعب زيارة ذويه لإطلاعهم·ـن عن أخباره. " طلبت منه ألّا يخبرهما بظروف عيشي حتى لا أقلقهم·ن". وبفضل هذا الشّخص، تمكّن مامادو من إعادة الاتّصال بأقاربه بعد أن انقطعت أخباره لأكثر من عام.

لاعب كرة قدم بهويّة مزيّفة

بمرور الوقت وبفضل الأعمال المختلفة التي كان يقبل بها، بدأ مامادو يكوّن صداقات. في ذلك الوقت، بدأت الأمور تسير إلى الأحسن حيث انتُدب كحارس شركة وعاد إلى التدريب ولعب كرة القدم مع أصدقاء وصديقات كما وجد مسكنا يأويه في منطقة العوينة.

كان مامادو، وعلى مدار الأسبوع، يصل عمله على السّاعة الخامسة والنصف صباحًا ليفتح المبنى ثمّ يغادر مكتبه على السّاعة السّادسة والنّصف صباحًا للتدرّب لسويعة قبل أن يـ·تصل الموظّفون·ـات ويلاحظوا أو يلاحظن غيابه. وفي المساء، كان ينتقل إلى عمل آخر في حانة حيث كان يشتغل إلى غاية موعد الإغلاق مع منتصف الليل.

" لا يمكن العمل هنا إلا بطريقة غير قانونية. وللحصول على الإقامة، عليك أن تكون إمّا طالبًا أو دبلوماسيًا، ما عدا ذلك، فالأمر مستحيل". بقي حلم استئناف مسيرته الكرويّة رغم هذا يراود مامادو، وكان يجري اختبارات في فرق وطنيّة مختلفة. " كنت أجتاز الاختبارات بنجاح لكنّهم كانوا يرفضونني بما أنّني لم تكن لديّ وثائق هويّة".

بعد مضيّ ثلاث سنوات من وصوله، جاء رجل للقائه بينما كان يلعب بكرة تنس بشطارة على الشاطئ. " أخبرني أنّني كنت ألعب بكرة التنس بمهارة فائقة لدرجة أنه يمكنني ان أصنع المعجزات بكرة قدم". وكان هذا الرجل، وهو تونسي مقيم بالخارج، قد وصل البلاد لتوّه ويطمح إلى أن يصبح وكيل لاعب كرة قدم.

تجاذب مامادو أطراف الحديث معه واصفا له نمط عيشه ومختلف الأعمال الصّغيرة التي كان يقوم بها. غير أنّ الرّجل كانت لديه طموحات أكبر بشأنه وكان يرى أنّه إذا كان يطمح حقا لأن يصبح لاعب كرة قدم محترفا، فعليه التّركيز على مسيرته الرّياضية فحسب. وشرح له الشاب أنه قد حاول بالفعل، غير أنّه لا يمكنه الالتحاق بأيّ فريق نظرا إلى افتقاده لوثائق هويّة. تجاهل الوكيل ملاحظته الأخيرة وأخذه إلى نادٍ لاجتياز اختبارات للانضمام إلى فريق أصاغر.

على عين المكان، لم يمنح الرّجل مامادو فرصة التّعريف بنفسه وقدّمه تحت اسم "ياسين بن محمّد"*. " كنت أقول في قرارة نفسي: 'لكنّه كاذب، هذا ليس اسمي!". ومع ذلك، قرّر مامادو عدم التّفوّه بشيء وكان يشارك في التّدريب دون الكشف عن هويّته الحقيقيّة. ويقول بكلّ فخر " لقد تركت انطباعًا جيّدًا للغاية وشددت انتباه المدرّبين".

إثر المباراة، أخبره وكيله أنّه لا يريد المخاطرة بفقدانه. كان يعلم أنّ مامادو راغب في العودة إلى ساحل العاج للعيش مع عائلته والتّركيز على مسيرته المهنيّة هناك. ولإقناعه بالبقاء، وعده بتدبّر طريقة تجعل منه لاعبا محترفا.

" كان الحلّ الوحيد الذي وجدته هو انتحالي لهويّة ياسين بن محمّد، أحد أقربائه في السّادسة عشر من عمره كما تثبت ذلك أوراقه الرسمية".

