متوفر باللغة الفرنسية

العمل خلف الشاشة: مدخول شهري بـ3400 دينار لعلياء وبسام



متوفر باللغة الفرنسية

17 جانفي 2019 |
علياء، 34 عاما، متزوجة وأم لبنت عمرها أربعة أشهر. تعمل منذ سنة 2014 كمديرة مجتمع وهي مهنة رائجة في تونس، خاصة مع الانفجار الرقمي الحالي. ترى علياء أن مهاراتها في العمل لا تحظى بالتقدير اللازم في بلادها، لذلك لا تستبعد البحث عن فرصة عمل في الخارج. ويبلغ مدخولها الشهري هي وزوجها 3400 دينار.
"أنت تسخرين منا، تقولين لنا أنك تعملين في حين أنك تقضين كامل وقتك في مواقع التواصل الاجتماعي !". هكذا كان رد فعل المحيطين بعلياء عندما أخبرتهم أنها بدأت العمل كمديرة مجتمع، إذ لم يأخذ أحد عملها على محمل الجد.  

  لكن ومع مرور الوقت، بدأت صديقات علياء وأصدقاؤها وعائلتها يحسون بأهمية هذا العمل وذلك بمعاينتهم اشتغالها في إدارة صفحات فايسبوك أو تويتر  لعلامات تجارية كبرى، وعندها تأكد الجميع من أنها تعيش فعلا من هذه المهنة.

بدأت علياء العمل  في إحدى وكالات الاتصال بأجر لا يتجاوز 800 دينار شهريا، وكانت مطالبة بإدارة حسابات ما بين ثلاثة إلى خمسة حرفاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بمعدل ساعات عمل يتراوح بين 8 إلى 12 ساعة في اليوم على مدار الأسبوع، دون أي يوم للراحة.

"حتى وإن قررت أن تأخذ راحتك الأسبوعية، فإن الحريف لا ينفكّ يتّصل بك"، تقول بأسف. لكن، وعلى الرغم من ظروف العمل الصعبة، بسبب غياب أيام الراحة، وعدم خلاص الساعات الإضافية،  فإن علياء تعتبر أن ذلك "من صميم عمل مديرة المجتمع".

كان هذا منذ أربع سنوات. أما اليوم فقد ارتفع راتب علياء إلى 1400 دينار في الشهر، كما أصبح من الممكن لها العمل انطلاقا من المنزل. لكنها سرعان ما تفطنت إلى سلبيات هذا الوضع الجديد، إذ أنها لا تستطيع مفارقة جهاز حاسوبها، لأنها مشغولة كل الوقت بتلقي اتصالات الوكالة التي تعملها معها، كما أنها تتعرّض لضغوط حرفائها وحريفاتها صباحا مساء.

ورغم حبها لعملها، إلا أن علياء تعتبر نفسها مظلومة ولا تتلقى مقابلا عادلا إزاء شغلها، وهي تأسف لأن لا أحد في تونس يقدر مهاراتها. فعندما كانت تمارس مهنتها كمديرة مجتمع في فرنسا، ما بين 2007 و2009، كانت تتقاضى 2500 يورو في الشهر، دون أن تضطر لتلقي طلبات عدد كبير من الحرفاء، مثلما هو الحال في تونس.

أما  بسام زوج علياء، وهو مهندس إعلامية يعمل لصالح شركة متعددة الجنسيات، فيتقاضى 2000 دينار في الشهر.

هذا الرسم البياني يُلخّص مداخيل ومصاريف الزوجين:

  بعد ولادة ابنتهما، قرّرت علياء أن تنقل مقر عملها إلى منزلها، مما مكّنها من توفير نفقات التنقل في التاكسي والأكل في المطعم والتي كانت تعادل 300 دينار شهريا. حاليا، أصبحت تنفق  70 دينارا في الأسبوع من أجل التسوق وتطبخ في البيت، لتستعمل المبلغ المُدّخر في تغطية مصاريف ابنتها الرضيعة، من حفاظات وحليب ونفقات العلاج عند الطبيب/ة.

مؤخرا تحصّل الزوجان على قرض لشراء سيارة، لكنهما لم يتسلّماها بعد. وفي انتظار ذلك، يضطرّ بسام إلى أخذ الحافلة كل يوم للذهاب إلى العمل ويدفع 5 دنانير يوميا. حرص  بسام وعلياء أن يسكنا قريبا من مكتب هذا الأخير، تحديدا في منطقة سكرة، وهما يدفعان إيجارا شهريا بمبلغ 800 دينار. أما بالنسبة لتكاليف الغداء، فإن بسام يستعمل "تذاكر المطعم" التي يستلمها من عمله، عدا راتبه.