وجمّع الوكيل صورة لمامادو ومضمون ولادة ياسين بن محمّد الحقيقي ممّا مكّن مامادو من استخراج وثائق رسمية جديدة وتزوير هويّته.

لم يفَاجأ مامادو من ضرورة تقليل سنّه الحقيقي حيث أنّه حتّى لمّا كان في الأكاديمية في ساحل العاج، كان مدربّه الفرنسي يطلب من اللاعبين الحطّ من أعمارهم على وثائقهم الرّسمية. ويعلّق مامادو قائلا " لاعبو كرة القدم يزوّرون هويّتهم الحقيقية. كلّما كنت أصغر سنًا، زادت فرص انتدابك. وإذا أخبرنا رجل أبيض البشرة، أوروبي، أن كلّ ما يلزمنا هو الحطّ من سنّنا الحقيقي لنجاح مسيرتنا الكروية، فعلينا الإمتثال!".

ياسين بن محمّد، سجلّ بطولات لاعب وهميّ

مع تسوية وضعيّة مامادو القانونيّة، قرّر وكيله إرساله للتسجيل في أكاديمية لإتمام تدريبه قبل انتدابه. وقضّى الشّاب موسما ونصف هناك. يقول مامادو: " عندما كان أحدهم يأتي لمحادثتي، كنت أجيب بالفرنسيّة: "أنا تونسيّ لكنّني نشأت في ساحل العاج لأنّ والديّ كانا يعملان هناك". يواصل الشّاب قائلا: " لم يكن النّاس يبحثون عن تفاصيل أخرى، ثمّ إنّني أبدو وكأنّني من أهالي الجنوب التونسي، قابسي مثلا".

غير أنّ حصول مامادو على هويّة تونسية لم يجنّبه أن يكون عرضة للتّحيّل. بعد إتمام تدريبه، التحق بفريق بعد الاتّفاق مع مدير النّادي. ولم يتحصّل قطّ على عقده. وفي حين أنّه تمّ الاتّفاق على أن يتقاضى قرابة 3000 دينار شهريّا، تخصم منها نسبة لفائدة وكيله، كان يتمّ خلاصه شهرا والتّخلّف في الشّهر الموالي. وبعد مضيّ ستّة أشهر، انتهى به الأمر إلى تعليق نشاطه.

" الفساد مستفحل في كلّ مكان. نحن، الأفارقة جنوب الصّحراويّين، نقبل باللّعب هنا فقط لإثراء سيرتنا الذّاتية، ما يفتح لنا الأبواب على مصراعيها لاستئناف مسيرتنا في الخارج في ما بعد".

لحسن حظّه، كان يمكنه الاعتماد على تبرّعات أنصار النّادي. ويستحضر مامادو : " كان النّاس يأتونني ليهنّئوني على تسجيلي لهدف، معبّرين عن امتنانهم ويهدونني صكوكا مكافأة لي". بدأت أتلقّى الهدايا منذ أن كنت في الأكاديمية حيث كان أنصار النّادي " يشجّعون" المواهب الواعدة. " في الحقيقة، كان ذلك يسمح لهم بالفوز برهانات". وكان يقبل بها في كلّ مرة ما كان يسمح له بتعويض نقص راتبه.

غير أنّ مامادو لم يكن راضيا كل الرّضا عن مسيرته المهنيّة، حيث أنّ لعبه بهويّة مزيّفة كان يحول دون أن تُنسب بطولات ياسين بن محمّد له. وكان الشّاب ينتظر خاصّة التّنقّل إلى الخارج لاقتناص فرصة العودة إلى ساحل العاج. ويشرح قائلاً: " لم يكن لديّ خيار آخر، كانت تلك هي الوسيلة الوحيدة التي ستمكّنني من العودة إلى بلدي يوما ما".

وبمناسبة تنظيم بطولة في الخارج، سنحت له أخيرا فرصة السّفر لمواجهة فريق غينيّ. ويعلن مامادو مفتخرا: " لقد انتصرنا عليهم بالطبع! وكنت أنا الذي سجّل الهدف ضدّ الغينيّين".