بعد كل يوم عمل، يلتقي الزوجان مساء لتناول القهوة في مقهى قريب من المنزل. وفي نهاية الأسبوع، يمنح بسام وعلياء نفسيهما فرصة للخروج وتناول العشاء مع الأصدقاء والصديقات بميزانية لا تتجاوز الـ50 دينارا أسبوعيا. وبالنسبة للعطل، يذهب الزوجان في عطلة مرتين في السنة، أسبوع في فصل الشتاء وأسبوع في فصل الصيف يُقضّيانها في أحد الفنادق التونسية، مما يكلفهما مبلغ 500 دينار تقريبا.

لشراء الملابس، ينتظر بسام وعلياء موسم التخفيضات، مرتين في السنة. وينفقان كمبلغ جملي لكل العائلة حوالي 1000 دينار.

لكن الزوجين يتوخّيان الحذر في مسألة الإنفاق، كي يتمكنا من مساعدة ذويهما، فعلياء مثلا تدفع ثمن علاج والدها الذي يعاني من مشاكل صحية في القلب. أما بسام فهو مطالب بدفع زهاء 400 دينار كل ثلاثة أشهر كمساعدة لوالديه.

هذه تفاصيل مداخيل ومصاريف الزوجين:

  المنطقة الرمادية  

  في الأشهر الأخيرة، واجه الزوجان مصاريف غير متوقعة اضطرتهما إلى أخذ قروض للإستهلاك، علاوة على قرض السيارة.

هذا ما حصل عند ولادة ابنتهما، ولادة مبكرة، مما استدعى وضعها في الحاضنة لبعض الوقت. المصاريف الإضافية بلغت 1800 دينارا، إلى جانب تكلفة عملية الولادة بمصحة خاصة والتي بلغت 2000 دينارا. "من حسن الحظ، حصلنا على هدايا كثيرة بعد الولادة، لنتمكن من تغطية هذه النفقات"، هكذا صرّحت علياء.

لكن ما زاد الطين بلة، هو أن علياء اضطرت مؤخرا إلى إجراء عملية جراحية كلفتها 3000 دينار في مصحة خاصة، مبلغ ستقوم بتسديده على أربع مراحل. لا تتذكّر الأم الشابة تفاصيل القروض التي تم الحصول عليها، فزوجها هو الذي يقوم بسدادها. لكنها تؤكد أن قيمة المصاريف الشهرية المخصصة لسداد القروض لا تتجاوز 800 دينار شهريا.

وبسبب هذه المصاريف التي تضرٌ بميزانية الزوجين، فإن علياء وبسام لا يستطيعان إنهاء الشهر بدون ديون، حيث يقترضان شهريا ما يقارب 350 دينارا، إما من الأصدقاء أو من العائلة ثم يسددانها تدريجيا.

المستقبل   

  ملّت علياء من الفنادق التونسية، لذلك تأمل في قضاء عطلة خارج تونس. أما زوجها فيأمل في  شراء حاسوب جديد يكون أقوى وأكثر فعالية للعمل، يتراوح ثمنه ما بين 2500 و3000 دينار. لكن ميزانيتهما لا تسمح لهما بتحقيق رغباتهما.

رغم ذلك، فإن علياء لا تحس بالإحباط، حيث تقول لنفسها أنها لو كانت تملك مالا أكثر، فستُنفق أكثر. "يجب أن يتعوّد المرء على العيش حسب امكانياته!"

في بداية السنة، أسّست علياء وكالة اتصال خاصة بها، وهي تنوي أن تستثمر فيها حتى تُحوّلها تدريجيا إلى نشاطها الرئيسي. في هذا الصدد، تقول: "إذا نجح المشروع وحقّق لنا مداخيل معقولة، فإننا سنبقى في تونس، وإلا فإننا سنفكر في الانتقال للعيش خارج البلاد".

فكرة الانتقال إلى الخارج غالبا ما تراود ذهن الزوجين، إذ تخشى علياء وزوجها من أن يفشلا في تحقيق مستقبل أفضل لابنتهما، بمداخيلهما المالية الحالية، ولا ينجحا في شراء منزل. فهما يعتبران أن أوروبا الشرقية أو كندا وجهتان ممكنتان للإستقرار، نظرا لما تقدمانه من فرص عمل. ومع ذلك، فعلياء ليست مقتنعة تماما بمغاردة الوطن، لأنها عانت خلال إقامتها في فرنسا من البعد عن البلد والأهل، ولا تريد أن تعيد التجربة نفسها. "لكن إن اضطررنا لذلك، فلن نتردد"، تؤكد علياء.