" إنّها أحلى ذكرى في مسيرتي المهنية بصفتي ياسين بن محمّد ولو أنّني كنت أودّ رؤية ردّ فعل الجمهور لو سجّلت ضدّ الفريق الغينيّ باسمي الحقيقي وهو من أصل غيني كذلك."

مكافأة لهم، سمح مدير النّادي للاعبي الفريق بالخروج ليلا للاحتفال. وكانت تلك الفرصة التي ينتظرها مامادو منذ أمد بعيد. لم يتردّد دقيقة واحدة وتسلّل عائدا إلى ساحل العاج. " عدت إلى بلدي وكان ذلك كلّ ما أتمنّاه."

استعادة الهويّة الحقيقيّة

فور مغادرته النّزل، اتّصل اللاعب بوالديه ودون إخبار أحد، امتطى حافلة بينما كان فريقه لا يزال محتفلا بانتصاره وكان أمّه وأبوه ينتظرانه على الحدود. تمكّنا بفضل تدخّل علاقاتهما من ضمان اجتياز مامادو الحدود دون مشاكل تُذكر ومن العودة إلى المنزل.

بعد مضيّ أربع سنوات من الاستيلاء على جواز سفره، استخرج مامادو وثائق رسمية جديدة واستعاد هويّته. غير أنّ حلم مواصلة مسيرته الكرويّة كان لا يزال يخامره. ولذا، عمد إلى تصغير سنّه عملا بنصائح أوّل مدرّب له. وبعد عدّة سنوات من الشّقاء، كان يودّ الاستقرار في ساحل العاج مع ذويه. كان يضع مسيرته الكرويّة نصب عينيه ويحلم بارتداء قميص الفريق الذي كوّنه في بداياته وشهد تألّقه. غير أنّ عزّة نفسه كانت تمنعه من الاتصال بالنادي وطلب انتدابه.

بمجرّد استقراره في ساحل العاج، اقترح عليه أحد أصدقائه تأسيس شركة في الخارج. تردّد بعض الشيء غير أنّه رغم ما مرّ به من حوادث مؤسفة، رأى أنّ العرض مغر  وسيمكّنه من الاستقرار بأريحيّة. قبل العرض وغادر ساحل العاج في الأيّام الموالية.

وإثر ذلك، تمّت دعوته من قبل أصدقاء وصديقات مقيمين·ـات في تونس إلى زيارتهم·ـن لقضاء إجازة ببضعة أيّام. ويعلّق قائلاً: " لم أفكّر مطلقًا في العودة إلى تونس باسمي الحقيقي". لم يكن مامادو يخشى توقيفه على الحدود علما أنّ السّلطات لا تأخذ بصمات الوافدين·ـات. وحسب قوله، فإنّ الكثير من الأفارقة والإفريقيّات جنوب الصّحراويّين·ـات الذين واللواتي تمّ ترحيلهم·ـنّ إلى بلدانهم·ـن، عادوا وعدن مرّة أخرى بأوراق هويّة جديدة.

أثناء إقامته الثّانية في تونس، وعلى الرّغم من تغييره لتسريحة شعره ومظهره، تمكّن·ـت بعض المشجّعين·ـات من التّعرّف عليه. " في الشارع، تمّت مناداتي باسم ياسين بن محمّد لكنّني كنت أردّ أنّ ذلك مجرّد تشابه". وحتّى مع استقرار وضعه، لا يزال مامادو متخوّفا من اكتشاف الخدعة.

مع فشل مشروعه، خيّر مامادو البقاء في الخارج*. وبما أنّه لم يكن متحصّلا على أيّة شهادة دراسيّة، عاد مامادو مؤخرًا إلى مقاعد الدراسة لتلقّي تكوين كفيل بضمان مستقبله. " هناك الكثير من المخاطرة في مجال كرة القدم إذ يكفي أن تصاب بكسر ما أو أن تتعرّض إلى أمراض قلبية كي ينتهي أمرك، إن لم تنل شهادة، فإنّك لا تملك شيئا". من المتَوقّع أن يتمّ مامادو دراسته قريبًا، ممّا سيمنحه أخيرا أمل بدء مسيرة رياضية بهويّته الحقيقية. رسميّا على الأوراق لا يبلغ مامادو من العمر سوى 21 عامًا في حين أنّ سنّه في الحقيقة يقارب الثّلاثين.